هل يعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي ألقاه يوم الجمعة الماضي إشارة عملية لإعلان سياسته الصدامية مع النظام الإيراني التي كان يرددها منذ أيام الانتخابات الرئاسية؟!
الصدام مع نظام الملالي في إيران وليس اتباع سياسة التهدئة معها، هو السياسة الجديدة التي ينتهجها الرئيس ترامب منذ أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، وكان الخطاب الأخير له، والذي ألقاء الجمعة الماضي، بمثابة خطوة متقدمة في هذا الاتجاه. وانطلاقاً من هذه النقطة لم يعد من المهم محاولات البعض اكتشاف ما حملته استراتيجية ترامب الجديدة، والتي ركزت على تقييم ومراجعة الاتفاق النووي. فما فعله ترامب أنه أعطى فرصة للنظام الإيراني كي يراجع سياسته التي يطبقها في منطقة الشرق الأوسط، فالستون يوماً أمام الكونجرس للإقرار بفرض عقوبات جديدة على إيران أو الانسحاب من الاتفاق النووي معها، هي في الوقت ذاتها (أي ستين يوماً) تمثل فسحة زمنية لإيران كي تراجع سياستها في المناطق التي توسعت فيها منذ توقيع الاتفاق النووي، وإلا فإن مسألة احتوائها من جديد هي أمر غير مستبعد، خاصة أن هذه الرغبة ليست أميركية فقط، بل روسية أيضاً، إذ يبدو أن موسكو أصبحت على خلاف مع طهران في الملف السوري، في أكثر من نقطة منه، وإن على خجل!
خطاب ترامب الأخير، بالنسبة للمراقبين في العالم، هو بمثابة انقلاب كامل للاستراتيجية الأميركية التي كانت تطبقها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، والتي ارتكزت بشكل تام على التخلي عن منطقة الشرق الأوسط بهدف التركيز على منطقة شرق آسيا، وبالتالي لم يكن انتباهها متجهاً نحو ما تفعله إيران في المنطقة، حيث استغل الحرس الثوري الثغرات السياسية التي تعاني منها الاتفاقية النووية بغية تنفيذ مبادئ الثورة الإيرانية، وهي التوسع في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، لهذا نجد أن ما طرحه ترامب في خطابه هو إعلان العودة مجدداً إلى المنطقة والتركيز على لملمة الملفات المفتوحة فيها، والتي تهدد المصالح الاستراتيجية لواشنطن. مع أن هناك عدم توافق كامل مع ما يطرحه ترامب (كفرد) سواء داخل الإدارة الأميركية أو داخل منظومة الدول الغربية (الأوروبية خاصة)، إلا أن هناك اتفاقاً كاملاً على أهمية استقرار المنطقة من خلال إبعاد إيران عن إثارة الفوضى لأنها بالتبعية تتسبب في تهديد المجتمعات الغربية.
ويعتقد كثيرون أن موقف الرئيس ترامب أقرب لأن يكون شخصياً منه استراتيجية أميركية، فمواقفه السياسية، ومنها موقفه من الاتفاق النووي، يختلف معه الكثيرون في إدارته، ويعتقدون أيضاً بأنه حتى لو اتخذ الكونجرس موقفاً ضد الاتفاقية النووية فستبقى المسألة أميركية، لأن الأوروبيين لا يتفقون معه.
لكن بمتابعة السياسية الدولية هناك قلق كبير من «تضخم» السياسة الإيرانية، خاصة الجانب الثوري منها متمثلاً في الحرس الثوري ودوره في المنطقة وحالة الصعود غير الطبيعية في ملفات الشرق الأوسط من خلال الأذرع السياسية التي تمتلكها طهران وحريها الثوري، مثل حزب الله اللبناني والحوثيين والميليشيات الشيعية في العراق.. الأمر الذي لا يهدد أمن دول مجلس التعاون الخليجي فحسب، وإنما كذلك يمثل مؤشراً على رغبة إيران في التحول إلى محرك أساسي لكل الملفات، خاصة أن الاتفاق النووي اقتصر على الجانب التقني دون الجانب السياسي، وهو الأهم بالنسبة لنظام إيران.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول بأن خطاب ترامب أعاد وضع خطر النظام الإيراني في واجهة الاهتمام الدولي والإقليمي.
انزعاج الملالي في طهران من خطاب ترامب الأخير أمر مفهوم لأنه إشارة غير مريحة لهم وللميليشيات الطائفية التي يدعمونها، ويبدو أنهم أكثر إدراكاً للرسالة التي يحملها الخطاب من غيرهم من دول العالم، خاصة الذين اقتصروا على وصف الخطاب بأنه يمثل «استراتيجية ترامب» وليس استراتيجية الولايات المتحدة، أو الذين اعتقدوا أن الخطاب يستهدف الاتفاقية النووية فقط خاصة من الدول الأوروبية، لكن انزعاج روسيا ليس من تقييد إيران وتحركاتها في المنطقة، وإنما من كون رسالة الخطاب تشملها أيضاً بعدما شعرت أنه بإمكانها الوجود بقوة في المنطقة، فالخطاب هو إعلان عودة للولايات المتحدة إلى الساحة الدولية، إذ يضع أسساً وقواعد جديدة للمحافظة على المصالح الأميركية في المنطقة والعالم. صحيح أن الاستراتيجية هي من أجل تعديل سلوك إيران إلا أن هذا التعديل لا يقتصر عليها فقط، بل يعني أيضاً عدم التراخي فيما تفعله القوى الأخرى في منطقة الشرق الأوسط، لذا إذا كانت إدارة أوباما غضت الطرف عن العديد من الملفات الإقليمية التي حركتها إيران، مثل الحوثيين في اليمن والحرب الأهلية في سوريا، فإن عهد ترامب بصدد مواجهة إعلامية علنية، وربما تتطور هذه المواجهة إلى احتكاكات عسكرية، مع استبعاد المواجهة المباشرة، لأن تاريخ العلاقات يشهد بذلك.
وبالنظر إلى الساحة الإقليمية، هناك تشكل لإطار إقليمي من أجل محاصرة أو احتواء التمدد الإيراني الجغرافي والسياسي، وإذا كان الرئيس ترامب يفعل ذلك بصراحته المعهودة، فإن الترتيبات السياسية في المنطقة تؤشر إلى ذلك، فهناك سيطرة إقليمية عربية لمنع التدخل في الشؤون الداخلية العربية، اليمن مثالاً، وكذلك تحقيق المصالحة الفلسطينية، وهذا دليل على إبعاد إيران، وربما خلال الشهرين القادمين نرى تشكلاً دولياً يزيد من حصار نظام الملالي الذي أزعج العالم بتهديد استقراره.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد