أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

قطر والقمة الخليجية

11 ديسمبر، 2018


عجبت لعديد من ردود الأفعال التي أعقبت توجيه العاهل السعودي الدعوة لأمير قطر لحضور القمة الخليجية التي انعقدت بالرياض منذ يومين، ففور الإعلان عن توجيه الدعوة اتصلت بي إحدى الصحفيات لتسألني في موضوع وصفته بأنه بالغ الأهمية فلما استفسرت عن كنه هذا الموضوع إذا بها تسأل عن دلالة توجيه الدعوة، وهل تعني قرب حل الأزمة بين قطر والرباعي العربي المقاطع لها،. وفي التحليل السياسي الذي يتناول ظواهر معينة، ويحاول التنبؤ بتطوراتها المستقبلية كثيراً ما يشير المرء إلى عدد من السيناريوهات المحتملة، نظراً لتعقد الظواهر موضوع التحليل في كثير من الحالات، لكن ثمة ظواهر أخرى تكون من الوضوح بحيث لا تحتمل إلا تفسيراً واحداً يساعد بدوره على التنبؤ المحدد بالتطورات المستقبلية المتعلقة بهذه الظواهر، وقد أجبت عن السؤال الذي وُجه إلي بأنه لا دلالة على الإطلاق لتوجيه الدعوة السعودية إلى أمير قطر لحضور القمة بالنسبة للأزمة الناشبة بين بلده وثلاثة من أعضاء المجلس لسبب بسيط للغاية، وهو أن مجلس التعاون الخليجي مؤسسة لها آلياتها المستقرة، ومن هذه الآليات انعقاد قمم دورية، وقطر رغم خلافها البيّن مع السعودية والإمارات والبحرين مازالت عضواً بالمجلس الذي لم يتخذ قراراً بفصلها ولا هي طلبت حتى الآن الخروج، ومن ثم فإن القواعد الإجرائية المرعية والاعتبارات البروتوكولية تحتم توجيه الدعوة لقطر لا أكثر ولا أقل، دون أن يكون لهذا أدنى علاقة من قريب أو بعيد بالأزمة الحالية مع قطر.

سُئلت بعد ذلك سؤالاً اعتبرته بديهياً بدوره ويتعلق بتلبية أمير قطر الدعوة السعودية فأجبت بأن هذا قد يكون خاضعاً للاحتمال لكن يقيني أنه لن يحضر، وقد كان. وسندي في هذا السلوك القطري تجاه قمة الظهران الأخيرة التي مُثلت قطر فيها بمندوبها الدائم في الجامعة العربية، أي بتمثيل دون المستوى الوزاري، فهل تغيرت الظروف قبل قمة الرياض الخليجية حتى يتغير الوضع؟ في الواقع أن المؤشرات كافة تشير إلى أنه ازداد سوءاً، ومن لديه أدنى شك في هذا عليه أن يتابع سلوك الآلة الإعلامية القطرية المتمثلة في قناة «الجزيرة» في الآونة الأخيرة والتي لم تترك أدنى فرصة إلا واستغلتها في محاولة لتشويه الصورة السعودية حتى بدا هذا السلوك وكأن همه الوحيد وغايته المثلى هما الإمعان في هذا التشويه، فكيف يمكن أن نتصور أن يحضر أمير قطر القمة في هذه الظروف، وفي إطار هذا السلوك؟ والأعجب أني سُئلت بعد ذلك عن الأمل في أن تخطو القمة أي خطوة لحلحلة الأزمة، فأجبت بأن هذا من رابع المستحيلات لأن السبب في تفجر الأزمة هو سلوك النظام القطري تجاه جيرانه في الخليج، بل وعلى امتداد الوطن العربي، وهو سلوك اعترف به النظام القطري ذاته بدليل توقيع أمير قطر على تعهدات بتغيير هذا السلوك، وهي تعهدات لم يلتزم بها غير مرة فأدت أولاً إلى سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة. وبعد توسط أمير الكويت وانتهاء الأزمة عاود النظام القطري سلوكه الذي أدى ثانياً إلى قطع الدول الثلاث بالإضافة إلى مصر -التي عانت بدورها كثيراً من هذا السلوك- علاقاتها الدبلوماسية مع النظام القطري ومقاطعته، وطالما أن هذا السلوك لم يتغير بل إنه على نحو ما سبقت الإشارة إليه قد تفاقم في الآونة الأخيرة فعن أي حلحلة للأزمة نتحدث؟

لقد أصاب سلوك النظام القطري مجلس التعاون الخليجي بضرر جسيم، يحاول المخلصون كافة مواجهة تداعياته، وطالما ثابر هذا النظام على نهجه الحالي فإن تعزيز مسيرة المجلس الذي اعتُبر دائماً المثال الوحيد الباقي على تجمع عربي فرعي فعال لا يمكن أن يمر عبر بوابة النظام القطري، الذي يبدو مع كل يوم يمر أكثر إصراراً على سياساته الشاردة، ولقد ذكر وزير الخارجية القطري في كلمة ألقاها مؤخراً في «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي» أن «قطر وجدت خارج جوارها الجغرافي أصدقاءٍ وحلفاءَ في مناطق مختلفة من العالم»، وهو إنجاز كان من الممكن أن يكون مدعاة للاعتزاز لولا أن الأصل أن يسعى النظام القطري إلى أن يكون مقبولاً من محيطه الطبيعي المباشر ومتفاعلاً معه لخير الجميع لا أن يسعى لتقويض إنجاز كبير يوشك أن يُكمل عقده الرابع.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد