أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

المصري اليوم:

«التنافس التعاوني» السيناريو الأرجح لعلاقة واشنطن وبكين 2022

21 ديسمبر، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقال رأي للدكتور عبدالمنعم سعيد، تناول تحديد سيناريوهات العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين في عام 2022. ووضع د. سعيد، ثلاثة سيناريوهات في هذا الصدد (استمرار التصعيد، والحرب الباردة، والتنافس التعاوني)، ومن خلال عدد من المؤشرات والأسباب رجح د. سعيد، السيناريو الثالث «التنافس التعاوني».

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين مزيدًا من التوترات في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب (2016-2020) الذي فعل مع الصين ما لم يفعله رئيس أمريكي من قبل. وكان التحدي هذه المرة ليس الانغلاق الصيني الذي ساد لفترة طويلة أثناء ماوتسي تونج، وإنما انفتاحها على العالم، ثم دخولها بعد ذلك إلى منظمة التجارة العالمية. وفي كلاهما، كانت الصين واقعة تحت لافتة دول العالم الثالث وما توفره لها الاتفاقيات الدولية من امتيازات ومعاملات تفضيلية، نتج عنها تحقيق فائض خرافي لصالح بكين في التجارة الدولية.

ومنذ عام 2003، أصبحت الصين تحقق فائضًا في ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة قدره 500 مليار دولار. وما وُصف بعد ذلك بـ «الحرب الباردة الجديدة» بين الصين والولايات المتحدة كان في جوهرها سياسة ترامب التي تريد وضع بكين والتعامل معها في النظام الاقتصادي العالمي بما يحقق المصلحة الأمريكية ودول العالم معها. وفي ديسمبر 2019، توصل ترامب إلى الاتفاق المتكافئ الأول مع الصين، وفي الوقت نفسه كان قد نجح في تحقيق جذب للاستثمارات الأمريكية في الصين لكي تعود مرة أخرى أو على الأقل تكون توسعاتها التالية داخل الولايات المتحدة وليس خارجها.

والأهم من ذلك جاء مع انتشار وباء كورونا عندما ظهر المدى الذي وصلت إليه الصين في احتكار سلاسل التوريد الأساسية للصناعات في العالم. ولم يكن الرئيس الأمريكي يعطي الصين فرصة لكي تكون دولة عظمى كما شاع، وإنما كان يروض السلوك الاقتصادي الصيني الذي جاء على حساب الكثير من دول العالم. واستنادًا إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للدولتين يتقارب يومًا بعد يوم، وفي الوقت الراهن فإنه بالحساب استنادًا إلى القوة الشرائية للدولار الأمريكي، فإن الناتج الصيني يتفوق على نظيره الأمريكي. وبالنظر لمعدلات النمو الراهنة، فإن الصين في طريقها إلى مزيد من التفوق، خاصة بعد اختراق مجالات الثورة الصناعية التكنولوجية الرابعة.

والنمط الذي يدور في تفاعلات القطبين يشير إلى تنافسهما، والولوج من المنافسة إلى الحرب التجارية والاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي، والسياسية بالعقوبات الأمريكية على حلفاء للصين مثل كوريا الشمالية وإيران. لذلك تبدو المنافسة وكأنها تدور حول التجارة، ولكنها استراتيجية أيضاً حول السيطرة والنفوذ في العالم. وفي ظل الوباء العالمي، تبادلت الصين والولايات المتحدة الاتهامات حول المسؤولية عن تفشي جائحة كورونا التي وقعت وألمت بالبشرية.

