أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تسوية صعبة:

فرص نجاح الوفود الكردية في حل الملفات العالقة بين بغداد وأربيل

19 يناير، 2023


زار وفد من حكومة إقليم كردستان برئاسة مسرور بارزاني العاصمة العراقية بغداد يوم 11 يناير 2023؛ لمناقشة القضايا والملفات العالقة بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية. وجاءت هذه الزيارة في سياق تصاعد الخلافات بين أربيل وبغداد من جانب، وداخل المكون الكردي ذاته من جانب آخر، مما ألقى بظلاله على الملفات التي جرت مناقشتها بين الوفد الكردي الذي ضم إلى جانب بارزاني وزيري المالية والكهرباء ورئيس ديوان مجلس الوزراء في الإقليم ومدير مكتب رئيس وزراء الإقليم وممثل حكومة الإقليم في بغداد، وممثلي الحكومة الاتحادية وهم وزراء التخطيط والنفط والمالية والإسكان ورئيس ديوان الرقابة المالية الاتحادي ومسؤول المنافذ الحدودية والمستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء ورئيس الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء ومدير عام شركة سومو.

ملفات خلافية:

تهيمن مجموعة من الملفات العالقة على الخلافات بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد، منها ملفات قديمة، ولكن حملت الشهور الأخيرة، خاصة تلك التي شهدت الأزمة السياسية العاصفة في البلاد متغيرات أسهمت في تأزيمها بشكل أكبر، ومنها ملفات تثار دورياً، وأخرى درجت الحكومات المتعاقبة على ترحيلها إلى آجال مستقبلية غير محددة، بالنظر إلى كون هذه الملفات من التشابك والتعقيد بمكان يجعلها عصية على الحل طيلة سنوات مضت، وهو ما يتلخص فيما يلي:

1- قانون الموازنة: نصت المادة 121 من الدستور العراقي الصادر عام 2005 على أن "تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السكان فيها".  

وبناء على ذلك، تخصص لإقليم كردستان العراق نسبة من إيرادات الحكومة الاتحادية، بلغت منذ ذلك الوقت نحو 17%. ولكن احتدت الخلافات بين الحكومتين في تطبيق هذا الإنفاق، خاصة ما يتعلق بحصول الحكومة الاتحادية على حقوق تصدير إنتاج النفط من الإقليم، والذي تم الاتفاق عليه بنحو 250 ألف برميل يومياً. ولذلك توصل الطرفان، في ديسمبر 2014، إلى اتفاق جديد يقضي بتسليم إقليم كردستان العراق ما لا يقل عن 250 ألف برميل يومياً للحكومة الاتحادية لغرض التصدير، وذلك مقابل الـ17% نسبتها من الموازنة الاتحادية، إلى جانب تخصيص نسبة من الموازنة لقوات البيشمركة الكردية.

وأوقف الإقليم تسليم هذه الحصة النفطية للحكومة الاتحادية في يونيو 2015، وزاد بشكل مضطرد التصدير المستقل للنفط الخام المستخرج من أراضيه عبر تركيا واتهم الحكومة الاتحادية بعدم حصوله منها على النسبة المقررة له، وكذلك مستحقات البيشمركة. 

ومع تنظيم الإقليم استفتاء على الاستقلال عن العراق في سبتمبر 2017، وشن القوات الأمنية حملة عسكرية في أكتوبر تمكنت فيها من السيطرة على مدينة كركوك النفطية، أقدمت الحكومة الاتحادية على خفض حصة الإقليم في موازنة عام 2018 لتصل إلى نحو 12.6% فقط استناداً إلى البيانات السكانية للإقليم. 

وبناء على ذلك، تجدد الخلاف بين الحكومتين في موازنة 2023 التي تضمنت نفس هذه الأرقام التي تراها حكومة الإقليم غير كافية لتغطية نفقاتها والتزاماتها، وتريد تعديلها قبل إقرار الموازنة في مجلس النواب، لعدم تكرار ما حدث مؤخراً من عدم قدرة حكومة الإقليم على سداد رواتب موظفيها، ما دفعها إلى التوصل إلى اتفاق مع حكومة بغداد في 2021 على تحويلها 200 مليار دينار عراقي شهرياً للرواتب.

2- قانون النفط والغاز: مثّل الخلاف بين حكومتي كردستان العراق وبغداد حول الموارد النفطية والتصرف فيها من جانب الإقليم وتوقيعه عقود تنقيب واستكشاف وتصدير بشكل منفرد عن الحكومة الاتحادية ركناً أساسياً من أركان الخلاف الجذري والمتجدد بين الجانبين، لا سيّما مع تأجيل إصدار قانون النفط والغاز من جانب البرلمان منذ عام 2005. 

وينص الدستور العراقي على أن النفط والغاز ملك لجميع الشعب العراقي، ولا يحق لأحد أن ينفرد بإدارتهما. وازدادت حدة الخلاف مع قرار المحكمة الاتحادية العليا في فبراير 2022 ببطلان قانون النفط والغاز في إقليم كردستان الصادر عام 2007، وإلزام حكومة الإقليم بتسليم كامل إنتاج النفط إلى الحكومة الاتحادية، وهو القرار الذي كان جزءاً من الأزمة السياسية الحادة والفراغ الحكومي في البلاد حينها. 

وعلى الرغم من رفض مجلس القضاء في إقليم كردستان حكم المحكمة الاتحادية العليا، وتأكيده استمرار العمل بالقانون، فإن حاجة أربيل الماسة إلى بغداد على الصعيدين الاقتصادي والسياسي تجعل من الضروري بحث هذا الملف مع الحكومة الاتحادية، خاصة مع إقدام شركات نفط أمريكية على وقف عملياتها في الإقليم بعد حكم المحكمة العليا. ويلحق بهذا الملف ملف فرعي آخر وهو عائدات المنافذ الحدودية للإقليم مع كل من تركيا وإيران.

3- المناطق المتنازع عليها: يرجع الخلاف المتجدد بين إقليم كردستان العراق والحكومة الاتحادية في بغداد حول المناطق المتنازع عليها إلى تطبيق المادة 140 من الدستور، والتي تنص على ضرورة إجراء تطبيع وإحصاء، ثم استفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها بين أربيل وبغداد لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها 31 ديسمبر 2007، وهو الأمر الذي لم يتحقق، حتى الآن، بسبب عمومية النص الدستوري وعدم تحديده لهذه المناطق المتنازع عليها عدا كركوك، ومطالبة كردستان بضم العديد من المناطق المتاخمة لها ومنها سنجار وطوزخورماتو وزمار ومخمور، ومشكلات تتعلق بالتغيير الديموغرافي الذي حدث على مر السنوات في هذه المناطق، وخاصة إبان فترة اجتياح تنظيم داعش للأراضي العراقية، بالإضافة إلى كون هذه المناطق غنية بالثروات النفطية ومن ثم فانضمامها إلى الإقليم سيعني تعقيداً إضافياً في ملف النفط والغاز العالق بين الجانبين.

عوامل حاكمة:

تمثل الزيارات التي تجريها وفود حكومة إقليم كردستان إلى بغداد والمشاورات التي يجريها مسؤولو الإقليم مع مسؤولي الحكومة الاتحادية أحد نتائج الاتفاق السياسي الذي شُكّلت بموجبه الحكومة العراقية الحالية عند موافقة الحزبين الكرديين الرئيسين (الحزب الديمقراطي الكردستاني –الاتحاد الوطني الكردستاني) على الانضمام إلى تحالف إنقاذ الدولة الذي يتزعمه الإطار التنسيقي للقوى الشيعية، وأفضى إلى اختيار عبد اللطيف رشيد رئيساً للجمهورية، ومحمد شياع السوداني رئيساً للوزراء. إلا أن تحقيق اختراق في الملفات العالقة بين حكومتي أربيل وبغداد يظل محكوماً بعدد من العوامل المهمة، وهي: 

1- عدم تعجل بغداد: تقع أربيل حالياً تحت وقع العديد من الأزمات الاقتصادية، مثل مشكلة رواتب الموظفين والمتقاعدين وقوات البيشمركة وتوقف بعض شركات النفط عن أعمالها، وكذلك الأزمات الأمنية وأبرزها التدخلات العسكرية من جانب كل من تركيا وإيران، والتي بلغت ذروتها في نوفمبر 2022. 

وبناء على ذلك، تبدو حكومة إقليم كردستان الأكثر رغبة في التوصل إلى اتفاق مع بغداد حول الملفات العالقة، لاسيّما الاقتصادية منها. ويظهر هذا في الزيارات المتكررة التي تجريها وفود أربيل إلى بغداد، على العكس من فترة الخلاف السياسي ما بعد الانتخابات التي كانت وفود بغداد هي الأكثر حرصاً على زيارة أربيل؛ لكون الأكراد رمانة ميزان في أي عملية سياسية وكانوا مفتاحاً محورياً لحل الأزمة. 

