أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

توترات مستمرة:

لماذا انتشرت ظاهرة "استقطاب الأعداء" في المنطقة؟

19 أبريل، 2017


يعود تمدد استقطاب الخصوم في منطقة الشرق الأوسط، في الآونة الأخيرة، إلى اعتبارات رئيسية عديدة، يتمثل أبرزها في الانتهاكات التي ترتكبها بعض الأنظمة السياسية الحاكمة، واستمرار السياسات التدخلية من جانب بعض القوى الدولية والإقليمية، وتصاعد الأدوار السياسية والعسكرية التي تقوم بها في مناطق الصراع، والتأثيرات السلبية لسياساتها على حالة الاستقرار في بعض الدول، واتساع نطاق الخلاف فيما بينها حول بعض القضايا الداخلية والإقليمية.

تطورات متزامنة

اتهمت الولايات المتحدة النظام السوري بشن هجوم كيماوي بالغازات السامة على منطقة خان شيخون في إدلب، في 3 أبريل 2017، ما أسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من المدنيين، واستندت إلى ذلك في تبرير شن ضربات صاروخية (59 صاروخ توماهوك) على مطار "الشعيرات" العسكري في حمص، وقالت إن الهجمات التي شنها النظام على خان شيخون انطلقت من هذا المطار. 

وفي هذا الصدد، يمكن القول إن اتهام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ساهم في دفع خصوم دوليين له إلى التدخل عسكرياً ضده للمرة الأولى في الصراع السوري، بعد أن كانت الحرب ضد الإرهاب، لا سيما تنظيم "داعش"، تحظى بالأولوية لديهم. والمفارقة أن هذا التدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة يمكن أن يستقطب خصوماً جدداً لها، على غرار روسيا، التي سعت خلال مرحلة ما بعد فوز الرئيس دونالد ترامب إلى الوصول لتفاهمات مع واشنطن حول الملفات الخلافية، لكنها ربما تتجه إلى اتخاذ إجراءات تصعيدية ضد التدخل العسكري الأخير، وهو ما بدا جلياً في قرارها تعليق اتفاق سلامة الطيران مع واشنطن على الأراضي الأمريكية احتجاجاً على الضربة الصاروخية.

كذلك، فإن إقرار مجلس محافظة كركوك، في 4 أبريل 2017، إجراء استفتاء على انضمام المحافظة إلى إقليم كردستان ورفض قرار البرلمان الاتحادي بإنزال علم الإقليم من على المباني الرئيسية، ساهم في تصاعد حدة التوتر في علاقات المحافظة والإقليم مع كثير من القوى الداخلية والإقليمية المعنية بالأزمة العراقية، على غرار إيران وتركيا والحكومة المركزية في بغداد برئاسة حيدر العبادي.

وبعبارة أخرى، فإن تلك الخطوة يمكن أن تساهم في "تكتيل الخصوم" الداخليين والإقليميين ضد إقليم كردستان، الذي نجحت قيادته خلال المرحلة السابقة في تحييد هذا التكتل، بسبب سياستها المتقاربة مع بعض الدول، على غرار تركيا، فضلاً عن الدور الرئيسي الذي قامت به الميليشيا الكردية في الحرب ضد تنظيم "داعش" والذي مكَّنها من الحصول على دعم كبير من جانب الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، دفعت خطوة مجلس محافظة كركوك الأطراف المعنية بالأزمة في العراق إلى إبداء تحفظات شديدة تجاهها. فقد رفضت تركيا هذه الخطوة التي اعتبرتها غير دستورية، وطالب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حكومة الإقليم بإنزال العلم الكردي، باعتبار أن كركوك ليست مدينة كردية فقط، وهدد بأن استمرار هذا الوضع سوف يؤثر على العلاقات بين الإقليم وتركيا، في حين اعتبرت إيران أن تلك الخطوة تتعارض مع الدستور ولا تساهم في استقرار الأوضاع.

الميليشيات الطائفية

في العراق أيضاً، ساهمت الممارسات التي قامت بها بعض الميليشيات الطائفية، على غرار ميليشيا "الحشد الشعبي"، في تصاعد حدة الانتقادات التي وجهتها إليها بعض القوى السياسية العراقية وبعض الأطراف المعنية بالحرب ضد تنظيم "داعش" في شمال العراق، وذلك بعد الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها هذه الميليشيات في المناطق التي يقطنها السُنة في شمال العراق، وبعد تزايد التقارير التي تشير إلى قيامها بعمليات تطهير طائفي في بعض المناطق، التي تقطنها مكونات أخرى غير شيعية.

استهداف روسيا

أدى استمرار الدعم الذي تقدمه روسيا إلى النظام السوري، على المستويين العسكري والسياسي، إلى تصعيد حدة التوتر في العلاقات بين روسيا والقوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، بل إن بعض الاتجاهات بدأت تشير إلى أن السياسة التي تبنتها موسكو إزاء الصراع في سوريا أدت إلى استقطاب خصوم كُثر لها؛ بدأ بعضهم في التركيز على استهداف مصالحها، سواء داخل روسيا أو في المنطقة، على غرار اغتيال السفير الروسي في أنقرة في ديسمبر 2016. 

كما يبرز الهجوم الانتحاري الذي تعرضت له محطة مترو أنفاق في سان بطرسبورج، في 3 أبريل 2017، والذي أسفر عن مقتل 14 شخصاً وإصابة 50 آخرين، حيث أشارت التحقيقات إلى أن منفذ الاعتداء القيرغيزي الأصل والروسي الجنسية، ينتمي إلى تنظيم "داعش"، بشكل يشير إلى أن الأخير ربما سعى خلال الفترة الماضية إلى تكوين "خلايا نائمة" داخل روسيا، من أجل تنفيذ عمليات إرهابية جديدة للرد على الدور العسكري المتصاعد لروسيا في الصراع داخل سوريا.

النفور من إيران

أدت السياسة التدخلية التي تتبناها إيران إلى اتساع نطاق التوتر في علاقاتها مع بعض الدول، وعدد من القوى السياسية داخل هذه الدول، التي بدأت في توجيه إشارات استياء عديدة تجاه تفاقم التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض دول المنطقة، وتصاعد الأدوار السلبية التي تقوم بها طهران وأصبحت سبباً رئيسياً في زعزعة الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. 

وعلاوة على اتجاه العديد من دول المنطقة إلى اتخاذ إجراءات قوية ضد التدخلات الإيرانية على غرار قطع العلاقات الدبلوماسية أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع طهران، فقد بدأت السياسة الإيرانية تثير جدلاً واسعاً على الساحة الداخلية في بعض الدول، مثلما حدث في الجزائر، في 2 أبريل 2017.

فقد سارعت وزارة الخارجية الجزائرية إلى إصدار بيان نفت فيه ما نشرته بعض وسائل الإعلام الإيرانية من تصريحات على لسان رئيس الوزراء الجزائري عبدالمالك سلال، خلال لقائه مع وزير الثقافة والإرشاد الإيراني رضا أمير صالحي، والتي زعمت أن المسؤول الجزائري ركز فيها على "محاربة الفكر التكفيري ضمن محور مكافحة الإرهاب"، حيث اعتبرت أن ذلك يعد "نقلاً غير سليم واستنتاجاً غير مطابق لحقيقة ما تم تداوله خلال اللقاء الذي ركز على الأهمية التي يجب أن يوليها الطرفان للجوانب الثقافية من أجل توطيد العلاقات بينهما".

واللافت في هذا السياق، هو أن الجدل ذاته تكرر في تونس، وفي التوقيت نفسه تقريباً، حيث نفت الرئاسة التونسية ما تداولته بعض وسائل الإعلام الإيرانية من تصريحات نسبتها إلى الرئيس الباجي قائد السبسي، خلال لقائه مع وزير الثقافة الإيراني رضا أمير صالحي، في 31 مارس 2017، وادعت أنه قال فيها إن "إيران هي حامية العالم الإسلامي من إسرائيل"، حيث ذكرت الرئاسة التونسية أن "اللقاء ركز على أهمية استغلال إيران لفك العزلة التي كانت مفروضة عليها من أجل تحسين العلاقات مع دول المنطقة".

