أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

تصعيد مفاجئ:

تداعيات محاولة فتحي باشاغا دخول العاصمة طرابلس

22 مايو، 2022


أعلن رئيس الحكومة الليبية المكلف من قبل مجلس النواب، فتحي باشاغا، في 17 مايو 2022 عن دخوله العاصمة طرابلس استعداداً لمباشرة أعمال حكومته، مشيراً إلى أنه سيعقد مؤتمراً في وقت لاحق لتوضيح الموقف، قبل أن يعلن المكتب الإعلامي لباشاغا مغادرة الأخير العاصمة برفقة عدد من وزرائه، بعدما تصاعدت حدة المواجهات مع الميليشيات التابعة للحكومة المقالة برئاسة، عبدالحميد الدبيبة.

دخول باشاغا المفاجئ:

مثّل إعلان باشاغا، في 17 مايو 2022 دخوله العاصمة الليبية طرابلس مفاجأة للجميع، حيث دخل برفقة عدد من أعضاء حكومته عن طريق الزنتان، وبدعم من كتيبة النواصي، واللواء 444، بالإضافة إلى عدد آخر من المجموعات المسلحة في غرب ليبيا، وهو ما ترتب عليه اندلاع مواجهات مسلحة بين هذه المجموعات وتلك الموالية للدبيبة. وفي هذا الإطار يمكن توضيح أبعاد وسياقات هذه التطورات على النحو التالي:

1- اجتماعات مونترو والقاهرة: ربطت بعض التقديرات بين تحركات باشاغا الأخيرة، ودخوله المفاجئ طرابلس بالاجتماعات الأخيرة التي شهدتها مونترو السويسرية، في 13 و14 مايو الجاري، والتي تضمنت ممثلين عن عدة أطراف ليبية، بما في ذلك أعضاء من مجلسي الدولة والنواب، وممثلون عن الجيش الوطني الليبي، وممثلون عن عدد من المجموعات المسلحة المنتشرة في طرابلس والزاوية ومصراتة، حيث تم إجراء هذه الاجتماعات برعاية "مركز الحوار الإنساني" بجينيف. 

وتم التوصل خلال الاجتماعات إلى عدة توافقات مهمة، لعل أبرزها التأكيد على أهمية توحيد المؤسسة العسكرية، مع الاتفاق على إعادة مناقشة آليات التنفيذ خلال الاجتماعات المرتقبة في المغرب خلال الفترة المقبلة. كما تأتي هذه الاجتماعات بالتوازي مع انطلاق الجولة الثانية من الاجتماعات التي تستضيفها القاهرة بين ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، من أجل التوصل إلى توافقات بينهما حول القاعدة الدستورية، والتي حققت بعض التقدم، وفقاً لبعض التقديرات.

2- مواجهات مسلحة: أفرزت عملية دخول باشاغا المفاجئ طرابلس مواجهات واسعة بين المجموعات المسلحة المنتشرة هناك، تركزت في طريق الشط وقرجي. وألمحت بعض التقديرات إلى أن اجتماعات مونترو تمخضت عنها توافقات بين باشاغا وعدد من هذه المجموعات الموجودة في طرابلس، خاصةً كتيبة "القوة الثامنة"، المعروفة بالنواصي، برئاسة مصطفى قدور، والتي تسيطر على منطقة ميناء طرابلس والمناطق المتاخمة لها، بما يتضمن قاعدة "أبو ستة" البحرية وأجزاء من منطقة طريق الشط، وكذا اللواء 444، والذي يسيطر على جنوب شرق طرابلس.

كما أشارت بعض التقارير أن باشاغا يحظى بدعم الكتيبة 166، من مدينة مصراته، بالإضافة إلى اللواء 777 قتال وكتيبة 28 مشاة وكتيبة ثوار طرابلس وجهاز الردع. ونجح باشاغا في دخول العاصمة عن طريق الزنتان، بدعم من المجموعات المسلحة الداعمة له، بيد أن الأخيرة لاقت مواجهات قوية من جهاز دعم الاستقرار التابع لوزارة الداخلية بحكومة الدبيبة المقالة، مما حال دون مواصلة دعم بعض المجموعات المسلحة لباشاغا، بيد أن تدخل آمر اللواء 444، مصطفى حمزة، بالوساطة بين القوات المتنازعة، نجح في الحيلولة دون تصاعد حدة المواجهات، وتأمين خروج آمن لباشاغا.

3- تنديد دولي: طالبت المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، بضرورة الحفاظ على الهدوء وضبط النفس والكف عن حشد القوات، فيما حثت الولايات المتحدة كافة الجماعات المسلحة إلى الامتناع عن العنف. فيما حث السفير الألماني لدى ليبيا كافة الأطراف إلى ضرورة التحلي بالمسؤولية والالتزام بالحل السياسي.

كما أعلنت السفارة البريطانية في طرابلس عن أهمية التوصل إلى حل سياسي دائم، مشيرةً إلى أن هذا الحل لا يتحقق بالقوة، بينما عبر مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي عن قلقه من استئناف القتال في طرابلس.

وأشارت بعض التقديرات إلى أن قرار باشاغا بالانسحاب من طرابلس جاء نتيجة بعض الضغوطات الدولية، والتي سعت إلى تجنب التصعيد والانزلاق في حرب أهلية شاملة، وربما يدعم هذا الطرح البيانات المتعددة التي صدرت عن سفارات القوى الدولية في طرابلس، بيد أن هذه البيانات عمدت إلى عدم إدانة تحركات باشاغا بقدر إدانتها للمواجهات المسلحة، ومن ثم حافظت هذه القوى على المسار متوازن بين الأطراف المتصارعة دون إبداء دعم لأي طرف.

فهم تحركات باشاغا: 

عكست التطورات التي طرأت على المشهد الليبي جملة من الدلالات المهمة، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- محاولة فرض أمر واقع: تكشف محاولة باشاغا دخول العاصمة طرابلس بشكل مفاجئ عن محاولته فرض أمر واقع يفضي إلى إجبار حكومة الدبيبة المقالة على التخلي عن السلطة، وشل قدرة الدبيبة عن حشد حلفائه، غير أنه من الواضح أن باشاغا لم ينجح في ذلك، وهو ما يعكس سوء تقديره لموازين القوى الحقيقية على الأرض في طرابلس، حيث دفعت القوات الكبيرة التي دفع بها الدبيبة بعض المجموعات المسلحة إلى تغيير موقفها وتبني الحياد لتجنب الدخول في مواجهات واسعة. 

2- استباق المبادرات المطروحة: تكشف تحركات باشاغا الأخيرة عن رغبته في تجاوز المبادرات التي يتم طرحها للخروج من الأزمة الراهنة، والتي قد تهدد فرصة في رئاسة الحكومة الليبية، إذ طرح رئيس المجلس الرئاسي، محمد المنفي، مبادرة تتضمن توسيع صلاحيات المجلس وتشكيل حكومة مصغرة برئاسة المنفي، تتولى التحضير للانتخابات المقبلة. 

كما تأتي في هذا الإطار مبادرة اتحاد القبائل الليبية من تونس، تحت عنوان "لا"، والتي تستهدف سحب الثقة من المؤسسات السياسية الراهنة كافة، وتكليف مجلس القضاء الأعلى بإدارة شؤون البلاد حتى يتم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لا تقصي أي طرف.

3- دور تركي محتمل: قام باشاغا بزيارة غير معلنة إلى تركيا، في 11 مايو الجاري، وهي الزيارة الثانية له لأنقرة خلال الأسبوعين الأخيرين، حيث التقى رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، وأشارت تقارير إلى أن باشاغا عمد إلى التنسيق مع أنقرة قبل إقدامه على محاولة دخول طرابلس، خاصةً في ظل التقارب الأخير الذي باتت تبديه أنقرة تجاه باشاغا.

4- اهتزاز صورة باشاغا: أشارت تقديرات إلى أن فشل باشاغا في دخول العاصمة طرابلس سيخصم كثيراً من رصيده داخلياً وخارجياً، من خلال التشكيك في تمتعه بدعم داخلي واسع في غرب ليبيا. وفي المقابل، فإن هذه الخطوة قد عززت من قوة الدبيبة، سواء من خلال خسارة المجموعات المسلحة الداعمة لباشاغا عدداً من نقاط التمركز والانتشار، أو من خلال بيانات الدول الغربية، والتي حرصت على تبني مواقف الحياد، والتأكيد على أهمية تجنب المواجهات المسلحة.

