أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تأجيج النزاع:

أبعاد الدور التركي في الاشتباكات بين أرمينيا وأذربيجان

29 سبتمبر، 2020


يشهد إقليم "ناجورنو قره باغ" الذي تقطنه أغلبية أرمينية، والمتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان منذ عام 1992، اشتباكات عنيفة بين جيشي البلدين، منذ يوم الأحد الماضي، أسفرت عن مقتل أكثر من 95 شخصًا، بينهم 84 جنديًّا أرمينيًّا، بحسب ما أعلنته سلطات إقليم "قره باغ". وتعد هذه الاشتباكات بين البلدين هي الأعنف منذ اشتباكات أبريل عام 2016 التي راح ضحيتها نحو 200 شخص، فيما كانت آخر اشتباكات اندلعت بينهما في يوليو الماضي، والتي قُتل فيها 16 شخصًا على الأقل. فعادة ما تتبادل أرمينيا وأذربيجان الهجمات حول الإقليم وعلى الحدود بينهما، منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في عام 1994، بعد حرب راح ضحيتها نحو 30 ألف شخص.

وتُوجَّه اتهامات إلى تركيا بإشعال الصراع بين البلدين، وتقديمها دعمًا عسكريًّا مباشرًا لأذربيجان، في صورة أسلحة ومرتزقة سوريين ومستشارين عسكريين، لشن هجوم على أرمينيا، وهي الاتهامات التي اقترنت بمجموعة من الدلائل، فضلًا عن الدعم غير المحدود الذي أبداه المسؤولون الأتراك على مختلف المستويات لأذربيجان. وفي هذا الإطار سيتم تناول طبيعة الدور التركي في الاشتباكات الدائرة بين البلدين، ودوافع أنقرة لدعم أذربيجان في هجومها على أرمينيا.

اشتباكات أرمينيا وأذربيجان:

اندلعت المواجهات بين القوات الأذرية والأرمينية صباح يوم الأحد، وسط اتهامات متبادلة بين الدولتين بإشعال المواجهات، إذ تقول أذربيجان إنها شنت "عملية مضادة" ردًّا على إطلاق القوات الأرمينية النار على مناطق سكنية على خط التماس في إقليم قره باغ ما أسفر عنه سقوط قتلى في صفوف المدنيين، بينما تتهم أرمينيا الجانب الأذربيجاني بشن ضربات جوية ومدفعية على الإقليم، وإعلان الحرب ضدها. وتستخدم قوات البلدين في المواجهات الدائرة بينهما الصواريخ والمدفعية وقذائف الهاون والدبابات والمدرعات والطائرات المُسيّرة والطائرات المروحية.

وأعلنت وزارة الدفاع الأذربيجانية، عن سيطرتها على 6 قرى في منطقتي "فضولي" و"جبرائيل"، في إقليم قره باغ، بعد تحريرها مما وصفته بـ"الاحتلال الأرميني"، بالإضافة للسيطرة على عدة مرتفعات استراتيجية قرب قرية "تاليش" في الإقليم. بينما قالت أرمينيا إن قواتها استعادت بعض المواقع التي خسرتها. وقد أعلنت الحكومة الأرمينية الأحكام العرفية والتعبئة العامة في البلاد على خلفية التصعيد العسكري مع أذربيجان، ودعا رئيس الحكومة "نيكول باشينيان"، جميع أفراد الاحتياط للحضور إلى مقرات المفوضيات العسكرية. وردت أذربيجان على ذلك بإعلانها هي الأخرى "حالة الحرب" في 19 مدينة ومنطقة سكنية، بما فيها العاصمة باكو، بالإضافة للتعبئة العسكرية الجزئية في البلاد. 

ويبدو أن الاشتباكات بين الدولتين مرشحة للتصاعد خلال الفترة المقبلة، فقد هدد سفير يريفان لدى موسكو "فاردان توغونيان"، باستخدام القوات الأرمينية لكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك منظومات صواريخ "إسكندر" الباليستية التي يصل مداها إلى 650 كم، التي حصلت عليها أرمينيا من روسيا في 2016، في حال أرسلت تركيا مقاتلات "F-16" إلى إقليم قره باغ. وردت الخارجية الأذربيجانية على هذه التهديدات بالقول، إن بإمكان أذربيجان الرد بشكل مناسب على أرمينيا، إذا استخدمت منظومات "إسكندر".

انخراط تركيا في المواجهات:

تقدم تركيا دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا لأذربيجان في مواجهة أرمينيا، وذلك على النحو التالي: 

1- تصريحات داعمة لأذربيجان: فقد أعلن الرئيس "أردوغان" "أن الشعب التركي يقف بكل إمكانياته إلى جانب شقيقه الأذربيجاني ضد الاحتلال الأرميني، انطلاقًا من مبدأ شعب واحد في دولتين"، ودعا العالم إلى الوقوف بجانب أذربيجان في كفاحها ضد ما وصفه بـ"الاحتلال الأرميني". فيما أعلن وزير الدفاع "خلوصي أكار"، عن تضامن بلاده مع أذربيجان في وجه "العدوان الأرميني"، وربط الوزير وقف إطلاق النار بانسحاب أرمينيا من الأراضي الأذربيجانية التي تحتلها، بحسب تعبيره. بدوره، قال وزير الخارجية "جاويش أوغلو"، إن "أرمينيا تجاوزت حدها مجددًا، وهي تتلقى الرد على ذلك هذه المرة في الميدان". فيما قال مستشار الرئيس التركي "ياسين أقطاي"، إن دعم أذربيجان في المرحلة الحالية يقتصر على الدعم العسكري الفني، مضيفًا أن تركيا قد تشارك أذربيجان عسكريًّا إذا اقتضت الحاجة.

2- دعم عسكري مباشر: فقد أجرى الجيشان التركي والأذربيجاني، في 29 يوليو الماضي، مناورات عسكرية في أذربيجان، شملت تدريبات جوية وبرية، تضمنت اختبار جاهزية الطائرات الحربية في البلدين، وإطلاق النار من المركبات المدرعة والمدافع على أهداف افتراضية للعدو. وقد نفذت مقاتلات "إف-16" التركية طلعات جوية مزدوجة وجماعية مع مقاتلات أذربيجانية. وشارك بالمناورات مروحيات "أتاك" التركية، بالإضافة إلى قوات المهام الخاصة التركية، وقد كان من المفترض انتهاء هذه المناورات في 10 أغسطس الماضي، غير أنها استمرت إلى ما بعد ذلك.

ولم تظهر أية مؤشرات على سحب أنقرة لقواتها ومعداتها العسكرية التي شاركت في هذه المناورات، ما يُرجح أن هدف تركيا من هذه المناورات كان توفير غطاء لإبقاء قواتها في أذربيجان، لدعمها في أية مواجهة مقبلة مع أرمينيا، بعد المواجهة الأخيرة التي وقعت بين البلدين في يوليو الماضي. وقد اتهمت وزارة الخارجية الأرمينية تركيا بتقديم دعم عسكري مباشر لأذربيجان، عبر وجود عسكري لها على الأرض، موضحة أن خبراء عسكريين من تركيا يقاتلون جنبًا إلى جنب مع أذربيجان، بالإضافة لإمدادها باكو بأسلحة تركية من بينها طائرات مُسيّرة ومقاتلات حربية.

3- إرسال مرتزقة سوريين: فقد ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم الخميس 24 سبتمبر الجاري، أن تركيا نقلت نحو 300 مقاتل من الفصائل الموالية لها في منطقة عفرين، شمال غرب سوريا، غالبيتهم العظمى من فصيلي "السلطان مراد" و"العمشات"، إلى أراضيها، وقيل لهم "إن الوجهة ستكون أذربيجان". وبحسب المرصد فإن القادة العسكريين الأتراك أبلغوا المقاتلين أن الهدف من إرسالهم إلى هناك هو حماية مواقع حدودية، مقابل مبلغ مادي يتراوح بين 1500 و2000 دولار أمريكي.

وأكد المرصد، يوم الأحد، أن الحكومة التركية نقلت المرتزقة السوريين من أراضيها إلى جبهات القتال في أذربيجان. ونقلت وكالة رويترز، يوم الاثنين، عن مقاتلَيْن في جماعات المعارضة السورية المدعومة من أنقرة، قولهما إنهما في طريقهما إلى أذربيجان بالتنسيق مع أنقرة لحراسة منشآت، مقابل حوالي 1500 دولار شهريًّا. وقال أحدهما، إنه جرى إبلاغه بأنه تقرر نشر ما يقرب من 1000 سوري في أذربيجان.

واتهم سفير أرمينيا لدى روسيا، تركيا بإرسال حوالي 4000 مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان يشاركون في القتال، وهو ما نفاه مساعد الرئيس الأذربيجاني "خكمت جادجييف"، واصفًا ذلك بـ"الشائعات، واستفزاز آخر من الجانب الأرميني، ومحض هراء". وقالت وزارة الدفاع الأذربيجانية، إن "مرتزقة من أصل أرميني من سوريا وبلدان الشرق الأوسط يحاربون إلى جانب أرمينيا في قره باغ".

دوافع أنقرة لدعم أذربيجان:

يرجع الدعم التركي لأذربيجان  ضد أرمينيا إلى عدة أسباب، يتمثل أبرزها في الآتي: 

1- التحالف في مواجهة أرمينيا: فأذربيجان في حالة عداء مع أرمينيا بسبب اتهامها لأرمينيا باحتلال إقليم "قره باغ"، فيما ترتبط تركيا أيضًا بعلاقة عداوة مع أرمينيا، بسبب اتهام الأخيرة للدولة العثمانية بتنفيذ إبادة جماعية بحق الأرمن في عام 1915 راح ضحيتها نحو 1.5 مليون من شخص، وهو ما ترفضه أنقرة بشدة، ولا ترتبط الدولتان بعلاقات دبلوماسية. وعلى خلفية هذه العداوة المشتركة، تقدم تركيا دعمًا سياسيًّا وعسكريًّا لأذربيجان في صراعها مع أرمينيا على إقليم "قره باغ"، وترفض تركيا تطبيع علاقاتها مع أرمينيا وفتح الحدود معها لحين حل مشكلة الإقليم.

يُضاف لما سبق، ارتباط تركيا وأذربيجان بعلاقات وثيقة منذ القدم، فالجيش العثماني هو الذي قام بتحرير غالبية الأراضي الأذرية بما في ذلك العاصمة باكو في عام 1918، من سيطرة القوات الروسية والأرمينية. ومع تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، تأسست العلاقات بين الدولتين وفق مقولة مؤسس الجمهورية التركية "كمال أتاتورك": "فرح أذربيجان فرحنا، وهمّها همّنا"، وشعار الرئيس الأذربيجاني السابق "حيدر علييف": "شعب واحد في دولتين". ووقّعت الدولتان اتفاق تعاون استراتيجي في عام 2010.

2- رد أنقرة على هجوم أرمينيا السابق: فقد قصف الجيش الأرميني في 12 يوليو الماضي، مواقع للجيش الأذربيجاني في منطقة "توفوز" الحدودية، بالمدفعية، لتندلع بعدها مواجهات بين البلدين استمرت عدة أيام، أسفرت عن مقتل 12 عسكريًّا أذريًّا و4 عسكريين أرمن. وقد مثل هذا الهجوم استهدافًا مباشرًا للمصالح التركية، حيث إن منطقة "توفوز"، الواقعة شمال غرب أذربيجان بالقرب من حدود جورجيا، هي منطقة استراتيجية بالنسبة لأنقرة، فهي المنطقة البرية الوحيدة التي تصل بين أذربيجان وتركيا عبر جورجيا، وتمر منها خطوط الطاقة والنقل بين الدولتين، على غرار خط السكك الحديدية (باكو الأذرية – تبليسي الجورجية – قارص التركية)، وخط أنابيب النفط (باكو - تبليسي – جيهان)، وخط أنابيب الغاز الطبيعي (باكو - تبليسي – أرضروم) الذي يمد تركيا بحو 6.6 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي الأذري، بالإضافة إلى خط أنابيب الغاز الطبيعي "تاناب" الذي ينقل غاز أذربيجان المستخرج من حقول بحر قزوين إلى تركيا وأوروبا.

3- سعي أنقرة لمنع توظيف أرمينيا: ترى تركيا أن المحور الإقليمي المنافس لها في سوريا وليبيا ومنطقة شرق البحر المتوسط يسعى لفتح جبهة جديدة ضدها في منطقة القوقاز عبر توظيف أرمينيا لاستهداف مصالحها في أذربيجان، وذلك بهدف إرباك تركيا وتشتيت قواها. وقد وجدت تركيا في توقف القتال في ليبيا، حيث تدعم أنقرة ميليشيات حكومة الوفاق في مواجهة الجيش الوطني الليبي، بالإضافة لانخفاض حدة التوتر في منطقة شرق المتوسط مع اليونان وقبرص، واتجاه الجانبين لعقد مفاوضات لتسوية النزاع بينهما هناك بوساطة من حلف الناتو وألمانيا؛ فرصة لتصفية حساباتها مع أرمينيا بتحييد مصادر قوتها، وإحراز تقدم ميداني في إقليم "قره باغ" الاستراتيجي، وذلك تحسبًا لاشتعال جبهات الصراع التقليدية، التي تنخرط فيها أنقرة، من جديد. ومن ثم قطع الطريق مستقبلًا على أية محاولات لتوظيف أرمينيا ضدها.

وفي الختام، يُظهر الدعم التركي للهجوم الأذربيجاني ضد أرمينيا، مُضي أنقرة قُدمًا في سياساتها العدائية تجاه دول الجوار، على الرغم من إبداء البعض –مؤخرًا- تفاؤله إزاء إمكانية تراجع أنقرة عن سياساتها وعودتها لسياسة تصفير المشكلات مع دول الجوار، بعد موافقتها على وقف أعمال التنقيب غير المشروعة عن النفط في المناطق المتنازع عليها في شرق المتوسط، وإبداء استعدادها للحوار مع اليونان، وإطلاق المسؤولين الأتراك تصريحات إيجابية بشأن الحوار مع مصر بخصوص الملف الليبي. إلا أنه اتضح أن أنقرة كانت تهدف من كل ذلك إلى فتح جبهة صراع جديدة في منطقة القوقاز.

وبصفة عامة، على الرغم من اندفاع تركيا نحو دعم أذربيجان في هجومها على أرمينيا، إلا أنه من المرجح انتهاج أنقرة سياسة "التصعيد المحسوب" إزاء المواجهات الدائرة بين البلدين، بمعنى أن أنقرة ستواصل دعمها العسكري للجيش الأذربيجاني لتمكينه من تحقيق تقدم ملموس على الأرض والسيطرة على مواقع استراتيجية في إقليم "قره باغ" لتحييد أية تهديدات أرمينية في المستقبل، دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة وشاملة مع الجيش الأرميني أو الإقدام على استهداف مباشر للأراضي الأرمينية، حيث تدرك أنقرة أن ذلك سيتبعه تدخل مباشر من روسيا، الحليف الرئيسي لأرمينيا، في الصراع، ما قد ينذر بحدوث مواجهة عسكرية أوسع في منطقة جنوب القوقاز، ستشكل حتمًا استنزافًا كبيرًا لتركيا لن تقدر على تحمله.