أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الإرث الثقيل:

عشرة تحديات تواجه إدارة الرئيس الأمريكي الجديد

20 يناير، 2021


عرض: سارة عبد العزيز – باحثة في العلوم السياسية

تشهد الولايات المتحدة الأمريكية، اليوم 20 من يناير 2021، مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي رقم (46)؛ إلا أنه في ظل عالم من عدم اليقين، وتعدد الأزمات والتحديات التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل الإرث الثقيل الذي تركه الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته "دونالد ترامب"؛ فإن فترة ولاية "جو بايدن" وربما من يخلفه ستكون أصعب بكثير من فترات عمل الرؤساء السابقين. 

وقد حاول الكاتب "جراهام أليسون"، وهو خبير سياسي وكاتب أمريكي مخضرم، في مقاله المنشور بمجلة "فورين بوليسي"، في 15 يناير الجاري استعراض أهم عشرة تحديات دولية تعد الأكثر تعقيدًا، والتي من المرجح أن تواجه صانعي السياسة الأمريكيين. ويمكن استعراض أهم تلك التحديات على النحو التالي:

1- انقسام الداخل الأمريكي: 

يشكل انقسام الداخل الأمريكي التحدي الأكبر الذي سيواجه صناع السياسة الأمريكيين خلال عام 2021، وما بعده. وحقيقة الأمر فإن انقسام الداخل لن يؤثر على الأمريكيين وحدهم، بل إن تفاعل الإدارة الجديدة مع تلك الحالة غير المسبوقة من الانقسام الذي لم تشهده الولايات المتحدة الأمريكية منذ الحرب الأهلية، من المتوقع أن تنعكس آثاره على العالم كله. 

فما لم تجد الإدارة الأمريكية الجديدة حلًّا وسطًا يُمكّنها من إحداث قدر من التوافق المبدئي بين الحزبين الكبيرين، واستعادة الثقة في مؤسساتها الديمقراطية، والعودة إلى المشروع الأمريكي الكبير في إرساء ونشر المبادئ الديمقراطية الليبرالية ورفض العنصرية؛ فإن واشنطن ستفتقر إلى الأساس الذي من خلاله تستطيع أن تستعيد دورها كقائد في النظام العالمي الجديد في ظل منافسة شرسة من الجانب الصيني. ربما يدرك "بايدن" خطورة ذلك التحدي، إلا أن الأمر قد يحتاج إلى أكثر من مجرد الإدراك.

2- التحدي الاقتصادي: 

في حين أنه لا يمكن إنكار حجم القوة الاقتصادية التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ أيّ تقلص أو اهتزاز في حجم تلك القوة قد يحمل العديد من التبعات على الاقتصاد العالمي بل وأكثر من ذلك. فالاقتصاد هو البنية التحتية للقوة في العلاقات الدولية، كما أن القوة الاقتصادية تمول القدرات العسكرية والاستخباراتية، بما يؤثر -في المجمل- على حركة التجارة والاستثمار العالمي. 

وبناءً عليه، فإنه مع انخفاض القوة الاقتصادية النسبية للولايات المتحدة، تتقلص قائمة الخيارات السياسية المتاحة أمام صناع السياسة، سواء في الداخل أو الخارج. فعلى الصعيد العالمي، ستواجه واشنطن تراجعًا كبيرًا في دورها في النظام العالمي، وسيصبح عليها التكيف مع عالم لم تعد فيه واشنطن قادرة على توفير الدعم العسكري الأمني المجاني للدول الأخرى، أو تمويل أنظمة التسليح وتقديم الدعم والتدريب العسكري، أو ملاحقة الصين في تقديم القروض للدول الفقيرة لتمويل مشروعات النقل والبنية التحتية الرقمية.

3- تراجع أهمية الترسانة المفاهيمية التي اعتمد عليها صانعي السياسة:

 فوفقًا للافتراضات القائمة على الخلفية الديمقراطية الليبرالية لصانعي السياسة الأمريكيين في إدارتي "جورج دبليو بوش" و"باراك أوباما"، كان هناك توقع بأن الإطاحة بالحكام "المستبدين" في العراق وليبيا سيولّد أنظمة ديمقراطية في تلك الدول بشكل تلقائي. أما الفرضية الثانية، فتتعلق بأن العالم الذي تتبنى فيه جميع الدول نظام الأسواق الحرة ستجعل مواطني تلك الدول أغنياء. إلا أن تلك الفرضيات قد تكون غير قائمة في عالم اليوم، وهو ما يستدعي إحداث قدر من التكيف والمراجعة للفرضيات التي يمكن الاعتماد عليها في صنع السياسة الأمريكية. 

