أخبار المركز
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)
  • د. أحمد قنديل يكتب: (أزمات "يون سوك يول": منعطف جديد أمام التحالف الاستراتيجي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة)
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)

انعكاسات مضادة:

كوابح اندلاع "ثورات الجياع" في المنطقة العربية

01 نوفمبر، 2016


على الرغم من بروز دعوات أو تخوفات أو تحذيرات مما يطلق عليه "انفجارات الجوع" في عدد من الدول العربية، سواء قبل اندلاع الحراك الثوري أو بعد تزايد مضاعفاته، خاصة خلال عام 2016، إلا أن احتمالات تحققها تبدو مستبعدة، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية السياق الداخلي، لعدة اعتبارات، منها انتهازية القوى السياسية الداعمة للتحركات الثورية، والتخوف من سياقات الفوضى الإقليمية، والذاكرة الجمعية التاريخية السلبية، والمفارقة بين الدعوات الاحتجاجية والأوضاع الميدانية، وتعاظم قبضة الأجهزة الأمنية "المناطقية"، ودعم اقتصاديات الصراعات الداخلية المسلحة، ووجود اقتصاديات موازية غير رسمية، وغياب الخيارات البديلة لنظم الحكم القائمة.

إن ما يقصد به "ثورة جياع" هو اندلاع انتفاضة موسعة ضد الحكومة، تنبع من الفقراء والمهمشين، وغير المتعلمين، ولا تقتصر على قوى المعارضة السياسية والقوى الدينية التقليدية، للاعتراض على عدم توافر أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية، إذ يمثل توفير الغذاء الآلية الأساسية للسيطرة الاجتماعية. وفي حال عدم الاستجابة الحكومية لمطالب المحتجين، وتجاهل النتائج العكسية للأوضاع الاقتصادية، تتزايد المواجهات مع قوات الأمن، ويحدث المزيد من العنف والعنف المضاد الذي سرعان ما تتحول شرارته إلى احتجاجات واسعة. ووفقًا للعديد من الأبحاث الدولية، فليس كل الجياع يحتجون، فضلا عن أن العديد من المشاركين في ثورات الجياع ليسوا جياعًا.

سياسات الشعوب:

وهنا تتحول الاحتجاجات على التهميش الاقتصادي والاجتماعي إلى ثورة ممتدة، وتؤدي إلى تتابع موجات الغضب الشعبي، فيما تطلق عليها بعض الأدبيات الدولية "سياسات الشعوب" أو "سياسات المواد التموينية" حينما تلقي الحكومات بأعباء ثقيلة على شرائح اجتماعية غير قادرة على التكيف معها.

وعلى الرغم من أن الحكومات قد يكون لها دور في ذلك بسبب تراجع الدعم أو تنامي شبكات الفساد في مشاريع الغذاء العامة، وضعف مراقبة أسواق المواد الغذائية؛ إلا أن المجتمعات قد يكون لها دور أيضًا، لا سيما مع الاتجاه لتخزين السلع بغرض المضاربة.

حالات متباينة:

هناك مجموعة من المؤشرات التي تعكس تطلعات أو مخاوف شرائح داخل النخبة والرأي العام في عدد من الدول العربية من حدوث "ثورات جياع"، خلال العامين الأخيرين، ومنها:

1- إطلاق دعوات إليكترونية: برزت دعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لنزول قطاعات من المصريين إلى الشارع في إطار ما أُطلق عليه "ثورة الغلابة" في 11 نوفمبر 2016، ولم يتضح بعد الجهة الداعمة لتلك التظاهرات، وإن كان المستفيد من إطلاقها وتنفيذها جماعة "الإخوان المسلمين" و"التحالف الوطني لدعم الشرعية".

كما أطلق نشطاء يمنيون، في أكتوبر 2016، عبر موقع "تويتر" حملة "أنا نازل" للتنديد بسياسة التجويع التي تتبعها حركة الحوثيين، ودعوة جميع اليمنيين في العاصمة صنعاء إلى الخروج والنزول للشارع، وكسر حاجز الخوف. وقد نشرت عدة وسائل إعلام يمنية بيانًا منسوبًا لهؤلاء النشطاء، تَمَثَّل مضمونه في الآتي: "بدلا من الموت جوعًا في البيوت يتوجب علينا كبارًا وصغارًا المشاركة في هذه التظاهرة، كفانا انتظارًا وأعلنوها مدوية بصرخات الغضب".

