أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

مُستقبل كاراكاس:

ما الخيارات المُتاحة أمام حكومة مادورو في الفترة المُقبلة؟

23 سبتمبر، 2024


يواجه نظام نيكولاس مادورو، الحاكم في فنزويلا تحدياً كبيراً؛ إذ تزايدت الضغوط الإقليمية والدولية عليه للتراجع عن نتائج الانتخابات الأخيرة (أعلن المجلس الانتخابي عن فوز مادورو بها بـ51%) خصوصاً مع تمكن المعارضة من نشر ما يقرب من 80% من أوراق فرز الأصوات، والتي تُشير إلى فوز مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا، في الوقت ذاته يعتمد مادورو بشكل أساسي على سيطرته على الأجهزة الأمنية بالبلاد لتمكينه من إنفاذ النتائج المعلن عنها. 

تطورات مُتسارعة: 

منذ انتهاء موجة الانتخابات الرئاسية في فنزويلا، في نهاية أغسطس 2024، وحتى الوقت الراهن، شهدت الأزمة السياسية بالبلاد عدداً من التطورات التي يمكن استعراضها على النحو التالي: 

1. التشكيك في نتائج الانتخابات: أعلن المجلس الانتخابي الوطني في فنزويلا، الذي يُهيمن عليه الموالون للحزب الحاكم، فوز نيكولاس مادورو بنسبة 51.95% من الأصوات بينما حصل خصمه الرئيسي إدموندو غونزاليس، على 43.18%، ومع ذلك، على عكس الانتخابات الرئاسية السابقة، لم تنشر الهيئة أي بيانات مُفصّلة لدعم النتائج؛ وهو ما رفضته المعارضة، كما نشرت على موقعها نتائج 81.7% من كشوفات مكاتب الاقتراع التي تم التحقق منها، والتي تُظهر فوز مُرشحها بنسبة 67% من الأصوات مقابل 30% لمادورو. 

انطلاقاً من هذا؛ أصدرت الولايات المتحدة وعشر دول من أمريكا اللاتينية هي: الأرجنتين وكوستاريكا وتشيلي والإكوادور وغواتيمالا وبنما وباراغواي والبيرو وجمهورية الدومينيكان والأوروغواي، بياناً مُشتركاً يُشكك في شفافية ونزاهة الانتخابات كما رفضت فيه الإقرار بمصادقة المحكمة العليا في فنزويلا على إعادة انتخاب الرئيس مادورو. 

رداً على ذلك، قرّرت فنزويلا سحب مُمثليها الدبلوماسيين في هذه الدول، كما سحبت تفويض البرازيل لتمثيل مصالح بوينس آيرس في فنزويلا، والذي تم منحه عقب طرد الدبلوماسيين الأرجنتينيين من البلاد. 

كذلك، أعلنت الكتلة الأوروبية أيضاً رفضها لنتائج الانتخابات؛ إذ أشار الاتحاد الأوروبي إلى أن النتائج المُعلن عنها من طرف المجلس الوطني للانتخابات "لا يمكن الاعتراف بها"، لكنه امتنع عن الاعتراف بفوز مرشح المعارضة إدموندو غونزاليس أوروتيا. 

كما طالب وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس بـ"الشفافية التامة" من خلال "نشر النتائج في كل مركز اقتراع على حدة حتى نتمكن من التحقق من النتائج"، وأعرب نظيره الإيطالي أنطونيو تاجاني، عن "استغرابه" لسير الانتخابات المنتظم مُطالباً "بإمكانية التحقق من النتائج والاطلاع على الوثائق".

2. تفاقم العنف الداخلي: دخلت الأزمة مرحلة جديدة على وقع الاحتجاجات الشعبية التي عمّت جميع أنحاء البلاد، وتخللتها أعمال عنف وصدامات بين المتظاهرين والقوى الأمنية، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 20 شخصاً، كما تم اعتقال نحو 1200 شخص. كذلك، أصدر القضاء الفنزويلي مُذكرة اعتقال بحق المرشح الرئاسي السابق إدموندو غونزاليس، وذلك في إطار تحقيق جنائي يتعلق بنتائج الانتخابات؛ إذ تم اتهامه بارتكاب مجموعة من الجرائم، بما في ذلك التآمر، وتزوير الوثائق؛ وهو ما أسفر في نهاية المطاف عن مُغادرة إدموندو غونزاليس، فنزويلا، متوجهاً إلى إسبانيا حيث مُنح اللجوء السياسي، بعد أن أصدرت السلطات الفنزويلية إذناً له بالمغادرة. 

