أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

معاقبة العشائر:

لماذا تزايد استهداف حركة الشباب الصومالية للمدنيين؟

15 أغسطس، 2024


جاءت عملية شاطئ "ليدو" التي نفذتها حركة الشباب بالعاصمة الصومالية مقديشو في الأول من أغسطس الجاري، وأسفرت عن مقتل أكثر من 32 مدنياً وإصابة نحو 63 بجروح، ضمن سلسلة من الهجمات المستمرة لحركة الشباب الإرهابية منذ يناير 2024؛ لتكشف عن استهداف متكرر للمدنيين في الصومال مقارنةً بالعام الماضي.

ويشير تتبع تاريخ تنفيذ عمليات حركة الشباب منذ بداية العام الحالي، إلى تقارب المراحل الزمنية بين الهجمات المُستهدفة للمدنيين. فالفترة بين هجوم الحركة على شاطئ "ليدو" المزدحم بالمواطنين في مطلع أغسطس الجاري، واستهدافها لمقهى بالعاصمة مقديشو عبر سيارة مفخخة في 15 يوليو الماضي، وهو ما أدى إلى مقتل 5 أشخاص وإصابة نحو 20 آخرين؛ لم تتجاوز 15 يوماً. وقبلها في منتصف مارس الماضي، شنت الحركة هجوماً استهدفت خلاله فندق "إس واي إل" بالعاصمة الصومالية؛ مما أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 27، منهم 18 مدنياً و9 جنود.

وفي ظل استعادة حركة الشباب الإرهابية لبعض المناطق التي انتُزعت منها؛ نتيجة الهجوم الذي شنه الجيش الصومالي إلى جانب مجموعة عشائرية محلية، وبدعم من قوات الاتحاد الإفريقي، وكذلك الضربات الجوية الأمريكية منذ أغسطس 2022، ومحاولة الحركة كسر العلاقة بين المدنيين من العشائر وغيرهم والقوات الحكومية؛ تُطرح تساؤلات بشأن دلالات تزايد استهداف حركة الشباب للمدنيين خلال الفترة الأخيرة، ودوافع هذه الظاهرة؟

دلالات التحول:

يشير تزايد استهداف حركة الشباب للمدنيين عبر عمليات انتحارية أو تفجيرات، إلى مجموعة من الدلالات، خاصةً وأن العمليات المرتكبة منذ بداية عام 2024 تشابهت في التنفيذ؛ من حيث طريقة القتل ومناطق المستهدفين التي تركزت على المناطق العامة والمزدحمة، وإن كان من المُحتمل أن تتوسع هذه العمليات خلال الفترة المقبلة، وتستهدف الحركة مناطق ريفية تسكنها العشائر المتعاونة مع الحكومة الصومالية. وتتمثل أهم هذه الدلالات في التالي: 

1- قصور الاستراتيجية الأمنية للأطراف الدولية المشاركة في عمليات حفظ السلام بالصومال، إذ ركزت على القواعد البحرية وتدريب القوات الصومالية والاهتمام بحل المشكلات السياسية والاقتصادية، في مقابل تراجع استراتيجية المواجهة المباشرة مع عناصر حركة الشباب وقيادتها في تمركزاتها الداخلية بالمدن والريف؛ ما أدى إلى استعادة الحركة لبعض مناطقها القديمة، بالإضافة إلى انتشارها في مناطق جديدة مزدحمة بالسكان وتشهد تراجعاً في دور قوات الأمن بسبب أزمات مالية أثرت في رواتبهم. علاوة على اختراق عناصر الحركة خلال الفترة الأخيرة لبعض المؤسسات الحكومية في المناطق المحررة، وتمكنها من إعادة علاقاتها مع متعاونين سابقين؛ إذ اقتصرت العمليات الثلاث الأخيرة للحركة التي استهدفت مدنيين، على مناطق عامة من المفترض أن تكون مزودة بخدمات أمنية.

2- تغير المنطلقات الفكرية لحركة الشباب، بالإضافة إلى تغييرها لتكتيكاتها المتبعة في التعامل مع أهدافها. وهذا التحول تلجأ له الجماعات الإرهابية عندما تدرك خطر البقاء، وتزايد مستوى التهديد لها. فبعد أن كانت الحركة تستهدف قوات الأمن والجيش بدرجة كبيرة، وتأخذ طابعاً تكفيرياً محدوداً تجاه المدنيين؛ يلاحظ تزايد استهدافها للمدنيين من منطلق حجة باطلة تبرر القتل استناداً إلى مسؤولية المواطن عن سياسة حكومته؛ ومن ثم محاسبته باعتباره "مرتداً" يدفع الضرائب ويتعاون مع قوات الأمن، من وجهة نظر الحركة. وهذه الحجة الباطلة التي أفتى بها منظرو تنظيم القاعدة، تم استخدامها في مناطق كثيرة من العالم؛ إذ استهدفت القاعدة مدنيين في دول مسلمة وغير مسلمة.

