أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

مخاطر متفاوتة:

العوامل المحفزة على انتشار وباء كورونا في أفريقيا

13 مايو، 2020


عرض: وفاء الريحان - باحثة في العلوم السياسية

يتوقع الكثيرون أن تتحول قارة إفريقيا إلى بؤرة جديدة لفيروس كورونا المستجد، على غرار الولايات المتحدة وأوروبا. وهو ما يفرض على الدول الإفريقية العديد من التحديات للاستعداد بشكل فعَّال لمواجهة الجائحة العالمية، خاصة إذا نظرنا إلى نقاط الضعف التي تُعاني منها مؤسسات تلك الدول، والتي تقف حجر عثرة أمام نجاح جهود المواجهة في البعض منها، بما يُثير المخاوف العالمية من التداعيات المحتملة لتلك الأزمة على السكان والاقتصاد في القارة.

وفي هذا الشأن، تعرّض تقرير أصدره المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية في أبريل ٢٠٢٠ بعنوان "خريطة عوامل الخطر لانتشار كوفيد-١٩ في إفريقيا"، لمستويات المخاطر المتفاوتة التي تتعرض لها دول القارة، وما تستوجبه من استراتيجيات استجابة تختلف باختلاف ما لدى كل دولة من نقاط ضعف داخل هياكلها المتعددة.

عوامل الخطر

حدد التقرير تسعة عوامل خطر تختلف بشكل نسبي من دولة لأخرى داخل قارة إفريقيا، وتحتاج جهود المواجهة للوباء إلى فهمها، حتى يُمكن التصدي له بفعالية، وتتمثل تلك العوامل فيما يلي:

أولًا- الانفتاح على العالم: كما هو الحال في الدول الأخرى، جاءت أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد في إفريقيا نتيجة زيادة وسائل التواصل المختلفة مع العالم، كالسفر أو التجارة أو السياحة وغيرها. فقد كانت الدول الإفريقية التي تتمتع بأعلى مستوى من الاتصال الدولي، مثل مصر والمغرب ونيجيريا، من بين الأكثر تضررًا في المرحلة المبكرة من الأزمة.

ثانيًا- أنظمة الصحة العامة: تواجه النظم الصحية الإفريقية تحديًا كبيرًا، يتمثل في التصدي للفيروس بقدرات محدودة ومرهقة بكثافة سكانية مرتفعة وضغط كبير على الخدمات الصحية. وتحتل حماية العاملين بالقطاع الصحي أولوية كبرى لتلك الدول، نظرًا لأن الحفاظ على الأطقم الطبية هو جزء لا يتجزأ من الحفاظ على قدرة الخدمات الصحية. ومن المرجح أن تواجه النظم الصحية الضعيفة نسبيًّا انتشار الفيروس دون إجراء اختبارات أو تتبع للمرض بشكل كبير، مما يؤدي إلى تسريع معدلات انتشاره.

ثالثًا- كثافة المناطق الحضرية: تُعاني المناطق الحضرية في القارة من اكتظاظ السكان بشكل ملحوظ، وهو ما يوفر بيئة خصبة لانتشار الفيروس. كما ترتفع الكثافة الحضرية في الدول ذات عدد السكان المنخفض نسبيًّا، مثل منطقة الساحل الإفريقي، ويتشابه العمران الحضري في تلك الدول مع المدن المزدحمة بالسكان في إسبانيا وإيطاليا، التي انتشر بها الوباء بمعدلات متسارعة.

رابعًا- كثافة السكان في المناطق الحضرية: ينتشر الفيروس بصورة متسارعة في المدن، حيث ينتقل بسرعة خلال الحركة والاتصال المتكرر بين الناس، لذا تواجه الدول ذات التعداد السكاني المرتفع في المناطق الحضرية تحديات لوجستية واتصالية تتعلق برصد وربما عزل أكبر مجموعة من الأشخاص معرضين للإصابة.

ومن المدن الإفريقية التي تضم أكبر عدد من السكان الحضريين: القاهرة، ولاجوس، وأديس أبابا، وكينشاسا، وجميعها بها ذروة كثافة سكانية أكبر من مدينة نيويورك، فتبلغ ذروة الكثافة السكانية في مدينة القاهرة -على سبيل المثال- 175 ألف نسمة/كم2، وهي أعلى من مدينة ووهان الصينية مركز تفشي الوباء، التي تبلغ كثافتها السكانية 106.3 آلاف نسمة/كم2. وسيكون من الصعب الحفاظ على دعاوى البقاء في المنزل في العديد من تلك المدن، بالنظر للتأثيرات الاقتصادية السلبية الناتجة.

خامسًا- مستوى الأعمار: يوجد ما يقرب من 80% من الوفيات بسبب فيروس كورونا بين الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا. ومع وجود 70% من سكان إفريقيا تحت سن 30 عامًا، فقد يقلل من التكاليف البشرية للمرض في القارة. ويبلغ معدل الوفيات لكل حالة تم الإبلاغ عنها في جميع أنحاء القارة 4%، رغم أن هذا يختلف كثيرًا من دولة لأخرى وفقًا لعدد الاختبارات التي تُجريها للكشف عن الفيروس وعمليات الإبلاغ.

سادسًا- الشفافية الحكومية: يرتبط تعاون المواطنين مع الحكومات للتخفيف من آثار الوباء بمدى ثقتهم فيها، واتسام الحكومة بالشفافية يُولِّد الثقة والشعور بالتضامن، ويُعزِّز الاعتقاد بين المواطنين بأن القيود تطبق بشكل عادل. كما أن المؤسسات الدولية إذا لم تثق في بيانات الحكومات المتعلقة بمعدلات انتشار الوباء، فمن غير المرجح أن تتعاون معها.

سابعًا- حرية الصحافة: تعمل الصحافة كنظام إنذار مبكر في أوقات الأزمات، بما يزيد من حدة التركيز على المشكلة، ويدفع الدولة إلى استجابات عاجلة، وتُساعد وسائل الإعلام أيضًا على مساءلة الحكومات عن تقاريرها للبيانات الرئيسية حول الأزمة، وإجبارها على عكس الواقع بشفافية.

ثامنًا- حجم الصراع: يُعطِّل الصراع المسلَّح نظم الصحة العامة في المناطق المتضررة، ويحد من الوصول إلى الخدمات الأساسية، مثل: الغذاء، والمياه، والإمدادات الطبية. وتلعب درجة حدة الصراع وانتشاره الجغرافي دورًا في مستوى الاضطراب الذي يُسببه للمجتمع، وغالبًا ما يمتلك السكان المتأثرون بالصراع مخزونًا منخفضًا للموارد مقارنة بالسكان الآخرين، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض المعدية.

تاسعًا- السكان النازحون: قد يتجمع اللاجئون والسكان النازحون داخليًّا في مخيمات كبيرة، مع عدم الوصول الكافي إلى الخدمات كالمياه والصرف الصحي والخدمات الصحية. ويتركز 85% من النازحين قسرًا البالغ عددهم 25 مليونًا في 8 دول هي: جمهورية الكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، والصومال، وإثيوبيا، والسودان، ونيجيريا، وجمهورية إفريقيا الوسطى، والكاميرون. 

خريطة مركبة

يشير التقرير إلى أنه من خلال النظر إلى القائمة المجمعة لعوامل الخطر، يمكن ملاحظة أن جنوب السودان، والكونغو الديمقراطية، والسودان، ونيجيريا هي من أقرب الدول التي تضم جميع عوامل الخطر تقريبًا. لذا كان عليها القيام بمحاصرة انتشار الفيروس والحد منه في المراحل المبكرة قبل أن يصبح متجذرًا في المناطق الحضرية أو مناطق النازحين عالية الكثافة.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الدول، باستثناء نيجيريا، ليست من البلدان ذات المستوى العالي للتأثر بالانفتاح على العالم، وهو ما يمنحها ميزة لتكثيف تدابير الاحتواء. وسيكون مفتاح تلك الجهود هو تعزيز الاتصالات العامة، والإرشادات الصحية، والشفافية في عرض المعلومات حول ما تفعله الحكومة، وما يجب على الأفراد القيام به إذا ظهرت عليهم الأعراض.

وتُقدِّم الدراسة شريحة أخرى من البلدان تتمثل في: الكاميرون، ومصر، وإثيوبيا، وتشاد، وأوغندا، ترتبط بمستوى أدنى من المخاطر المُركَّبة. وستحتاج إلى التركيز على التخفيف من عوامل الخطر لديها، قدر الإمكان، مع الاستفادة من نقاط القوة النسبية.

وتوضح الدراسة أن هناك مجموعة أخرى من البلدان لديها عوامل خطر أقل نسبيًّا وعوامل إيجابية أكبر مقارنة بالمجموعتين السابقتين؛ حيث تستفيد من وجود سكان حضريين أقل كثافة وعددًا. ومع ذلك، يجب عليها توخي الحذر، بالنظر لما قدمته خبرة التعامل في أوروبا والولايات المتحدة.

الموجة الأولى

وفقًا للتقرير، يتضح أن نمط الحالات المُعلن عنها لظهور فيروس كورونا في إفريقيا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بدرجة الانفتاح على العالم، وحجم سكان المناطق الحضرية، وقوة القطاع الصحي فيما يتعلق بإجراء الاختبارات في الوقت المناسب. وهذا يؤكد الحقيقة التي تعكس أن الحالات التي تم الإعلان عنها، تُشكِّل ذلك الجزء المرئي من المشكلة.

ويظهر التأثير الكبير للانفتاح على العالم في توليد الحالات الأولية في دول مثل: مصر، وجنوب إفريقيا، والمغرب، ونيجيريا، وقد أدى تضخم حجم المدن الحضرية بها، وارتفاع قدراتهم النسبية على إجراء الاختبارات، إلى التزايد في عدد الحالات التي شوهدت في تلك الدول.

بينما أشارت الدراسة إلى أن كينيا، ونيجيريا، وإثيوبيا، وأوغندا، وتنزانيا، وزيمبابوي، هي دول ذات درجات مرتفعة نسبيًّا على عوامل الخطر، رغم أنها لم تشهد المستويات العالية من الحالات المُعلن عنها. وقد يعكس هذا إما جهودًا فعّالة نسبيًّا لاحتواء انتشار الفيروس، أو تأخر الإبلاغ عن الحالات، وهو ما يتطلب مراقبة الأوضاع في تلك الدول.

وفي الختام، تحاول الدراسة أن تستكشف عوامل الخطر الأكثر تأثيرًا على انتشار الفيروس في الموجات اللاحقة، كضعف النظم الصحية، وكثافة سكان الحضر، والصراعات السياسية، وحجم النازحين، والثقة في الحكومة، ودرجة الارتباط بالعالم. 

ويوصي التقرير بأنه من الأفضل مراقبة للدول ذات عوامل الخطر المركبة العالية نسبيًّا، بدلًا من التركيز على تلك التي لديها أعداد أعلى من الحالات المُعلن عنها حاليًّا. وعند النظر إلى هذه الدول، تبدو جنوب السودان، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والسودان، والكاميرون، والصومال، وتشاد، وجمهورية إفريقيا الوسطى؛ عُرضة بشكل أكبر لانتشار الفيروس، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية كل حالة.

المصدر: 

Mapping Risk Factors for the Spread of COVID-19 in Africa, Africa Center for Strategic Studies, April 3, 2020.