2- تنبؤات رموز المعارضة: خاطب الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي في السودان، المدعوين لحفل إفطار رمضاني بمقر الحزب بأم درمان عبر الهاتف من القاهرة في 28 يونيو 2016، بقوله: "إن بوادر ثورة جياع في الطريق إلى السودان وميلاد نظام سياسي جديد مع نهاية العام"، الأمر الذي يتطلب، في رؤيته، التنسيق بين حزبه والقوى السياسية والشبابية لتدشين نظام سياسي قائم على السلام العادل والتحول الديمقراطي.

3- تحذيرات نواب المجالس التشريعية: حذرت النائبة في البرلمان العراقي زينب البصري، في بيان لها في 15 يناير 2016، من اندلاع "ثورة جياع" ضد الحكومة، حيث قالت أن "الحكومة لا تراعي المصاعب المعيشية التي تواجه أغلبية العراقيين؛ إذ إن أصحاب الأفران يهددون برفع أسعار الخبز (الصمون) مما يهدد نصف الشعب العراقي بالمجاعة بسبب قلة استيراد الدقيق". وأضافت: "رغيف الخبز خط أحمر يمثل قوت الشعب العراقي الذي بات نصفه بمستوى أو تحت خط الفقر".

كما حذّر النائب في مجلس النواب المصري إيهاب العمدة، خلال جلسة مناقشة الموازنة العامة في 27 يونيو 2016، من "ثورة جياع" في الصعيد بسبب غياب الخدمات، وعدم تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة للاستثمارات في محافظات الصعيد، على نحو يعكس التنمية غير المتوازنة بين أقاليم الدولة، وهو ما اعترض عليه رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال وبعض أعضاء مجلس النواب، حيث إن مشكلة المرافق العامة لا تخص الصعيد بل مناطق مصر كلها، وهو ما ينطوي على تمييز قائم على التقسيم الجغرافي.

4- ترجيحات النشطاء المدنيين: أشار حسين العباسي رئيس الاتحاد العام التونسي، خلال حواره مع صحيفة "العربي الجديد" في 27 إبريل 2015، إلى احتمالات قيام "ثورة جياع" في ظل الأزمات المعيشية المستفحلة، وتجاهل مطالب العمال، واستمرار الفساد، وهو ما يتطلب تجميد الحكومة لارتفاع الأسعار ومراجعة أغلبها، خاصةً في المواد الأساسية. وأضاف: "الوضع الاقتصادي يؤشر إلى انفجار اجتماعي وشيك وفوضى اجتماعية لن نستطيع كبح جماحها في حال انفلتت. فالجوع كافر، ولا يمكن أن نمنع أحدًا من الإضراب في حال استمرت مأساته الاقتصادية والاجتماعية".

ومن هنا ربما يمكن تفسير رفض الاتحاد التونسي، في تصريحات تليفزيونية على القناة الوطنية التونسية في 1 أكتوبر الجاري، اتجاه الحكومة إلى وقف الزيادة في الرواتب حتى عام 2019. 

5- نتائج تقارير مؤشرات الجوع: يكشف مؤشر "الجوع العالمي" الصادر عن المعهد الدولي لأبحاث سياسات الغذاء، في أكتوبر 2016، عن وقوع دول عربية عديدة ضمن الدول الأكثر تعرضًا لفقر التغذية وانخفاض النمو ومعدل الوفيات بين الأطفال، مثل اليمن، وجيبوتي، وموريتانيا، والعراق.

عقبات متعددة:

لكن ما سبق لا ينفي أن هناك مجموعة من العوامل التي يمكن أن تعرقل اندلاع أو نجاح "ثورات الجياع" في دول عربية عدة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- انتهازية القوى السياسية الداعمة للتحركات الثورية: وهو ما ينطبق على جماعة "الإخوان المسلمين" في دعمها لإشعال ما أطلق عليه "ثورة 11/11" في مصر، إذ أنها لا تحظى بثقة القوى المدنية أو تعاطف الرأي العام منذ 30 يونيو 2013. فجماعة "الإخوان" قد تتعاون بشكل جزئي أو لحظي مع تكتل سياسي أو ائتلاف حزبي، ثم سرعان ما تنقلب عليه لاعتبارات براجماتية بحتة، وهو ما يتضح جليًّا بعد ثورة 25 يناير 2011.

