أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

استراتيجية قطع الرؤوس:

هل تتفكك التنظيمات الإرهابية بمقتل قياداتها؟

02 أغسطس، 2017


تصاعد الجدل حول مصير تنظيم "داعش" عقب تردد أنباء من مصادر متعددة حول مقتل أبي بكر البغدادي زعيم التنظيم، وتحرير مدينة الموصل من قبضة التنظيم، فعلى الرغم من تأكيدات بعض الخبراء بأن سقوط البغدادي سيؤدي لتفكك وانهيار التنظيم، فإن مراجعة نماذج سابقة لتنظيمات إرهابية فقدت قياداتها، مثل تنظيم القاعدة بعد مقتل أسامة بن لادن وحركة طالبان بعد الملا محمد عمر في 2013 ثم مقتل الملا اختر منصور في مايو 2016، تؤكد أن التنظيمات الإرهابية تتمكن من التكيف مع سقوط قياداتها واستعادة قدرتها على التصعيد الميداني وتوسيع نطاق عملياتها الإرهابية.

ومن المرجح في حالة داعش أن تتراجع قوة التنظيم عقب تحرير الموصل نتيجة فرض حصار على معاقله في سوريا والعراق وقطع خطوط امداداته وسقوط الصف الأول من قياداته بالإضافة للانقسامات المتزايدة داخل التنظيم.

مكانة القيادة في التنظيم:

تتشابه غالبية التنظيمات الإرهابية في بنيتها الإدارية، حيث تتكون من: منصب القائد أو الزعيم الروحي، ومجلس شورى، وقيادة عسكرية، ومالية وإعلامية، وإن اختلفت المسميات، وتختلف درجة تأثير القائد ودوره حسب نوعية التنظيم، وفي هذا الإطار يمكن التمييز بين ثلاثة أنماط مختلفة من التنظيمات الإرهابية يختلف في كل منها دور القائد وذلك فيما يلي: 

1- نموذج المرتكز- الامتدادات (Spokes-Hub): يعتمد هذا الشكل التنظيمي على وجود محور أو مرتكز (hub) هو أطراف أو امتدادات أخرى (spokes)؛ ويتحكم المرتكز في مسارات حركة الأطراف. 

ويتجسد هذا النموذج في تنظيم القاعدة التي تدير عملياتها الميدانية على مستويين: القيادة العسكرية والتي يرأسها أمير التنظيم، ويقع في نطاق مسؤولياته التخطيط للعمليات الكبرى مثل: تفجيرات مدريد، والتي تحتاج إلى مشورة اللجنة العسكرية. 

ويتمثل المستوى الثاني في القيادات الميدانية والتي تكون محلية في أغلب الأحيان ويقع في نطاق اختصاصاتها تنفيذ العمليات الكبري بعد الموافقة عليها من القيادة العسكرية، وتخطيط وتنفيذ العمليات الأخرى بشكل مستقل عن القيادة المركزية طالما تحقق هذه العمليات نصراً إعلامياً.

وفي حالة تغير القيادة في هذا النموذج فإن الزعماء الجدد يجب أن يمتلكوا من التأثير ما يضاهي القيادة السابقة إن لم يكن يفوقها.

2-  نموذج الشبكات المتصلة Networks: يقوم هذا النموذج على انقسام التنظيم إلى قيادتين، عليا ومتوسطة، وتتولى كل قيادة متوسطة مسؤولية إحدى الوحدات، ويتواصل قادة المستوى المتوسط معاً للتنسيق بين هذه الوحدات، فيما تتولى القيادة العليا مسؤولية تنظيم العلاقة بين القيادات المتوسطة.

 ويسمح هذا النوع بدرجة عالية من المرونة وتوزيع السلطة والمسؤولية أفقياً، ويؤدي هذا التوزيع في علاقات السلطة إلى صعود تأثير العلاقات الشخصية، وهو ما يهدد التماسك الداخلي للتنظيم، بالإضافة إلى أنه يحد من قدرة القيادة العليا على السيطرة على مجريات العمل كافة داخل الجماعة الإرهابية، وهو ما ينطبق على حركة طالبان في عهد الملا منصور.

وفي بداية تأسيس حركة طالبان تم اختيار الأفراد المنضمين للحركة على أساس درجة الثقة والولاء، وبالتالي تكونت شبكات من الموالين للملا محمد عمر وصلت إلى ما يقدر بحوالي 20 شبكة في عام 2011. 

 ووصل عدد الشبكات في حركة طالبان الأفغانية إلى حوالي 20 شبكة في 2011، وفقاً لما ذكره الباحث "أنطونيو جوستوزي" ((Antonio Giustozzi في الكتاب المعنون "التكيف العسكري في أفغانستان" والصادر عن جامعة ستانفورد.

3- النموذج العنقودي Clustered: ويرتكز على فكرة "الخلية" التي تتكون بدورها من عدد من المجموعات الفرعية، وعادة لا تكون هناك علاقة مباشرة بين قيادات الخلايا والمجموعات الفرعية، كما قد يتم التواصل بينهم وبين قائد التنظيم عن طريق الوسطاء، ومن ثم فإن درجة ارتباط الأعضاء بالقيادة العليا تكاد تكون منعدمة، ويتجسد هذا النموذج في تنظيم "داعش"، حيث قد تظهر مجموعات مسلحة في منطقة ما تعلن تبنيها فكر ومعتقدات التنظيم، ولا ترتبط به بشكل مباشر. 

نظم إحلال القيادات:

يحدد الهيكل الداخلي للتنظيمات الإرهابية آليات لإحلال قيادة جديدة عند حدوث ما يمنع القائد عن الاضطلاع بدوره، مثل الوفاة، والإصابة الشديدة، والاختفاء، أو الاعتقال؛ وذلك بهدف تحقيق قدر من الاستقرار النسبي للتنظيم بعد غياب قيادته بما يضمن استمراريته وبقاءه. 

وفي حالة تنظيمي القاعدة وحركة طالبان يوفر نظام الإنابة آلية إحلال سريعة تعمل على سد فراغ منصب القيادة بشكل فوري يضمن استمرار عمل التنظيم، على أن يجتمع أعضاء مجلس الشورى لتسميته وتعيينه قائداً جديداً للتنظيم. 

أما في تنظيم "داعش"، فلا توجد معايير مؤسسية أو عملية اختيار تتسم بالشفافية بين أعضاء التنظيم، إلا أن هناك ثمة شروطاً يجب أن تتوافر في القائد استمدها التنظيم من الكتب التراثية لإضفاء الشرعية الدينية على هذه العملية مثل: أن يكون من أصل قرشي، وأن يكون معروفاً بالكفاءة السياسية والميدانية، وأن يكون لديه معرفة جيدة بالعلوم الشرعية، مع سلامة الحواس.

وبعد شيوع خبر مقتل زعيم "داعش" أبي بكر البغدادي في غارة روسية على شمال الرقة في سوريا في 16 يونيو 2017، وهو الأمر الذي لم يتم التأكد منه حتى الآن، دبت الصراعات الداخلية في صفوف تنظيم "داعش" متناحرين على منصب الخليفة الذي أصبح شاغراً، ومن أبرز هذه الخلافات انشقاق نائب والي الحويجة وتنصيب نفسه خليفة للتنظيم، وإعلان استعداده لخوض معركة تحديد المصير مع مناوئيه من التنظيم، أي أن الخلافات قد آلت بتنظيم "داعش" إلى الاقتتال الداخلي.  

تأثيرات تغير القيادة:

يؤثر تغير القادة على تماسك التنظيم الداخلي، وطبيعة وعدد عملياته وأساليب تنفيذها، وموارده المالية، كما يؤدي في بعض الأحيان إلى تحولات في مناطق تمركز الجماعات، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1- درجة التماسك التنظيمي: على عكس ما هو شائع، قد يؤدي استبدال القيادة في بعض الأحيان إلى زيادة درجة التماسك الداخلي للتنظيم؛ ففي حالة تنظيم القاعدة، أدى مقتل أسامة بن لادن إلى ظهوره بصورة البطل المقاوم بالنسبة لمقاتلي القاعدة، وهو ما أدى إلى زيادة درجة التماسك الداخلي للتنظيم.

وعلى النقيض من هذا فإن حركة طالبان قد تضررت على المستوى التنظيمي بعد وفاة الملا محمد عمر؛ حيث حدث خلاف حول تولي الملا منصور قيادة طالبان في ظل وجود مزاعم بتجسسه على مقاتلي الحركة، وموقفه الداعم لعملية السلام مع الحكومة الأفغانية، وانشق عدد من مقاتلي طالبان عن التنظيم في هذه الفترة، وقد هدأت حدة هذه الخلافات بعد تولي المولوي "هيبة الله أخوندزاده" زعامة حركة طالبان، حيث إن أسلوب إدارته يعد بمنزلة استنساخ لنموذج الملا عمر، خاصةً فيما يتعلق بالاستشارة الدائمة لمجلس شورى الحركة.

أما في حالة تنظيم "داعش" فقد أدى إعلان وفاة البغدادي إلى انهيار التنظيم العنقودي لـ"داعش" ودبت الانقسامات الداخلية في الحركة بين الراغبين في شغل منصب الخليفة؛ وهو ما يعني أن "داعش" أصبح يواجه تهديدات خارجية وداخلية معاً.

2- مصدر التمويل: يتضح هذا بشكل خاص في حالة تنظيم القاعدة، حيث اتسم أسلوب إدارة أيمن الظواهري للتنظيم بقدر من السلطوية، مقارنة بأسلوب الحوار والإقناع الذي اعتمده أسامة بن لادن، وكان لذلك أثره في تفضيل ممولي التنظيم توجيه أموالهم إلى حركة طالبان الأفغانية بقيادة الملا محمد عمر بدلاً من تنظيم القاعدة بقيادة الظواهري. 

3- عدد العمليات الإرهابية: تشير العديد من الأدبيات إلى أن هناك علاقة بين مقتل القادة وانخفاض عدد العمليات الإرهابية للتنظيم؛ فبعد مقتل أسامة بن لادن في عام 2011، شهد حجم العمليات التي يقوم بها التنظيم ثباتاً نسبياً في الفترة بين عامي 2011 و2012، ولم يعاود نشاطه إلا في عام 2013. 

أما في حركة طالبان، فقد أدى مقتل الملا محمد عمر في عام 2013 إلى تراجع طفيف في حجم العمليات من 700 عملية في عام 2012 إلى 600 عملية في عام 2013، ولكن ما لبثت أن استعادت الحركة نشاطها حتى وصلت لما يقدر بحوالي 1300 عملية في عام 2015.

 وهبط معدل العمليات مرة أخرى بعد مقتل الملا محمد منصور في 2016 ليصل إلى ما يقدر بحوالي 1000 عملية في عام 2016، وذلك بحسب التقديرات السنوية المدرجة على قاعدة بيانات الإرهاب العالمي (GTD). 

4- آليات التنفيذ: أدي مقتل أسامة بن لادن إلى تصعيد عدد من الكوادر والقيادات الشابة الذين تربوا على أفكار القاعدة وتوجهاتها، وهو ما أدى لتطوير آليات واستراتيجيات تنفيذ العمليات الإرهابية، حيث عملت هذه القيادات على توفير قاعدة لوجستية قوية تمثل البنية التحتية لعملياتها.

بالإضافة إلى تصعيد عمليات التنظيم فمثلاً كان يتم اختراق بعض الأجهزة الأمنية، وزرع قنابل متفجرة شديدة التعقيد داخلها من حيث تقنية الصنع والتركيب، وواسعة المدى من حيث نطاق التأثير داخل الجهاز. 

علاوة على ذلك، أتقن التنظيم أساليب التمويه، بحيث أصبح من المتعذر على رجال الأمن الكشف عن المتفجرات أو العناصر المنفذة قبل وصولهم إلى موقع التنفيذ، وهو ما ارتبط بوضع معايير صارمة للعناصر التي يتم استقطابها، إذ أصبح من الضروري أن تتمتع بأعلى درجات التعليم التقني المتخصص، والذكاء، والقوة البدنية. 

5- مناطق التمركز: تؤدي عمليات اغتيال قادة التنظيمات الإرهابية إلى تبني أسلوب "عدم التمركز"، حيث تقوم الجماعات الإرهابية في هذه الحالة بتنفيذ عمليات في دولة ما، ثم الانتقال منها بشكل فوري، بحيث يصبح منفذو العمليات الإرهابية أهدافاً متحركة يصعب اصطيادها، ويرتبط هذا بتقوية شبكة تحالفاتها على غرار ما قام به تنظيم القاعدة مع التنظيمات المماثلة، خاصة حركة طالبان، بحيث أصبح من الصعب تتبع هذه القيادات والإيقاع بها نظراً لقوة شبكة تحالفاتها الإقليمية التي تعتبر بمنزلة شبكات أمان في حالات التعقب والهرب، بالإضافة إلى اعتمادهم عليها كشبكة معلومات في تلقي التعليمات والتنسيق.

انتشار التنظيمات اللامركزية: 

لم يعد متغير القيادة عاملاً حاسماً في قوة التنظيمات الإرهابية، بعدما أصبحت هذه التنظيمات تعتمد على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وساحات النقاش المفتوحة التي توفرها مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وفرت هذه التكنولوجيا مجالاً للتواصل بين أعضاء التنظيمات الإرهابية للتنسيق فيما بينهم عن بعد، ناهيك عن كونها أداة لتعبئة وتجنيد المتعاطفين.

 والمحصلة هو أن القادة الميدانيين في ظل هذه الظروف أصبح لديهم درجة عالية من الاستقلال والقدرة على اتخاذ القرار بعيداً عن القيادات المركزية لهذه التنظيمات، وعلى العكس مما هو متوقع يزيد التواصل عن بعد من درجة انتمائهم إلى الجماعة أو التنظيم، حيث يشعرون بأنهم أصحاب قرار ولديهم قدر كبير من التأثير، وينعكس على هذا على مستوى أدائهم.

من جانب آخر، اكتسبت التنظيمات الإرهابية في الوقت الحالي قدراً عالياً من المرونة يمكنها من التشعب الأفقي عن طريق خلق امتدادات محلية للتنظيم داخل الأقطار المختلفة، بما يجعله أكثر تجذراً عن ذي قبل، وهو ما يعزز من بقاء هذه التنظيمات واستمرارها. 

وختاماً، من المرجح أن تحقق استراتيجية قطع رؤوس التنظيمات الإرهابية (Kingpin Strategy) بعض النتائج فيما يتعلق بتقليل معدلات العمليات الإرهابية على المدى القريب، إلا أن هذه التنظيمات عادة ما تستعيد قدراتها الهجومية نتيجة وجود آليات لاستبدال القيادات، وتلقي مقاتلي التنظيمات الإرهابية الأهداف والتوجهات العامة عن بعد مع ترك آليات التنفيذ لهم، بالإضافة إلى القدرة العالية على التكيف مع التحولات التنظيمية خاصةً فقدان القيادات الرئيسية.