أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

"فارك – إي إم سي":

تداعيات تجدد القتال بين الحكومة والمتمردين في كولومبيا

02 أغسطس، 2024


أعلنت الحكومة الكولومبية يوم 17 يوليو 2024، إنهاء وقف إطلاق النار مع فصيل "هيئة الأركان العامة المركزية" (إي إم سي)، المكون من أعضاء سابقين في حركة القوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك"؛ بسبب "عدم التزام الفصيل المسلح بسياسة السلام الشامل". كما أشار قائد القوات المسلحة المُعيّن حديثاً الجنرال، فرانسيسكو كوبيدس، إلى صدور الأوامر لاستئناف العمليات الهجومية في أنحاء البلاد ضد هذه الشبكة.

جذور تاريخية:

تأسست حركة "القوات المُسلحة الثورية الكولومبية" التي تسمى اختصاراً باسم "فارك" في كولومبيا عام 1964 كذراع عسكرية للحزب الشيوعي الكولومبي. وهي حركة ثورية يسارية مُتمردة، حاربت الحكومة منذ تأسيسها، كما تُسيطر على نحو 40% من الأراضي الكولومبية وتحديداً في منطقة الغابات الجنوبية الشرقية وسهول جبال الأنديز، وتوفر التمويل لأنشطتها عبر وسائل مُتعددة، أبرزها احتجاز الرهائن للحصول على فدية، والمساهمة المباشرة وغير المباشرة في عمليات الاتجار بالمخدرات.

في هذا السياق، تدعي الحركة دفاعها عن المزارعين الفقراء؛ إذ يعتبر أعضاؤها أنفسهم مُمثلين لفقراء الريف الكولومبي وحُماته من هيمنة الطبقات الغنية، كما يعلنون رفضهم ما يعتبرونه تأثيراً من الولايات المتحدة في كولومبيا، ويقفون في وجه خصخصة اقتصاد بلادهم. 

وقد قدّر عدد أعضاء فارك ممن هم دون سن الـ18 بما يناهز 30% من مجموع الأعضاء، كما يقدر عدد المجندات بما يقارب 40%، وبشكل عام، كان مُقاتلوها متوزعين على عدد من الوحدات كل وحدة مكونة من 30 مسلحاً بزعامة شخص تناط به القيادة العسكرية والتأثير الأيديولوجي، ويخضع مُنتسبو التنظيم لنظام عسكري صارم؛ مما جعل بعض التقارير تشير إلى أنهم أكثر انضباطاً وأشد فاعلية من عناصر الجيش النظامي.

انطلاقاً من هذا، بدأت الحكومة الكولومبية محادثات سلام مع "فارك" أواخر 2012 في أوسلو، ثم اُستأنفت عام 2013 بمساعدة كوبا والنرويج؛ وأسفرت في النهاية عن توقيع اتفاق سلام تاريخي بالعاصمة الكوبية هافانا بين الحكومة والحركة في نوفمبر 2016؛ هدف إلى وضع نهاية لحرب أهلية استمرت قرابة 52 عاماً، وأسفرت عن مقتل 260 ألف شخص ونزوح 8 ملايين.

كما تم بموجبه نزع سلاح الجماعة وتحويلها إلى حزب سياسي، لكن جزءاً من المتمردين رفض الاتفاق وشكل ما يُعرف باسم "القوات المسلحة الثورية الكولومبية - الأركان العامة المركزية" (فارك – إي إم سي)، التي تضم نحو 3500 فرد، 2180 منهم مسلحون، وينشطون في فنزويلا والإكوادور، وكذلك في غرب كولومبيا ووسطها وشرقها، ويحصلون على التمويل بالمخدرات والتهريب ومواصلة الهجمات على المؤسسات الحكومية، إضافة إلى الاشتباكات مع جماعات متمردة وعصابات إجرامية منافسة في صراع على النفوذ في بعض المناطق الريفية في كولومبيا.

عوامل دافعة: 

يمكن تفسير قرار الحكومة الكولومبية الأخير بإنهاء وقف إطلاق النار مع "هيئة الأركان العامة المركزية" (إي إم سي) بعدد من الدوافع على النحو التالي:

1. انتهاك وقف إطلاق النار: انتهكت وحدات (إي إم سي) كافة اتفاقيات وقف إطلاق النار ومحادثات السلام التي أبرمتها مع الحكومة الكولومبية منذ أكتوبر 2023؛ إذ هددت الحركة الأعضاء المسرحين من جماعة القوات المسلحة الثورية الكولومبية السابقة "فارك" وهاجمت أفراد الجيش وتسببت في تصاعد موجات العنف بالبلاد. فقد وصلت عمليات قتل النشطاء والقادة الاجتماعيين إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في عام 2022؛ إذ قُتل 215 شخصاً وفقاً لمكتب أمين المظالم الكولومبي، ارتفاعاً من 145 في عام 2021، كما ارتفعت الحوادث الأمنية بين يناير وإبريل 2023 بنسبة 133%. أخيراً، قُتل حوالي 20 شخصاً من قادة السكان الأصليين في نفس العام، حسبما أشار مرصد حقوق الإنسان التابع للمجلس الإقليمي للسكان الأصليين في كاوكا. 

وفي يونيو الماضي، أسقطت وحدات (إي إم سي) متفجرات من طائرات من دون طيار على منازل في أرجيليا كاوكا؛ مما أدى إلى إصابة أربعة أشخاص، كما أصابت المجموعة ثلاثة جنود في هجوم بطائرة من دون طيار في نفس البلدية. أما في مايو الماضي، فقد هاجمت مراكز الشرطة، وأطلقت النار على المروحيات العسكرية، وفجرت دراجات نارية مفخخة، وهاجمت أحد البنوك؛ مما خلف عشرات القتلى والجرحى في كاوكا وفالي دي كاوكا.

تزامن ذلك مع تقرير مؤسسة "السلام والمصالحة"، وهي مؤسسة بحثية تراقب العنف في كولومبيا، في شهر يوليو الجاري، والذي أشار إلى ارتفاع عمليات الاختطاف بنسبة 50% تقريباً في العام الماضي، في حين زاد أيضاً عدد حواجز الطرق غير القانونية والمعارك بالأسلحة النارية بشكل ملحوظ في النصف الأول من هذا العام، وأضاف التقرير أن مقاتلي القوات المسلحة الثورية الكولومبية كانوا موجودين في 157 بلدية في كولومبيا قبل عام، لكنهم يعملون الآن في 209 من بلديات البلاد البالغ عددها 1100.

2. ارتفاع معدلات النزوح القسري: أسهمت وحدات (إي إم سي) في ارتفاع نسب التهجير القسري والحبس بالبلاد. فوفقاً لعمليات الحماية المدنية والمساعدات الإنسانية الأوروبية (ECHO) في عام 2023، عانى ما لا يقل عن 250 ألف شخص من النزوح القسري والعزل والتهديدات وجرائم القتل وانفجار الألغام الأرضية والتجنيد القسري؛ نتيجة للنزاع في كولومبيا، وسيحتاج ما يقدر بنحو 8.3 مليون شخص إلى المساعدة في عام 2024؛ إذا استمر العنف.

على الجانب الآخر، أعلن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة احتجاز أكثر من 100 ألف شخص قسراً من قبل وحدات (إي إم سي) في عام 2022؛ مما يعني أنهم لم يتمكنوا من مُغادرة منازلهم بسبب النزاع أو تم تقييد حركتهم، كما يعوق الحجر نقل البضائع ويقيد وصول المساعدات؛ مما يؤدي إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية.

3. تفاقم معدلات تجنيد الأطفال: وهو ما يتضح فيما يلي: 

•أشارت رابطة مجالس السكان الأصليين في شمال كاوكا "تشاب والا كيوي" إلى زيادة تجنيد أطفال السكان الأصليين من قبل وحدات (إي إم سي) في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2024 في كاوكا؛ إذ تم تجنيد 817 قاصراً، بعضهم لا يتجاوز عمره ثماني أو تسع سنوات، مع العلم بأن الأعداد الحقيقية أعلى من هذه الأرقام الرسمية، ومع الأخذ في الاعتبار أنه في كثير من الحالات، يختار الآباء عدم الإبلاغ؛ خوفاً من انتقام وحدات (إي إم سي).

• أخيراً، في مارس الماضي، أبلغ مكتب أمين المظالم عن وجود مركز تجنيد لعصابات وحدات (إي إم سي) في المنطقة، بقيادة الاسم المُستعار، إيفان مورديسكو، كما تم إحضار قاصرين من مناطق أخرى من البلاد إلى هذا الموقع لتلقي تدريب عسكري؛ ومن ثم الانضمام إلى مختلف الجبهات النشطة التي تديرها هذه المنظمة في جميع أنحاء البلاد.

تداعيات مُحتملة: 

ثمّة انعكاسات مُحتملة لقرار الحكومة الكولومبية الأخير؛ وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

1. تعثر سياسة السلام الشامل: سعى الرئيس الكولومبي اليساري، غوستافو بيترو، منذ وصوله إلى سدّة الحكم؛ لإجراء مُفاوضات سلام دائم وشامل لإنهاء ستة عقود من الصراع بين قوات الأمن في بلاده والمتمردين والقوات شبه العسكرية اليمينية وعصابات المخدرات فيما ما عرف بسياسة "السلام الشامل"، إلا أن قراره الأخير بإنهاء وقف إطلاق النار مع وحدات (إي إم سي)، قد يؤثر سلباً في هذه السياسة؛ وهو ما يظهر فيما يلي: 

• زيادة احتمالية تعثر وتعقد محادثات السلام مع وحدات (إي إم سي) ولاسيما مع إعلان وزير الدفاع، إيفان فيلاسكيز، في يوليو 2024، اعتقال العديد من قادة وممثلي الحركة عند نقطة تفتيش عسكرية في سيسنيروس شمال شرقي البلاد.

• إضعاف قدرة الحكومة على التفاوض وإمكانية دفعها إلى المزيد من التنازلات مع الجماعات المتمردة الأخرى كجيش التحرير الوطني وهو حركة تمرد أقل تنظيماً من القوات المسلحة الثورية الكولومبية، لكنها نشطت مؤخراً بسبب زيادة أعداد مقاتليها بجانب تنفيذ عدد من الأعمال الإجرامية بالبلاد. 

• من الممكن أن يدفع قرار الحكومة الكولومبية الأخير، جماعة سيغوندا ماركيتاليا، وهي مجموعة أخرى منشقة عن مُتمردي القوات المسلحة الثورية الكولومبية "فارك"، للتنصل من تنفيذ الاتفاق الذي عقدته مع الرئيس بيترو، في يونيو 2024، والذي نص على وقف إطلاق نار من جانب واحد والالتزام بتسليم الأشخاص الذين يحتجزونهم.

هذا بالإضافة إلى الظروف الدولية المعاكسة لخطة بيترو للسلام الشامل، وأبرزها اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقرر إجراؤها في نوفمبر 2024، والتي صرفت انتباه بايدن بعيداً عن أمريكا اللاتينية. 

2. تضاؤل الثقة في الحكومة: وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي: 

• يُشير البعض إلى أن قرار إنهاء وقف إطلاق النار سيقوّض الثقة في حكومة بيترو؛ إذ يبرز عدم إيجابية بعض القرارات الحكومية الخاصة بوقف إطلاق النار مع بعض الجماعات؛ فقد استغلت هذه الجماعات وقف إطلاق النار لتوسيع نفوذها واحتلال المزيد من المناطق وتجنيد أعضاء جدد.

• عدم وجود تحسن ملموس في عملية إعادة إدماج أعضاء القوات المسلحة الثورية الكولومبية السابقين من خلال العلاجات التعليمية والصحية العقلية، وكان هذا مثيراً للقلق؛ نظراً لأن إعانات البطالة التي حصل عليها الأعضاء كانت على وشك الانتهاء. ورغم أن البعض أراد أن يصبح مزارعاً؛ فإن الحكومة لم تقدم برنامجاً لتسهيل هذا الأمر؛ ونتيجة لذلك، أصبح ما يقرب من 1500 عضو سابق منشقين.

• هذا إلى جانب التدهور الملحوظ في الظروف الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد؛ وهو ما سيدفع لمزيد من السخط والاضطرابات الاجتماعية؛ مما سيؤدى في نهاية المطاف إلى زيادة الاستقطاب السياسي وتضاؤل الثقة في الحكومة.

• يعزز هذا الرأي أيضاً، استمرار فشل تنفيذ معاهدة السلام 2016 حتى الآن، فيما يتعلق بتحسين البنية التحتية والأمن وخدمات الرعاية الاجتماعية، ولاسيما في المناطق الريفية الأكثر تضرراً بالصراع؛ إذ أفاد العديد من الكولومبيين بأن الخدمات الصحية الكافية لا تزال سيئة أو غير موجودة، فضلاً عن تنصل الحكومة من الوفاء بتعهداتها فيما يتعلق ببرامج استبدال المحاصيل -من خلال تأمين بدائل عن الزراعات غير القانونية التي تشكل مصادر تمويل للمجموعات المسلحة- وبناء الطرق والسدود وتعويض ضحايا النزاع، ناهيك عن تجاهل الأولويات الأخرى، التي لا تتعلق بشكل مباشر باتفاق السلام، كالحد من الجريمة والبطالة والهجرة خاصة في أراوكا، التي تشهد مؤخراً تدفقاً للمهاجرين الفنزويليين. 

وفي التقدير، يمكن القول إن عملية إرساء السلام المستدام في كولومبيا ستواجه العديد من التحديات أبرزها مدى ضمان التزام الجماعات المتمردة بشكل جدي باتفاقيات وقف إطلاق النار مع الحكومة خلال الفترة المقبلة، ولاسيما مع احتفاظ "الكوميونات"، الخلف السياسي للقوات المسلحة الثورية الكولومبية، بمقاعدها المضمونة في الكونغرس حتى عام 2026، ناهيك عن مدى قدرة الحكومة على تنفيذ برنامج شامل لإعادة إدماج أعضاء القوات المسلحة الثورية الكولومبية السابقين وتعزيز انتقالهم إلى الحياة المدنية، بجانب القدرة على تنفيذ الوعود الانتخابية للرئيس بيترو، كتحقيق العدالة الانتقالية والإصلاح الريفي وغيرها.