أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

القضايا العشر:

الأبعاد السياسية للرياضة في الشرق الأوسط

12 فبراير، 2017


شهدت دول الإقليم توظيفًا سياسيًا للرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، خلال الفترة الماضية، على نحو ما تجسد في حالات مصر وسوريا والعراق والكويت وتركيا والأراضي الفلسطينية، وفقًا لمؤشرات محددة تمثلت أبعادها في تعزيز شرعية النظم السياسية الحاكمة وتأكيد الروح الوطنية وإشعال الطائفية السياسية وتنامي المواجهات المجتمعية وارتكاب أعمال إرهابية ومناهضة السياسة الاستيطانية وتجنيس الشخصيات الرياضية والمساس بالعلاقات البينية الإقليمية وإبراز المكانة العالمية.

وهناك اتجاه سائد في الأدبيات يشير إلى أن الرياضة تمثل، في بعض الأحيان، وسيلة لاستقطاب اهتمام الشعوب بعيدًا عن القضايا الملحة الضاغطة على أوضاعها المعيشية. غير أن هذا الاتجاه يمثل جزءًا من الصورة وليس كلها بفعل المتغيرات المتلاحقة التي شهدها الإقليم. وقد تمثلت أبعاد "التسييس" للرياضة في الشرق الأوسط، في النقاط التالية:

شرعية منقوصة:

1- تعزيز شرعية النظم السياسية: تلجأ بعض النظم السياسية في الشرق الأوسط للألعاب الرياضية من أجل اكتساب الشرعية السياسية وتعزيز كفاءة حكوماتها عبر دعم الرياضة وتشجيع الرياضيين في مختلف الألعاب الجماهيرية وخاصة كرة القدم. فقد تأثرت الرياضة السورية بعد عام 2011، لا سيما مع رفض السفارات الأجنبية لدول في مناطق مختلفة من العالم منح تأشيرات دخول للفرق السورية للمشاركة في المسابقات الرياضية الدولية.

كما جاءت المشاركة السورية في الألعاب الأولمبية التي استضافتها مدينة ريودي جانيرو البرازيلية في أغسطس 2016 في ألعاب محددة (ألعاب القوى- السباحة- رفع الأثفال- كرة الطاولة) بهدف تعزيز شرعية نظام الأسد وتخفيف وطأة الصراع الداخلي المسلح. وهنا جاءت تصريحات بعض المشاركين في البطولة لتعكس إدراكهم لصعوبة تحقيق مراكز متقدمة واهتمامهم، حسب قولهم، بـ"نيل شرف المشاركة الدولية ورفع علم سوريا والصمود في مواجهة الإرهاب" والأهم هو تجاوز حالة "الشرعية المنقوصة".

الوعي الوطني:

2- تأكيد الروح الوطنية: تحولت مشاركة المنتخب المصري لكرة القدم في مباريات كأس الأمم الأفريقية المقامة في الجابون خلال الفترة من منتصف يناير وحتى 5 فبراير 2017، إلى مناسبة لتعزيز الانتماء الوطني، منذ مشاركته في المباراة الأولى وحتى وصوله للمباراة النهائية، حيث أدت إلى عودة كرة القدم للمجال العام في المجتمع المصري بما يعزز طبيعة العلاقة بين الدولة والمواطنين، وخاصة الأجيال الشابة التي حرصت على مشاهدة تلك المباريات في مراكز الشباب والمقاهي بعدما أتاحت وزارة الشباب والرياضة شاشات عملاقة للعرض وسمحت بدخول المواطنين. كما ظل ملمح الاحتفاء بأداء الفريق الوطني في البطولة رغم خسارته في المباراة النهائية.

وبرز أيضًا اتجاه جديد خاصة بعد الحراك الثوري في الدول العربية يشير إلى توظيف الرياضة لإنهاء الصراعات الداخلية ونشر روح السلام الوفاقية، إذ بادرت منظمة H2O الليبية إلى تنظيم مباريات في كرة القدم في العاصمة طرابلس في منتصف عام 2015 ضمت لاعبين من مختلف المناطق والمدن الليبية، وذلك تحت شعار "في الميدان من أجل السلام" حيث انتشرت في الملاعب لافتات تدعو إلى الوحدة ونبذ الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

تسييس طائفي:

3- إشعال الطائفية السياسية: أعلن ناديا أربيل وزاخر الكرديان، في 18 ديسمبر 2016، انسحابهما من الدوري العراقي لكرة القدم غداة مباراة جمعت نادي أربيل مع نادي النجف، بعد هتافات مناهضة للأكراد في مدينة النجف ذات الأغلبية الشيعية حينما نزل الجمهور إلى أرض الملعب في ختام المباراة. ويعد من أبرز الهتافات التي رددها مشجعو نادي النجف، كما أوردتها وسائل إعلامية عدة، عبارة محددة وهى "أربيل داعشية". ولعل ما يؤكد هذه النزعة الطائفية ما عبر عنه رئيس نادي النجف خضير العوادي لوكالة الصحافة الفرنسية خلال تلك الأزمة بأن "العبارات التي أطلقها جمهورنا تعود للاحتقان السياسي الحالي". كما أشار رئيس نادي زاخر الكردي إلى أن "هذا الموقف تكرر وفرقنا تعاني منه باستمرار"، وأضاف: "أصبح الأمر لا يطاق. هذه ليست رياضة بل تحولت إلى مشاكل سياسية".

وفي هذا السياق، تسود تخوفات من أن تؤثر تلك الأوضاع على سعى العراق إلى رفع الحظر المفروض عليه من الاتحاد الدولي لكرة القدم منذ 14 عامًا، على نحو يحول دون استضافته مباريات دولية بسبب تفاقم الأزمة السياسية وتدهور الأوضاع الأمنية، لا سيما مع توارد أنباء عن زيارة للجنة تابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" لبحث إمكان رفع الحظر. فقد سمح "فيفا" برفع جزئي، حيث وافق على إقامة المباريات على ملعب فرانسوا حريري في أربيل، غير أنه سرعان ما عاد الحظر مرة أخرى عقب أحداث عنف شهدتها مباراة العراق والأردن ضمن تصفيات مونديال كأس العالم 2014.

4- تنامي المواجهات المجتمعية: تشهد محافظة بغداد في العراق تزايدًا لما يطلق عليه "شغب الملاعب"، على نحو يعكس ضعف القوات الشرطية الحكومية وعدم توفير قوات أمن خاصة، إذ أن حل قوة حماية الملاعب المتخصصة وانعدام التعاون بين وزارة الداخلية والاتحادات الرياضية ساهم في انتشار الفوضى، وهو ما يتطلب وضع ضوابط صارمة تتمثل في توافق عدد العناصر الأمنية مع حجم الجماهير وطبيعة المناطق وتصنيف الفرق المدرجة في الدوري العراقي لكرة القدم.

استهداف الشرطة:

5- ارتكاب أعمال إرهابية: تم استهداف قوات الشرطة التي تقوم بتأمين المباريات الرياضية في دول يوجد لدى قطاع واسع من مجتمعها اهتمام كبير بكرة القدم، على نحو ما شهدته تركيا منذ شهرين.  فقد أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أن مسلحين أكراد ربما يكونون مسئولين عن تفجيرين استهدفا نقطة تجمع لشرطة مكافحة الشغب خارج استاد "فودافون أرينا" لكرة القدم في اسطنبول في 11 ديسمبر 2016 عقب مباراة بين فريقى بشكطاش وبورصة سبور. وقد بلغ عدد القتلى في التفجيرين بواسطة سيارة ملغومة 38 شخصًا من بينهم 30 من قوات الشرطة، فضلا عن 155 مصابًا. ومن الواضح أن الهدف من هذه العملية هو إسقاط أكبر عدد ممكن من الضحايا، على نحو ما ذكره نائب رئيس الوزراء التركي نعمان قورتولموش.

أندية المستوطنات:

6- مناهضة السياسة الاستيطانية: جدد الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم برئاسة جبريل الرجوب، في 13 أكتوبر 2016، مطالبة الاتحاد الدولي لكرة القدم بوقف ستة أندية في المستوطنات الإسرائيلية من ممارسة اللعبة لأنها تلعب على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحظى بدعم الاتحاد الإسرائيلي. كما قدم الاتحاد الفلسطيني في الاجتماعات الأخيرة لمجلس الاتحاد الدولي لكرة القدم مشروع قرار بطرد إسرائيل من الاتحاد الدولي بسبب انتهاكات تمارس ضد الرياضيين الفلسطينيين، وخاصة حرية تنقل اللاعبين والإداريين، لكنه تراجع عن المشروع في اللحظات الأخيرة حيث تلقى وعودًا بحل كافة الإشكاليات.

تجنيس رياضي:

7- تصاعد تجنيس الشخصيات الرياضية: كشف سيباستيان كو رئيس الاتحاد الدولي لألعاب القوى في تصريحات صحفية، في 7 فبراير 2017، أن "الاتحاد سيجمد قواعد تغيير الجنسية بين الرياضيين، لأن النظام بات عرضة للانتهاك.. وأصبح من الواضح للغاية أن قواعد تغيير الولاء- خاصة في إفريقيا- لم تعد تفي بالغرض".

وأضاف كو: "إن ألعاب القوى تقوم على الفرق الوطنية، وهى عرضة للتلاعب، القواعد لا تفرض الحماية الضرورية للرياضيين، وباتت عرضة للاختراق، تتلقى كثير من الاتحادات تقارير بشأن رياضيين متاحين للاتجار.. وعلى عكس رياضات أخرى، مثل كرة القدم، تسمح ألعاب القوى للمنافسين بتغيير جنسياتهم، حتى بعد تمثيلهم لدولة ما على المستوى الدولي".

8- المساس بالعلاقات البينية الإقليمية: لم يقتصر تأثير الرياضة على الأوضاع الداخلية بل امتد إلى العلاقات بين دول الإقليم. فقد رفع جماهير فريق الترجي التونسي لكرة القدم خلال لقاء فريفهم ضد نادي لخويا القطري، في 11 سبتمبر 2016، لافتات كتب عليها "عندكم المال.. عندنا الرجال"، وهو ما أثار قطاعات من الرأى العام والنخبة القطرية، وتحركت الدبلوماسية التونسية وقدمت اعتذارًا رسميًا لدولة قطر.

على جانب آخر، دعا رئيس الاتحاد الإيراني لكرة القدم علي كافاشيان في تصريحات صحفية، في 12 يناير 2016، إلى عدم الخلط بين الرياضة والسياسة، خاصة بعد الأزمة بين بلاده والسعودية التي طالبت أنديتها الرياضية بمواجهة نظيراتها الإيرانية على ملاعب محايدة في مسابقة دوري أبطال آسيا التي انطلقت في فبراير 2016. فقد اشتكت الأندية السعودية في الأعوام الماضية من مضايقات تتعرض لها بعثاتها أثناء وجودها في إيران، بداية من وصولها للمطار وحتى المغادرة، على عكس الحال بالنسبة للاستقبال الذي تحظى به بعثات الأندية الإيرانية خلال وجودها في السعودية. 

9- خلافات مع الاتحادات الدولية: تصاعدت حدة انتقادات بعض أعضاء مجلس الأمة الكويتي لأحد أعضاء السلطة التنفيذية بسبب قضية الإيقاف الرياضي الدولي المفروض على الكويت. فقد تقدم وزير الإعلام وزير الدولة لشئون الشباب الشيخ سلمان الحمود، باستقالته في 7 فبراير 2017، قبل يومين من طرح الثقة به أمام مجلس الأمة، على خلفية الإيقاف الرياضي الدولي المفروض على الكويت من اللجنة الأولمبية والاتحاد الدولي لكرة القدم فيما يتعلق بالتدخل الحكومي في الشأن الرياضي منذ عام 2015، الأمر الذي يتطلب تعديل الحكومة الكويتية لقوانينها الرياضية. 

غير أن السلطات الكويتية لم تتجاوب مع طلب الهيئات الدولية الحد من التدخل، بل قامت، في منتصف العام الماضي، بحل هيئات رياضية محلية من بينها اللجنة الأولمبية واتحاد كرة القدم، وتعيين هيئات مؤقتة بدلا منها، إلا أن الهيئات الجديدة لم تحظ باعتراف المؤسسات الدولية الرياضية. وقد طلبت الهيئة العامة للرياضة الكويتية، في 23 ديسمبر 2016، من الهيئات الدولية تعليق الإيقاف وتعديل أوضاع الهيئات الرياضية المحلية المنحلة أولا حتى تقم الهيئات الدولية برفع العقوبات على الهيئات الكويتية، بما منعها من المشاركة في أولمبياد البرازيل 2016، وتصفيات كأس العالم 2018 في روسيا.

مواجهة الانتقادات:

10- إبراز المكانة العالمية: تمثل الرياضة وكرة القدم أداة جوهرية لإبراز القوة الناعمة للدول، وهو ما حاولت قطر التركيز عليه بسعيها لاستضافة كأس العالم 2022، حيث تحاول الدوحة الاستفادة من تنظيم حدث رياضي ضخم لتحسين صورتها واستعادة مصداقيتها في العالم، لا سيما بعد تصاعد الانتقادات الدولية عبر الوسائل الإعلامية والمنظمات الحقوقية بدعوى انتهاك حقوق العمالة الأجنبية خاصة الآسيوية منها في مجال تحسين البنية التحتية والملاعب الرياضية التي تشهدها مباريات كأس العالم.

مرآة عاكسة:

خلاصة القول، إن الاتجاهات السائدة في الساحة الرياضية عمومًا وملاعب كرة القدم خصوصًا، سواء على المستوى الدولي أو الاتحادات الوطنية، يمكن أن تكون مؤشرًا على الأحداث المستقبلية، عبر تعزيز شرعية النظم السياسية وتجاوز الحروب الأهلية وتعزيز الروح الوطنية ومواجهة العلاقات المجتمعية واستهداف القوات الأمنية المُؤمّنة للقاءات الرياضية ومواجهة السياسات العدوانية وتصحيح الصورة الدولية.