أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

واقعية "كيشيدا":

المسارات الجديدة للتحالف بين اليابان والولايات المتحدة

09 فبراير، 2023


دشنت القمة الأمريكية اليابانية التي استضافها البيت الأبيض، في منتصف يناير 2023، لحظة تاريخية ومرحلة جديدة ومختلفة في العلاقات بين البلدين، بعد أن قدم الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لرئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، التزاماً بدعم كامل وغير مشروط في الجوانب الأمنية والدفاعية، وذهب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى أبعد من ذلك، قائلاً: "إن الصين تشكل تحدياً دفاعياً للولايات المتحدة واليابان، ولها أنشطة تزعزع استقرار المنطقة، ونحن ملتزمون بالدفاع عن اليابان في جميع الأوجه بما في ذلك الردع النووي". وهذا المستوى غير المسبوق من التعهدات الأمريكية، من شأنه أن يضيف مزيداً من القوة والزخم إلى التحالف مع اليابان الذي تجسد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وتنظر الولايات المتحدة للخطوات التي اتخذتها الحكومة اليابانية مؤخراً على أنها تؤسس لتحالف قوي يسعى للانتصار في حقبة جديدة من المنافسة الاستراتيجية، وفق "بيان 2+2" الذي شارك فيه وزيرا دفاع وخارجية البلدين، والذي تضمن لأول مرة الحديث عن "الردع الأمريكي الياباني المشترك للأهداف المُعادية". ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد كشفت قمة البيت الأبيض عن دخول التحالف الأمريكي الياباني مراحل جديدة، عبّر عنها البلدان من خلال العمل على توسيع الاتفاقيات الأمنية، وإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية جديدة، وتمديد الشراكة الثنائية لتشمل حلفاء الولايات المتحدة أيضاً. 
وفي هذا الإطار، ثمة تساؤلات بشأن المسارات الجديدة للعلاقات الأمريكية اليابانية، ومدى إمكانية تأسيس قمة البيت الأبيض لمعادلات أمنية جديدة في شرق آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ومدى إمكانية البناء عليها لإقامة "حائط صد" أمام عوامل عدم الاستقرار في غرب المحيط الهادئ ومنطقة الإندو- باسيفيك. 
رؤية واقعية:
يؤمن رئيس الوزراء الياباني، كيشيدا، بأن علاقات بلاده مع الولايات المتحدة هي "حجر الزاوية" لضمان السلام والازدهار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولهذا أعلن عن رؤيته الجديدة التي سوف تغير مكان ومكانة اليابان في الخريطة الإقليمية والدولية، والتي أطلق عليها "دبلوماسية واقعية لعصر جديد". فهو يرى أن العصر الجديد والبيئة الأمنية والعسكرية غير المستقرة المحيطة باليابان تستدعي "نهجاً واقعياً" جديداً، عبّر عنه من خلال مجموعة من الأهداف؛ وهي التحقق من تحلي اليابان بأعلى مستوى من الاستعداد والجاهزية، والتصميم على الدفاع الكامل عن القيم العالمية، والحماية التي لا تقبل النقاش للسلام والاستقرار في اليابان، والاضطلاع بدور قيادي في المجتمع الدولي، بالإضافة إلى إنجاز كل أهداف الدبلوماسية "المتوازنة والحازمة".
ولإنجاز هذه الأهداف، اعتمدت الرؤية اليابانية الجديدة مبدأ "نفعل ما يمكننا القيام به بأنفسنا"، والاستثمار في الفرص التي توفرها استراتيجية الرئيس بايدن "الحلفاء أولاً". وكان من ثمرة ذلك تحقيق مجموعة من المُستهدفات التي تصب في صالح التحالف الأمريكي الياباني، ومنها الآتي:
1- الاتفاق على تحسين وضع القوات الأمريكية في اليابان، وذلك من خلال نشر قوات تتمتع بتنوع أكبر ومرونة أكثر، مع زيادة قدرات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع وتزويدها بقدرات مضادة للسفن وأخرى للنقل، والاتفاق على نشر فوج بحري ساحلي أمريكي في اليابان يحظى بقدرات كبيرة منها الصواريخ المضادة للسفن، حيث تستعد واشنطن لنشر وحدة جديدة متنقلة من سلاح مشاة البحرية في جزيرة أوكيناوا بجنوب اليابان لتعزيز القدرات الدفاعية لطوكيو في مواجهة التهديدات الصينية المتزايدة.
2- شمل التمديد الجديد لمعاهدة الدفاع المشتركة بين طوكيو وواشنطن الاستعداد لأي هجمات من الفضاء، وهي خطوة توصف بأنها رد على تزايد القدرات الصينية عبر الأقمار الاصطناعية.
3- سوف تعمل اليابان على تطوير صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى الصين وكوريا الشمالية، حتى يكون لديها الأداة لتحقيق مبدأ "الضربة الجوابية" حال تعرض طوكيو أو حلفائها لهجوم. ووفق وكالة أنباء "كيودو" اليابانية، فإن وزارة الدفاع تعمل على تطوير صواريخ متعددة بعيدة المدى يصل مداها إلى حوالي 3 آلاف كيلومتر، وقادرة على الوصول إلى أي مكان في كوريا الشمالية وبعض أجزاء الصين، كما ستعمل طوكيو على نشر صاروخ يبلغ مداه 2000 كم بحلول أوائل عام 2030.
4- تستعد اليابان لإنشاء قاعدة عسكرية عملاقة في جزيرة ماجيشيما غير المأهولة بناءً على طلب أمريكي، وتبلغ مساحة القاعدة 8 كيلومترات وتقع في محافظة كاجوشيما الجنوبية الغربية، وهي على بُعد 400 كيلومتر من القاعدة العسكرية الأمريكية في إيواكوني. وسوف تعمل الحكومة اليابانية خلال العامين المقبلين على بناء مدارج ومرافق لتخزين الذخيرة في هذه الجزيرة، ومن المتوقع أن تمهد القاعدة الجديدة لنقل موقع التدريب للطائرات المقاتلة الأمريكية من جزيرة إيووتو.
5- استجابة الحكومة اليابانية للمطالب الأمريكية بتخصيص مزيد من الأموال للشؤون الدفاعية، على غرار ما قامت به الدول الأوروبية الأعضاء في حلف شمال الأطلسي "الناتو". ولهذا أقرت طوكيو أكبر ميزانية دفاعية في تاريخها بنحو 51.4 مليار دولار للعام الجديد، كما خصصت 320 مليار دولار للسنوات المقبلة حتى عام 2027 لتعزيز قدرات الجيش الياباني. وبهذا يصل إنفاق اليابان على الدفاع إلى نحو 2% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهي نفس النسبة التي ظلت الولايات المتحدة تطالب بها دول حلف الناتو. وبذلك تقول طوكيو إنها شريك أمني لواشنطن، وليست عبئاً عسكرياً وطرفاً ضعيفاً يعتمد على الولايات المتحدة.
6- اعتماد طوكيو لاستراتيجية دفاعية جديدة تهدف إلى دعم تحالفها المشترك مع واشنطن، وفق رؤية رئيس الوزراء كيشيدا الذي قال في البيت الأبيض "إن الولايات المتحدة واليابان تواجهان تحديات أمنية معقدة، وإن الاستراتيجية الدفاعية الجديدة لليابان سوف تكون أكبر دعم للتحالف الأمريكي الياباني". وكان أكبر نجاح للحكومة اليابانية هو إقناع الرأي العام في الداخل بهذه الاستراتيجية الدفاعية التي تُغير من وضعية طوكيو في غرب المحيط الهادئ، خاصة الخطوات المتعلقة بشراء 500 صاروخ "توماهوك" من الولايات المتحدة، والتحول من تلقي الضربات الى إمكانية الرد على مصدر النيران في الدول التي تستهدف اليابان أو حلفائها، وكان هذا الأمر مطلباً أمريكياً منذ عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب.
مواجهة بكين:
طوال نحو سبعة عقود، انتهجت اليابان سياسة سمحت لها بأن تعزز شراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة، دون أن يؤثر ذلك في علاقاتها التجارية مع الصين. وكان من نتيجة ذلك أن زاد حجم التجارة بين بكين وطوكيو لأكثر من 300 مليار دولار في عام 2021، لكن سياسة "المسارات المتوازية" تلك تتعرض للتآكل الآن من خلال مجموعة من الإجراءات التي اتفقت عليها القمة الأمريكية اليابانية الأخيرة، ومنها ما يلي: 
1- مواصلة البحث بشأن إقامة منطقة حرة ومفتوحة للمحيطين الهندي والهادئ، وهي مصطلحات تُقال لمواجهة السياسات التجارية الصينية. وهذه الاتفاقية تتناغم مع دعوة الرئيس بايدن، في مايو الماضي، لإنشاء "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" الذي يضم 13 دولة في منطقة الإندو- باسيفيك، ويستثني منها الصين. وتعزز تلك الاتفاقية الشراكة الأمريكية اليابانية في مجال التكنولوجيا المتقدمة والرقمنة والبنية التحتية ومرونة سلاسل التوريد.
2- اتفاق اليابان والولايات المتحدة على مراقبة الصادرات المتعلقة بأشباه الموصلات إلى الصين، بعد أن فرضت واشنطن قيوداً صارمة عليها في العام الماضي. ووفق رئاسة الحكومة اليابانية، فإن كيشيدا يدعم محاولة بايدن فرض قيود على تصدير أشباه الموصلات المتقدمة إلى بكين.
تعزيز التحالفات:
لا تقتصر جوانب التحالف الياباني الأمريكي الجديد على العلاقات الثنائية بين البلدين، فالولايات المتحدة تشجع طوكيو على عقد مزيد من الشراكات الأمنية مع ما يسميه الرئيس بايدن بـ"تحالف القيم"، وقد استجابت اليابان لذلك من خلال الآتي: 
1- توقيع اليابان في 11 يناير 2023 اتفاقية دفاعية جديدة مع بريطانيا التي أعلنت الصين "تحدياً ممنهجاً" للمملكة المتحدة، وتسمح هذه الاتفاقية لجيشي اليابان وبريطانيا بالانتشار على أراضي البلد الآخر.
2- مشاركة حلفاء آخرين لليابان مثل بريطانيا وكندا في مناورات عسكرية، فقد شاركت بريطانيا لأول مرة، في نوفمبر 2022، في مناورات عسكرية لسلاحي البحرية الياباني والأمريكي في المحيط الهادئ في تدريبات استمرت 10 أيام تحت عنوان "الاستجابة المشتركة" لهجمات مسلحة على الدول الثلاث.
3- التصنيع العسكري المشترك مع بريطانيا وإيطاليا، لتطوير وبناء طائرة مقاتلة من الجيل الخامس لنشرها في عام 2035.
4- مشاركة اليابان بفاعلية في فعاليات تحالف "كواد" الرباعي؛ الذي يضم إلى جانبها كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا والهند.
مجمل القول، أثبتت القمة الأمريكية اليابانية في البيت الأبيض صلابة التحالف بين البلدين، وأنهما يجمعهما في الوقت الحالي مصفوفة واسعة من المواقف المشتركة حول كيفية التعامل مع الصعود الصيني، والحرب الروسية الأوكرانية، وتهديدات كوريا الشمالية. وتأمل واشنطن وطوكيو في أن يكون التحالف بينهما رافعة للسلام والاستقرار في شرق وجنوب شرق آسيا.