ويريد الأكراد، خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني، من وراء هذه الزيارات الأخيرة حصد ثمن موافقتهم على التحالف مع الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة العراقية، وتنفيذ ما تم التوصل إليه في الاتفاق السياسي الذي وافق عليه مجلس النواب واختير على أساسه رئيسا الجمهورية والحكومة. 

وفي المقابل، تبدو بغداد في وضع أفضل تفاوضياً وغير متعجلة في الوصول إلى حل لهذه الملفات، بالإضافة إلى أن التدخلات الخارجية قد أثبتت لحكومة كردستان العراق حاجتها إلى الحكومة الاتحادية، وهو ما يبرهن عليه هدوء الضربات الإيرانية بعد الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء محمد السوداني إلى طهران في 27 نوفمبر وقرار نشر قوات حرس الحدود الاتحادية هناك.

2- الخلاف الكردي – الكردي: يشهد إقليم كردستان انقساماً حاداً جديداً بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستاني بسبب العديد من الاتهامات المتبادلة بينهما بشأن مقتل العقيد في جهاز مكافحة الإرهاب، هاوكار الجاف، في أكتوبر 2022، وكذلك الاستئثار بموارد الإقليم وسلطته والتحكم فيها واحتكار القرار السياسي، فضلاً عن الخلاف حول قانون الانتخابات داخل الإقليم التي جرى تأجيلها بعد أن كان مقرراً إجراؤها في أكتوبر 2022. 

وقد أفضت هذه الخلافات إلى تعليق جلسات حكومة الإقليم بعدما امتنع نائب رئيس الحكومة قوباد طالباني عن حضورها، وما أعقبه من إعلان الوزراء المحسوبين على الاتحاد الوطني الكردستاني تعليق حضور الجلسات منذ 11 ديسمبر 2022. ومن ثم فإن الوفود الأخيرة التي سافرت إلى بغداد للتفاوض حول الملفات الخلافية غاب عنها ممثلون لحزب الاتحاد الوطني، مما قد يضيف أعباءً تفاوضية على الأكراد تضعف من موقفهم، وقد ينتقص من شرعية هذه الوفود، وهو ما يظهر في تصريحات قياديين بالحزب بأن هذه الزيارات من دون ممثلين عنه غير منتجة.

3- تصاعد الخلافات الشيعية: تصاعد الخلاف داخل الإطار التنسيقي للقوى الشيعية المهيمنة على حكومة محمد شياع السوداني حول عدد من الملفات والتوجهات السياسية، مثل الموقف من التيار الصدري، أو التعامل مع واشنطن، بالإضافة إلى زيادة حدة الأزمة الاقتصادية داخل العراق، وهو ما يضع الحكومة تحت ضغط سياسي وشعبي كبير، وهو ما يجعلها غير قادرة على التوصل إلى اتفاق مع حكومة أربيل حول الملفات العالقة منذ سنوات عدة، خاصة أن حكومات أكثر استقراراً من الحكومة الحالية آثرت إرجاءها وعدم البت فيها، مما قد يشير إلى احتمالات أن تماطل حكومة محمد شياع السوداني في تنفيذ المطالب الكردية بشأن هذه الملفات الخلافية، خاصة أنه سوف يحتاج إلى دعم سياسي من الأحزاب السياسية في بغداد لمثل هذا الاتفاق، وهو ما لن يتوفر له حالياً في ظل الصراع داخل الكتل الشيعية. 

وفي الختام، تحاول حكومة إقليم كردستان العراق تنفيذ الاتفاقات التي تم إبرامها وقت تشكيل حكومة السوداني، والخروج بأكبر قدر من المكتسبات التي تمكنها من مواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها، غير أن خلافات القوى الكردية تنذر بالتأثير سلباً على مفاوضاتها مع الحكومة الاتحادية، ولذلك، فإنه في أفضل الأحوال، قد تسفر الزيارات التي تجريها الوفود الكردية إلى بغداد عن الوصول إلى حل وسط يتعلق بإعطاء كردستان العراق موازنة أكبر من النسبة الحالية وأقل من النسبة التاريخية، على أن يبقى ملف المناطق المتنازع عليها مؤجلاً إلى وقت غير محدد.