وإجمالاً، يمكن الحديث عن سيناريوهات ثلاثة بشأن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين خلال عام 2022، وهي تتحدد في التالي:

السيناريو الأول: «استمرار التصعيد»

بينما ظهر التنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا من جديد مع العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، كان تنافس آخر يجري بين واشنطن وبكين. والتنافس الأول في جوهره استراتيجي، ومسرحه أوروبا والشرق الأوسط، بينما الثاني يبدو اقتصادياً ويدور حول التجارة، ولكنه هو الآخر استراتيجي يتعلق بالسيطرة والنفوذ في العالم. فالتنافس يدور بين ثلاث قوى؛ هي الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تزال نظرياً القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم، وروسيا التي وإن كانت قدراتها الاقتصادية متواضعة، فإن لديها أكثر من 9000 رأس نووية تكفي لتدمير الكرة الأرضية عدة مرات، كما أن لديها مجالات متميزة للتفوق التكنولوجي في السلاح والفضاء. والقوة الكبرى الثالثة هي الصين التي ليست لديها قوة اقتصادية جبارة فقط، ولكنها أيضاً القوة الواعدة من حيث معدلات النمو والتكنولوجيات الحديثة. فلأول مرة في التاريخ البشري، أصبح بمقدور الصين منافسة الولايات المتحدة في بعض مجالات التطور التكنولوجي.

وفي عهد الرئيس الحالي جو بايدن، تحول تركيز الولايات المتحدة من الشرق الأوسط إلى آسيا لمواجهة قوة الصين الصاعدة، في منافسة جيوسياسية شديدة. ويحاول بايدن تحقيق توازن في ميزان القوى الآسيوي من خلال تنسيق سياسات القوى الكبرى في المنطقة، وجلب الهند إلى التحالف معه، وبناء قدرات أستراليا في عناصر القوة. وجرت تطورات في منطقة المحيطين الهندي والباسيفيكي، وما بدا كما لو كان هناك تحالف جديد يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا. وقام التحالف، أو ما بدا كذلك، على فض اتفاق بين أستراليا وفرنسا على بناء غواصات، واستبدالها بغواصات أخرى تُدار بالطاقة النووية من قِبل الولايات المتحدة. وهذه الخطوة قادت إلى نوعين من الاستنتاجات هما:

1- إن هذا التحالف بالضرورة يعني نوعاً من الإحاطة بالصين وتهديدها باعتبار ذلك هو التحول الجديد في العلاقات الدولية، حيث أصبحت بكين قطباً آخر يواجه واشنطن. كما بدت الخطوة امتداداً لتحركات إدارة الرئيس بايدن والتي بدأت بحديثه في منتدى مجموعة الدول السبع الاقتصادية، ولم تنتهِ مع كل اللقاءات التي جرت بعد ذلك ثنائية أو متعددة الأطراف، وسواء كانت لها علاقة بالاقتصاد أو الأمن. وفي لحظة من لحظات الإدارة الأمريكية، فإن تلك الخطوة كانت تعني أن أقوال الرئيس بايدن عن قيادة العالم مرة أخرى تدور في اتجاه مواجهة الصين بعد أن أسفرت أزمة كورونا عن صعود كبير للدولة الصينية في مجالات كثيرة على مستوى العالم، من خلال مبادرة الحزام والطريق، أو على المستوى الإقليمي لبحر الصين الجنوبي الذي أقامت فيه بكين عدداً من الجزر الصناعية التي خلقت إشكالية كبرى في مجال تحديد مدى البحر الإقليمي الصيني أو المنطقة الاقتصادية الصينية الخالصة. ولم يكن يقل عن ذلك أهمية أن الصين أصبحت أكثر اهتماماً بأفغانستان في أعقاب الخروج الأمريكي منها، ونشطت الدبلوماسية الصينية لإقامة ائتلاف بين دول الجوار مكون من روسيا وباكستان وإيران مع الصين للتعامل مع الظروف المضطربة للحالة الأفغانية.

2- إن التحالف في منطقة المحيطين الهندي والباسيفيكي هو تركيبة أخرى من تحالف الدول الأربع أو «كواد» والذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند؛ وذلك في ارتباط لم يترك كثيراً من الغموض أنه يرسل رسالة محذرة للصين، فضلاً عن تحالف «العيون الخمس» الأنجلو ساكسوني الذي يضم أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والمملكة المتحدة ونيوزيلاندا. وكل هذه التركيبات من العلاقات الاستراتيجية تقود، على الأقل في جانب منها، إلى وجود حالة جديدة من التوتر الدولي بين العملاقين الأمريكي والصيني. وهو توتر له طبيعة أمنية واستراتيجية ربما لا يصل إلى ما كانت عليه الأوضاع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في عصر الحرب الباردة، ولكنه يحمل صورة منها تفرض اختيارات صعبة على دول العالم بين بكين وواشنطن.

وما أضاف حطباً إلى جذوة الحريق هذه، تراكم أشكال من التوترات بين واشنطن وبكين، كان منها المسؤولية عن فيروس كورونا، واكتشاف القدر من الهيمنة التي تتمتع بها الصين في مجال سلاسل التوريد، فضلاً عن الآثار السلبية للمرونة الصينية في العلاقات الدولية عامة حينما أقامت علاقات وثيقة مع إيران التي لها فصل آخر من التوتر يتعلق بالسعي لإنتاج السلاح النووي.

والتطورات السريعة التي جرت في أعقاب الطلقات الأولى للمواجهة «الأمريكية- الصينية»، جاءت أولاً بالتعامل الأمريكي مع فرنسا، التي عبّرت عن غضبها الشديد من «الطعنة الأمريكية في الظهر» باختطاف صفقة الغواصات النووية، بأن جرى اتصال تليفوني ثم لقاء بين الرئيسين الأمريكي بايدن، والفرنسي ماكرون، وقام الأخير بإرسال السفير الذي جرى سحبه تعبيراً عن الغضب، وبعدها تبادل الرؤساء كلمات طيبة. وجاءت ثانياً بمكالمة تليفونية أيضاً بين الرئيسين الأمريكي بايدن، والصيني شي جين بينغ، وبعدها أعلن الطرفان أن الاقترابات الجوية الصينية من تايوان سوف تلتزم بما جرى عليه العرف والتقاليد والاتفاقيات التي تستند إليها. وفتحت هذه «الدبلوماسية التليفونية» الأبواب لسلسلة مجموعة كبيرة من الاتصالات والاجتماعات الأمريكية – الصينية، تتناول العديد من القضايا المشتركة. وباختصار، كان الاعتماد المتبادل الصيني- الأمريكي يعود بالحالة الدولية بعيداً عن مواقع خطر الانزلاق إلى ما يضر الدولتين.

السيناريو الثاني: «الحرب الباردة»

بات سائداً في الأوساط الإعلامية والسياسية الاستقرار على حالة «الحرب الباردة الجديدة» باعتبارها الإطار الذي يفسر العلاقات الصينية- الأمريكية. والحقيقة أن هذه العلاقات تختلف كلية عما كان عليه الحال في العلاقات الأمريكية- السوفييتية التي كان التهديد فيها عسكرياً وأيديولوجياً، وكلاهما ليس موجوداً في الحالة الصينية. فالولايات المتحدة عسكرياً أصبحت القوة الأولى في العالم، وبالرغم من أن لا أحد يعرف متى تلحق الصين بهذا السباق، فإنه في الوقت الراهن لا توجد مواصفات توازن الردع النووي الذي كان سائداً في الحرب الباردة السابقة. والمؤكد أنه لا توجد رسالة فكرية أو نظرية تقدمها الصين للعالم حول الوجود والنظام العالمي الأمثل، فلا يوجد الآن لا لينين ولا ستالين ولا ماوتسي تونج، ولا يوجد في العالم الآن من يخرج في تظاهرات ترفع صور القائد الصيني شاي جين بينغ أو تضعه فوق الصدور.

والحقيقة أن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة لا تسير في اتجاه «الحرب الباردة الكلاسيكية»، ولا هي تسير في اتجاه ما سُمي في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي بـ «الوفاق» الذي عرّفه عالم السياسة ووزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كيسنجر، بأنه «إدارة العلاقات المتخاصمة بين بلدين». ولكنها نوع جديد من العلاقات الدولية يجمع بين «القوة» و«الاعتماد المتبادل»، وهي علاقة بشّر بها عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي في سبعينيات القرن الماضي، حيث يحاول كل طرف من أطراف العلاقة زيادة قوته من خلال تعزيز الاعتماد على بعضهما البعض. وهذا النوع الجديد من العلاقات الدولية يتطلب المزيد من التفكير والحساسية في التعرف على المزايا التي يتمتع بها كل طرف متفوقاً على الطرف الآخر، بحيث تُستخدم أحياناً للضغط عليه.

السيناريو الثالث: «التنافس التعاوني»

في هذا السيناريو، يصك العالم جوزيف ناي تعبيراً جديداً يُضاف إلى ترسانته من التعبيرات ومفاده أن الصين والولايات المتحدة كلاهما أصبح مرتبطاً بالآخر في إطار علاقة يُسميها «التنافس التعاوني» أو «Cooperative Rivalry»، وهي تتطلب استراتيجيات تسعى إلى تحقيق ما هو متناقض؛ التنافس والتعاون. وفي كلاهما، فإن ناي يقدم مجموعة من الأفكار، منها المُضي قُدماً في تقوية المزايا التكنولوجية للولايات المتحدة من خلال البحوث والتطوير؛ وفي المجال العسكري إعادة هيكلة القوة العسكرية لكي تستوعب التكنولوجيات الجديدة وتقوية التحالفات التاريخية.

وفيما يتعلق بالمجال الاقتصادي، يبدو وكأنه المجال التقليدي للاعتماد المتبادل سواء كان ذلك فيها يتعلق بالعملة الأمريكية أو التجارة أو حتى التداخل في أشكال كثيرة من التكنولوجيا. كما أصبحت سلاسل الإمداد الصينية ضرورية لفرص تحقيق انتعاش اقتصادي كبير في أعقاب احتواء أزمة كورونا، بحيث يعوض التراجع الكبير إبان الأزمة في الولايات المتحدة والتي يريد الرئيس بايدن إشهار تجاوزها صحياً واقتصادياً.

وتعد الدعوة في واشنطن، والحديث لجوزيف ناي، إلى فك الارتباط مع الصين أو «Decoupling»، نوعاً من «الحماقة ذات التكلفة العالية»، وليس متوقعاً أن تفعل ذلك دول أخرى؛ لأن للصين علاقات تجارية مع دول العالم أكثر مما لدى الولايات المتحدة. وأكثر من ذلك، فإن الدولتين مترابطتان بملايين من العلاقات والروابط الاجتماعية، ومن المستحيل فك الارتباط القائم على مكافحة الأوبئة والتغيرات المناخية.

هنا كما كان قبل نصف قرن، فإن الاعتماد المتبادل على تعقيده وما يدعو له من حذر، فإنه في ذات الوقت يخلق مجالات جديدة لممارسات وعلاقات القوة. وفي هذا الإطار، يمكن تفهم التقارب مع اليابان والهند؛ لأنه يحافظ على توازن القوي في آسيا، وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهل علاقات القوة القائمة على اعتماد متبادل في المجالات الاقتصادية والعابرة للدول بشكل عام. ويقول ناي إنه إذا مست الولايات المتحدة هذه المجالات فإنها سوف تقاسي. وعلى المستوى الكوني، فإن مكافحة الأوبئة والتغير المناخي والتعامل مع الإرهاب ومنظماته العابرة للقوميات، لا يمكن لدولة وحدها أن تعالجه، مع العلم أن الصين هي الأعلى في مجال الانبعاثات الحرارية والكربونية. وقد تعهدت الولايات المتحدة والصين بالكشف عن أهدافهما لانبعاثات عام 2035 في عام 2025، والاتفاق على تعزيز التحرك حيال المناخ.

في الختام، واستناداً لكل ما سبق، فإن المرجح هو أن عام 2022 سيشهد مأسسة اتجاه «التنافس التعاوني» بين واشنطن وبكين، وبينما يكون التعاون بينهما في المجالات الكونية (مواجهة الاحتباس الحراري والأوبئة، ومنع انتشار الأسلحة النووية)، فإن التنافس سيقع في منطقة بحر الصين الجنوبي، وإلى حد ما في منطقة الشرق الأوسط فيما يتعلق بإيران.

*لينك المقال في المصري اليوم*