4- تحدي التنافس الصيني: 

تشكل الصين التحدي الدولي الأكثر إرباكًا للولايات المتحدة. فعلى عكس الاتحاد السوفيتي السابق والذي كان معزولًا اقتصاديًا ومقيّدًا من الناحية التكنولوجية؛ فإن الوضع التنافسي الحالي مع بكين، وما تمتلكه من الموارد اللازمة لتنمو بشكل أكبر وأسرع وأقوى من واشنطن؛ قد يفرض على الرئيس القادم وضع استراتيجية متكاملة في مواجهة ذلك الصعود الصيني الذي سيغير شكل النظام العالمي. 

فباستخدام أفضل المعايير والمؤشرات الدولية لمقارنة الاقتصادات الوطنية، نجد أن الصين أضحت بالفعل أكبر اقتصاد في العالم. بالشكل الذي يجعلها ربما تكون قد حلت محل الولايات المتحدة باعتبارها المحرك الأساسي للنمو العالمي. كما أنه من بين جميع الاقتصادات الرئيسية، تعد الصين هي الوحيدة التي حققت أكبر معدل للنمو الاقتصادي في نهاية عام 2020، وذلك مقارنة بما كان عليه الوضع مع بداية العام. 

وهنا يشير الكاتب إلى أنه عندما تُهدد قوة صاعدة بإزاحة قوة حاكمة، غالبًا ما تكون النتيجة حربًا كارثية، واستدل على ذلك بما كان عليه الحال في أوروبا عام 1914. كما أكد أن الدفع بما يسمى باستراتيجية فك الارتباط مع الصين، هو أمر غير ممكن. 

5- صعود أهمية العوامل الجيواقتصادية: 

مع بزوغ نجم العولمة أضحى للعامل الاقتصادي أهميته بدرجة تماثل القوة العسكرية. ومن ثمّ، كانت محاولة إدارة "ترامب" إقناع الحلفاء بالاختيار بين العلاقة الأمنية مع الولايات المتحدة أو العلاقة الاقتصادية مع الصين بمثابة خطأ استراتيجي كبير. فبكين حاليًا هي ورشة التصنيع الأولى في العالم، والشريك التجاري الأول لمعظم الدول، بما في ذلك اليابان وأستراليا وحتى ألمانيا. وقد تعمقت الصين خلال السنوات الماضية في كيفية استغلال الأدوات الجيواقتصادية وتوظيفها لصالح تحقيق الأهداف الجيوسياسية الخاصة بها. 

6- القوة العسكرية الصينية: 

بينما لا تزال الولايات المتحدة القوة العسكرية الرائدة في العالم، فقد دشنت الصين خلال العقد الماضي أقوى قوة عسكرية في آسيا. بل إن ميزانية الدفاع لبكين الآن أضحت تقترب من ستة أضعاف ميزانية طوكيو، وحوالي أربعة أضعاف ميزانية نيودلهي. وعلى عكس الولايات المتحدة التي تمتلك التزامات عسكرية عالمية، فإن جهود الصين الدفاعية تتركز بشكل أساسي على حدودها ومياهها الإقليمية. الأمر الذي حوّل ميزان القوة العسكرية لصالحها، خاصة في المناطق الأكثر اشتعالًا والتي تمتلك فيها بكين ميزة نسبية، وعلى الأخص في منطقة مضيق تايوان. 

وقد سبق أن اعترف نائب وزير الدفاع الأمريكي السابق "روبرت وورك" بأنه من بين (18) نموذج محاكاة أجراه البنتاجون لمناورات عسكرية بين الصين والولايات المتحدة في تايوان، كانت النتيجة دائمًا لصالح الصين.

7- المنافسة التكنولوجية الشرسة: 

أصبحت الصين منافسًا تقنيًا حقيقيًا للولايات المتحدة الأمريكية في المجال التكنولوجي، بل إن أغلب التوقعات أضحت تتوقع أن يأخذ النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين منحى آخر، بحيث ينتقل النزاع من التجارة إلى التكنولوجيا. ويعد الذكاء الاصطناعي من المجالات الأكثر احتمالًا لأن تشهد منافسة حادة بين الجانبين، هذا إلى جانب ما حققته الصين من خطوات متقدمة في مجال شبكات الجيل الخامس (5G)، وانعكاس ذلك على تكنولوجيا الاتصالات والخدمات المالية. 

كما أنه من المحتمل كذلك أن يكون للتكنولوجيا التأثير الأكبر على الاقتصاد والأمن القومي خلال العقد المقبل، ومن ثم فإنه في حين فرضت إدارة "ترامب" قيودًا صارمة على وصول الصينيين إلى أشباه الموصلات المتقدمة؛ إلا أن حجم السكان الكبير ودولة المراقبة في الصين ستمنحها دائمًا المزيد من البيانات لتغذية التقدم في مجال التعلم الآلي. 

يقترح الكاتب أنه يمكن للولايات المتحدة استخدام سياسات الهجرة الذكية (Intelligent Immigration Policies )، وكذلك تجنيد الشخصيات المؤثرة للاحتفاظ بميزة تنافسية في مواجهة الصين، بما يُمكّنها من الوصول إلى أكبر نسبة من السكان.

8- التأثيرات التدميرية المتبادلة: 

تعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين أكبر دولتين مصدرتين لانبعاثات الغاز المتسببة في الاحتباس الحراري في العالم، الأمر الذي يجعل كلًّا منهما من أكبر الدول المتحكمة في تأثيرات التغير المناخي. ومن ثم، فإنه قد يكون من الأفضل لكل من واشنطن وبكين العمل على إيجاد طريقة مشتركة لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، للحفاظ على كوكب صالح للعيش للجميع، لأن البديل الآخر قد يكون التدمير المشترك لكليهما.

9- حشد الحلفاء: 

إن الوضع الاقتصادي الحالي للصين يمنحها ميزة تنافسية في مواجهة الولايات المتحدة بما يجعلها قادرة على تمويل ميزانيات الدفاع والاستخبارات بشكل قد يكون أكبر مما تخصصه الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل. 

وبناء عليه، يقترح الكاتب أنه في حال الرغبة الأمريكية في تقييد سلوك بكين؛ فإنه سيتعين على واشنطن اجتذاب دول أخرى ذات ثقل إلى جانبها لإحداث التوازن في ميزان القوة العالمي لصالحها. لكن هذا سيكون أكثر تحديًا مما كان عليه الأمر خلال الحرب الباردة. حيث إنه أصبح لكل حليف محتمل وفقًا للوضع الحالي اهتماماته وأولوياته، والتي قد لا تكون الولايات المتحدة الأمريكية في موضع الصدارة منها. 

وقد تضاعفت أهمية الصين الاقتصادية قد خلال الآونة الأخيرة بالنسبة للأعداء والحلفاء. ومن ثم، فقد يصطف الحلفاء إلى جانب الولايات المتحدة ضد الصين، فيما يتعلق ببعض القضايا الأمنية، بينما يصبحون أكثر تشابكًا مع الصين في القضايا الاقتصادية. وليس أدل على ذلك من توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (R.C.E.P)، التي تعد واحدة من أكبر الصفقات التجارية في التاريخ، حيث يعمل هذا الاتفاق على إنشاء منطقة تجارة حرة بين (الصين، اليابان، كوريا الجنوبية، ودول رابطة الآسيان العشرة، وأستراليا، ونيوزيلندا)، وذلك سعيًا لتقليص الحواجز التجارية بين هذه الدول، وهو ما يخلق إطارًا مشتركًا للتعاون الاقتصادي بينها. وينطبق الأمر ذاته -بدرجة أو بأخرى- على توقيع اتفاق التجارة والاستثمار بين الصين والاتحاد الأوروبي، وهو ما يسمح بالنفاذ التجاري والاستثماري بينهما.

10- تحدي العولمة: 

على الرغم من العديد من منتقديها، ستظل العولمة قوة هائلة في إعادة تشكيل العلاقات الدولية. فحتى مع تقلص حصة الولايات المتحدة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فقد ساهمت قوى العولمة في الدفع نحو استمرارية نمو الاقتصاد العالمي لأكثر من مائة ضعف خلال الفترة من عام 1950 وحتى اليوم. إلا أن الإشكالية تتمثل في أنه في الوقت الذي أنتجت فيه العولمة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، مكاسب ضخمة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والطبية وتبادل الأفكار والخبرات البشرية وغيرها؛ فإن المنافسة العالمية التي لا هوادة فيها تسببت في تداعيات غير متكافئة، خاصة بالنسبة لدول العالم الثالث. 

ومن ثم، أضحى يتعين على صانعي السياسات في الولايات المتحدة إحداث قدر من الموازنة بين هذه المكاسب المتحققة لهم، وخسائر الآخرين. وهو ما يتطلب من واشنطن أن تتجاوز استراتيجيتها التقليدية المتمثلة في التغلب على مشاكل الموارد، ومحاولة إحداث التمييز الدقيق بين المصالح القومية بما لا يتجاوز مصلحة الآخرين.

وختامًا، يمكن القول إن الوضع العالمي الحالي بما يتضمنه من تحديات جسيمة، أصبح يستدعي ضرورة تقييد الطموحات الأمريكية الكبرى من أجل ضمان البقاء والاستمرارية كقوة عظمى. وبناءً عليه، فإنه قد يتعين على "بايدن" وخلفائه استدعاء الخيال الاستراتيجي لترتيب الأولويات واتخاذ الإجراءات التي تصب في صالح حماية المصالح الأمريكية.

المصدر: 

Graham Allison, "Grave New World: Why Biden’s job will be so much harder than his predecessors’", Foreign Policy, January 15, 2021.