أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

صعود صيني:

الصناعة النووية 2021.. تقييم المفاعلات وأثر الفساد والمناخ

24 نوفمبر، 2021


عرض: منى أسامة 

حتى يوليو 2021، قامت 33 دولة بتشغيل 415 مفاعلاً نووياً، وهو ما يزيد على عدد المفاعلات النووية في 2020 بأكثر من سبع مفاعلات، لكن أقل بـ 23 مفاعلاً نووياً عن الذروة في 2002 البالغة 438 مفاعلاً. وفي 2020، بدأ تشغيل خمسة مفاعلات على مستوى العالم، بما في ذلك المفاعلات الأولى لكل من بيلاروسيا والإمارات العربية المتحدة.

تلك المؤشرات تشكل جزءاً من التقرير السنوي عن "حالة الصناعة النووية في العالم" لعام 2021، والذي يقوم بإعداده فريق من الخبراء على رأسهم، مايكل شنايدر Mycle Schneider، وهو محلل دولي في مجال الطاقة والسياسة النووية، وأنتوني فروجات Antony Froggatt، وهو باحث ومستشار في سياسة الطاقة. حيث يلقي التقرير نظرة عامة على بيانات الطاقة النووية، من حيث بناء المفاعلات وقدراتها وغيرها من القضايا ذات الصِلة.

حالة المفاعلات والقدرة النووية:

يشير التقرير إلى أن القدرة النووية التشغيلية الإجمالية زادت بنسبة 1.9% عن العام الماضي لتصل إلى 369 جيجاواط، اعتباراً من منتصف 2021، وهي ذروة جديدة (مقارنة بالرقم القياسي البالغ 367 جيجاوات في 2006)، مع ذلك، انخفض توليد الطاقة النووية لأول مرة منذ 2012 إلى 2.553 تيراواط/ساعة في 2020، أي بانخفاض نسبته 3.9% عن العام السابق. 

وباستثناء الصين، انخفض توليد الطاقة النووية بنسبة 5.1% إلى أدنى مستوى منذ عام 1995، حيث أنتجت الدول الخمس الكبرى المولدة للطاقة النووية (على الترتيب: الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وروسيا، وكوريا الجنوبية) 72%، بينما حصلت الدول الثلاث الأولى وحدها على 58% من إجمالي الكهرباء النووية في العالم في 2020. أما على صعيد المفاعلات النووية، فقد ركز التقرير على عدة عناصر أساسية وهي: 

1) الإنشاء: يشير التقرير إلى أن جميع المفاعلات قيد الإنشاء فيما لا يقل عن 12 من أصل 17 دولة تعرضت لتأخيرات استمرت لمدة عام، أي تأخر ما لا يقل عن 31 وحدة من أصل 53 (58.5%) من مشاريع البناء عن الجدول الزمني المتوقع؛ وأبلغت 13 دولة عن تأخيرات متزايدة، وتم توثيق أربعة تأخيرات للمرة الأولى خلال العام الماضي، كما بدأ البناء في ست وحدات في النصف الأول من 2021، وفي الفترة من 1970 إلى منتصف 2021، تم التخلي عن استكمال 93 وحدة من إجمالي 783 في 19 دولة، وذلك في مراحل مختلفة من البناء.

2) التشغيل: هناك 13 مفاعلاً كان من المقرر بدء تشغيلهم في 2020، لكن تأخر منهم عشر مفاعلات حتى 2021، والجدير بالذكر، أن جائحة كورونا (COVID-19) أثَّرت بشكلٍ واضح على بعض جداول التشغيل. فهناك عشر دول تحتل حوالي ثلثي الأسطول العالمي للمفاعلات النووية هي بيلاروسيا - الصين - فنلندا - فرنسا - الهند - اليابان - كوريا الجنوبية - تايوان - المملكة المتحدة - الولايات المتحدة.