فقد تحالفت الجماعة مع الأحزاب المدنية والحركات الشبابية لإسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ودخلت في شراكة مع "التحالف الديمقراطي" لحصد مقاعد الأكثرية في مجلسي الشعب والشورى في عامي 2011 و2012، وواصلت تحالفها مع القوى المدنية بهدف تأييد مرشحها (محمد مرسي) في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة. وفيما بعد، سعت الجماعة للانفراد بالحكم وإقصاء حلفائها، واتجهت نحو "أخونة" مؤسسات الدولة، وتبني خيار "المغالبة لا المشاركة"، وهو ما يفسر أسباب رفض قطاعات واسعة من الرأي العام المصري عودة جماعة "الإخوان" للمجال العام.

كما أن جماعة "الإخوان" لم تدعُ إلى تظاهرات للتنديد بغلاء الأسعار أو لتحقيق مكاسب اجتماعية للفقراء أو لمعارضة برنامج بيع أصول الدولة (الخصخصة) أو لرفض تعويم العملة الوطنية خلال عهد مبارك، الأمر الذي يضعف من مصداقيتها وتأثيرها في أوساط النخبة والرأي العام معًا، ومن ثم، فإن هناك اتجاهًا في الكتابات يرى أن المحدد الحاكم لفشل دعوة التظاهر في 11/11 هو الطابع الإخواني لها؛ حيث تهدف الجماعة إلى استغلال تداعيات برنامج الإصلاح الاقتصادي على قطاعات مجتمعية لتحقيق أهداف خاصة بها. 

دوامة الفوضى:

2- التخوف من سياقات الفوضى الإقليمية: يخشى معظم المواطنين في الدول المستقرة نسبيًّا من دعوات "ثورات الجياع"، لتخوفهم من المسارات المجهولة التي قد تتجه إليها، على نحو ما تُشير إليه أوضاع الفوضى المدمرة في ليبيا واليمن وسوريا والعراق بعد تحول الحراك الثوري إلى صراعات مسلحة بين قوى داخلية تدعمها أطراف إقليمية وقوى دولية، ولا توجد مؤشرات راهنة على تسوية هذه الصراعات، بل تتجه لمزيد من التعقيد، وتشير حسابات النتائج إلى أن المفاضلة بين الأوضاع الحالية والأوضاع المتوقعة بعد الثورة تصبح في صالح الأولى. 

وهنا، يخشى عدد كبير من المواطنين في هذه الدولة العربية أو تلك من حدوث تغيير في أوضاعهم الحالية، بل إن الحالة الراهنة قد تكون أفضل من زيادة التدهور وفقًا لرؤيتهم. 

وقد أكد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في حواره مع رؤساء تحرير الصحف القومية، في 15 أكتوبر 2016، على أن "الشعب المصري يدرك محاولات إدخال مصر إلى دوامة الضياع، ويصر على عدم الدخول إلى هذه الدوامة".

3- الذاكرة الجمعية التاريخية السلبية: لم تصل التطورات الثورية التي اجتاحت المنطقة العربية خلال عام 2011، إلى الجزائر، رغم حدوث تحركات احتجاجية محدودة ورغم وجود مقدمات متشابهة نسبيًا، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء الذاكرة الجمعية الجزائرية التي عايشت الصراعات الداخلية على مدى عقد، فيما أُطلق عليه "العشرية السوداء"، وهو ما دعا بعض الكتابات إلى الحديث عن "الاستثناء الجزائري" في ظل الربيع العربي. فرغم تشابه بعض المقدمات بين الجزائر ودول الثورات العربية، فقد اختلفت النتائج، بما يعني أن هناك "وضعية ثورية" لم تؤدِّ إلى "نتيجة ثورية" في الجزائر.

وفي هذا السياق، لم تتسع رقعة الاحتجاجات التي شهدتها مدن جزائرية بسبب غلاء الأسعار وسياسة التقشف التي شرعت الحكومة في تطبيقها منذ بداية عام 2016، رغم انطلاقها من مدينة تيزي أوزو وانتقالها إلى مدن سطيف وباتنة ثم إلى منطقة القبائل، لكنها تراجعت بعد مواجهات مع قوات مكافحة الشغب، ولم تمتد إلى مدن أخرى تخوفًا من عودة البلاد إلى عدم الاستقرار، لا سيما في ظل وعود حكومية بتقليص تأثر المواطن الجزائري بتداعيات الأزمة الاقتصادية، وخاصة ارتفاع الأسعار وتزايد الضرائب على أصحاب الدخول الضعيفة في ظل انخفاض أسعار النفط، حيث كانت الثورات في دول الجوار سببًا في تراجع أو انقطاع مصادر الدخل.

وبعبارة أخرى، فإن الإرث الثقيل والتجربة المريرة للجزائر مع وصول الإسلاميين للسلطة في التسعينيات وما أعقبه من تداعيات سلبية وحرب أهلية راح ضحيتها 200 ألف جزائري خلال عقد ونصف، بخلاف المفقودين والنازحين، كان كفيلا بعرقلة "ثورة جياع" محتملة. ولذا، تصاعدت تخوفات المواطنين من العودة إلى حالة العنف والعنف المضاد التي تصدرت المشهد الجزائري في عقد التسعينيات من القرن الماضي. وهنا، فإن أغلب قطاعات المجتمع الجزائري تعيش ما يمكن تسميته بمرحلة "نقاهة"، بما يعني أن معظم الجزائريين فضلوا المحافظة على الوضع القائم خوفًا من مجهول قد يكون مؤلمًا.

تناقض الفكرة:

4- المفارقة بين الدعوات الاحتجاجية والأوضاع الميدانية: إذ أن دولا عربية عدة لا تعاني من نقص حاد في المواد الأساسية مثل الخبز والأرز، والتي مثلت شرارة احتجاجات عربية عنيفة شهدتها دول مختلفة. فعلى سبيل المثال، اختفت في محافظات مصر مشاهد الوقوف أمام المخابز أو انتظام طوابير الأفراد أمام مستودعات البوتاجاز، فضلا عن وقوف عربات محاربة الغلاء التابعة للقوات المسلحة بما يقلل من الأعباء الملقاة على المواطنين.

بل من الملاحظ تزايد الإنفاق المجتمعي على الغذاء في الكثير من الدول التي يطلق فيها البعض تحذيرات من "ثورات جياع" بها. ووفقًا لتقديرات بعض المواقع الإليكترونية غير الرسمية، نقلا عن مصادر غربية وعربية لإحصاءات العام الحالي، فقد تصدرت الجزائر قائمة الدول العربية في حجم إنفاق الأسرة على الطعام، حيث بلغ 43,7% من دخلها السنوي، تليها مصر بنسبة إنفاق 43,6%، ثم المغرب بنسبة 40,5%، ثم الأردن بنسبة 40,4%، تليها تونس بنسبة 35,5%. 

واللافت في هذا السياق، هو أنه رغم أن اندلاع ثورات غالبًا ما يكون في المناطق الضعيفة من القشرة الأرضية، إلا أن ذلك لا ينفي أنه لم تظهر مساهمات ثورية للصعيد في ثورة يناير في مصر، أو الجنوب التونسي في ثورة الياسمين، أو المناطق المهمشة في ليبيا.

عنف الميلشيات:

5- تعاظم قبضة الأجهزة الأمنية "المناطقية": وهو ما ينطبق تحديدًا على الحالة السورية، إذ يسعى نظام الأسد إلى إخماد أية احتجاجات في المناطق الخاضعة لسيطرته أو لسيطرة الميلشيات الحليفة له، لا سيما في ظل ارتفاع أسعار المحروقات والاتصالات والسلع الأساسية بنسبة تصل إلى الضعف، على نحو أدى إلى تزايد التحليلات التي توقعت اندلاع "ثورات جياع مناطقية" في محافظة مثل السويداء نتيجة غلاء الأسعار، وغياب فرص العمل، واشتراط النظام إجبار الشباب على الانخراط في الميلشيات الداعمة لبقائه من أجل الحصول على الراتب.

وفي هذا السياق، فإن هناك اعتبارًا يتعلق بالقبضة الأمنية التي تعوق ثورة ضد أعوان النظام في المحافظة، لا سيما في ظل نجاحه التدريجي في استعادة المناطق الخارجة عن نطاق سيطرته منذ عام 2012، وهو ما يعود إلى التدخل الروسي المتعدد الأبعاد منذ 30 سبتمبر 2015 وحتى الآن. فضلا عن أن آثار الحرب الدائرة في بعض المناطق والمحافظات السورية لا تزال تمثل تهديدات حادة لمناطق مختلفة تحت سيطرة النظام، لا يريد قاطنوها تكرار نماذج الرقة ومضايا وحلب التي شهدت أوضاعًا مأساوية.

كما أن بعض الميلشيات المسلحة، وتحديدًا قوات "فجر ليبيا"، تصدت لما أطلقت عليه وسائل إعلام ليبية مظاهرات "ثورة الجياع" في شوارع طرابلس في فبراير ومارس 2016، بعد إغلاق مئات المخابز في العاصمة أبوابها في وجه المواطنين، وعجزها عن توفير الدقيق، بل تم إطلاق النار عليهم بهدف تفريق المظاهرات المطالبة بتوفير رغيف الخبز، وهو ما أشار إليه الدكتور عمر حسن القويري وزير الإعلام والثقافة الليبي السابق في صحيفة "الأهرام المسائي" في 14 فبراير 2016، حيث لم تكن هذه هي المرة الأولى التي اندلعت فيها احتجاجات غاضبة، بل سبقتها مظاهرات مماثلة في عام 2015.

6- دعم اقتصاديات الصراعات الداخلية المسلحة: تقاوم المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد تحول احتجاجات الغضب إلى ثورة لإدراكها للضغوط التي يتعرض لها النظام وضرورة دعم جبهاته في مواجهة قوى المعارضة المسلحة. وقد برز ذلك جليًّا بعد إصدار بشار الأسد مرسومًا في 18 يونيو 2016 تحت اسم "التعويض المعيشي للعاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين والمتعاقدين بعقود سنوية"، إذ أصدر بعد هذا المرسوم بيومين قرارًا بتعديل سعر لتر البنزين وأسطوانات الغاز، ومن ثم يقبل المواطنون المقيمون في مناطق سيطرة النظام لتوظيفه في دعم اقتصاديات الحرب، وهو ما جعل نظام الأسد يبقى صامدًا مدة ست سنوات بعد تقلص الإيرادات الضريبية، وفقدان رسوم المعابر والجمارك، وسيطرة تنظيم "داعش" على آبار النفط، حيث يستفيد، إلى جانب ذلك، من الدعم المالي والعسكري القادم من روسيا وإيران و"حزب الله" في لبنان. 

اقتصاديات الظل:

7- وجود "اقتصاديات موازية" غير رسمية: حيث تفوق هذه الاقتصاديات في أهميتها، في بعض الأحيان، شبكة الأمان الاجتماعي التي تقدمها الحكومات لمواطنيها. فعلى الرغم من أن السكان المحليين في عدة دول عربية يعانون من أعباء الغلاء وتردي الأوضاع المعيشية بدعوى عدم كفاية رواتبهم للاحتياجات المالية، إلا أن لديهم مسارًا آخر موازيًا يتعلق بالدخل من أعمال أخرى إضافية، وهو ما يؤدي إلى تجاوز التوترات الكامنة في مجتمعات منخفضة الدخول للعاملين في الأجهزة البيروقراطية أو حتى المؤسسات والشركات الخاصة. 

البديل الغائب:

8- غياب الخيارات البديلة لنظم الحكم القائمة: ساهمت مرحلة الحراك الثوري العربي في إسقاط رموز أو هياكل بعض نظم الحكم القائمة من دون أن تتمكن، في حالات مختلفة، من التأسيس لنظم بديلة يُمكنها بلورة سياسات اقتصادية واجتماعية تُلبي احتياجات المواطنين، فقد ساد إدراك لدى المواطنين بأن بداية الثورات ليست مثل نهايتها أو حتى مساراتها وتعقيداتها، فيما يشبه "المتاهة" التي لا يريد المواطنون العودة إليها أو استمرارها. فهناك يأس من التغيير في بعض الدول العربية، لا سيما أن "المتاهة الانتقالية" التي سادت التحولات الداخلية في مرحلة ما بعد الثورات العربية، تجعل الثورات المحتملة في حالة أفول.

استدراك ممكن:

خلاصة القول، على الرغم من أن هذه العوامل تمثل كوابح لاندلاع "ثورات جياع" في بعض الدول العربية، إلا أن ذلك لا يمثل ذريعة للحكومات بعدم الاعتراف بتأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتصحيح مسار سياستها. فالاستدراك ممكن حتى لا تكون الفوضى قادمة، وهو مرهون بخطوات تدريجية توحي للمجتمعات بأن الحكومات تعي الدروس، خاصة التنبؤ بالهبات الشعبية التي فشلت الدراسات الأكاديمية والأجهزة الاستخباراتية في التنبؤ بها، وهو ما عبر عنه جيمس كلابر مدير الاستخبارات الوطنية الأمريكية في إحدى جلسات الاستماع بقوله: "نحن لسنا عرافين".