أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

موازين متغيرة:

تأثيرات تحرير "بنغازي" على مستقبل المشهد الليبي

20 يوليو، 2017


كشف إعلان الجيش الوطني الليبي عن تحرير كامل مدينة بنغازي من الجماعات الإرهابية عن تحولات جوهرية في الأوضاع السياسية والعسكرية في ليبيا، إذ دفع التراجع الميداني للقوات التابعة لحكومة الوفاق الليبية والتنظيمات الداعمة لها في طرابلس وغرب ليبيا لإعلان رئيس حكومة الوفاق فايز السراج في منتصف يوليو 2017 عن "خريطة الطريق" للتسوية في ليبيا، وتأكيده عدم الاعتراض على ترشح المشير خليفة حفتر للرئاسة، وهو ما يثير تساؤلات حول احتمالات نجاح جهود التسوية أو استمرار الجيش الوطني الليبي في التقدم ميدانياً باتجاه طرابلس. 

تحولات المشهد العسكري: 

صعدت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ نهاية يونيو الماضي من هجماتها ضد آخر مناطق تمركز التنظيمات الإسلامية المتطرفة في مدينة بنغازي، خاصةً في منطقتي "الصابري" و"سوق الحوت"، وتم الاعتماد على الضربات الجوية المكثفة والمدفعية للتخلص من القناصة بالإضافة لإزالة الألغام، وفي 5 يوليو 2017 أعلن حفتر رسمياً تحرير مدينة بنغازي بأكملها من كافة التنظيمات الإرهابية. 

ولايزال القتال مستمراً في عدد من أحياء بنغازي بين قوات حفتر والتنظيمات المتطرفة، ففي 8 يوليو اندلعت اشتباكات بين قوات الجيش الليبي ومقاتلين متشددين بحي الصابري الذين ما زالوا يسيطرون على أجزاء منه، مما أسفر عن مقتل 12 من قوات الجيش الليبي وإصابة 35 آخرين، ولاتزال أيضاً الاشتباكات مستمرة بين قوات مع مقاتلي التنظيمات المتطرفة في منطقتي "سيدي خريبيش" و"سوق الجريد" بمدينة بنغازي، والتي أعلن العميد "ونيس بوخمادة" قائد القوات الخاصة عن أن قوات الجيش تسعى لتطهيرهما مما تبقى من الإرهابيين.

وأدى انتصار قوات حفتر على التنظيمات الإرهابية في مدينة بنغازي بعد نحو ثلاث سنوات من انطلاق عملية الكرامة إلى انقلاب موازين القوى العسكرية على الأرض لصالح الجيش الوطني الليبي والجماعات الموالية له مقابل تراجع نفوذ التنظيمات المتطرفة، وتتمثل أهم ملامح التحولات الميدانية في ليبيا فيما يلي:

1-  اتساع نطاق السيطرة: باتت قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر بعد انتصارها في بنغازي تسيطر على غالبية مناطق الشرق الليبي، وعلى رأسها مدن (طبرق والبيضاء وبنغازي وأجدابيا) باستثناء مدينة "درنة" التي تخضع لسيطرة "مجلس شورى مجاهدي درنة" التابع لتنظيم القاعدة.

 ويضاف ذلك إلى سيطرة حفتر على منطقة الهلال النفطي والتي تضم الموانئ الرئيسية لتصدير النفط ما يجعله المتحكم الرئيسي في عمليات إنتاج وتصدير النفط أحد الموارد الرئيسية للاقتصاد الليبي، فضلاً عن سيطرته على معظم مناطق الجنوب الليبي، وعلى رأسها مدينة "الجفرة" بالكامل بقاعدتها الجوية بالإضافة لقاعدة "تمنهنت" في مدينة "سبها" التي كانت أحد المعاقل الرئيسية للتنظيمات المتطرفة والجماعات الموالية لحكومة الوفاق الوطني وعلى رأسها "القوة الثالثة" التابعة لمدينة مصراتة، التي كانت تسيطر على الجنوب الليبي منذ فبراير 2014، كما توجد لدى حفتر أيضاً جماعات موالية له بالغرب الليبي، وتحديداً في مدينتي الزنتان والزاوية.

2- تراجع التنظيمات المتطرفة: بات يتركز معظم نفوذ التنظيمات المتشددة المنافسة لحفتر والجماعات الموالية لحكومة الوفاق الوطني في الغرب الليبي بعد خسارتها معظم مناطق تمركزها في الشرق والجنوب، حيث تسيطر الجماعات الموالية لحكومة الوفاق الوطني على مدينة سرت ممثلة في "قوات البنيان المرصوص"، وهو تحالف من تنظيمات متطرفة تشكل بالأساس لتحرير مدينة سرت من تنظيم "داعش"، والعاصمة طرابلس ممثلة في كتيبة "ثوار طرابلس" و"قوة الردع المركزي والتدخل المشتركة" وكتيبة "فرسان جنزور" وكتيبة "السعداوي" وغيرها من التشكيلات العسكرية الصغيرة.

وتتمركز الكتائب الرافضة لحكومة الوفاق الوطني وللاتفاق السياسي الليبي ممثلة في "الجماعة الليبية المقاتلة" و"لواء الصمود" بقيادة "صلاح بادي" والتنظيمات الموالية لحكومة الإنقاذ الوطني برئاسة "خليفة الغويل" والمفتي السابق "الصادق الغرياني" على أطراف العاصمة طرابلس والمدن المجاورة لها بعد طردها من العاصمة على يد الكتائب الموالية لحكومة الوفاق في أواخر شهر مايو الماضي، والتي قامت في الوقت ذاته باقتحام مقر دار الإفتاء وإغلاقه.

ويضاف لقائمة الفصائل المناوئة للجيش الوطني الليبي، التشكيلات العسكرية التابعة لمدينة مصراتة المنضوية تحت "المجلس العسكري مصراتة" برئاسة "إبراهيم بن رجب" والتي قاتلت حفتر ضمن تحالف "فجر ليبيا" وتتمركز بالأساس في مدينة مصراتة وتنقسم هذه التشكيلات ما بين دعم حكومة الوفاق الوطني والاتفاق السياسي الليبي وأخرى معارضة لها وتؤيد المؤتمر الوطني العام وحكومة الإنقاذ الوطني. 

3- تصاعد الضغوط على طرابلس: أدت انتصارات الجيش الوطني الليبي المتتالية وتزايد نفوذه على الأرض إلى تصاعد الضغوط على طرابلس، خاصة في ظل التصريحات التي يطلقها حفتر بين الحين والآخر بشن عملية عسكرية لتحرير العاصمة طرابلس، حيث هدد حفتر خلال استقباله عدداً من أعيان القبائل الليبية في 2 يوليو الجاري باجتياح العاصمة طرابلس إذا لم تتحسن الأمور في ليبيا خلال ستة أشهر، قائلاً" إن صبر الجيش نفد، وهناك الآن مدة ستة أشهر وإذا شعرنا بأي تراخ أكثر وترد لوضع الناس، فالجيش سيتخذ خطوة في أي وقت ولن نستمع بعدها لأي أحد"، مؤكداً أن قوة من سبها وأخرى من الشرق وقوات من الغرب ستدخل طرابلس. 

وأضحى الجيش الوطني الليبي بعد سيطرته على المنطقة الشرقية والجنوب يفرض حصاراً على المنطقة الغربية من جهتي الشرق والجنوب يمكنه من شن هجوم مزدوج عليها حال أراد ذلك، كما أن سيطرة حفتر على المنطقة الجنوبية مكنته من عرقلة خطوط المواصلات والإمدادات جنوباً أمام الميليشيات المسلحة التي كانت تستغل الجنوب كممر لجلب السلاح وتعزيز التحالفات مع الجماعات الجهادية العابرة للحدود، فضلاً عن تأمينه مناطق تمركزه في الشرق والهلال النفطي التي تعرضت للعديد من الهجمات انطلاقاً من الجنوب.

تغير التوازنات السياسية:

أدى تحرير مدينة بنغازي لتغير توازنات القوى في الداخل الليبي لصالح الجيش الوطني الليبي والمشير خليفة حفتر والجماعات الداعمة لهم، بالإضافة إلى عدة تداعيات متعددة على المشهد السياسي، يمكن تناول أبرزها على النحو التالي: 

1- الانفتاح الغربي على حفتر: تغيرت مواقف الدول الغربية من المشير خليفة حفتر، بفتح مزيد من قنوات التواصل معه لإقناعه بالقبول باتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق الوطني بالتوازي مع الضغط باتجاه إشراكه في مستقبل حكم ليبيا، وذلك بعدما تزايد نفوذه على الأرض بطريقة يصعب معها تجاهله أو استبعاده من معادلة الحكم، ويتضح ذلك من لقاء السفير الأمريكي لدى ليبيا "بيتر وليام بودي" بحفتر في 9 يوليو الجاري في الأردن، حيث تمت مناقشة تطورات الأزمة الليبية وسبل الوصول إلى تسوية على أساس الاتفاق السياسي الليبي.

2- إطلاق "خريطة طريق" للتسوية: أعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني "فؤاد السراج" في 15 يوليو خريطة طريق للخروج من الأزمة الليبية الراهنة، في محاولة منه لقطع الطريق على تهديدات حفتر باقتحام طرابلس ووضعه في موقف حرج أمام المجتمع الدولي الذي بات أكثر حرصاً على تسوية الأزمة الليبية في أسرع وقت ممكن، وذلك بعدما أكد السراج أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني ليس طرفاً في الصراع ولم يأت لدعم طرف ضد آخر، ومن أبرز ما تضمنته هذه الخريطة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مشتركة في مارس 2018 تحت إشراف دولي، ووقف جميع الأعمال القتالية إلا فيما يخص مكافحة الإرهاب، وإنشاء المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، وتشكيل لجان مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة للبدء في دمج مؤسسات الدولة المنقسمة.