تداعيات أمنية وسياسية:

يبدو أن تحركات باشاغا الأخيرة ستكون لها انعكاسات واسعة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز الدبيبة سيطرته على طرابلس: سيعمل الدبيبة على حصار المجموعات المسلحة الموالية لباشاغا داخل طرابلس، وهو ما وضح في إقالة الدبيبة مدير الاستخبارات العسكرية، اللواء أسامة الجويلي، خاصةً أن الجويلي ينتمي لمدينة الزنتان، وترجح العديد من التقارير وجود ارتباط بين دخول باشاغا الأخير طرابلس وترتيبات قام بها أسامة الجويلي، خاصةً أن الأخير قد حاول قبل شهر تأمين دخول باشاغا للعاصمة الليبية عبر المعابر التونسية.

وفي هذا السياق، عمد الدبيبة إلى محاولة إظهار استمرارية هيمنته على الأمور في العاصمة، وذلك من خلال القيام بجولة تفقدية في أعقاب انتهاء المواجهات التي شهدتها منطقة "جنزور" بغرب طرابلس. ومن ناحية أخرى، أشارت بعض التقديرات إلى أن هناك تحركات مكثفة من قبل الدبيبة لتعزيز سيطرة الميليشيات الموالية له على العاصمة طرابلس، للحيلولة دون نجاح أي محاولة من قبل خصومه لدخولها مستقبلاً.

2- صعوبة تكرار المواجهات: أعلن باشاغا، في 18 مايو الجاري، أن حكومته ستبدأ فعلياً مباشرة عملها من مدينة سيرت بوسط ليبيا، وهو ما يعني أنه سيتوقف عن محاولة دخول العاصمة طرابلس، على الأقل حتى يضمن ولاء عدد أكبر من الميليشيات الموالية له داخلها، خاصة إذا نجح في حصار حكومة الدبيبة مادياً. 

3- انتكاسة التوافق السياسي: من المرجح أن تكون للتطورات الأخيرة التي شهدتها طرابلس تداعيات سلبية على المسار السياسي والدستوري الراهن، بما يزيد من صعوبة التوصل إلى توافقات بين الأطراف المتحاورة، خاصة في ضوء الانقسامات الدولية والإقليمية حول ليبيا، وهو ما يتضح في الأزمة المتعلقة بتعيين مبعوث أممي جديد في ليبيا، خلفاً للمستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، والتي تعارض روسيا التجديد لها.

واتساقاً مع هذا الطرح، أكد رئيس المجلس الأعلى للدولة الاستشاري، خالد المشري، أن حكومة الوحدة الوطنية المقالة لا يمكنها إجراء الانتخابات، مشيراً إلى أن الحل في ليبيا يرتكز على ضرورة التوصل إلى قاعدة دستورية توافقية، كما نصح المشري حكومة باشاغا بتقديم استقالتها، فيما طالب حكومة الدبيبة المقالة بضرورة قبول عملية التغيير.

ويبدو أن الولايات المتحدة باتت قلقة من هذه التطورات، ولذلك أكد المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، في 17 مايو الجاري، أهمية المحادثات الدستورية الجارية في القاهرة، في ظل تصاعد حدة الاحتقان في الداخل الليبي، ملوحاً إلى خطورة الحصول على السلطة أو الاحتفاظ بها بالقوة.

وفي النهاية، يتجه المشهد الداخلي في ليبيا إلى مزيد من التأزم، في ظل عودة أزمة إغلاق الحقول النفطية مرة أخرى، فضلاً عن عودة الانقسامات السياسية والأمنية الحادة، بالإضافة إلى انقسام القوى الدولية والإقليمية حول الملف الليبي. ويبدو أن الوضع مرشح للاستمرار على الوضع الراهن، على الأقل في المدى القصير، لحين توصل الفواعل الخارجية إلى صيغة جديدة يمكن البناء عليها، ربما تكون الاجتماعات الراهنة في القاهرة هي البداية في هذا الإطار.