سيناريوهات متُعددة: 

 خلق لجوء مرشح المعارضة إلى إسبانيا سيناريوهات جديدة في فنزويلا، وذلك على النحو التالي:

1. احتفاظ مادورو بالسلطة: تُشير أغلب التحليلات إلى أن مادورو سيتمكن من الاحتفاظ بالسلطة، ولن يتنحى تحت أي ضغط؛ مبررة ذلك بعده عوامل منها: 

أ. تردد واشنطن في اتخاذ إجراءات جذرية ضد مادورو: نوّه البعض بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لن تقدم على اتباع سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها ترامب عام 2019؛ لأنها ببساطة فشلت في إزاحة مادورو، كما لم تعترف بزعيم المعارضة خوان غوايدو كرئيس شرعي لفنزويلا على أساس أن مادورو زوّر انتخابات 2018؛ إذ يبدو أن الولايات المتحدة تعتقد أن سياسة الضغط الأقصى إن تم تبنيها ستدفع مادورو في الوقت الراهن للتقرب من المنافسين الجيوسياسيين للولايات المتحدة، وعلى رأسهم الصين وروسيا، اللذان اعترفا به كفائز في الانتخابات. 

بالإضافة لذلك؛ فإن اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية في نوفمبر 2024 - والتي يعتقد كثيرون أنها دفعت واشنطن لاتباع سياسة الجزرة بدلاً من العصا مع مادورو - سيسهم في تعزيز قبضته على الحكم، فعلى الرغم من أن إدارة بايدن أعادت فرض عقوبات نفطية واسعة النطاق على كاراكاس في إبريل 2024، بعد فشل مادورو في الوفاء بوعوده بشأن إجراء انتخابات حرة ونزيهة؛ فإن الإعفاءات الممنوحة لشركات النفط الفردية - وخاصة شيفرون - ساعدت على زيادة إنتاج النفط الفنزويلي بشكل كبير، ومن غير المُرجّح أن يتم التراجع عن هذه السياسة؛ لأن الولايات المتحدة لا تريد أن تفعل أي شيء قد يؤدي إلى الزيادة في أسعار الوقود قبل الانتخابات. 

يُعزّز هذا الرأي أيضاً، بحث إدارة بايدن في محادثات سرية، إصدار عفو عن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وكبار مساعديه، الذين يواجهون لوائح اتهام من وزارة العدل؛ إذا دخلوا في مُحادثات لتوجيه المرحلة الانتقالية؛ إذ أشار أحد الأشخاص المطلعين على مداولات إدارة بايدن إلى أن الولايات المتحدة وضعت "كل شيء على الطاولة" لإقناع مادورو بالمغادرة قبل انتهاء فترة ولايته وبدء ولاية جديدة في يناير 2025، حسبما نقلت صحيفة وول ستريت جورنال. 

ب. فشل الجهود الإقليمية: فسّر البعض احتمالية صمود مادورو في السلطة بفشل الجهود الإقليمية من قبل شركاء الولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية، والرامية إلى تشجيع الانفتاح الديمقراطي في البلاد، فبعد انكفاء المكسيك عن المُبادرة الثلاثية، التي كانت أطلقتها مع البرازيل وكولومبيا؛ بسبب احتجاجها على موقف واشنطن الذي وصفه الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز أوبرادور بالمتهوّر، تراجع الرئيسان البرازيلي إيناسيو لولا داسيلفا، والكولومبي غوستافو بترو عن إصرارهما على المطالبة بالبيانات للتأكد من النتائج، وانتقلا إلى طرح مقترحات مُنفردة لتسوية الأزمة تتراوح بين إجراء انتخابات جديدة إلى شكل من أشكال ترتيبات تقاسم السلطة، خوفاً من تداعيات انفجارها، لكن هذه المقترحات قُوبلت بالرفض من قبل المعارضة والحكومة. 

ورغم أن كلا البلدين واضحان في أنهما لن يضفيا الشرعية على استيلاء مادورو على السلطة؛ فإنهما لم يقدما أية إشارة إلى أنهما سيقطعان العلاقات الدبلوماسية مع فنزويلا، أو الانضمام إلى حملة عقوبات دولية ضدها. 

ج. دور قادة قوات الأمن الفنزويلية: يُجادل البعض بأن جهود المعارضة بجانب الضغط الدولي حتى الآن قد لا تكون كافية لإقناع مادورو بالتفاوض على خروج أو اتفاق لتقاسم السلطة؛ لأن قادة قوات الأمن الفنزويلية ليسوا على استعداد للتخلي عن مادورو؛ إذ يحتفظ مادورو بالسيطرة على القوات المسلحة، وقوات الشرطة العسكرية، والقوات شبه العسكرية، وأجهزة المخابرات المختلفة، ويُسيطر الجنرالات بشكل خاص على أجزاء مُهمّة من اقتصاد البلاد - وخاصة النفط الذي تعتمد عليه فنزويلا - وليس لديهم حافز كبير لتسهيل انتقال السلطة. باختصار، لا توجد حالياً أي علامات تشير إلى أن مادورو لن يكون قادراً على تحمل فترة أخرى من الرفض الداخلي وترويض التوبيخ الدولي نسبياً.

2. زيادة الضغط على نظام مادورو: تُشير بعض التقديرات إلى أن حكومة مادورو ستواجه ضغوطاً هائلة قد تُجبره على التنحي عن السلطة أو الدعوة لانتخابات جديدة؛ وهو ما يمكن الإشارة إليه فيما يلي: 

أ. عقوبات أكثر صرامة: يرى البعض بأنه يمكن تكثيف الضغط على نظام مادورو في حال تمت إعادة فرض العقوبات بشكل كامل على فنزويلا، بما في ذلك تلك التي تؤثر في شركة شيفرون - لأنها تؤدي دوراً كبيراً في اقتصاد فنزويلا - المتضرر من العقوبات؛ إذ تمثل أعمال الشركة في فنزويلا نحو 20% من صادرات النفط الخام الوطنية و31% من إجمالي دخل الحكومة من النفط، مع المزيد من العزلة الدبلوماسية، والضغوط السياسية. 

وهو ما بدأته الإدارة الأمريكية بالفعل في 12 سبتمبر 2024؛ إذ فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات جديدة استهدفت ستة عشر فرداً تابعين لمادورو، من المجلس الانتخابي الوطني، ومحكمة العدل العليا، والجمعية الوطنية، بتهم عرقلة العملية الانتخابية وعرقلة نشر نتائج الانتخابات، بينما فرضت وزارة الخارجية الأمريكية عليهم قيوداً مُرتبطة بالتأشيرات؛ مما يحد من قدرتهم على السفر أو القيام بأعمال تجارية مع الولايات المتحدة، ناهيك عن إعلان السلطات الأمريكية، يوم 2 سبتمبر 2024، أنها استولت على طائرة مادورو في جمهورية الدومينيكان، ونقلتها إلى ولاية فلوريدا، مُدعيةً أنها تم شراؤها على نحو ينتهك العقوبات الأمريكية المفروضة عليها؛ وهو ما يمثل رسالة ضمنية إلى فنزويلا بعدم استثناء قيادة النظام من العقوبات. 

ب. الاستفادة من غونزاليس لقيادة الجهود الدبلوماسية من الخارج: أكّد بعض الخبراء أنه على الرغم من أن قرار لجوء غونزاليس لإسبانيا قد يبدو وكأنه تراجع؛ فإنه يمكن أن يكون خطوة استراتيجية في إطار تكثيف الضغوط على مادورو. فباعتباره دبلوماسياً مُتمرّساً مدعوماً من عدة دول، ويستند إلى شعبية قوية، وفي نفس الوقت هو بعيد عن متناول أجهزة الأمن الحكومية الفنزويلية؛ فإن لجوءه لإسبانيا قد يجعله قادراً على قيادة الجهود التي تستهدف إزاحة مادورو، بما فيها العمل على تعبئة المجتمعات الفنزويلية في مختلف أنحاء العالم لمواجهة تشبث نظام مادورو بمقاليد الحكم. 

3. حدوث انتقال سلمي مُتفق عليه: أشارت بعض التقديرات إلى أن الهيكل الداخلي لنظام مادورو يمكن أن ينهار؛ بسبب فقدان الثقة وحرص بعض رموز النظام على مصالحهم الاقتصادية أكثر من أي شيء آخر؛ ومن شأن هذه الجهات الفاعلة؛ أن تتحالف مع المعارضة والمجتمع الدولي للتخطيط لعملية انتقال سلمي؛ حفاظاً على مصالحها وللحصول على ضمانات الحصانة من المنظمات الدولية. 

وبناءً عليه، قد يتفاوض مادورو مع المعارضة على حل مُتفق عليه يسمح له بالذهاب إلى المنفى مع ضمانات مُعينة، كما يمكنه أن يطلب اللجوء في دول حليفة مثل: المكسيك أو كوبا أو روسيا؛ إذا تمت الإطاحة به؛ لأن نهاية حكومته قد تؤدي إلى محاكمات بتهمة انتهاك حقوق الإنسان والفساد. كما أن هناك سيناريو يُشير إلى إمكانية التفاوض على خروج مُتفق عليه يسمح له بالحفاظ على بعض النفوذ السياسي، رغم أنه غير مُرجّح. 

وفي التقدير، يمكن القول إن السيناريو الأكثر ترجيحاً؛ هو أن مادورو سوف ينجح في التمسك بالسلطة وربما يستخدم المفاوضات الرمزية إلى حد كبير مع شخصيات المعارضة لكسب الوقت؛ مُستفيداً من انشغال المجتمع الدولي بالصراعات الأخرى في أوكرانيا والشرق الأوسط. مع التأكيد أن تعمق الاستقطاب وعدم التوصل إلى تسوية بين المعارضة والحكومة؛ قد يؤدي إلى انهيار طويل الأمد في الحوار المطلوب لمعالجة المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد.