أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

درس التعافي:

كيف يتجنب النظام الاقتصادي العالمي أزمةً مالية جديدة؟

18 سبتمبر، 2018


عرض: رغدة البهي، مدرس العلوم السياسية المساعد، بجامعة القاهرة

قطع الاقتصاد العالمي أشواطًا طويلة منذ الأزمة المالية العالمية التي أصابت جميع الأسواق المالية الرئيسية في العالم، مسببة انكماشًا عالميًّا. وقد ﺳﺎهمت سياسات اﻟدول الاقتصادية الكبرى، بما في ذلك اﻟسياسات اﻟﻧﻘدﯾﺔ ﻏﯾر اﻟﺗﻘﻟﯾدﯾﺔ، في التحسن التدريجي للاقتصاد العالمي، كما نجحت الاقتصادات الناشئة في تجاوز المراحل الأولية من الأزمة بفعل الاستثمارات الصينية.

وعلى الرغم من استقرار عددٍ من الاقتصادات المتقدمة، وقيام عددٍ من البلدان بإصلاحاتٍ مهمة في أسواق المال والأعمال؛ إلا أن الاقتصاد العالمي يفتقر لجملةٍ من الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها الحيلولة دون تكرار اندلاع الأزمات المالية العالمية، من خلال تعزيز الإنتاجية، وجذب الاستثمارات بشكلٍ دائم.

وفي هذا السياق، تبرز أهمية التقرير المعنون: "10 سنوات منذ الأزمة المالية العالمية: التقدم المتفاوت والانقطاعات الهيكلية"(١)، الصادر عن برنامج الاقتصاد العالمي والتنمية التابع لمعهد بروكنجز، للكاتبين "كريم فودا" (الزميل المشارك في المعهد)، و"إسوار براساد" (الأستاذ بكلية دايسون بجامعة كورنيل، زميل معهد بروكنجز، والباحث المشارك في المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية). وفي إطاره، قيَّم الكاتبان التقدم الذي أحرزته اقتصادات السوق المتقدمة والصاعدة منذ الأزمة المالية العالمية.

مؤشرات الاقتصاد العالمي:

أورد الكاتبان عددًا من المؤشرات التي تبرز في مجموعها السمات الراهنة للاقتصاد العالمي، وهي المؤشرات التي يُمكن إجمالها على النحو التالي: 

أولًا- الناتج القومي الإجمالي: وفقًا للكاتبين، يتمتع الاقتصاد الأمريكي بمكانةٍ مُتميزَةٍ بين الاقتصادات المتقدمة، ولكن على الرغم من ذلك، لا يمكن النظر إلى الناتج القومي الأمريكي الإجمالي بمعزلٍ عن مثيله في الصين، والهند، واليابان، وألمانيا، في السنوات الأخيرة. وتكمن المفارقة في الفجوة الشاسعة بين الناتج القومي الأمريكي الإجمالي من ناحية ونصيب الفرد من ذلك الناتج من ناحيةٍ أخرى.

وبالتوازي مع ما قدمه الكاتبان، يدلل عدد من التقارير الدولية على تزايد الناتج القومي الأمريكي الإجمالي. ولعل منها -على سبيل المثال- تقرير السياسة النقدية الصادر عن مجلس محافظي النظام الاحتياطي الفيدرالي، الذي أوضح تزايد ذلك الناتج بما قيمته (2٪) في الربع الأول من عام 2018. كما أشار إلى ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي في الربع الثاني من العام الجاري. وعلى الرغم من تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي في وقت مبكر من السنة، إلا أنه سرعان ما عاود الزيادة، بفعل سياسات التوظيف، وزيادة ثروات الأسر، والدخل المتاح، ونمو الاستثمار في قطاع الأعمال(٢).

ثانيًا- الانفصال بين سوق الأوراق المالية والاقتصاد الحقيقي: تفوق سوق الأوراق المالية الأمريكي (البورصة الأمريكية) على مثيله في الأسواق الاقتصادية الصاعدة والمتقدمة على مدار العِقد الماضي. وجدير بالذكر أن أسواق الأسهم في معظم الاقتصادات المتقدمة شهدت زياداتٍ كبرى في السنوات العشر الماضية، ولم تتأثر كثيرًا بالحروب التجارية أو الاضطرابات السياسية، وغيرهما من الصدمات التي من شأنها أن تُحدِث تقلبات في تلك الأسواق، وذلك على خلاف أسواق السندات.

