أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

شروط نجاح القمة العربية في عمان

23 مارس، 2017


في نهاية الألفية الماضية وبالتحديد عام 2000 تقرر عقد القمة العربية كل عام في دولة عربية، وبحسب الترتيب الأبجدي، لتفعيل التعاون والعمل العربي المشترك، لكن وعلى غير المتوقع صارت القمم العربية من وقتها حدثاً عادياً، كشف أحياناً عن خلافات وصراعات بين أطراف عربية مؤثرة في النظام الإقليمي العربي. كما أن غالبية القرارات التي صدرت كانت باهتة وغير ملزمة فقد كتبت بلغة بيروقراطية غير محددة الدلالات وغير ملزمة، أي «كلام ساكت»، بحسب التعبير السوداني البليغ.

المفارقة أن تراجع الأهمية الرمزية والسياسية للقمم العربية ترافق مع زيادة غير مسبوقة في التهديدات التي تواجه الأمن القومي العربي والنظام الإقليمي العربي ذاته الذي تم اختراقه وتهديد وجوده من خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003، والتدخلات الإيرانية في العراق ولبنان وسورية واليمن، والأطماع التركية في سورية والعراق، علاوة على استمرار التهديدات الإسرائيلية والاستيطان والعدوان المتكرر على لبنان وقطاع غزة. هكذا بدا وكأن تراجع دور وتأثير القمم العربية السنوية هو نتاج طبيعي لضعف النظام الإقليمي العربي ورابطته الأيديولوجية ممثلة في القومية العربية أو ما يفضل البعض وصفه بالعروبة.

والحقيقة أن القومية العربية أو العروبة تلقت ضربة قاسية عام 1967 عندما تعرض النظام الناصري إلى هزيمة عسكرية قاسية، انتهت بابتعاد مصر ثم إبعادها عن العرب بعد اتفاق «كمب ديفيد» وانتعاش الوطنية المصرية القُطرية في عصر السادات. لكن الأنظمة الشمولية في سورية والعراق وليبيا استمرت في تقديم نسخ قوموية تسيء إلى العمل العربي المشترك ولفكرة الوحدة العربية، حيث وظفت شعارات قوموية لقمع الحريات وتبرير الاستبداد، علاوة على تدمير مقومات الدولة الوطنية ومؤسساتها لمصلحة انتماءات قبلية وعشائرية وطائفية. المعنى أن الإساءة إلى صدقية العروبة والقومية العربية في القول والممارسة سمحت بثلاث ظواهر متزامنة وذات تأثيرات متعارضة هي:

أولاً: تمدد الخطاب الإسلاموي بنسختيه الشيعية المتشددة انطلاقاً من إيران، والسُنّية المتطرفة بطبعاتها الجهادية التكفيرية وأشهرها «القاعدة» ثم «داعش» مروراً بـ «الإخوان المسلمين». وأفرز هذا التمدد المذهبي والأيديولوجي نفوذاً سياسياً وحضوراً مسلحاً، وعنفاً دموياً في ساحات ودول داخل النظام الإقليمي العربي مما أربكه وخلق له تحديات غير مسبوقة.

ثانياً: زيادة التأثيرات السياسية والاقتصادية والثقافية لقيم وآليات العولمة، حيث ظهرت شراكات عربية مع أطراف إقليمية ودولية من خارج النظام الإقليمي العربي، وهنا يمكن القول أن حجم ومستوى التفاعلات وأوجه التعاون والشراكات الاقتصادية بين دول عربية وأطراف إقليمية ودولية كان أكبر من التعاون الاقتصادي بين الدول العربية.

ثالثاً: تركيز جهود أغلب الدول العربية على بناء الدولة الوطنية (القطرية) واستكمال مقوماتها في محاولة لإنجاز التنمية وتحقيق الأمن والاستقرار وتلبية المطالب المشروعة لمواطنيها، لكن أغلب تلك الجهود لم ينجح في تحقيق أهدافه لأسباب كثيرة من بينها فساد النخب وصعوبة تحقيق التنمية اعتماداً على الإمكانات والموارد الخاصة بكل دولة.

لم تكن هذه الظواهر غائبة عن الوعي السياسي العربي فقد صدرت تحذيرات ونشرت كتب ووثائق تحذر من أخطار ما يجري من تهديد غير مسبوق لوجود النظام الإقليمي العربي ولفكرة العروبة ذاتها، وظهرت أيضاً محاولات لم تجد سنداً اجتماعياً لتجديد الخطاب القومي العربي ودمقرطته، بمعنى الفصل بين القومية العربية وتجارب الدول التسلطية، وكذلك الفصل بين العروبة وشعارات الاشتراكية أو الوحدة الفورية. ولكن كل هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح ولم تستجب لها النخب العربية الحاكمة وبدا أن مسار الدولة الوطنية (القطرية) والنظام الإقليمي العربي معرض لأخطار كثيرة داخلية وخارجية، جسدتها ومنذ ست سنوات ما يعرف بثورات الربيع العربي، التي كشفت مدى هشاشة وضعف الدولة الوطنية (القطرية) في بعض الدول العربية وفتحت الطريق أمام حروب أهلية داخلية تبدو بلا نهاية قريبة. والمدهش أن أكثر الدول العربية حديثاً عن القومية العربية وتشدقاً بشعاراتها هي الدول التي عانت من آثار الربيع العربي حيث فضحت الانتفاضات الشعبية حالة اللادولة التي كانت تخفيها الشعارات القوموية في العراق وسورية وليبيا واليمن، واعتمادها على القبلية والطائفية والجهوية.

وبعد قرابة ست سنوات من ثورات غير مكتملة فإن النظام العربي على وشك الانهيار، فالتدخل الأجنبي حاضر في سورية واليمن وليبيا والعراق، ويشرعن النظام في دمشق الاستقواء بالخارج، كما هي حال الحوثيين في اليمن أو بعض الأطراف المتصارعة في ليبيا، ولا تزال إيران تلعب دوراً غير مقبول أو مبرر، بينما اتسعت طموحات روسيا في المنطقة، حيث استغلت ابتعاد واشنطن وتفضيل أوباما عدم التورط في صراعات المنطقة، ونجحت روسيا في بناء تحالف مع إيران وتركيا لتقاسم النفوذ، حيث تتحرك تركيا في سورية والعراق لتحقيق أطماع تاريخية وجيوسياسية بالتنسيق والتفاهم أحياناً مع طهران، بينما تتدخل الأخيرة سياسياً وعسكرياً في سورية والعراق ولبنان واليمن وتهدد دول الخليج، والشاهد أن مثلث موسكو- طهران- أنقرة قد توافق على تهميش الدول العربية وإعادة تشكيل المنطقة في ضوء مصالح الدول الثلاث.

في سياق هذه التهديدات الجسيمة تأتي أهمية انعقاد القمة العربية المقبلة في عمان، فهي بكل المقاييس خطوة إلى الأمام من حيث دلالاتها الرمزية وسياقها التاريخي، فهي تأتي بعد اعتذار المغرب عن تنظيم القمة السابعة والعشرين، التي استضافتها موريتانيا عام 2016، وانتهت إلى نتائج هزيلة للغاية، ثم اعتذار اليمن عن عدم تنظيم الدورة الثامنة والعشرين للقمة العربية. من هنا فإن مبادرة الأردن إلى الموافقة على استضافة القمة هي عملية إنقاذ لآلية القمم العربية، لكنها تظل مبادرة محفوفة بالأخطار، إذا جاءت نتائجها تقليدية ونوعاً من التكرار لما سبقها من قمم عقدت في السنوات الأخيرة.

لذلك علينا ألا نغرق في الأمنيات الطيبة التي تترافق دائماً مع كل انعقاد دوري للقمم العربية، وبالتالي نطرح مجموعة من الأهداف غير الواقعية. صحيح أن القمة العربية لا بد أن تتجاوز هوان الواقع العربي وانكشاف الأمن القومي، وتتطلع لتبني خطط وقرارات أفضل وأعلى مما تفرضه معطيات الواقع، لكن ذلك يجب أن يكون بحساب دقيق وفي ضوء ما تفرضه العلاقات العربية – العربية أولاً من قيود وإكراهات وفرص، والضغوط الإقليمية والدولية ثانياً.

لا شك أن هناك بعض الأمل حيث استعادت العلاقات السعودية- المصرية كثيراً من قوتها، وحدث انفتاح ومصارحة بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وتوالت خسائر الجماعات والأفكار الإسلاموية بما في ذلك خسارة «داعش» للموصل ومواقع مهمة له في سورية وليبيا. ويبدو أن الاستراتيجية الأميركية نحو إيران ومحاربة الإرهاب في طريقها إلى التغيير. لكن يجب التأكيد مرة ثانية أن الإفراط في التفاؤل غير مطلوب ولا بد من تعظيم الاعتماد على القدرات العربية، وأن نتواضع ونصبح أكثر واقعية على الأقل في هذه المرحلة، وبالتالي يجب عدم التورط في صياغة قرارات تبدأ بيجب .. أو ينبغي (كما حدث في القمم السابقة) لأنها لن تؤدي إلى نتائج عملية ملموسة.

أن أهم الضمانات لنجاح قمة عمان هي:

1- أن تكون قمة غير تقليدية تركز على الأولويات وفي مقدمها استعادة التضامن والتوافق العربي، من خلال تحقيق مصالحات بين عدد من الدول العربية المؤثرة في النظام الإقليمي العربي، ثم تأتي بعد ذلك قضايا ومشكلات مهمة مثل الاستيطان الإسرائيلي واحتمال نقل السفارة الأميركية إلى القدس ومشكلات اللاجئين السوريين.

2- التوصل إلى تفاهم عربي واسع حول واقع ومستقبل الأوضاع في سورية واليمن وليبيا، تفاهم يعتمد على التفاوض والتوافق على حلول وسط جديدة تفرض على كل الأطراف العربية تغيير مواقفها السابقة بحيث تتبنى مواقف تحافظ على الأمن القومي العربي، الذي تعرض لاختراقات خطيرة بسبب اختلاف مواقف الدول العربية.

3- ضرورة تبني مفهوم واضح للأمن القومي العربي في هذه المرحلة وتحديد مصادر التهديد بحيث يمكن بناء توافقات على أولويات الأخطار ومصادر التهديد وكيفية مواجهتها، وفي مقدمها التصدي للخطر الإسرائيلي والتدخلات الإيرانية غير المقبولة في المنطقة.

4- أهمية ضمان مشاركة معظم القادة العرب بحيث تكتسب مقررات قمة الأردن شرعية وصدقية أعلى تفرضها التحديات التي تواجه الشعوب العربية.

5- نجاح الديبلوماسية الأردنية في الحفاظ على قوة الدفع التي ستولدها القمة وتفعيلها خلال العام المقبل وحتى القمة التالية.

*نقلا عن صحيفة الحياة