3- تصاعد الوساطات الإقليمية: كثفت الجزائر تحركاتها تجاه الأزمة الليبية لدفع عملية التسوية السياسية في ليبيا، حيث كشفت وزارة الخارجية الجزائرية في 12 يوليو عن برنامج جديد لتسريع عجلة المفاوضات الليبية، يقوم على تنظيم زيارات لوفود ليبية تمثل مختلف الأطياف، وتكثيف الاتصالات مع إيطاليا ومصر والإمارات العربية المتحدة.

4- استدعاء الدور التركي: اتجهت القوى الليبية في الغرب لتأمين الدعم التركي لها في مواجهة التطورات الأخيرة، حيث قام "عبد الرحمن السويحلي" رئيس مجلس الدولة، أحد مخرجات الاتفاق السياسي الليبي والمكون من أعضاء المؤتمر الوطني العام السابق، بزيارة إلى تركيا في 12 يوليو التقى خلالها الرئيس التركي أردوغان ووزير الخارجية "مولود أوغلو" ورئيس البرلمان التركي "إسماعيل قهرمان"، وتم التأكيد على الدعم التركي لجهود تقريب وجهات النظر بين كافة الفرقاء الليبيين من دون استثناء في إطار الاتفاق السياسي وآلياته لبناء دولة مدنية يسودها القانون.

مسارات "مستقبل ليبيا":

في ضوء نجاح حفتر في السيطرة على مدينة بنغازي وما ترتب على ذلك من تداعيات عسكرية وسياسية، يمكن تقدير مستقبل مجريات الأزمة الليبية على النحو التالي: 

1- اتجاه الجيش الوطني الليبي لتأمين مناطق سيطرته في شرق وجنوب ليبيا، بتطهيرها من فلول التنظيمات المتطرفة بما يحول دون إعادة تجميع صفوفها مرة أخرى وشنها عمليات عسكرية ضد قوات الجيش الليبي، فضلاً عن احتمالية اتجاه حفتر لشن عملية عسكرية لاستعادة مدينة "درنة" من سيطرة "مجلس شورى مجاهدي درنة". 

2- استبعاد شن حفتر عملية عسكرية ضد مناطق تمركز التنظيمات الإسلامية في المنطقة الغربية بما في ذلك العاصمة طرابلس، وذلك لأنه بجانب انشغاله بتأمين مناطق سيطرته، فهو يدرك أن هذه الخطوة ستثير القوى الدولية والإقليمية ضده لأنها ستؤدي لتجدد الحرب الأهلية في ليبيا ومن ثم عرقلة تسوية الأزمة الليبية، فاتجاه قوات حفتر للسيطرة على مدينتي سرت أو طرابلس سيواجه بمقاومة شرسة من قبل مدينة مصراته أكبر قوة عسكرية والتنظيمات المتشددة المتحالفة معها، خاصة أن مصراته تنظر لمدينة سرت كخط الدفاع الأول عنها، وهو ما جعلها تلقي بثقلها في معركة تحريرها من تنظيم "داعش".

3- تعثر التسوية نتيجة تمسك مختلف أطراف الأزمة بمواقفهم، فحفتر سيستغل الانتصارات التي حققها مؤخراً كورقة تفاوضية للحصول على مزيد من التنازلات والإصرار على موقفه الرافض لحكومة الوفاق الوطني والاتفاق السياسي الليبي، وفي المقابل سيصر الإسلاميون على موقفهم الرافض لحفتر، خاصة حال استمرار تهديداته باقتحام العاصمة طرابلس التي قد تدفع عدداً منهم للتفكير في شن عملية عسكرية مضادة للحد من نفوذه وهو ما قد يزيد من تعقيدات المشهد الليبي. 

4- اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الأوروبية لإعادة رسم سياساتها تجاه ليبيا بما يتناسب مع التطورات الجديدة، بحيث تعطي وزناً أكبر لخليفة حفتر في مسار تسوية الأزمة الليبية بما يتناسب مع تزايد نفوذه على الأرض، مع ممارسة ضغوط أكبر على طرفي الأزمة الليبية والقوى الإقليمية الداعمة لها لتقديم تنازلات تدفع التسوية السياسية للأزمة وللحيلولة دون تجدد الحرب الأهلية في ليبيا.

وختاماً، فإن نجاح حفتر في السيطرة على مدينة بنغازي شرق ليبيا بجانب سيطرته على المنطقة الجنوبية ووجود جماعات موالية لها في المنطقة الغربية تؤسس لمرحلة جديدة في ليبيا يصبح فيها حفتر هو اللاعب الأساسي، ليبقى مستقبل الأزمة الليبية مرهوناً برد فعل التنظيمات الإسلامية على تزايد نفوذ حفتر، ومدى قبول طرفي الأزمة بتقديم تنازلات لدفع التسوية السياسية ومنع تجدد الحرب الأهلية في ليبيا، فضلاً عن مدى نجاح الضغوط الدولية على طرفي الأزمة في هذا الصدد.