أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

دوافع سياسية:

لماذا جرت محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا؟

24 مايو، 2024


تعرض رئيس وزراء سلوفاكيا، روبرت فيكو، في 15 مايو 2024، لإطلاق نار بعد اجتماع للحكومة في مدينة هاندلوفا، فيما وصفته وزارة الداخلية في البلاد بمحاولة "اغتيال"، وقد أُصيب بطلق ناري خلال محاولة الاغتيال.

وفي أعقاب الهجوم؛ اعتقلت السلطات السلوفاكية رجل يبلغ من العمر 71 عاماً بتهمة التورط في محاولة الاغتيال، وتشير المعلومات الأولية إلى أن المشتبه به متقاعد ويعرف بأنه شاعر وروائي، ويعتقد أنه عمل سابقاً كحارس أمن في مركز تجاري في جنوب غرب البلاد، وقد شارك في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ولم يتم إثبات ارتباطه بتنظيمات إرهابية أو مجموعات متطرفة، ولكن يذكر أنه أسس حركة ضد العنف، وفقاً لمقطع فيديو منشور له منذ ثماني سنوات، وهو ما يرجح أن تكون له أسباب سياسية بحتة، ويجعل من عمليته أقرب لنهج "إرهاب الذئاب المنفردة". 

سياقات مُتزامنة: 

ترتبط محاولة اغتيال فيكو بمجموعة من الأحداث والسياقات السياسية داخل سلوفاكيا وخارجها لعل أبرزها: 

1. وصول حليف فيكو لرئاسة الدولة: جاءت تلك المحاولة بعد التأكد من وصول حليف فيكو، بيتر بيليغريني إلى رئاسة سلوفاكيا خلفاً للرئيسة المعارضة لفيكو، سوزانا كابوتوفا، كما جاءت متزامنة مع بعض قرارات فيكو المتعلقة بإلغاء هيئة الإذاعة العامة في سلوفاكيا واستبدالها بهيئة تديرها الدولة؛ وهو الأمر الذي خلق احتقاناً داخلياً متصاعداً، وترتب عليه خروج مسيرات مناهضة لسياسات فيكو. 

2. رفض فيكو إرسال أسلحة لأوكرانيا: اتخذ فيكو موقفاً متصلباً إزاء جهود إرسال شحنات الذخيرة إلى أوكرانيا ورفض مشاركة بلاده في تلك الجهود، كما عبّر في أكثر من مناسبة عن رفض بلاده انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، مؤكداً أنه سيستخدم حق النقض "الفيتو" لمنع عضوية كييف في "الناتو". وجدير بالذكر أن فيكو كان قد سعى لتعزيز العلاقات مع روسيا وبيلاروسيا، والعمل على تحقيق توازن في السياسات الخارجية بما يتماشى مع مصالح سلوفاكيا الوطنية، وبعد تعليق التعاون مع روسيا وبيلاروسيا في مارس 2022 عقب غزو روسيا لأوكرانيا، أعلنت وزارة الثقافة السلوفاكية استئناف التعاون مع هاتين الدولتين.

3. موقف أوروبي مُنقسم إزاء أوكرانيا: جاءت تلك المحاولة أيضاً قبيل انتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في يونيو 2024، وتزامناً مع التصعيد الروسي في أوكرانيا، وتصاعد حدة الخلاف بين الغرب وروسيا، وحدوث انقسام داخل القارة الأوروبية إزاء الموقف من إرسال قوات إلى أوكرانيا واستكمال جهود تسليحها بالذخيرة المناسبة، وعودة الولايات المتحدة لاستئناف تقديم المساعدات لأوكرانيا. 

دوافع مُترابطة:  

تُشير التقديرات إلى أن محاولة اغتيال فيكو لها أبعاد سياسية ترتبط بشخصية فيكو وموقفه من الحرب الروسية في أوكرانيا، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1. اعترافات أولية: أشار وزير داخلية سلوفاكيا، ماتوس سوتاج إستوك، إلى أن مطلق النار على فيكو لم يكن راضياً عن تصرفات مجلس الوزراء في البلاد؛ إذ رفض المشتبه به قرارات وقف المساعدات العسكرية لأوكرانيا، والتدخل في عمل التلفزيون العام، واستقالة رئيس المجلس القضائي، مؤكداً أن مطلق النار تصرف بمفرده، وشارك في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، لكنه لا يرتبط بجماعات متطرفة.