3) إيقاف التشغيل: يعد عنصراً مهماً في نظام الطاقة النووية، كما يُعد عملية معقدة من الناحية الفنية، ويتضمن تحديات بشأن التخطيط والتنفيذ والتمويل. وتعد الولايات المتحدة هي الدولة الأكثر تقدماً في هذا المجال، حيث لديها 14 مشروعاً مكتملاً، كأكثر المفاعلات التي تم إيقاف تشغيلها. ويرى التقرير أنه نادراً ما يتم النظر في إيقاف التشغيل في تصميم المفاعل، وهناك 196 مفاعلاً مغلقاً بإجمالي سعة 90.4 جيجاوات في جميع أنحاء العالم حتى 1 يوليو 2021، كما سيتم إغلاق 180 مفاعلاً إضافياً حتى 2030. والجدير بالذكر أن جميع مشاريع إيقاف التشغيل الجارية تواجه تأخيرات بالإضافة إلى زيادة التكاليف. 

في هذا السياق يشير التقرير إلى صعود نووي صيني، حيث ارتفع إنتاج الطاقة النووية في الصين إلى 345 تيراواط/ساعة في 2020 وهو ما يزيد بنسبة 4,4% عن عام 2019، وهو أدنى معدل نمو منذ 2009. ومع ذلك، تفوقت الصين للمرة الأولى على فرنسا في إنتاج الطاقة النووية لتصبح ثاني أكبر مولد نووي في العالم بعد الولايات المتحدة. وقد وفرت المحطات النووية 4.9% من الكهرباء في الصين، كما أن 18 وحدة من أصل 53 وحدة مدرجة تحت الإنشاء في العالم منذ منتصف 2021 موجودة في الصين.

على جانب آخر، لم تتمكن الصين من تحقيق أهدافها النووية المقدرة بإنتاج 58 جيجاواط مثبتة و30 جيجاوات قيد الإنشاء خلال خمس سنوات، إلا أنها تمكنت في الوقت ذاته من توسيع قدرة طاقة الرياح بأكثر من 70 جيجاواط والطاقة الشمسية بنحو 50 جيجاواط في 2020 فقط.

تداعيات مستمرة لـ"تشرنوبيل":

يناقش التقرير أيضاً تداعيات استمرار الحوادث النووية في العالم حتى الآن رغم مضي سنوات طويلة عليها، ففي الـ 26 أبريل 1986، عرف العالم أسوأ حادث محطة للطاقة النووية، حيث شهدت الوحدة 4 من محطة تشيرنوبيل للطاقة النووية ارتفاع حرارة اليورانيوم إلى درجة الاشتعال، تلاه بخار ثم انفجار هيدروجين مزق سقف مبنى المفاعل. تسبب ذلك في تلوث حوالي 40% من الأراضي الأوروبية، مما أثر على حوالي 400 مليون شخص، ويذكر التقرير عدداً من الملاحظات حول تداعيات الكارثة المستمرة حتى الآن:

- لا تزال مستويات النشاط الإشعاعي في مختلف المواد الغذائية حتى الآن أعلى من الحدود القانونية في بعض المناطق (مثل ألمانيا).

- هناك تضارب في تقارير أعداد القتلى وضحايا الكارثة سواء جراء الانفجار أو السرطان.

- نجا معظم مرضى سرطان الغدة الدرقية البالغ عددهم 6800 في السنوات العشرين الأولى من الحادث، لكنهم عانوا أضراراً جسدية ونفسية.

- ثمة تأثيرات عصبية ونفسية مباشرة لا تزال مستمرة للإشعاع، كارتفاع معدلات الانتحار، وعمليات الإجهاض بسبب مخاوف من إشعاع تشيرنوبيل، بالإضافة إلى تزايد معدلات الأمراض العقلية بما في ذلك الاكتئاب، والقلق، وتعاطي المخدرات.

- يغطي الحبس الآمن الجديد، وهو هيكل يشبه القوس، الوحدة 4 منذ نوفمبر 2016. ويهدف ذلك عزل الوحدة بإحكام عن البيئة، علماً بأن عمر الهيكل المتوقع لا يقل عن 100 عام.

سيستمر تفكيك الوحدات 1-3، والتي لم تتلف في 1986، حتى عام 2065، كما ارتفع عدد زوار منطقة تشيرنوبيل المحظورة من 1000 في 2004 إلى 200000 في 2019.

- وجدت دراسات أجريت على حوالي 30 نوعاً وفصيلة، أن هناك معدلاً مرتفعاً بشكل غير عادي للطفرات الجينية المرتبطة بالإشعاع؛ مما يعني أن تأثير التلوث الإشعاعي عبر الأجيال يمكن أن يكون خطيراً.

تأثيرات حادث "فوكوشيما":

تسبب زلزال شرق اليابان الكبير في 11 مارس 2011، في مشاكل في التبريد داخل مفاعل فوكوشيما النووي ما أدى إلى ارتفاع في ضغط المفاعل، تبعتها مشكلة في التحكم بالتنفيس نتجت عنها زيادة في النشاط الإشعاعي، ويذكر التقرير عدداً من الملاحظات حول تداعيات الحادث:

- لم تبدأ بعد أعمال إزالة حطام الوقود في أي مفاعل، لكن من المقرر الانتهاء من إزالة الوقود المستهلك من جميع المفاعلات الستة في فوكوشيما دايتشي بحلول 2031.

- ارتفاع معدلات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية وعنق الرحم والبروستاتا والثدي في محافظة فوكوشيما منذ 2012. كما ارتفعت الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية بنسبة 10-20% في 2011. هذا، ولم يتم الإبلاغ عن زيادة في تشوهات الأجنة. 

- بلغ عدد "الوفيات المرتبطة بالكوارث" المعترف بها رسمياً بعد الإخلاء في محافظات فوكوشيما وإيواتي ومياجي إلى 3717 شخصاً، 10% فقط منهم جراء الزلزال وتسونامي.

- في أبريل 2021، قررت الحكومة اليابانية أن المياه الملوثة المحتوية على التريتيوم (والنظائر المشعة الأخرى) سيتم تصريفها في المحيط، ذلك القرار مشروط بإعادة معالجة 70% على الأقل من المياه وتخفيفها بالكامل بمعامل 100. ومن ثم قد تستغرق العملية ثلاثة عقود على الأقل. تسبب ذلك القرار في غضب محلي ودولي لما يتسبب فيه من مخاطر كبيرة للبشر والكائنات الحية داخل حدود اليابان وخارجها.

- اعتباراً من يوليو 2021، تم تشخيص إصابة 218 شخصاً بسرطان الغدة الدرقية، وهو أعلى مما كان متوقعاً.

- أصدرت الحكومة اليابانية تقديراً حديثاً لتكلفة الكارثة (يتضمن تكلفة إيقاف التشغيل وإزالة التلوث والتعويضات)، ويلاحظ أن هذا التقدير الجديد يزيد ثلاثة أضعاف تقديرات عام 2012.

- تم رفع العديد من الدعاوى القضائية من قبل المواطنين حول قضايا الطاقة النووية. ومن أبرزها الشكوى المرفوعة ضد شركة طوكيو للطاقة الكهربائية (تيبكو) المالكة لمشغل فوكوشيما والحكومة اليابانية. كما تم رفع قضايا ضد جميع المفاعلات العاملة ومحاولات إعادة التشغيل من قبل المشغلين النوويين باستثناء واحد (Higashidori)، والجدير بالذكر أن هناك ثمانية قرارات قضائية منذ أبريل 2021 أوقفت تشغيل محطات للطاقة النووية.

الأنشطة النووية الإجرامية:

كشفت التقرير عن ممارسات غير قانونية وإجرامية كالمخالفات، والرشوة، والفساد، والتخريب، والسرقة، في الصناعة النووية في مختلف الدول. علماً بأن الأنشطة الإجرامية في القطاع النووي ليست جديدة، فهناك أنشطة تعود إلى عقود وبعضها مستمر منذ عقود. فعلى سبيل المثال:

- تعمل جماعات الجريمة المنظمة في اليابان (مثل Sumiyoshi-kai وMatsuba Kai) على تزويد المواقع النووية بالعمالة غير المرخصة لأكثر من عقد من الزمان.

