أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

دعم كييف:

حرب أوكرانيا ودافوس 2023.. وعود تنتظر النفاذ

02 فبراير، 2023


تحت شعار "التعاون في عالم مشرذم" ولمدة 5 أيام وبمشاركة حوالي 51 من قادة العالم، ومنهم المستشار الألماني، أولاف شولتز، وأمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي، يان ستولتنبرغ، بالإضافة إلى عدد كبير من وزراء المالية والتجارة ورؤساء البنوك المركزية في العالم وأكثر من 1500 من رواد الأعمال ورؤساء الشركات الكبرى، عُقدت النسخة الـ 53 من المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة دافوس السويسرية ما بين 16 و20 يناير 2023، على وقع اقتراب الحرب في أوكرانيا من إتمام عامها الأول، مما أدى إلى تخصيص مساحة واسعة من فعاليات المنتدى لمناقشة تداعيات هذه الحرب.
اهتمام بالحرب:
أظهرت العديد من المؤشرات مدى الاهتمام الذي حظيت به الحرب الروسية - الأوكرانية في منتدى دافوس 2023، ومنها ما يلي:
1- كلمة افتتاحية لسيدة أوكرانيا الأولى: ذهبت أولينا زيلينسكا، زوجة الرئيس الأوكراني، إلى دافوس وألقت خطاباً في 17 يناير 2023، توجهت به إلى المشاركين في المؤتمر، معتبرة أنهم موجودون هنا لما يتمتعون به من تأثير ونفوذ ولكنهم لا يستعملون كل هذا التأثير لوقف الاعتداء الروسي على أوكرانيا، داعية إلى توحيد جهود الجميع من أجل إنهاء الحرب الحالية. كما دعت إلى تبني خطة النقاط العشرة المقترحة من قِبل زوجها الرئيس فولوديمير زيلينسكي، خلال قمة مجموعة العشرين في بالي في نوفمبر 2022، وحذرت من احتمال توسع الهجوم الروسي إلى خارج الحدود الأوكرانية، والذي ستكون له تداعيات خطيرة تصل إلى حد انهيار العالم الذي نعرفه. 
وسلّمت زيلينسكا الوفد الصيني المشارك في دافوس رسالة موجهة من زوجها إلى الرئيس الصيني، يدعوه فيها إلى الوقوف بجانب أوكرانيا. كما طلبت زيلينسكا مزيداً من الدعم من قِبل الاتحاد الأوروبي، مما استدعى رداً من رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، التي تحدثت مباشرة بعد زيلينسكا، مؤكدةً أن الاتحاد الأوروبي يقدم كل الدعم لأوكرانيا، وأن عملية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد قد انطلقت. كما ذكّرت بحجم المساعدات المالية المُقدمة من الاتحاد الأوروبي لكييف، آخرها مبلغ 3 مليارات يورو من إجمالي 18 مليار يورو مرصودة لأوكرانيا خلال العام 2023. ونوهت كذلك رئيسة المفوضية الأوروبية بحجم المساعدات العسكرية لأوكرانيا وسلسلة العقوبات الأوروبية على موسكو.   
2- كلمة مصورة للرئيس الأوكراني: ظهر الرئيس زيلينسكي في خطاب عبر الفيديو أمام منتدى دافوس، مطالباً بالإسراع في اتخاذ القرارات التي تساعد أوكرانيا، مثل قرار إرسال أسلحة ثقيلة كالدبابات؛ لأن "الأنظمة الاستبدادية بشكل عام تستفيد من هذا التباطؤ لصالحها"، على حد وصفه، مشيراً إلى أن موسكو استغلت تردد الغرب في عام 2014 واحتلت شبه جزيرة القرم، ولذلك يجب منع هذه الأنظمة من العمل بشكل أسرع من الديمقراطيات، ومن ثمّ فإن التعبئة لدعم أوكرانيا يجب أن تتفوق من الناحية الزمنية على التعبئة العسكرية لروسيا. ورداً على سؤال موجه لزيلنيسكي حول رؤيته للدور الذي يجب أن تلعبه موسكو، اعتبر أن الأخيرة "حجزت مكاناً مفضلاً لها بين الإرهابيين"، وأنه لا يُعول على القيادة الروسية بل يبقى الاعتماد على المجتمع الروسي الذي يجب أن يفتح عيونه لتصور مستقبل أفضل للعلاقات بين الشعبين الأوكراني والروسي.
3- مشاركة أوكرانية وغياب روسي: شاركت أوكرانيا في مؤتمر دافوس لهذا العام بوفد رفيع المستوى ضم إلى جانب السيدة الأولى، أولينا زيلينسكا، كلاً من وزيرة الاقتصاد، يوليا سفيريدينكو، ونائب رئيس الوزراء ووزير التحول الرقمي، ميخايلو فيدوروف، ورئيس بلدية العاصمة كييف، فيتالي كليتشكو. وفي المقابل، لم تتم دعوة أي مشارك من روسيا.
4- ربط الحرب الأوكرانية بالعديد من المخاطر العالمية: يظهر من خلال تقرير المخاطر العالمية للعام 2023، الذي أصدره "المنتدى الاقتصادي العالمي" World Economic Forum قبل فترة وجيزة من منتدى دافوس، والذي عادة ما يشكل قاعدة لانطلاق النقاشات في المنتدى، احتلال موضوع الحرب الجارية في أوكرانيا حيزاً واسعاً من الاهتمام، لارتباطها بتأجيج العديد من المخاطر خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع التحول نحو استخدام الطاقة والغذاء كأسلحة في هذه الحرب، مما أدى إلى ارتفاع التضخم ووصوله إلى مستويات غير معهودة. 
كما يعتبر التقرير أن الحرب الأوكرانية عطلت العودة إلى الوضع الطبيعي بعد جائحة كورونا، وصنف أزمة تكلفة المعيشة كأهم المخاطر العالمية خلال العامين المقبلين، في ظل اضطرابات تدفقات الغاز والغذاء من روسيا وأوكرانيا. وجاءت المواجهة الجيواقتصادية في المرتبة الثالثة بما تحتويه من عقوبات وحروب تجارية. كما تم تصنيف الصراع بين الدول على أنه من بين أهم خمسة مخاطر في 28 دولة، وكانت الحرب في أوكرانيا نقطة تحول للعودة إلى هذا النوع من الصراعات، مما دفع دول حلف الناتو إلى تلبية مطلب تجاوز الإنفاق العسكري لعتبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

أطروحات متعددة:
تتمثل أهم الأفكار التي تم تداولها حول الأزمة في أوكرانيا من قِبل المشاركين في منتدى دافوس، في الآتي:
1- المطالبة بإنشاء محكمة دولية: روّج المشاركون الأوكرانيون في المنتدى الاقتصادي العالمي، لفكرة إنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمة ما سموهم بـ "مرتكبي جرائم الحرب في أوكرانيا"، على اعتبار أن طرح مثل هذا الفكرة في المنتدى سيلفت أنظار العالم إلى الانتهاكات التي وقعت في بلادهم، وبالتالي فإنه يجب زيادة الضغط لكسب تأييد الرأي العام الدولي وإيجاد آلية لمعاقبة المُعتدين وتعويض الخسائر الناتجة عن التدخل العسكري الروسي. واستغل أندريه يرماك، مدير مكتب الرئيس الأوكراني، وجوده في المنتدى، للمطالبة بدعم دولي موحد حتى تتخذ الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار تشكيل مثل هذه المحكمة، مؤكداً وجود حاجة مُلحة لإنشاء محكمة خاصة تكون قادرة على تقييم والنظر فيما ارتكبه الروس وسجلته السلطات الأوكرانية. كما أشار إلى أن مسألة التعويض عن الأضرار الجسيمة يمكن أن تتم عبر إنشاء صندوق يتم تمويله من الأصول الروسية، لا سيما الذهب واحتياطات النقد الأجنبي.
2- تأكيد أوكرانيا عزمها استعادة القرم: أعلن الرئيس زيلينسكي، خلال كلمته المصورة في دافوس، عن عزم أوكرانيا استعادة شبه جزيرة القرم، معتبراً أن هدفه هو تحرير كامل الأراضي الأوكرانية "والقرم هي أرضنا، أعطونا أسلحتكم وسنستعيد أرضنا". ويأتي هذا التصريح في الوقت الذي كشف فيه تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، في 18 يناير 2023، عن أن إدارة الرئيس بايدن بدأت تغير رأيها بشأن تزويد أوكرانيا بأسلحة تمكنها من استهداف شبه جزيرة القرم التي تُعد قاعدة حيوية لروسيا لشن ضرباتها على أوكرانيا ويتمركز فيها عشرات الآلاف من القوات الروسية. ويبدو أن إدارة بايدن توصلت إلى الاعتقاد بأنه إذا تمكن الجيش الأوكراني من إظهار قدرته على تهديد سيطرة روسيا على القرم، فإن ذلك سيعزز من موقف كييف التفاوضي. ويمكن أن تعكس هذه الخطوة توجهاً أمريكياً وأطلسياً نحو تخفيف القيود عن تزويد أوكرانيا بأسلحة بعيدة المدى تمكنها من ضرب العمق الروسي خصوصاً مع تراجع المخاوف بشأن لجوء موسكو إلى استخدام سلاح نووي تكتيكي.
3- التفاوض بين موسكو وكييف: في رد على تساؤل حول موقف بلاده من الحوار مع روسيا، أوضح الرئيس الأوكراني أنه على موسكو قبل كل شيء أن تعترف بأخطائها، وأن تحترم وحدة الأراضي الأوكرانية وسلامتها الإقليمية. من جانبه، رأى أمين عام حلف الناتو أن حصول أوكرانيا على دعم عسكري قوي سيدفع الرئيس بوتين إلى قبول التفاوض، معتبراً أن "الأسلحة هي الطريق إلى السلام، لهذا فإنه يجب ألا يتأخر وصولها". فيما كان الأمين العام للأمم المتحدة، غوتيريش، متشائماً حيال نهاية الصراع في أوكرانيا، موضحاً أنه لا يراها في المستقبل القريب لأن الخلاف القائم بين روسيا وأوكرانيا عميق وتاريخي وتمنع تعقيداته من التوصل إلى حل قائم على القانون الدولي.
4- دعم انضمام أوكرانيا لحلف الناتو: في إطلالة عن بُعد خلال منتدى دافوس يوم 17 يناير 2023، أيّد وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، مسألة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، مبرراً رفضه سابقاً لهذه الفكرة بتخوفه من تصعيد الأزمة، لكن مع وصول العملية العسكرية الروسية إلى هذا المستوى، فإن "أوكرانيا المحايدة" في ظل هذه الظروف لن تعد منطقية بعد الآن. كذلك فإن كيسنجر حذّر، في الوقت نفسه، من تحول الحرب الأوكرانية إلى "حرب شاملة ضد روسيا"، مشدداً على ضرورة الحفاظ على الحوار مع موسكو من أجل منحها فرصة للانضمام إلى النظام الدولي بمجرد إحلال السلام.
5- انتقاد عدم إرسال الدبابات إلى أوكرانيا: انتقد الرئيس زيلينسكي، في خطابه أمام منتدى دافوس، بشكل غير مباشر تردد ألمانيا في السماح بتزويد أوكرانيا بدبابات "ليوبارد 2" الثقيلة، معتبراً أن ربط برلين تصرفاتها بتصرفات غيرها هي استراتيجية غير جيدة، وذلك في إشارة إلى المعلومات المتداولة في الصحف العالمية حول كون ألمانيا ستسمح بتقديم دباباتها فقط في حال قدمت الولايات المتحدة دبابات "أبرامز". وعندما تم سؤال المستشار الألماني، شولتز، عن سبب عدم الموافقة على إرسال الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، كان جوابه بأن ألمانيا هي واحدة من أكبر الموردين للمعدات العسكرية إلى أوكرانيا، حيث إنها قدمت أنظمة للدفاع الجوي وناقلات مدرعة، مؤكداً أن بلاده ستستمر في دعم كييف لأطول فترة ضرورية.


6- حلول أزمة الطاقة في أوروبا: أعلن المستشار الألماني، شولتز، خلال مداخلته في المنتدى، عن عدة خطوات ناجحة تم تطبيقها في سبيل الوصول إلى امدادات طاقة آمنة بعد أزمة الطاقة التي سببها التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، ومن أهم هذ الخطوات الإنشاء السريع لمحطات الغاز الطبيعي السائل التي ستساعد في استبدال خطوط الأنابيب الروسية التي كانت تشكل نصف واردات ألمانيا من الغاز. كما اعتبر شولتز أن أزمة الطاقة ساهمت في تسريع التحول نحو الاقتصاد الأخضر، حيث يمكن استخدام محطات الغاز الطبيعي المُسال في نهاية المطاف للهيدروجين. هذا وتعمل أوروبا على إيجاد موارد غاز إضافية وعدم الاكتفاء بالتركيز على الغاز المُسال فقط، وذلك للحيلولة دون أن تؤدي زيادة الطلب الأوروبي على الغاز المُسال إلى ارتفاع سعره. وذكرت أورسولا فون در لاين، في هذا السياق، أن الاتحاد الأوروبي قلّص اعتماده على الغاز الروسي بنسبة 80% منذ بداية الأزمة الأوكرانية، كما أن أسعار الغاز التي ارتفعت بشكل غير مسبوق في السنة الماضية قد عادت إلى مستويات ما قبل الحرب.
7- التحذير من أزمة الغذاء وارتفاع تكلفة المعيشة: ناقش المنتدى ارتفاع معدلات انعدام الأمن الغذائي وتسجيله أرقاماً غير مسبوقة خلال عام 2022، وصدرت تحذيرات من تفاقم أزمة الغذاء وارتفاع مستويات الفقر في جميع أنحاء العالم، وجرى تأكيد أن التعاون الدولي هو الطريق الأمثل لمعالجة تباطؤ النمو الاقتصادي ومكافحة تبعات التغير المناخي. كما تم التوقف عند ارتفاع أسعار الأسمدة الزراعية لوجود أغلب موادها الخام في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، حيث أدت الحرب الحالية إلى مشكلات في سلاسل التوريد.
ختاماً، على الرغم من كثافة الموضوعات المُقترحة للنقاش والمدرجة على أجندة النسخة الثالثة والخمسين من منتدى دافوس، مثل الانتقال الطاقوي، والوعود بمعالجة الركود الاقتصادي وتباطؤ النمو؛ يبدو أن مسار الحرب الروسية - الأوكرانية والحديث عن تسليح كييف قد حاز على الاهتمام الأكبر خلال هذا المنتدى. ويبقى السؤال حول ما إذا كان الرئيس الأوكراني سينجح في الحصول على ما طلبه خلال مداخلته أمام المنتدى لهذا العام كما نجح في منتدى دافوس 2022 حين طالب بفرض عقوبات على روسيا وسحب الشركات الغربية منها.