3- تراجع مستوى الأداء عند قيادات "قسم الدعوة" بالحركة، خاصةً في طريقة اختيارهم للعناصر الجديدة، والمقاتلين الجدد؛ إذ أدى فقدان حركة الشباب للتجنيد الإجباري في أماكن تمركزها القديمة وانهيار علاقاتها مع العشائر خلال العامين الماضيين إلى ضمها عناصر من خارج إطارها التربوي، تسببوا في حالة من عدم الانضباط في استراتيجية الحركة، خاصةً فيما يتعلق بالدفاع عن نفسها أو الهجوم على أهدافها. 

ولعل المقارنة بين العمليات التي نفذتها حركة الشباب قبل أغسطس 2022 وبعد هذا التاريخ، تؤكد أن قطع خطوط الإمداد عنها وعدم قدرتها على تحصيل مواردها من المدنيين، وافتقاد القسم العسكري بالحركة لعدد كبير من مخيمات التدريب التي كانت منتشرة في الصومال؛ قد أدى إلى تنفيذ عمليات انتقامية غير مدروسة تجاه المدنيين. ومن المُحتمل أن تتسع هذه العمليات في الفترة المقبلة، وهذا يرجع أيضاً إلى افتقاد العناصر الجديدة للحركة إلى الخبرة فيما يتعلق بالتركيبة الديمغرافية للمناطق التي تُرتكب فيها الجرائم ضد المدنيين.

دوافع الاستهداف:

ينطلق استهداف حركة الشباب للمدنيين في المناطق العامة خلال الفترة الأخيرة، من عدة دوافع، منها ما هو فكري وأيديولوجي، وآخر يرتبط باستراتيجية البقاء وفرض الأمر الواقع؛ ما جعل الحركة تُنوع عملياتها وتكتيكاتها؛ وتتمثل أهم هذه الدوافع في الآتي:

1- الانتقام وبث مشاعر الإحباط لدى القوات الصومالية والمدنيين المتعاونين معها: يأخذ الانتقام كأحد دوافع حركة الشباب في استهدافها للمدنيين، مسارين يخدمان نفس الهدف. فالحركة تقتل المدنيين بهدف الانتقام منهم بعد تعاونهم مع قوات الأمن، وأيضاً بهدف الانتقام من القوات الحكومية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن دافع الانتقام متكرر الاستخدام عند التنظيمات الإرهابية، ومنها حركة الشباب، التي عادةً ما تستهدف مدنيين؛ بهدف تخفيف الضغط المفروض عليها من قِبل قوات الأمن والجيش؛ لأنها تدرك أن التوسع في قتل المدنيين يُحرج الحكومات، ومن ثم تُغير استراتيجيتها "الخشنة" في التعامل مع الجماعات الإرهابية.

2- تفكيك العلاقة بين العشائر وقوات الأمن وكسر ما يُعرف بـ"المقاومة الشعبية": يمثل استهدف حركة الشباب للمدنيين رسالة للعشائر المحلية المتعاونة مع الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الإفريقي، خاصةً أن هذا التعاون تسبب في تفكيك تحالفات الحركة مع القوى المجتمعية؛ ما أدى إلى فقدانها بعض مصادر التجنيد، وكذلك المخابئ التي كانت تلجأ إليها عناصرها. وعليه، تُعول الحركة على أن يؤدي تصعيد العمليات ضد المدنيين في الأماكن العامة إلى إعادة العشائر حساباتها في علاقاتها مع القوات الحكومية.

3- إبراز التماسك الداخلي وضم مزيد من المقاتلين: يُعد لجوء التنظيمات الإرهابية، ومنها حركة الشباب، إلى تكتيكات "حرب العصابات" المتمثلة في التفجيرات أو الهجمات على الأماكن العامة، دليلاً على عدم قدرتها على التكيف مع الضغوط الداخلية والخارجية المحيطة بها، وتقديرها لخطر داخلي مُهدد لبقائها؛ نتيجة استهداف عدد كبير من قياداتها وعناصرها أو تعرضها لمحاولات انقسام داخلي؛ ومن ثم فإن اتجاه الحركة إلى استهداف المدنيين في الأماكن العامة، يمثل محاولة لتثبيت المقاتلين وضم المزيد منهم، إلى حين إعادة تطوير هجومها ضد الحكومة وحلفائها.

4- دافع عقائدي: تستهدف حركة الشباب، المنتمية فكرياً لتنظيم القاعدة، المدنيين في الأماكن العامة، من منطلق عقائدي. ففي الأوقات التي تعاني فيها التنظيمات الإرهابية، ومنها القاعدة؛ فإنها تبرر قتل المدنيين من خلال فتوى باطلة لمنظري القاعدة، تتمثل في تكفير المتعاونين مع القوات الحكومية في حربها ضدهم.

ختاماً، يمكن القول إن تزايد استهداف حركة الشباب الصومالية للمدنيين في الأماكن العامة عام 2024، ربما يعبر عن تغيير في طبيعة وتكتيكات الحركة، وسيطرة الجانب العقائدي على عناصرها؛ وهو ما يُتوقع معه قيام الحركة بمزيد من هذه الهجمات خلال الفترة المقبلة.