أخبار المركز
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (المعضلة الروسية: المسارات المُحتملة لأزمات الانتخابات في جورجيا ورومانيا)
  • إسلام المنسي يكتب: (جدل الوساطة: هل تخلت سويسرا عن حيادها في قضايا الشرق الأوسط؟)
  • صدور العدد 38 من دورية "اتجاهات الأحداث"
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الروبوتات البشرية.. عندما تتجاوز الآلة حدود البرمجة)
  • د. فاطمة الزهراء عبدالفتاح تكتب: (اختراق الهزلية: كيف يحدّ المحتوى الإبداعي من "تعفن الدماغ" في "السوشيال ميديا"؟)

أمن الطاقة:

دلالات زيارة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا إلى موزمبيق

18 يوليو، 2022


قام الرئيس الإيطالي، سيرجيو ماتاريلا، بزيارة إلى العاصمة الموزمبيقية، مابوتو، في 5 يوليو، حيث التقى خلالها نظيره الموزمبيقي، فيليبي نيوزي. وتأتي هذه الزيارة في إطار التحركات الإيطالية للبحث عن مصادر جديدة للطاقة بديلة عن الغاز الروسي، الذي كانت تعتمد عليه بنحو 45% حتى العام الماضي لسد احتياجاتها الداخلية.

تحركات إيطالية مكثفة:

تعددت زيارة المسؤولون الإيطاليون إلى موزمبيق، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- اتفاق جديد مع موزمبيق: وقع ماتاريلا اتفاقية مبادئ عامة مع نظيره الموزمبيقي، تحت مسمى "الخطة الارشادية متعددة السنوات"، والتي تمتد خلال الفترة بين عامي 2022 وحتى 2026، وتستهدف تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، مع التركيز على التعاون في مجالات الطاقة والزراعة والصناعة وكذا الأبعاد الثقافية، فضلاً عن دعم روما لموزمبيق في مساعيها التنموية.

2- البناء على توافقات سابقة: زار وزير الخارجية الإيطالي، لويجي دي مايو، موزمبيق في مارس الماضي، برفقة الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية، كلاوديو ديسكالزي. وأكد خلالها دي مايو استعداد بلاده لاستغلال الغاز المسال في حوض "روفوما"، وذلك عبر محطة "كورال ساول" العائمة التي تعد الأكبر في أفريقيا، وتبلغ قدراتها الإنتاجية حوالي 3.4 مليون طن سنوياً، من خلال شركة إيني الإيطالية، وذلك بالتعاون مع شركتي "إكسون موبيل" الأمريكية و"النفط الوطنية" الصينية.

وكان دي مايو قد التقى الرئيس الموزمبيقي، حيث اتفق الطرفان على تطوير التعاون والشراكة في قطاع الطاقة المتجددة، مع اتجاه العديد من رجال الأعمال الإيطاليين لتوسيع نطاق استثماراتهم في موزمبيق.

3- مسارات إيطالية موازية: أجرت روما خلال الأسابيع الأخيرة مباحثات مكثفة مع عدد من الدول الأفريقية في إطار مساعيها لتنويع مصادر الطاقة، حيث كان رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، قد قام في أبريل الماضي بزيارة الجزائر، أعقبها زيارة للرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، إلى روما في مايو الماضي، تضمنت توقيع عدد من اتفاقيات التعاون المشتركة في مجالات مختلفة، خاصة فيما يتعلق بزيادة حجم امدادات الغاز الجزائري لروما.

وقام وزيرا الخارجية، لويجي دي مايو، والتحول البيئي، روبوتو سينجولاني، بزيارة الكونغو برازافيل وأنجولا في أبريل الماضي، حيث تم توقيع عدد من الاتفاقيات المشتركة الخاصة بزيادة إمدادات الغاز. كما زار دي مايو قطر، في مارس 2022، في إطار الهدف السابق نفسه.

بلورة مصالح مشتركة:

عكست زيارة الرئيس الإيطالي إلى موزمبيق مساعي روما لتأسيس علاقات تحقق مكاسب مشتركة للطرفين، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:

1- تعزيز دور موزمبيق في سوق الطاقة: تعد احتياطيات الغاز في موزمبيق من بين الأكبر في العالم، بيد أن الاستثمارات الأجنبية تراجعت بسبب التهديد الإرهابي في شمال البلاد. ففي عام 2010، تم الإعلان عن اكتشاف أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في أفريقيا جنوب الصحراء، وثالث أكبر احتياطي من الغاز في أفريقيا، لاسيما في ظل الكميات الهائلة من الفحم التي تمتلكها مابوتو، بيد أن غالبية مشروعات الغاز لا تزال معلقة حتى الآن.

2- تعاون في مكافحة الإرهاب: تأتي زيارة الرئيس الإيطالي إلى موزمبيق في ظل حاجتها الملحة لمساعدة روما في مكافحة الإرهاب، لاسيما أن إيطاليا كانت قد لعبت دوراً محورياً في إبرام اتفاقية السلام التاريخية في موزمبيق، الموقعة في عام 1992 بالعاصمة الإيطالية، بين الرئيس الموزمبيقي الأسبق، يواكيم تشيسانو، والزعيم السابق لحركة "رينامو" الموزمبيقية، أفونسو دلاكاما، والتي تمثل حركة المقاومة الوطنية في موزمبيق.

وتعاني شمال موزمبيق تكرار العمليات الإرهابية، بسبب متمردو "جماعة أهل السنة والجماعة"، والتي أصبحت لاحقاً داعش، والتي وهددت الاستقرار في مقاطعة "كابو ديلجادو" بشمال موزمبيق منذ عام 2017، حيث أفرز هذا العنف، حتى الآن، نحو 4000 قتيل، ونزوح أكثر من 800 ألف شخص.

وعانت مقاطعة "كابو ديلجادو" بشمال موزمبيق من عقود من الإهمال الحكومي تسبب في تدهور حاد في الخدمات وانتشار الفقر، الأمر الذي أفرز حالة من السخط، خاصةً بين عرقيتي مواني وماكوا، واللتين القيتا باللوم على النخبة الحاكمة من عرقية ماكوندي. ومع اكتشافات الياقوت في 2009 والغاز في 2010، بدأت الحكومة تتبنى سياسات لتهجير المواطنين، مما فاقم حدة السخط الداخلي ودفع العديد من الشباب للانضمام لجماعة أهل السنة والجماعة.

وفي مارس 2021، سيطرت عناصر تنظيم داعش على مدينة بالما بشمال موزمبيق، بعد أشهر من سيطرتهم على مدينة موسيمبوا دا برايا في نهاية 2020، وهو ما دفع شركة توتال الفرنسية إلى تعليق مشروع الغاز في هذه المنطقة، والذي كانت تبلغ قيمته حوالي 16.5 مليار يورو.

ونجحت القوات الموزمبيقية في استعادة السيطرة على الكثير من المناطق التي كانت خاضعة لداعش، عبر التعاون مع شركة فاجنر الروسية، وشركاء موزمبيق الإقليميين، حيث تم نشر نحو 3100 جندي من القوات الرواندية، وكذا "البعثة العسكرية الجماعية الإنمائية للجنوب الأفريقي"، والتي تتلقى تدريبات عسكرية من بعثة الاتحاد الأوروبي، والتي تشارك إيطاليا بقوات فيها.

3- تنافس دولي وإقليمي في موزمبيق: أصبحت موزمبيق، المستعمرة البرتغالية السابقة، تمثل بؤرة تنافس إقليمي ودولي، في ظل الثروات الهائلة التي تحظى بها، لاسيما في إطار أزمة الطاقة العالمية. 

وبدأ هذا التنافس منذ سنوات، خاصة من قبل فرنسا التي لطالما اعتبرت صاحبة النفوذ الأكبر في شمال موزمبيق. ومع بداية توسع الإرهاب في شمال البلاد، لجأت الحكومة الموزمبيقية إلى توقيع اتفاق مع مجموعة "فاجنر" الروسية لوقف تقدم الجماعات الإرهابية.

وخلال السنوات الأخيرة، بدأت تركيا في التغلغل في موزمبيق عبر بوابة مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى الاعتماد على أدوات المساعدات الإنسانية، قبل أن تشرع أنقرة في إطلاق منتدى الأعمال التركي – الموزمبيقي في 2017 الذي انبثقت عنه عدة اتفاقيات تعاون اقتصادي، مهدت الطريق نحو زيادة حجم التبادل التجاري بينهما.

كما زار مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية باللجنة المركزية في الحزب الشيوعي الصيني، يانج جيه تشي، مابوتو مطلع يوليو الجاري، ناهيك عن وجود تحركات إسرائيلية راهنة لفتح سفارة لها في مابوتو للمرة الأولى. وقامت وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، بزيارة في يونيو إلى موزمبيق، وأعلنت تقديم مساعدات إنسانية لموزمبيق بحوالي 28.3 مليون يورو عبر برنامج الغذاء العالمي.

ويبقى ملف الطاقة هو محور التنافس الرئيسي في موزمبيق، وهو ما ينعكس في تصارع الشركات الدولية للفوز بحقوق التنقيب في 16 مربعاً برياً وبحرياً للتنقيب عن الهيدروكربونات طرحتها الحكومة الموزمبيقية مؤخراً، منها شركتان روسيتان، بالإضافة إلى شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وأكسون موبيل الأمريكية، فضلاً عن شركة "أو إن جي سي فيديش" الهندية، وكذا ثلاث شركات صينية، هي بتروتشاينا وسينوبك والشركة الوطنية الصينية للنفط، إلى جانب عدد من الشركات الإقليمية، لعل أبرزها شركة قطر انرجي، وساسول الجنوب أفريقية.

أهداف روما في موزمبيق:

يبدو أن الرئيس الإيطالي يسعى من خلال زيارته إلى موزمبيق لتحقيق هدفين رئيسيين، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- وقف الاعتماد على الغاز الروسي: تعتمد إيطاليا على الاستيراد في سد نحو 90% من احتياجاتها من الغاز، وتمثل روسيا حوالي 45% من اجمالي الامدادات الخارجية من الغاز لروما. وعلى خلفية الحرب الأوكرانية، سعت روما لتقليص هذه النسبة لنحو 20% خلال الشهرين الأخيرين. كما تحتاج لنحو ثلاث سنوات، على الأقل، للتخلص من اعتمادها على الغاز الروسي بشكل كامل، وفقاً للتقديرات الحكومية. 

وتخطط روما لزيادة حجم الإيرادات من الغاز المسال من قبل موزمبيق وقطر والكونغو وأنجولا، فضلاً عن التوجه لزيادة توليد الكهرباء من خلال المحطات العاملة بالفحم، والعمل على زيادة حجم إيراداتها من الكهرباء من شمال أوروبا. لذا يساعد انفتاح إيطاليا على موزمبيق في تحقيق استراتيجية روما الحالية لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي، ولذا يرجح أن تزيد روما من انخراطها واستثماراتها في مابوتو خلال الفترة المقبلة.

2- تمويل إيطالي للتنمية بشمال موزمبيق: عكست تصريحات الرئيس الموزمبيقي خلال زيارة نظيره الإيطالي إلى أن روما تتجه لتمويل برنامج "الصمود والتنمية المتكاملة في المنطقة الشمالية"، والذي يستهدف معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المأزومة في شمال موزمبيق، والتي كانت سبباً في انتشار التطرف، وذلك من خلال دعم البرنامج السابق للحد من الفقر، فضلاً عن إعادة تأهيل البنى التحتية، وزيادة القدرة العسكرية للقوات الموزمبيقية وشركائها من الدول المجاورة.

ومثلت العقبة الرئيسة أمام تنفيذ البرنامج السابق في الافتقار للتمويل، ويبدو أن روما ستدعم هذا البرنامج مقابل زيادة حجم امدادات الغاز الموزمبيقي لها، والحصول على امتيازات لشركة ايني الإيطالية للتنقيب والاستثمار في مجال الطاقة.

وفي الختام، تأتي زيارة الرئيس الإيطالي إلى موزمبيق في إطار تصاعد وتيرة التنافس الدولي والإقليمي في مابوتو، بالتزامن مع أزمة الطاقة الحالية، والتي جعلت الأنظار موجهة أكثر نحو احتياطات الغاز في موزمبيق، كما لا يمكن إغفال الموقع الاستراتيجي للأخيرة، لاسيما بالنسبة للتنافس الصيني – الأمريكي في منطقة المحيطين الهندي والهادي، الأمر الذي يرجح أن يزيد من حدة التنافس الدولي هناك.