أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

أهداف متعددة:

انتشار ظاهرة "التطوع العسكري" في صراعات الإقليم

28 سبتمبر، 2016


لم تعد ظاهرة التطوع في مناطق الصراع بالشرق الأوسط مقتصرة على الجانب الإنساني فقط، حيث امتدت أيضًا إلى المشاركة في المواجهات المسلحة، سواء إلى جانب القوات النظامية، أو ضمن قوات المعارضة المسلحة، أو إلى جانب التنظيمات الإرهابية التي باتت تستغل حالة الفوضي في دول الصراعات من أجل التمدد والانتشار وتجنيد مزيد من المقاتلين المحليين والأجانب، لا سيما في ظل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى محاصرتها والقضاء عليها.

ورغم أن تلك الظاهرة لا تبدو جديدة، حيث بدأت بعض القوى في الاستناد إليها للتعامل مع التطورات التي تشهدها الصراعات الإقليمية في المنطقة، ولا سيما الصراع في سوريا، إلا أنها بدأت خلال الفترة الأخيرة تكتسب أبعادًا جديدة لم تكن موجودة من قبل، يمكن تركيزها في بعدين رئيسيين:

الأول، هو أن تلك الظاهرة لم تعد حكرًا على القوى الإقليمية الفاعلة في مناطق الأزمات، على غرار إيران التي تبنت تلك السياسة منذ فترة طويلة، بل إنها امتدت أيضًا إلى بعض القوى الدولية، مثل روسيا، بشكل بات يشير إلى أن الآليات التي كان يتم توظيفها على الساحة الإقليمية لتحقيق أهداف خاصة بدولة ما، انتقلت إلى الساحة الدولية بعد أن باتت بعض القوى الدولية مقتنعة بأن تلك الآليات تبدو ملائمة للطبيعة الخاصة للصراعات المسلحة التي تشهدها دول عديدة في المنطقة، لا سيما أنه لا يمكن النظر إلى تلك الصراعات من زاوية كلاسيكية، على غرار الصراعات السابقة التي شهدتها المنطقة والعالم، في ظل السمات الخاصة التي باتت تتسم بها، خاصة على المستويين الطائفي والقبلي، وهى السمات التي تهيئ المجال بشكل كبير أمام انتشار تلك الظاهرة على نطاق واسع.

والثاني، هو أن ارتفاع وتيرة التطوع العسكري في مناطق الصراع في الشرق الأوسط لا يعود فقط لدواعٍ اقتصادية، رغم أنها تمثل أحد المتغيرات الرئيسية في هذا السياق، وإنما يعود أيضًا إلى اعتبارات أخرى خاصة بالتقارب الطائفي والعرقي على سبيل المثال، الذي يمثل متغيرًا عابرًا للحدود، والحرص على تقليص تكلفة التدخل العسكري المباشر وغيرها. 

مؤشرات عاكسة:

يستند انتشار ظاهرة التطوع العسكري في مناطق الصراع بالشرق الأوسط إلى عدد من المؤشرات الرئيسية التي تتمثل في: 

1- اتجاه روسيا إلى استقدام نحو 3000 روسي للمشاركة في المواجهات المسلحة في سوريا إلى جانب قوات النظام السوري وحلفائها، حيث تم نقل معظمهم من قبل قوات النظام والقوات الروسية إلى منطقة السفيرة بريف حلب الجنوبي الشرقي. ورغم أن تلك الخطوة تم اتخاذها، وفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، في غضون أواخر أغسطس وبداية سبتمبر 2016، إلا أن روسيا بدأت في تمهيد المجال لها بالتزامن مع قرارها بالتدخل العسكري في الصراع السوري في سبتمبر 2015، حيث سمحت السلطات الروسية، في أكتوبر 2015، لما يسمى بـ"الحركة التطوعية العسكرية الروسية" بالإعلان عبر موقعها الإليكتروني عن فتح باب التطوع أمام الراغبين في الذهاب إلى سوريا للمشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب القوات السورية ضمن قوام ما أطلقت عليه "البعثة الروسية".

