أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مكاسب مُؤجَّلة:

هل تحصل إيران على أسلحة ثقيلة قريبًا؟

20 أغسطس، 2019


رغم أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على إيران بداية من 7 أغسطس 2018 وحتى الآن، أدت إلى تقليص العوائد التي كانت تطمح الأخيرة في الحصول عليها بعد الوصول للاتفاق النووي ورفع العقوبات الدولية، إلا أن ذلك لم يدفع طهران إلى اتخاذ قرار بالانسحاب من الاتفاق على غرار الخطوة التي اتخذتها واشنطن، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء حرصها على تجنب إعادة الأزمة النووية إلى مربعها الأول من جديد. 

لكن ثمة اعتبارات أخرى دفعت إيران إلى ذلك، أهمها أن هناك مكاسب مُؤجَّلة يتيحها الاتفاق النووي واقترب موعد حصول إيران عليها، وتتعلق برفع الحظر المفروض على بيع وشراء إيران للأسلحة التقليدية خاصة الدبابات ومنظومات الدفاع الجوي، على نحو يمكن أن يدفعها إلى رفع مستوى الدعم الذي تقدمه للميليشيات الإرهابية والمسلحة في المنطقة، فضلاً عن بعض الدول، إلى جانب إبرام صفقات تسليح نوعية مع بعض القوى الدولية مثل روسيا.

المرحلة الأولى:

اقتربت المرحلة الأولى من الاتفاق النووي، والتي تمتد إلى خمس سنوات، من الانتهاء، حيث يتوقع، وفقًا لما جاء في قرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي رفعت بمقتضاه العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران، أن يرفع الحظر الذي كان مفروضًا عليها، بمقتضى القرار الدولي رقم 1747، فيما يتعلق ببيع وشراء الأسلحة التقليدية.

وحدد القرار تلك الأسلحة وهي الدبابات القتالية والمركبات القتالية المدرعة ونظم المدفعية من العيار الكبير والطائرات العمودية الهجومية والسفن الحربية والصواريخ ومنظومات الصواريخ وما يتصل بها من أعتدة، لا سيما قطع الغيار.

وهنا، فإن إيران قد تلجأ فعلاً خلال الفترة التالية على بداية عام 2021 إلى اتخاذ خطوات إجرائية لتفعيل هذه المكاسب المُؤجَّلة، وهو ما دفع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التحرك من أجل منع إيران من تحقيق ذلك، حيث بدأت حملة دبلوماسية جديدة للإشارة إلى المخاطر التي يمكن أن تنجم عن رفع الحظر المفروض على إيران في هذا الصدد.

إذ نشرت وزارة الخارجية الأمريكية بيانًا، في 13 أغسطس 2019، حذرت فيه من أن "الوقت المتبقي للاتفاقيات الدولية التي تقيد إيران قارب على الانتهاء، حيث سيسمح ذلك لقائد فيلق القدس قاسم سليماني بالسفر في 18 أكتوبر 2020 وسيكون النظام الإيراني حرًا في بيع أسلحة لأي شخص، ودول مثل روسيا والصين ستكون قادرة على بيع دبابات وصواريخ وأجهزة دفاع جوي لإيران". وتوازى ذلك مع تغريدات نشرها وزير الخارجية مايك بومبيو حذر فيها من احتمال اندلاع سباق تسلح في المنطقة في حالة ما إذا اتجهت إيران إلى تطبيق المعطيات الجديدة التي يتيحها رفع الحظر الذي كان مفروضًا عليها في مجال بيع وشراء الأسلحة التقليدية.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أن التحذير الخاص برفع الحظر عن سفر بعض القادة العسكريين الإيرانيين، وعلى رأسهم قاسم سليماني، لا يبدو أنه سيكون له تأثير كبير، باعتبار أن إيران لم تتقيد في الأساس بهذا الحظر، حيث كان سليماني، وما زال، يتنقل بسهولة داخل كل من سوريا والعراق، من أجل الإشراف على المهام التي تقوم بها القوات الإيرانية والميليشيات التي قام "فيلق القدس" بتكوينها وتدريبها داخل الدولتين. وقد حرصت إيران على توجيه رسائل بأنها لن تلتزم بهذا الحظر، على نحو بدا جليًا في القرار الذي اتخذه المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 11 مارس 2019، بمنح سليماني وسام "ذو الفقار"، وهو أحد أرفع الأوسمة العسكرية الإيرانية.

ويعني ذلك في المقام الأول أن الخطر الأهم يكمن في الحظر الذي سيرفع عن بيع وشراء إيران للأسلحة التقليدية. إذ أن ذلك يمكن أن يدفع إيران إلى السير في اتجاهين متوازيين: يتمثل الاتجاه الأول، في رفع مستوى الدعم العسكري الذي تقدمه إيران للميليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات، وهو اتجاه قائم لكنه قد يشهد تصاعدًا ملحوظًا في فترة ما بعد رفع الحظر المفروض على إيران، حيث تستغل إيران هذا الدعم في تعزيز وجودها داخل تلك الدول، على غرار ما يحدث في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وربما دول أخرى مثل أفغانستان، في ضوء حرصها على فتح قنوات تواصل مع تنظيمات مثل حركة "طالبان" التي تشارك في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة الحالية.

كما قد تسعى إيران، وفقًا لذلك، إلى توسيع نطاق تعاونها العسكري مع بعض الدول والأنظمة الحليفة لها في المنطقة، على غرار قطر والنظام السوري، حيث تحرص الأولى في الوقت الحالي على رفع مستوى هذا التعاون مع تركيا وقد تتبنى السياسة نفسها فيما يتصل بعلاقاتها مع إيران خلال المرحلة القادمة.

فضلاً عن أن الدعم الذي تقدمه إيران للنظام السوري سوف يكون آلية تحاول من خلالها طهران تعزيز نفوذها داخل سوريا تمهيدًا لإعادة صياغة الترتيبات السياسية والأمنية في سوريا في مرحلة ما بعد انتهاء الصراع العسكري.

وينصرف الاتجاه الثاني، إلى توقيع صفقات عسكرية مع بعض القوى الدولية، لا سيما روسيا. إذ قد تحاول إيران الحصول على منظومات دفاع جوي أكثر تطورًا على غرار منظومة "إس 400" التي قامت تركيا بشراءها من روسيا في الفترة الماضية. وقد تهدف إلى توقيع صفقات خاصة بالحصول على طرازات حديثة من الدبابات الروسية. وربما لا ينفصل ذلك عن التقارير التي نشرت في 15 أغسطس 2019، وأشارت إلى أن إيران وروسيا توصلتا إلى تفاهمات ووقعتا اتفاقيات تقضي بمنح الأولى اثنين من موانئها، وهما بوشهر وتشابهار، للثانية لكى تستخدمهما كقواعد لسفنها وغواصاتها النووية ومقاتلاتها.

حملة داخلية:

وعلى ضوء ذلك، حاولت حكومة الرئيس حسن روحاني خلال الفترة الأخيرة شن حملة في الداخل للترويج لهذه المكاسب المُؤجَّلة التي سوف تحصل عليها إيران في المرحلة القادمة. ويبدو أنها تحاول في هذا السياق الدفاع عن الدور الذي قامت به من أجل الوصول للاتفاق النووي في مواجهة الانتقادات التي تعرضت لها من جانب تيار المحافظين الأصوليين والحرس الثوري، وهى الجهات التي اعتبرت أن إيران قدمت بمقتضى الاتفاق تنازلات كبيرة مقابل الحصول على مزايا متواضعة، خاصة بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق وخروج الشركات الأجنبية من إيران بعد فرض العقوبات الأمريكية.

وبمعنى آخر، فإن روحاني وتيار المعتدلين يحاولون في الوقت الحالي الدفاع عن استمرار العمل بالاتفاق في مواجهة الدعوات التي يتبناها بعض أقطاب تيار المحافظين للخروج منه على غرار الخطوة التي اتخذتها واشنطن، عبر الاستناد إلى أن العوائد الاقتصادية لا تمثل المكسب الوحيد الذي كان من الممكن أن تحصل عليه إيران في حالة ما إذا لم تخرج الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي، في ظل وجود مكاسب أخرى لا تقل، في رؤيتها، أهمية عن المكسب الاقتصادي، وهى تحديث بعض القطاعات الحيوية في القوات المسلحة، خاصة في ما يتعلق بالدفاع الجوي والمدرعات والقوات الجوية.

ويبدو أن حكومة روحاني تُعوِّل في هذا السياق على وجود مخاوف من استمرار الاعتماد على القطاعين الرئيسيين اللذين يمثلان محور ارتكاز القدرات العسكرية الإيرانية، وهما الصواريخ الباليستية والقوات البحرية، حيث تحاول استغلال ذلك للترويج إلى أن مواصلة العمل بالاتفاق النووي قد يتيح تحديث القطاعات الأخرى التي لم تشهد تطورًا على مدى العقود الأربعة الماضية.

إن ما سبق في مجمله يشير إلى أن الخلافات القائمة حاليًا حول الاتفاق النووي قد لا تبقى منحصرة فقط في مدى التزام إيران ببعض بنوده، خاصة فيما يتعلق بكمية ومستوى تخصيب اليورانيوم، وإنما ستمتد خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد مرور خمسة أعوام على تفعيله، إلى مدى إمكانية حصول إيران على مزايا جديدة منه، لا سيما على المستوى العسكري، وهو تطور سوف يكون له تأثير مباشر على المسارات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها الأزمة الحالية المتصاعدة بين طهران وواشنطن.