وفي السياق ذاته، واتساقًا مع ذلك المؤشر، تؤكد "ليليان هوف" وغيرها من المؤلفين في كتابهم المعنون: "الاقتصاد العالمي اليوم: الاتجاهات الرئيسية والتطورات"، أن أسواق الأسهم تدلل بالفعل على تحسن مناخ الاستثمار، وأسفرت عن تضاعف أرباح الشركات بمعدلاتٍ مرتفعة في الولايات المتحدة واليابان. كما ازدادت أسواق الأسهم قوةً في جميع دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، مما يعزز الثقة في تلك الاقتصادات. ويتأثر سوق الأسهم بطبيعة الحال بعددٍ من المتغيرات يأتي في مقدمتها: الوظائف، والنفط، والدولار، لكن أيًّا منها لم يحدث بعد تقلبات حادة في ذلك السوق(٣). 

وقد أحرزت الصين والهند تقدمًا ملحوظًا بين الاقتصادات المتقدمة على صعيد معدلات النمو، كما تضاعف الناتج القومي الإجمالي في كلتيهما منذ عام 2007. وتكمن المفارقة -وفقًا للكاتبين- في تفوق سوق الأوراق المالية الأمريكي على مثيليه في الصين والهند، على الرغم من نمو اقتصاديهما بنسبة (18%) في العقد الماضي. وهو ما أرجعه الكاتبان إلى تراجع أسواق الأوراق المالية الصينية عن مستواها في عام 2007، وهو ما يمكن النظر إليه في إطار معاناة الأسواق المالية في عددٍ من الاقتصادات الصاعدة باستثناء سوق الأوراق المالية الأمريكي.

ثالثًا- الاستثمارات الضعيفة ونمو الانتاجية: على الرغم من النمو الجيد والأداء القوي لأسواق الأوراق المالية في عددٍ من الدول، يرى الكاتبان محدودية كلٍ من الاستثمار ونمو الإنتاجية، بالنظر إلى المرحلة المتقدمة من دورة الأعمال العالمية. فعلى مدار العقد الماضي، وعلى الرغم من تزايد الاستثمار الحقيقي الثابت بشكلٍ متواضع في معظم الاقتصادات المتقدمة، تراجع ذلك الاستثمار في كلٍ من البرازيل وروسيا. وبالمقارنة بمعدلات ما قبل الأزمة المالية العالمية، شهد الاستثمار الثابت الحقيقي معدلاتٍ مرتفعة في كل من الصين والهند، ويرجع ذلك التعافي لنمو الإنتاجية المنخفض الذي ظل في معظم الاقتصادات أقل من معدلات ما قبل الأزمة.

وفي اتجاهٍ مضاد لِما طرحه الكاتبان فيما يتصل بالاستثمارات الدولية، يشير تقرير الأمم المتحدة المعنون: "الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه في 2018"، إلى تزايد وتحسن الاستثمارات الدولية بفعل تحسن مناخ الاستثمار بوجهٍ عام، وانخفاض هشاشة القطاع المصرفي، وانتعاش بعض القطاعات الإنتاجية المهمة، وانخفاض ﺗﮐﺎﻟﯾف اﻟﺗﻣوﯾل ﺑﺷﮐلٍ خاص. وقد دعم تدفق رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة (من خلال الإقراض العابر للحدود، والنمو الائتماني) الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء، مما يعكس في مجمله زيادة الاستثمارات الإنتاجية الدولية في بعض الاقتصادات الكبرى(٤).

رابعًا- أسواق العمل: وفقًا لإحصائيات الكاتبين، تقل معدلات البطالة في الولايات المتحدة عن (4%)، وهي أقل بكثير من مثيلتها في عام 2009 حين بلغت تلك المعدلات (10%). وعلى الرغم من ذلك، بلغت معدلات التوظيف التراكمية (6,6%) مقارنة بمستويات ما قبل الأزمة. وتظل معدلات التوظيف -أي نسبة التوظيف الكلية مقارنة بالسكان في سن العمل- أقل من مستويات ما قبل الأزمة. وعلى النقيض من ذلك، تتزايد تلك المعدلات في الاقتصادات المتقدمة مقارنة بما قبل الأزمة، خاصة في كل من اليابان وألمانيا. 

خامسًا- انتهاء الانكماش وازدياد التضخم: تبدد خطر الانكماش الذي خيَّم لفترة طويلة خاصة في منطقة اليورو واليابان، وبلغت معدلات التضخم (1-2%) في الاقتصادات المتقدمة، وإن تزايدت تلك النسب بطبيعة الحال في معظم أسواق الاقتصادات الصاعدة.

وفي الإطار ذاته، يهول تقرير "التوقعات الاقتصادية السنوية" الصادر في العام الجاري من مخاطر تزايد التضخم، لما يفرضه من تحدياتٍ على السياسة النقدية الأمريكية، واللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. فقد بدأ التضخم يأخذ منحنى صاعدًا في عام 2017، خاصة في شهر مارس، وواجه صعوبةً في الانخفاض منذ ذلك الحين، بل ويتوقع تزايده في عام 2018. وهو ما أرجعه التقرير إلى ارتفاع تكاليف اليد العاملة، وأسعار الطاقة، وتحسن الطلب العالمي على النفط، وارتفاع تكاليف المدخلات في جميع أنحاء العالم. فضَعف الدولار لن يُسفر عن ارتفاع أسعار الواردات فحسب، بل سيؤدي إلى إحداث آثار تضخمية في الخارج أيضًا(٥).

وإجمالًا، وفي ضوء المتغيرات السابقة، يخلُص الكاتبان إلى عددٍ من النتائج غير المتوقعة؛ فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من الانخفاض الحاد في معدل البطالة والاتجاه نحو نمو العمالة الأمريكية، لا يزال معدل التوظيف الأمريكي دون مستويات ما قبل الأزمة. وفي الوقت ذاته، ارتفعت معدلات التوظيف في الاقتصادات المتقدمة الأخرى بشكلٍ كبير. وهناك أيضًا أوجه للانقطاع بين أداء أسواق الأسهم ومتغيرات الاقتصاد الكلي، مثل الناتج المحلي الإجمالي، سواء داخل الاقتصادات المتقدمة أو الناشئة. 

آفاق الاقتصاد العالمي:

قطع الاقتصاد العالمي أشواطًا طويلة في السنوات العشر الأخيرة، بعد أن حققت الاقتصادات الأكثر تطورًا معدلات نمو مستقرة، وحافظت الصين والهند على معدلات نمو متزايدة وقوية، وتم احتواء مخاطر الانكماش والتضخم. ولكن إجمالًا، وعلى الرغم من إحراز تقدم كبير في إصلاح الأسواق المالية، فإن الطبيعة المحدودة وغير المكتملة للإصلاحات الهيكلية في عديد من الاقتصادات تترك المجال مفتوحًا أمام التقلبات المالية والاقتصادية المرتقبة، خاصة في ظل ضَعف الإنتاجية، مما يمثل تحديًا لنمو الناتج القومي الإجمالي على المدى الطويل.

فتظل الاقتصادات المتقدمة عُرضَةً لمخاطر التدفقات المالية والنقدية، بجانب الدين العام الذي تزايد بشدة عقب الأزمة المالية العالمية. أما اقتصادات السوق الصاعدة، فتتشارك جميعها في تراجع مستويات الدين العام، وتزايد احتياطيات النقد الأجنبي، وتكييف سياساتٍ للتعامل مع الصدمات الداخلية والخارجية. 

ولكن على النقيض، يُعاني بعض تلك الدول من مستوياتٍ ضخمة وغير مسبوقة من الديون الأجنبية، مما يجعلها رهنًا بالتقلبات النقدية العالمية، كما توقفت الإصلاحات الاقتصادية في مجالات: العمل، والإنتاج، والأسواق المالية في بعض الدول، مما يجعلها معرضةً لحزمةٍ من الأزمات والضغوط الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تلوح في الأفق مرةً ثانية.

واتساقًا مع رؤية الكاتبين، يؤكد التقرير السنوي لبنك التسويات الدولية (Bank for International Settlements) على التحسن النسبي والمضطرد في الاقتصاد العالمي في السنوات العشر الماضية، متجاوزًا مرحلة الانهيار التي تسببت فيها الأزمة المالية العالمية. غير أن التقرير يتبنى رؤية متفائلة لمآلات الاقتصاد العالمي على خلاف رؤية الكاتبين المتشائمة. فوفقًا للتقرير، تراجعت أسعار الفائدة، وانخفضت معدلات البطالة لتصل إلى أدنى مستوياتها في عددٍ من الدول. وعليه، يظل السيناريو المركزي المتوقع للاقتصاد العالمي هو نموه. ومن ثم، وفي ضوء التحسن المطرد، صارت التنمية المستدامة للاقتصاد العالمي ضرورة حتمية(٦). 

وعلى النقيض من تلك الرؤية المتفائلة، يتوقع كل من "ستيفن بريسمن" و"روبرت سكوت" في دراستيهما المعنونة: "عشر سنوات بعد الأزمة: العقد الضائع؟"، ركودًا هائلًا لا تقل خطورته عن الكساد الكبير، وذلك بمجرد توقف الاقتصاد الأمريكي عن النمو. إذ يشير التاريخ الاقتصادي إلى إمكانية حدوث أزماتٍ اقتصاديةٍ وماليةٍ أخرى. ويدلل على ذلك التاريخ الاقتصادي الأمريكي الحافل بالأزمات الاقتصادية المتكررة.

وهناك عديد من الأسباب التي تدعو للقلق بشأن التعافي الأمريكي من الأزمة المالية العالمية، يأتي في مقدمتها انخفاض متوسط دخل الأسر، ذلك أن مستوى معيشة الأسر المتوسطة في الولايات المتحدة يبلغ (6,4٪)، وهو أقل من مستواه في عام 2007. وﻋﻼوة ﻋﻟﯽ ذﻟك، ترتفع ﻣﺳﺗوﯾﺎت دﯾون اﻷﺳر مقارنة بمستويات الدخل الحالية. 

ومن ثم، يمكن الحد من فرص حدوث كسادٍ كبيرٍ آخر من خلال زيادة الضرائب على الأغنياء لدعم الأجور. كما يمكن للإيرادات الحكومية الإضافية تمويل برامج لمساعدة الأسر خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة، مما يجعلها أقل اعتمادًا على القروض ذات الفائدة العالية. ويمكن أيضًا تحويل الخصم الضريبي لمصلحة الرهن العقاري والضرائب على الممتلكات إلى ائتمانٍ ضريبي قابل للاسترداد(٧).

وختامًا، شهد الاقتصاد العالمي انتعاشة قوية تدريجية في السنوات العشر الأخيرة؛ إلا أن ذلك لا يعدو كونه مرحلةً من الهدوء النسبي، وهي الفترة الملائمة لإجراء الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها إكساب اقتصادات الحكومات الوطنية المناعة ضد الصدمات، وتحقيق معدلاتٍ مرتفعة من النمو الاقتصادي، للحيلولة دون تكرار اندلاع الأزمات المالية العالمية التي يزخر بها النظام الرأسمالي العالمي.

المصادر المستخدمة في العرض:

(1) Karim Foda and Eswar Prasad, 10 Years after the Financial Crisis Uneven Progress and Some Structural Disconnects, Brookings, September 2018, https://www.brookings.edu/wp-content/uploads/2018/09/10-years-after-the-financial-crisis.pdf

(2) Board of Governors of the Federal Reserve System, Statement on Longer-Run Goals and Monetary Policy Strategy, Monetary Policy Report, July 2018, 

(3) Liliane Van Hoof and others, The World Economy Today: Major Trends and Developments, First Edition, (Armenia: Center for Education, Policy Research and Economic Analysis, 2012), pp. 25-26.

(4) United Nations, World Economic Situation and Prospects 2018, https://www.un.org/development/desa/dpad/wp-content/uploads/sites/45/publication/WESP2018_Full_Web-1.pdf

(5) Wells Fargo Securities, Economics Group 2018, A Cautious Tale for an Optimistic Outlook, Annual Economic Outlook, December 2017, https://www.wellsfargomedia.com/assets/pdf/commercial/insights/economics/annual-economic-outlook/2018-annual-economic-outlook-report.pdf

(6) Bank for International Settlements, Promoting Global Monetary

and Financial Stability, BIS Annual Economic Report, 2018, https://www.bis.org/publ/arpdf/ar2018e_ov.pdf 

(7) Steven Pressman and Robert Scott, Ten Years after the Crisis: a Lost Decade?, Real-World Economics Review, 2018, Issue No. 83, pp. 2-19.