أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

تحول لافت:

لماذا عادت بعض "فتيات تشيبوك" إلى "بوكو حرام"؟

05 سبتمبر، 2017


يبدو أن ثمة متغيرات جديدة بدأت تدفع بعض العناصر إلى الانضمام للتنظيمات الإرهابية أو عدم الانفصال عنها، بشكل قلص، إلى حد ما، من أهمية وتأثير الدوافع التقليدية التي كانت تفسر قدرة تلك التنظيمات على تجنيد واستقطاب هذه العناصر، على غرار المزايا المادية التي توفرها.

وقد كان لافتًا في هذا السياق أن تلك المتغيرات باتت تدفع بعض النساء إلى تبني هذه الخطوة تحديدًا، على غرار ما حدث في نيجيريا، عندما أصرت بعض طالبات مدينة تشيبوك في شمال نيجيريا، اللاتي اختطفتهن حركة "بوكو حرام" في إبريل 2014، على البقاء داخل معاقل الحركة وعدم العودة إلى منازلهن، في إطار الاتفاق الذي أبرمته الحركة مع السلطات، في 7 مايو 2017، والذي قضى بالإفراج عن خمسة من عناصرها مقابل تحرير 82 طالبة من بين 276 طالبة قامت باختطافهن.

ورغم قلة عدد الطالبات اللائي فضلن البقاء داخل معاقل الحركة، حسب بعض التقديرات، إلا أن ذلك أثار تساؤلات عديدة لدى المراقبين، لا سيما في ظل التقارير التي أصدرتها بعض المنظمات الدولية والتي كانت تشير إلى الانتهاكات العديدة التي تعرضن لها من قبل عناصر الحركة بعد اختطافهن في عام 2014.

اهتمام ملحوظ:

أبدت حركة "بوكو حرام" اهتمامًا ملحوظًا بزيادة عدد النساء داخل صفوفها سواء من خلال تجنيد بعضهن بوسائل مختلفة أو عبر خطفهن أو ضمهن من عصابات الإتجار بالبشر مقابل حصول الأخيرة على بعض الأموال.

وربما يمكن تفسير ذلك في إطار اتجاه الحركة، خلال الأعوام الأخيرة، إلى الاعتماد عليهن في تنفيذ بعض العمليات الإرهابية، خاصة الهجمات الانتحارية، حيث تتقلص الرقابة التي يمكن أن تتعرض لها الانتحاريات في هذا السياق بالمقارنة بالانتحاريين، بشكل يجعلهن أقل عرضة للتفتيش من قبل عناصر الأجهزة الأمنية. وقد اعتبرت بعض الاتجاهات أن هذه الخصائص حولت المرأة المنضمة للحركة إلى "ناقل متحرك للأسلحة والمتفجرات" التي تسعى الحركة إلى تجنب رصدها من قبل السلطات.

وكان من أبرز العمليات الإرهابية التي قامت بها امرأة، الهجوم الانتحاري الذي وقع في محطة حافلات في شمال شرق نيجيريا في 15 ديسمبر 2015، والذي أسفر عن مقتل سبعة أشخاص وإصابة العشرات. كما قامت انتحارية بتنفيذ هجوم في مسجد في مايدوغوري، في 17 يوليو 2017، وهو ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة 15 آخرين.

وقد أشارت دراسة حديثة أصدرها مركز مكافحة الإرهاب في الأكاديمية العسكرية الأمريكية "ويست بوينت" في أغسطس 2017، إلى أن مجموع العناصر الانتحارية التي كلفتها الجماعة بتنفيذ عمليات، أو "الذهاب إلى الموت" حسب وصفها، بلغ 434 شخصًا مثلت الانتحاريات 56% منهم، وذلك خلال الفترة من إبريل 2011 وحتى يونيو 2017، وهو ما يعد أكبر مشاركة للنساء في العمليات الانتحارية في تاريخ التنظيمات الإرهابية.

أسباب مختلفة:

يمكن تفسير عودة بعض الفتيات إلى حركة "بوكو حرام" في ضوء بعض الاعتبارات التي تتمثل في:

1. آليات الدمج: أشارت اتجاهات عديدة إلى أن الحركة تبنت مجموعة آليات لتجنيد النساء، منها تقديم المساعدات المالية والاجتماعية، مستغلة متغيرات مثل ارتفاع نسبة الفقر وتراجع مستويات التعليم في بعض المناطق. كما ركزت الحركة على إسناد بعض المهام الدعوية والتنظيمية للنساء، خاصة طالبات تشيبوك بعد أن قامت بتدريبهن وتلقينهن أفكارها المتطرفة. وسعت أيضًا إلى ربط بعض الطالبات اجتماعيًا بها، وذلك عبر تزويج بعضهن إلى عدد من عناصرها. لكن هذه المزاعم لا تتسامح، في رؤية اتجاهات أخرى، مع المعطيات الموجودة على الأرض، التي تكشف أن الحركة ارتكبت انتهاكات ممنهجة جسدية ونفسية ضد الطالبات. وقد رصدت تقارير دولية أخرى عددًا من تلك الانتهاكات على غرار إجبار بعضهن على الزواج من عناصر الحركة واعتناق دين آخر وتغيير أسمائهن في بعض الأحيان.

2. تداعيات ما بعد العودة: تمثل المعاملة التي قوبلت بها بعض الفتيات عند عودتهن من أماكن اختطافهن عاملاً آخر ربما يكون ساهم في إصرارهن على البقاء في معاقل الحركة وعدم الانفصال عنها، خاصة أن بعضهن تزوجن بعناصر من الحركة، بشكل أثر على علاقاتهن مع المكونات الاجتماعية المحيطة، حيث اتسمت بالارتياب المستمر، وهو ما يشير إلى أهمية الدور المجتمعي في الحيلولة دون تبني الأفراد لأفكار وتوجهات التنظيمات الإرهابية المختلفة واتجاههم إلى الانضمام إليها.

3. الأوضاع الاقتصادية الصعبة: عانت بعض الفتيات من أوضاع اقتصادية صعبة سواء قبل اختطافهن أو بعد عودتهن إلى مناطقهن الأصلية، في ظل تصاعد مستويات الفقر وتراجع الاهتمام بتقديم الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وغيرها. وبالطبع، فإن المتغير الاقتصادي كان بصفة دائمة أحد أهم المتغيرات التي تساعد التنظيمات الإرهابية في تجنيد مزيد من العناصر المتطرفة، خاصة التي سعت باستمرار إلى توفير مصادر تمويل متعددة، مثل التبرعات وفرض الضرائب والحصول على فدى من عمليات الاختطاف وغيرها. وعلى سبيل المثال، أشارت تقارير عديدة إلى أن حركة "بوكو حرام" حصلت على 3.15 مليون دولار نظير إطلاق أسرة فرنسية كانت قد قامت باختطافها في فبراير 2013.

4. غياب برامج التأهيل: والتي يمكن أن تساعدهن في التخلي عن الأفكار والتوجهات المتطرفة التي حاولت الحركة ترسيخها خلال فترة اختطافهن، بشكل يقلص من احتمالات عودتهن من جديد إلى معاقلها، أو إقدامهن على تنفيذ عمليات إرهابية أو محاولة نشر تلك الأفكار لدى الفئات المحيطة بهن.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إنه رغم قلة عدد الفتيات اللاتي عدن إلى حركة "بوكو حرام"، مرة أخرى بعد إطلاق سراحهن، إلا أن ذلك يمثل مؤشرًا خطيرًا يكشف عن قدرة الحركة على استقطاب بعض العناصر النسائية، وتوظيفهن بشكل يخدم أهدافها المتطرفة، خاصة في ظل استخدامها المتصاعد لهن في تنفيذ بعض العمليات الانتحارية، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى المطالبة بضرورة الاهتمام بالمناطق الفقيرة ورفع مستوى الخدمات المعيشية المختلفة، وتوفير المساعدات الطبية والنفسية والاجتماعية، وتدشين حملة غير تقليدية لإعادة إدماج الفتيات المحررات من جديد داخل المجتمع، بشكل يقلص من قدرة الحركة مستقبلاً على استقطاب مزيد من العناصر للانضمام إليها.