2- حرص إيران على مواصلة تشكيل مجموعات وميليشيات مسلحة تضم متطوعين شيعة من الدول التي تضم طوائف شيعية على غرار باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان وسوريا، وذلك للمشاركة في المعارك المسلحة إلى جانب النظام السوري. وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن عدد المقاتلين الذين جندتهم إيران ضمن ما يسمى بـ"لواء الفاطميين" الذي يضم شيعة أفغان بحجة التطوع للدفاع عن ضريح السيدة زينب في العاصمة السورية دمشق، يتراوح ما بين 4 إلى 14 ألف مقاتل أفغاني. في حين تكشف تقديرات أخرى أن عدد المقاتلين الباكستانيين ضمن ما يسمى بـ"لواء زينبيون" يتراوح ما بين ألف إلى 5 آلاف مقاتل. ويضاف إليهم المتطوعون الإيرانيون والعراقيون الذين تقوم إيران بإرسالهم إلى مناطق الصراع في سوريا، للدفاع عن مصالحها والعمل على منع سقوط النظام السوري.

3- تطوع عدد من المسيحيين الأجانب في فصيل "دويخ ناوشا" الذي يعني باللغة السريانية "فداء النفس" والذي أسسه مسيحيون آشوريون، للمشاركة في العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش" في شمال العراق، خاصة بعد الانتهاكات التي ارتكبها التنظيم ضد الآشوريين في شمال العراق، حيث اكتسب بعض المتطوعين خبرات عسكرية بارزة نتيجة انضمامهم قبل ذلك إلى القوات المسلحة في بعض الدول الغربية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أشار المتحدث باسم "وحدات حماية الشعب الكردي"، في سبتمبر 2015، إلى أن عدد الأمريكيين الذي يقاتلون إلى جانب الميليشيا الكردية ضد تنظيم "داعش" وصل إلى 100 أمريكي، بعضهم خدم قبل ذلك ضمن القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق.

4- مشاركة المجندة الإسرائيلية غال روزنبرج، التي تحمل الجنسية الكندية أيضًا، في عمليات "وحدات حماية الشعب الكردي" ضد تنظيم "داعش"، في نهاية عام 2014 ولمدة ثمانية أشهر، حيث كانت أول امرأة أجنبية تنضم للحرب ضد التنظيم ضمن الميليشيا الكردية، وذلك قبل أن تعود إلى إسرائيل مرة أخرى في يوليو 2015.

دوافع متعددة:

لم تعد المزايا المالية التي توفرها المشاركة في العمليات العسكرية في مناطق الصراع هى المتغير الوحيد الذي يمكن من خلاله تفسير انتشار ظاهرة التطوع في تلك المناطق رغم أنها ما زالت المتغير الأهم في هذا السياق، حيث يمكن القول إن ثمة اعتبارات أخرى ساهمت في ذلك، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- تقليل الأعباء التي يفرضها التدخل العسكري في مناطق الصراع: تسعى روسيا بشكل واضح إلى استقدام عناصر روسية وأجنبية للمشاركة في العمليات العسكرية التي تقودها في سوريا من أجل تقليص خسائرها البشرية المحتملة في حالة رفع مستوى انخراطها عسكريًا في الصراع، وتمهيد المجال أمام نشر جماعات مسلحة موالية لها داخل سوريا، في ظل استمرار عزوفها، حسب اتجاهات عديدة، عن التنسيق مع الميليشيات الموالية لإيران والنظام السوري، على غرار حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية القادمة.

2- الحرص على عدم الدخول في مواجهات عسكرية مباشرة: تتبنى إيران دائمًا سياسة "الحرب بالوكالة"، وذلك عبر تأسيس ميليشيات محلية في مناطق الصراع المختلفة تسعى إلى حماية مصالحها من خلالها ودعم دورها ونفوذها داخل الدول التي تنشأ فيها تلك الميليشيات على غرار اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وهو ما يفسر التصريحات التي دأب بعض المسئولين الإيرانيين على الإدلاء بها خلال الفترة الأخيرة، والتي تشير إلى العلاقات الاستراتيجية التي تربط إيران بتلك الميليشيات وإلى عدم تراجع الدعم الإيراني لتلك الميليشيات حتى بعد الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في يوليو 2015.

3- التماهي مع السياسات التي تتبناها الأطراف المنخرطة في تلك الصراعات: يبذل بعض قادة دول وسط آسيا والقوقاز التي تحظى فيها روسيا بنفوذ واضح، جهودًا حثيثة من أجل دعم السياسات التي تتبناها روسيا في التعامل مع أزمات المنطقة، وهو ما يبدو جليًا في دعوة رئيس الشيشان رمضان قاديروف، في أكتوبر 2015، إلى إرسال "كتائب شيشانية" لدعم المجهود العسكري الروسي في سوريا والمشاركة في العمليات العسكرية إلى جانب القوات النظامية والميليشيات الحليفة لها. 

4- الرد على نجاح التنظيمات الإرهابية في تجنيد مجموعة من العناصر الأجنبية: على غرار انضمام مجموعة من المتطرفين القادمين من دول وسط آسيا والقوقاز إلى تنظيم "داعش"، بل وتوليهم مناصب رئيسية داخل التنظيم، مثل أبو عمر الشيشاني الذي كان يوصف بـ"وزير الحرب" في التنظيم، وقد قتل في يوليو 2016، حيث ينحدر من وادي بانكيسي بجورجيا وقاتل ضد القوات الروسية في الشيشان قبل أن يتجه للانضمام إلى صفوف "داعش".

وهنا، فإن أحد الاتجاهات بات يشير إلى أن أحد أسباب تغاضي بعض الدول عن ظاهرة تطوع مواطنيها للمشاركة في الصراعات المسلحة بالمنطقة يعود إلى رغبتها في إبعاد المتطرفين المحليين عن أراضيها، بشكل يعزز من قدرتها على حماية أمنها ويقلص من احتمالات تعرضها لعمليات إرهابية من جانب هؤلاء المتطرفين الذين قد يحاول بعضهم العودة من جديد إلى موطنه الأصلي.

5- عدم الرضا عن دور الدول الغربية في مواجهة التنظيمات الإرهابية: تشير اتجاهات عديدة إلى أن أحد العوامل التي دفعت بعض الأجانب للتطوع في مناطق الصراع، يتمثل في النتائج الضعيفة، في رؤيتهم، التي أسفرت عنها مشاركة تلك الدول في الحرب ضد تنظيم "داعش"، الذي ما زال يمتلك القدرة على توجيه ضربات لتلك الدول، على غرار ما حدث في بروكسل وباريس. وبعبارة أخرى، فإن مشاركة بعض الأجانب الذين يمتلكون خبرات عسكرية بسبب قيامهم بمهام عسكرية سابقة ضمن القوات المسلحة لدولهم، يمكن أن تساعد، وفقًا لهم، في زيادة حجم الخسائر البشرية والمادية لتنظيم "داعش" بسبب الضربات العسكرية التي يتعرض لها.

6- الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها عناصر تنظيم "داعش" في المناطق التي تقطنها الأقليات: اتجه بعض المسيحيين الأجانب إلى المشاركة في الميليشيات المناطقية التي تم تكوينها في بعض مناطق شمال العراق للدفاع عنها ضد هجمات "داعش"، خاصة بعد الانتهاكات التي تعرضت لها بعض الأقليات مثل الأيزيديين والأشوريين.

وفي النهاية، يمكن القول إن ظاهرة تطوع الأجانب في مناطق الصراع بالشرق الأوسط يبدو أنها سوف تتصاعد خلال المرحلة القادمة، في ظل غياب المؤشرات التي يمكن أن تعزز من احتمالات الوصول إلى تسويات سياسية للأزمات الإقليمية في المرحلة القادمة، بسبب اتساع نطاق الخلافات بين الأطراف المعنية بتلك الأزمات.