خلاف تركي - أوروبي

اتسع نطاق الخلاف والتوتر في العلاقات بين تركيا وبعض الدول الأوروبية، بعد تزايد الانتقادات الأوروبية للإجراءات التي تتخذها السلطات التركية على الساحة الداخلية، فضلاً عن تبني بعضها خطوات لمنع تركيا من التواصل مع جالياتها الموجودة على أراضيها، على غرار ما فعلته كل من هولندا وألمانيا. وقد تزامن ذلك مع تصاعد التوتر في علاقات تركيا مع بعض القوى والأطراف في المنطقة، مثل إيران وإقليم كردستان، بسبب التباين في التعامل مع الملفين السوري والكردي.

اعتبارات حاكمة

إن ثمة اعتبارات عديدة يمكن من خلالها تفسير اتساع نطاق ظاهرة "استقطاب الأعداء" في المنطقة، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- خلط الأوراق: يبدو ذلك جلياً في حالة كركوك، حيث إن الخطوة الأخيرة التي اتخذها مجلس المحافظة، ربما جاءت في وقت غير مواتٍ بالنسبة لكثير من القوى المعنية بالملف العراقي تحديداً، مثل تركيا، التي دخلت في صراع مفتوح مع بعض الميليشيات الكردية، سواء التركية، مثل حزب العمال الكردستاني، أو السورية مثل "قوات سوريا الديمقراطية"، بسبب مخاوفها من إمكانية تكريس التواصل الكردي العابر للحدود بشكل يهدد مصالحها وأمنها القومي وتماسكها الداخلي، خاصةً أن خطوة محافظة كركوك يمكن أن تعزز من النزعة الانفصالية لدى الأكراد، بالتوازي مع المساعي التي تبذلها بعض تلك الميليشيات لتكريس مكاسبها على الأرض على ضوء مشاركتها في الحرب ضد "داعش"، مثل الميليشيات الكردية في سوريا.

2- فاتورة الدعم: إذ إن تحول روسيا إلى ظهير سياسي وعسكري للنظام السوري، لم يؤد فقط إلى تصاعد حدة التوتر في علاقاتها مع بعض القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة السورية، بل إنه ربما يدفع بعض التنظيمات الإرهابية إلى مواصلة العمل على استهداف مصالحها، باعتبار أن تدخلها العسكري ودعمها السياسي الواضح للنظام السوري، كانا السبب الرئيسي في حماية هذا النظام من السقوط، ومنع تلك الميليشيات من الحصول على مكاسب سياسية واستراتيجية كبيرة داخل سوريا.

3- تكريس التدخل: ساهمت التدخلات الإيرانية المستمرة والخطوات التي تتخذها طهران للتغلغل داخل مجتمعات بعض الدول، في تصاعد تأثير الخطاب المعادي لإيران داخل كثير من الدول واستقطاب خصوم جدد من المكونات المجتمعية المختلفة، وهو ما يبدو جلياً في حالات دول مثل الجزائر، التي تزايدت فيها الدعوات لطرد الملحق الثقافي الإيراني أمير موسوي، بدايةً من عام 2016، الذي اتهمه بعض الأطراف بالعمل على "نشر التشيَّع وإثارة الفوضى داخل الجزائر".

4- تباين المصالح: يظهر ذلك في التوتر الحالي بين تركيا وبعض الدول الأوروبية، فعلى الرغم من أن الاستفتاء التركي هو العنوان الرئيسي لهذا التوتر بسبب منع بعض الدول الأوروبية عدداً من المسؤولين الأتراك من التواصل مع الجاليات التركية بها، فإن ذلك لا ينفي أن ثمة خلافات أخرى لا تقل أهمية حول بعض الملفات، مثل ملف اللاجئين والمهاجرين، فضلاً عن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، إلى جانب اتجاهها نحو تحسين علاقاتها مع روسيا في الوقت الذي تتواصل فيه التباينات الروسية - الأوروبية حول الملفين الأوكراني والسوري.

خلاصة القول؛ إن استمرار بعض القوى الدولية والإقليمية في اتخاذ مزيد من الإجراءات غير المحسوبة قد يدفع في اتجاه توسع قائمة خصومها، بسبب تشابك المصالح وتقاطع السياسات، والتي تدعمها حالة السيولة في أنماط التفاعلات والتحالفات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة.