أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

جدل متصاعد:

لماذا عاد المرشد خامنئي إلى التدخل في ملف الانتخابات؟

06 يونيو، 2021


بعد نحو أسبوع من التصريحات التي أدلى بها وأعلن فيها عدم تدخله في القرارات التي أصدرها مجلس صيانة الدستور، في 24 مايو الفائت، واستبعد من خلالها عدداً كبيراً من المرشحين للانتخابات الرئاسية التي سوف تجرى في 18 يونيو الجاري، عاد المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، في 4 يونيو الجاري، إلى التدخل من جديد في الأزمة التي أثارتها تلك القرارات، ودعا إلى "رد الاعتبار" للمرشحين الذين تعرضوا وعائلاتهم لـ"الظلم والجفاء".

وفي الواقع، فإن تدخل المرشد في قرارات المجلس لا يعبر عن توجه جديد، حيث سبق أن اتخذ الخطوة نفسها في استحقاقات سابقة، لكن اللافت في الاستحقاق الحالي توقيت التدخل، الذي جاء متأخراً وقبل إجراء الانتخابات بنحو أسبوعين، وبعد أن أكد المرشد بداية أنه لن يتدخل في القرارات.

وهنا، فإن جدلاً واسعاً طرأ على الساحة السياسية الإيرانية فجأة حول مدى إمكانية إجراء مجلس صيانة الدستور تغييراً في موقفه باتجاه السماح لعدد أكبر من المرشحين المستبعدين بالعودة إلى المنافسة في الانتخابات، التي بدأت الحملات والمناظرات الخاصة بها من جانب المرشحين السبعة الذين سمح لهم من البداية بالترشح لها. وبالطبع، فإن الاهتمام الأكبر ينصب على الموقف من رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني، الذي كان استبعاده مفاجأة للمراقبين في ظل النفوذ الذي يحظى به داخل النظام وقربه الملحوظ من المرشد خامنئي الذي كلفه بإدارة ملفات حيوية جداً.

اتجاهان رئيسيان:

من دون شك، فإن ما زاد من حدة الجدل حول هذه القضية هو أن تصريحات المرشد جاءت عامة أكثر مما يجب، بحيث لم تسمح بتبلور رؤية واحدة لما يمكن أن ترتبه من معطيات سياسية جديدة في الفترة القادمة. إذ أنه أشار إلى "الجفاء والظلم" الذي تعرض له بعض المرشحين وعائلاتهم، لكنه في الوقت نفسه لم يركز على القرارات التي اتخذها مجلس صيانة الدستور في حد ذاتها.

في هذا الصدد، انقسمت الآراء على الساحة السياسية الإيرانية إلى اتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول، يرى أن تصريحات المرشد تستهدف مواقع التواصل الاجتماعي ولا تركز على أداء مجلس صيانة الدستور، باعتبار أن الجهة التي تسببت في إلقاء الضوء على عائلات المرشحين للانتخابات كان الفضاء الإليكتروني الذي اتسع فيه نطاق النقاش حول القرارات التي اتخذها مجلس الصيانة وتعددت التفسيرات "الافتراضية" لهذه القرارات، وطالت عوائل المرشحين، من بينهم فاطمة لاريجاني ابنة رئيس مجلس الشورى السابق، التي أثيرت شائعات عديدة حول إقامتها في الولايات المتحدة الأمريكية وحصولها على جواز سفر أمريكي.

من هنا، ربما يمكن تفسير تصريحات بعض المسئولين، مثل مهدي فضائلي معاون مكتب حفظ ونشر أعمال المرشد، الذي قال في تغريدة على موقع "تويتر"، أن تصريحات الأخير ليست موجهة إلى مجلس صيانة الدستور وليست لها تأثير على قراراته الأخيرة. 

وكان لافتاً أيضاً في هذا السياق، أن عباس كدخائي المتحدث باسم مجلس الصيانة الذي قال أن "تعليمات المرشد هى القول الفصل وأن المجلس ليس معصوماً من الخطأ"، تعرَّض لانتقادات قوية بسبب ذلك، حيث اعتبر محسن مهديان رئيس تحرير وكالة أنباء "فارس" أنه "متحدث باسم مصالحهم السياسية (في إشارة إلى المرشحين) أكثر منه متحدث باسم مجلس الصيانة".

أما الاتجاه الثاني، فيرى أن تصريحات المرشد هى إشارة واضحة إلى أنه غيّر، لأسباب معينة، موقفه من القرارات، وأن ذلك سيدفع المجلس بالفعل إلى إصدار قرارات جديدة تسمح بزيادة عدد المرشحين في الانتخابات. وقد استند هذا الاتجاه إلى اعتبارين رئيسيين: أولهما، حرص المرشد على رفع نسبة المشاركة في الانتخابات، وهو ما يبدو جلياً في تصريحات الأخيرة التي دعا فيها الناخبين إلى المشاركة وعدم الاستجابة إلى دعوات المقاطعة، بل إنه أضفى طابعاً دينياً على تلك الخطوة باعتبارها "واجباً شرعياً". وبالطبع، فإن النظام يبدي اهتماماً كبيراً بالمشاركة على أساس أنها توجه رسائل بأنه يحظى بقاعدة شعبية عريضة، ومن هنا فإنه يسعى، وفقاً لتلك الرؤية، إلى تجنب تدني نسبة المشاركة على غرار ما حدث في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في فبراير 2020 وبلغت فيها نسبة المشاركة نحو 42% وهى الأقل على مدار الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها إيران منذ أربعة عقود.

وثانيهما، الرد على الاتهامات التي وجهتها أطراف عديدة بأن النظام يسعى إلى "هندسة الانتخابات" بما يعني تهيئة المجال أمام مرشح معين للوصول إلى منصب الرئيس، في إشارة تحديداً إلى رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي الذي تمارس القوى المؤيدة له ضغوطاً على بعض المرشحين الآخرين من تيار المحافظين الأصوليين من أجل الانسحاب لصالحه ومن ثم تعزيز فرصه في الوصول إلى هذا المنصب، وهو الهدف الذي فشل في تحقيقه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أجريت في عام 2017، وفاز فيها الرئيس حسن روحاني ما مكنه من الاستمرار في منصبه لولاية ثانية.

مساران محتملان: 

على ضوء ذلك، يمكن القول إن تصريحات المرشد يمكن أن تفرض مسارين رئيسيين: الأول، أن تجري الانتخابات بالمرشحين أنفسهم الذين وافق مجلس الصيانة عليهم من البداية، أو بمن سيبقى منهم في ساحة التنافس على اعتبار أن بعضهم قد يفضل الانسحاب قبل الوصول إلى المحطة النهائة، بما يعني أن المعطيات التي أنتجتها تلك التصريحات سوف تركز على دور وسائل التواصل الاجتماعي، وليس على أداء مجلس صيانة الدستور، وربما يهيئ ذلك المجال أمام موجة جديدة من القيود التي سيتعرض لها الفضاء الإليكتروني خلال المرحلة القادمة.

والثاني، أن يقرر مجلس الصيانة إفساح المجال أمام مرشحين آخرين للمنافسة في الانتخابات، على نحو يمكن أن يساهم في تصعيد حدة تلك المنافسة، لاسيما في حالة ما إذا كان لاريجاني أحد هؤلاء المرشحين، حيث أنه سوف يحظى في هذه الحالة بدعم من بعض القوى التي تنتمي إلى تيارى المحافظين الأصوليين والمعتدلين في آن واحد.

من هنا، يمكن القول في النهاية إن القرار الذي سوف يتخذه مجلس الصيانة سوف يحدد أياً من المسارين المحتملين سوف يتحقق في النهاية، وهو ما سوف يكون له تأثير مباشر على التفاعلات السياسية التي سوف تشهدها الساحة الإيرانية خلال الفترة القادمة.