2. تاريخه السياسي: ترتبط محاولة الاغتيال بشخصية فيكو وتاريخه السياسي، وهو رئيس وزراء سلوفاكيا الأطول خدمة، وتم انتخابه لولاية رابعة في عام 2023، وتُشير بعض التقارير إلى إنه شخصية مُثيرة للاستقطاب، يعتبره مؤيدوه مناضلاً من أجل الحرية ينجز الأمور، ويتحدى المؤسسات العامة ويقف في وجه البيروقراطية في أوروبا، ويصوره منتقدوه على أنه مُستبد مُنتظر، عازم على هدم المؤسسات العامة التي يعتزون بها وتقويض الديمقراطية. 

ويتمتع فيكو البالغ من العمر 59 عاماً بتاريخ سياسي طويل؛ إذ انضم إلى الحزب الشيوعي في الثمانينيات، وأصبح نائباً في البرلمان عام 1992 ممثلاً لأحد فروعه، قبل أن يشارك في تأسيس حزبه القومي اليساري (سمير)، تولى رئاسة الحكومة خلال الفترة من 2006 إلى 2010، ومن 2012 إلى 2018، حينما اضطر فيكو إلى الاستقالة من منصبه بسبب أزمة سياسية أثارها مقتل الصحفي الاستقصائي، يان كوتشياك، الذي كان يحقق في قضية فساد تتعلق بمسؤولين رفيعي المستوى؛ وهو الأمر الذي أثر في شعبية فيكو.

وفي عام 2022، اتُّهم فيكو بارتكاب جرائم منظمة لكن حصانته كعضو في البرلمان أنقذته من الاعتقال. ونفى فيكو التُّهم، وألقى باللوم على "هياكل إجرامية" في الشرطة في التُّهم الموجهة إليه، ونجح فيكو في إعادة بناء صورته وفاز بمنصب رئاسة الوزراء مرة أخرى (الولاية الرابعة له) في سبتمبر 2023. 

3. سياساته الداخلية: من المرجح أن يكون خطاب وسياسة فيكو الشعوبية في الداخل السلوفاكي أحد محركات ومحفزات محاولة اغتياله؛ إذ يصف البعض خطاب فيكو بـ"خطاب الكراهية والاستقطاب الداخلي"؛ إذ أطلق هجوماً حاداً على الجماعة الصحفية ووسائل الإعلام في البلاد واصفاً الصحفيين بـ "مجموعة جريمة منظمة"، وكذا المهاجرين، ووعد باتخاذ موقف صارم ضد المنظمات غير الحكومية وقام بحملة ضد زواج المثليين واصفاً إياه بـ "الانحراف"، كما اتخذ موقفاً –حينما كان خارج الحكومة- معارضاً لسياسات الإغلاق، التي فرضت بسبب وباء "كورونا"، وقاد العديد من المسيرات المناهضة ضد القيود الحكومية، وتم اعتقاله في إحدى تلك المسيرات آنذاك. 

وفي ولايته الرابعة يترأس فيكو حكومة ائتلافية، كما تضمن برنامجه السياسي إلغاء مكتب رئيسي لمكافحة الفساد، فيما وافقت حكومة فيكو في 24 إبريل على اقتراح مثير للجدل بإلغاء هيئة الإذاعة العامة "آر تي في أس" واستبدالها بهيئة تديرها الدولة، وتخطط حكومته أيضاً لتعديل قانون العقوبات لإزالة مدعٍّ عام خاص بمكافحة الفساد والسيطرة على وسائل الإعلام العامة.

4. مواقفه الخارجية: أثارت مواقف وسياسات فيكو الخارجية العديد من التكهنات وأضرت بعلاقاته بالاتحاد الأوروبي، فعلى الرغم من انضمام سلوفاكيا إلى حلف شمال الأطلسي في 2004، فإن فيكو يعارض بعض سياسات الحلف، ولاسيما تلك المتعلقة بالحرب في أوكرانيا رغم التجاور الجغرافي بين سلوفاكيا وأوكرانيا؛ إذ قامت حكومته بوقف شحنات الأسلحة إليها، وأطلق فيكو حملة تحت شعار "لا جولة أخرى من الذخيرة"، فيما رفضت حكومة فيكو الانضمام إلى التحالف الذي تقوده التشيك، والذي يضم حوالي 20 دولة لشراء المساعدات العسكرية لأوكرانيا، ودعم المجر في محاولاتها لمنع حزمة مساعدات الاتحاد الأوروبي للمجهود الحربي، ولكنه خفف من موقفه في الآونة الأخيرة، وأصر على أنه لن يمنع طلب أوكرانيا لتصبح دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي.

وعلى جانب آخر يعارض فيكو سياسات الهجرة في الاتحاد الأوروبي؛ إذ أشار في عام 2016 حينما كان رئيساً للوزراء إلى أن فكرة أوروبا متعددة الثقافات فشلت، والاندماج الطبيعي للأشخاص الذين لديهم طريقة حياة أخرى غير ممكن. 

تداعيات مُباشرة:

أثار الهجوم على فيكو ردود أفعال واسعة في الداخل والخارج، وعلى الرغم من الجدل الدائر حول شخصية فيكو وسياساته الجدلية، فإن إدانة الهجوم جاءت من حلفائه وخصومه. 

1. إدانة خارجية واسعة: وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إطلاق النار على فيكو بأنه "هجوم حقير"، فيما وصف المستشار الألماني، أولاف شولتس، الهجوم بالصدمة الشديدة، كما تضامن رئيس وزراء بريطانيا، ريشي سوناك، مع فيكو وعائلته مشيراً إلى أن الهجوم أصابه بالصدمة الشديدة، وقال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنه يدين هذا العمل المروع، مؤكداً وجود اتصالات بين سفارة الولايات المتحدة والحكومة في سلوفاكيا، كما ندد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالعنف ضد رئيس حكومة دولة مجاورة، ومن جانبه وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حادث إطلاق النار بأنه "وحشي" مُضيفاً: "أعرف روبرت فيكو كرجل شجاع وقوي العقل. وآمل بشدة أن تساعده هذه الصفات على النجاة من هذا الوضع الصعب". 

2. تضامن داخلي: شهدت محاولة اغتيال فيكو استجابة وتضامناً واسع النطاق من جانب القادة السياسيين المنقسمين بشدة في البلاد، فقد دعت الرئيسة السلوفاكية المنتهية ولايتها -ومنافسة فيكو- سوزانا كابوتوفا إلى وضع حد "للحلقة المفرغة من الكراهية والتُّهم المتبادلة"، وانتقد حلفاء فيكو وسائل الإعلام والمعارضة في البلاد لإثارة التوترات، فيما ألغى حزب المعارضة الرئيسي في سلوفاكيا احتجاجاً كان مخططاً له ضد خطة فيكو لإجراء تغييرات على البث العام بعد إطلاق النار عليه، ودعا الرئيس المنتخب بيتر بيليغريني الأحزاب السياسية إلى تعليق أو تقليص حملاتها للانتخابات الأوروبية، التي ستعقد في الفترة من 6 إلى 9 يونيو، لمنع "المواجهات والتُّهم المتبادلة بين السياسيين".  

تأثيرات مُحتملة: 

من المرجح أن يُسفر حادث محاولة الاغتيال الفاشلة لرئيس وزراء سلوفاكيا عن عدد من التأثيرات ومنها:

1. ترسيخ خطاب الكراهية والاستقطاب في الداخل: يحمل الهجوم على رئيس الوزراء في سلوفاكيا دلالة خطرة؛ إذ يؤشر على ترسيخ خطاب الكراهية والاستقطاب السياسي والاجتماعي في البلاد؛ وهو ما قد ينذر بخروج الوضع السياسي في البلاد إلى مستوى أمني أكثر خطورة وحالة من التجاذبات والخلافات البينية الحادة في المجتمع السلوفاكي، رغم حالة التضامن المؤقتة مع فيكو. 

2. تكريس التعامل الأمني مع المعارضة: من المُرجح أن يزيد هذا الهجوم من تبني خيار التعامل الأمني مع المعارضة السلوفاكية تحت ذرائع دعم العنف؛ وهو ما قد يزيد في المقابل تصلب المعارضة في مواجهة الحكومة السلوفاكية. 

3. تخوف من انتقال عدوى الاغتيالات السياسية: هناك تخوف من أن تنتقل عدوى اغتيالات السياسيين في أوروبا، ولاسيما في الدول التي تشهد صعوداً لليمين المتطرف وتتبنى خطابات كراهية سياسياً ومجتمعياً، ولاسيما وأن تلك المحاولات تعتمد على "ذئاب منفردة" أو غير مكلفة ومباغتة، ولا تحتاج إلى تخطيط وأسلحة ثقيلة.

وفي التقدير؛ يمكن القول إن الهجوم على رئيس الوزراء السلوفاكي يُعد مؤشراً على بوادر عودة أحداث العنف والاغتيال السياسي في أوروبا عموماً، ولاسيما في شرقها، كما سيلقي الحادث بظلاله على توازنات السياسة الداخلية؛ إذ قد يسفر عن تشدد تجاه المعارضة في الداخل، كما قد يزيد من محاولات استمالة كل من الجانب الأوروبي وروسيا لسلوفاكيا، وهو ما تؤشر عليه مواقف روبرت فيكو تجاه الطرفين، كما عبّرت عنها مواقف القادة الأوروبيين وروسيا من استنكارهم للحادث، واعتباره عملاً إرهابياً غير مقبول.