أخبار المركز

الأهرام:

إلى أين يتجه الشرق الأوسط؟

14 مايو، 2024


شهدت منطقة الشرق الأوسط اضطرابات إقليمية متسارعة فى أعقاب هجمات حماس على إسرائيل فى 7 أكتوبر 2023 وتداعياتها التى تمثلت فى خوض إسرائيل حرباً غير مسبوقة على جبهة غزة، وتصعيد تبادلى بينها وبين وكلاء إيران، وهو ما انعكس على دائرة أوسع فى الجوار تشمل لبنان، وسوريا، والعراق، ثم دائرة جوار الجوار فى ظل تهديد الحوثيين للملاحة فى جنوب البحر الأحمر، مما يشير إلى أن 7 أكتوبر أصبح تحولا مفصليا فى الشرق الأوسط. تداعيات هذا التحول وتأثيراته المستقبلية على المنطقة فيما يتعلق بظواهر الحرب والصراع يحللها كتاب»الكوابح والمحفزات.. حروب الشرق الأوسط»، الصادر أخيرا عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، بتحرير أحمد عليبه، وشارك فى إعداده عدد من الخبراء فى الشئون الاستراتيجية، من الولايات المتحدة (هبة القدسي)، ومصر (سعيد عكاشة)، والعراق (د. إحسان الشمري)، ولبنان (العميد خليل الحلو)، واليمن (حسام ردمان).

يتمحور الكتاب حول تشخيص دورات التصعيد، وحالة عدم الاستقرار الممتدة فى الشرق الأوسط، وهو ما يعود إلى أن محفزات حالة عدم الاستقرار باتت أكبر من الكوابح، التى يمكن أن توقفها أو تعمل على خفض التصعيد، تمهيدا لبدء عملية سياسية. وانطلاقا من هذه الفكرة الرئيسية، هناك ستة محاور فرعية يتناولها المشاركون بشكل تفصيلي.

يحلل الكتاب الحالة الأمنية بالشرق الأوسط، فى إطار مقاربة الحروب والصراعات التى يشهدها الإقليم، والانتقال من متوالية الأزمات إلى الانفجار المتسلسل. كما يشير إلى أن الإقليم فى حالة ذروة انتشار عسكرى طارئة كاستجابة للأوضاع الأمنية مع عدم امتلاك أى طرف «استراتيجية ردع»، لكنها قد تتحول إلى حالة مستدامة فى إطار استراتيجيات الانتشار الدولى والإقليمى فى إطار خريطة التنافس الجيوسياسى .

ويرى المحرر أن خريطة إعادة تشكيل مراكز القوة الإقليمية تتوزع بين أربع كتل رئيسية فى الإقليم تتعاطى مع التطورات الراهنة، وهي: كتلة التصادم، وتمثلها القوى المنخرطة فى الحرب (إسرائيل وإيران)، وكتلة تحالف الدفاع، (أمريكا ويمكن إضافة بريطانيا وفرنسا إليها)، وكتلة الاتزان، وهى الأطراف العربية (الخليج ومصر تحديدا)، وهى القوة التى تسعى دائما إلى الحد من تداعيات الحرب فى المنطقة، وتسعى لتبريد الموقف قدر المستطاع.وأخيرا كتلة المتضررين المباشرين، وهى أطراف تطولها الآثار الجانبية للصراع مثل لبنان وسوريا واليمن، ومصر.

يناقش المنظور الأمريكى للإقليم والذى يتبنى استراتيجية اللاستراتيجية خلال التركيز على تعامل إدارتى الرئيس دونالد ترامب، الجمهورية السابقة، والإدارة الحالية للرئيس جو بايدن، لقضايا الشرق الأوسط، مبرزا كيف يصعب تقليص النفوذ الأمريكى بالشرق الأوسط لأن المنطقة تفرض نفسها على الأجندة الأمريكية. ويُنظر إلى المرحلة الحالية فى الشرق الأوسط باعتبارها مرحلة فاصلة فى سياسات الولايات المتحدة تجاه المنطقة، خاصةً فى ظل تصاعد التوتر الإقليمى والمخاوف من حرب إقليمية واسعة النطاق.

يقدم الكتاب تشريحا تفصيليا لمتغير عقيدة الأمن القومى الإسرائيلى ما بعد هجمات 7 أكتوبر2023، وينطلق من اعتراف النخبة الإسرائيلية بانهيار عقيدة الأمن القومى الإسرائيلى بمكوناتها التقليدية؛ ويقدم تصوراً حول ما يدور فى الداخل الإسرائيلى من تصورات؛ ستشكل ملامح مستقبل التغير فى عقيدة الأمن القومي، والعقيدة القتالية.

ويرسم بانوراما شاملة لأدوار وكلاء إيران، والأيديولوجيا الإيرانية، التى تشكل محور السياسة الإقليمية لإيران، وفيما يتعلق بالحرب على غزة، يشير إلى أن طهران أجادت (فن اللعب بالنار) فى الأشهر الستة الأولى للحرب، مؤكد تكلفة الحرب على الطرفين الإيرانى والإسرائيلي، وأن الانزلاق إليها بات واردا أكثر من أى وقت مضى.

يسلط الكتاب الضوء أيضا على العراق فى تحليله لمقاربة التوازن الهش من موقع العراق كأداة توازن بين الولايات المتحدة وإيران، وهى الأداة التى كانت متغيرة بحسب حضور وموازين القوى، وقدرة الطرفين على التأثير فى الحكومات العراقية المختلفة. ويشير إلى أن العراق يواجه مأزقا فى إدارة التوازن الهش ما بين طهران وواشنطن فى ظل حالة الاستقطاب الحاد الراهنة، ولن يحل هذا المأزق سوى بالشراكة مع القوى الإقليمية الرئيسية.

ولا يغفل تحليل الموقف الحوثى فى اليمن، وينطلق من مرحلة ما بعد حرب غزة، من مدخل الانخراط الحوثى فى الحرب، ودوافع ميليشيا الحوثيين لعسكرة البحر الأحمر، بما يشكل مرتكزا جديدا فى حروب الشرق الأوسط، وكيف توظف إيران هذا الحضور ليس فقط على صعيد المواجهة مع إسرائيل، بأشكالها المختلفة، ولكن أيضا كركيزة لسياساتها الإقليمية فى الانتقال إلى الضفة الأخرى من البحر الأحمر كالسودان والقرن الإفريقي. كما يتناول انعكاسات المواجهة العسكرية، التى تقودها الولايات المتحدة لتقويض التهديد الحوثى للملاحة.

يؤكد المحرر أنه فى ظل اختلال التوازن الإقليمى الراهن، ترجح كفة «محفزات» الحروب والصراعات مقابل كفة «الكوابح»، ومن ثم فإن العودة إلى الكوابح تظل هى الخطوة الأولى فى سلم الوصول إلى حالة «التبريد» لبدء دورة «الاستقرار» الإقليمي. فالكوابح التقليدية تآكلت، فقد انتهت سياسة المحاور، وظهرت خريطة قوى قيد التشكل، بعضها يسعى إلى استدامة وتطور دورة التصعيد، مقابل قوى تتبنى سياسة الاتزان الإقليمي.

*لينك المقال في الأهرام*