- حدوث تخريب داخلي في محطة الطاقة النووية البلجيكية، من دون القبض على الفاعل.

- وفقاً لمؤشر مدركات الفساد لعام 2020 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، فيرى الكاتب أنه بالتقريب نصف الدول التي تشغل أو تبني محطات طاقة نووية على أراضيها، تتراوح على مؤشرات الفساد من (0 – 50)( )، وفي هذا الإطار يسلط التقرير الضوء على 13 حالة من ممارسات الفساد، والتي أدت إلى تحقيقات خارجية/داخلية و/أو إدانات جنائية خلال الفترة (2010 – 2020)، والتي تتضمن ممارسات، مثل تزوير الشهادات ورشوة الموظفين العموميين ومخالفات في فحوصات التصنيع وغسيل أموال، وذلك في أوكرانيا، واليابان، والولايات المتحدة، وفرنسا، وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى أعمال التخريب في مواقع محطات الطاقة النووية في اليابان، وروسيا، والولايات المتحدة.

- يخلص التقرير إلى أنه من المستحيل تحديد حجم ظاهرة الفساد في القطاع النووي كمياً، حيث يصعب الوصول إلى البيانات الشاملة حول قضايا مثل السرقة، والإتجار، والتخريب، فغالبيتها غير متاحة بشكل عام للجمهور. ومع ذلك، هناك أدلة متزايدة على الجريمة في الصناعة النووية، على غرار مشاريع البنية التحتية الأخرى. كما يرى عدم كفاية الدراسات المهتمة ببحث الآثار المحتملة للفساد على السلامة والأمن.

الطاقة المتجددة والمناخ:

في مقابل الطاقة النووية، يشير التقرير إلى تجاوز إجمالي الاستثمار في الكهرباء المتجددة 300 مليار دولار في العالم، وهو ما يعتبر 17 ضعف قرارات الاستثمار المعلنة في مجال الطاقة النووية. كما أثبتت الطاقة المتجددة قُدرة واضحة على الصمود أمام تأثيرات جائحة كورونا (COVID-19) بشكلٍ أفضل من قطاع الطاقة النووية. ومنذ 2009، انخفضت تكاليف الطاقة الشمسية على نطاق المرافق بنسبة 90% والرياح بنسبة 70%، بينما زادت تكاليف الطاقة النووية بنسبة 33%.

وفي 2020، وصل النمو السنوي لتوليد الكهرباء في العالم من الطاقة الشمسية 21%، و12% من طاقة الرياح، وفي المقابل انخفض توليد الكهرباء من الطاقة النووية بنسبة 4%. حيث شهدت 2020 أول مرة تولد فيه مصادر الطاقة المتجددة غير المائية طاقةً أكبر من المفاعلات النووية.

على جانب آخر، هناك أدلة على أن مفاعلات الطاقة النووية مُعرَّضة لمجموعة من الاضطرابات المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بالمناخ. وفي هذا الصدد، يلقي التقرير الضوء على تأثير الطقس على إنتاج الطاقة النووية بين عامي 2015 و2020 في فرنسا، حيث إن الطقس السيئ كان مسؤولاً عن انقطاع الطاقة أو تخفيضها في المفاعلات النووية لآلاف الساعات، وقُدرت الخسارة بحوالي 0.4% من الإنتاج النووي السنوي الفرنسي؛ وهو ما يعني أن الاضطرابات المرتبطة بالطقس على الأسطول النووي الفرنسي ما زالت معتدلة.

ويختتم التقرير بأنه لا تزال دراسة الآثار الأمنية للتفاعلات المناخية النووية غير كافية، لا سيما في بيئات مناخية مغايرة كما هي الحال في الشرق الأوسط أو بنجلاديش على سبيل المثال، حيث يمكن أن يكون للطقس المتطرف غير المتوقع آثار ضارة بشكل خاص إذا تزامن مع حادث نووي.

المصدر:

Mycle Schneider and Antony Froggatt. (2021) World Nuclear Industry Status Report, Mycle Schneider Consulting, Paris.