أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الهبة الديموغرافية:

الاتجاهات الجديدة في دراسات السكان والهجرة

31 يناير، 2015

الهبة الديموغرافية:

نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة حلقة نقاشية، يوم 22 يناير 2015، تحت عنوان "الاتجاهات الجديدة في دراسات السكان في العالم العربي"، وذلك لإلقاء الضوء على التطورات الديموغرافية في المنطقة العربية، وكيفية التعامل مع انخفاض وارتفاع معدلات الخصوبة بصورة ملحوظة في بعض الدول العربية، التي باتت تشكل محوراً أساسياً في تفكير صانعي القرار.


قدم ورقة العمل، وكان متحدثاً رئيسياً في هذه الحلقة، الدكتور أيمن زهري، الباحث المتخصص في الدراسات السكانية ودراسات الهجرة، وعقب على ورقة العمل كل من الأستاذة رضوى رضوان، منسق برنامج تحليل التوجهات الاقتصادية، والأستاذة هالة الحفناوي منسق برنامج تقييم التفاعلات المجتمعية، في مركز المستقبل.

تناول الدكتور زهري في ورقته أهمية موضوع السكان كمدخل تفسيري لفهم قضايا الاقتصاد والاجتماع والسياسة والتركيب العمري والنوعي للشعوب، بالإضافة إلى قضايا المرأة والطفل، مشيراً في هذا الإطار إلى الحالة الأوروبية، والتي تلقب بـ "القارة العجوز" نظراً لانخفاض معدل الخضوبة الإحلالي (طفلين لكل زوجين)؛ إذ أصبح معدل الخصوبة هو طفل واحد فقط، ما ينذر بانخفاض حجم السكان في المستقبل وارتفاع تكلفة المعاشات، خصوصاً مع تقدير البعض بأن تغطية تكلفة المعاش لشخص مسن واحد تحتاج إلى عمل 3 أو 4 أفراد من الشباب، وأن ثمة تداعيات اقتصادية كبيرة تواجه دول أوروبا مع ارتفاع أعداد كبار السن.

الاتجاهات النظرية الحديثة

أشار زهري إلى أن الجديد في دراسات السكان يتمثل في التخلي عن النظرة التشاؤمية التي ارتبطت بنظرية توماس مالتس، والتي كانت ترى أن عدد السكان يزيد بصورة أكبر بكثير من الموارد المتاحة، وأن هذا سيفتح الباب أمام حدوث صراعات وحروب ومجاعات وانتشار للأمراض. ولتجنب هذه النتيجة، كان لابد من تطبيق برامج لتنظيم الأسرة، كما حدث في غالبية دول العالم.

أما الاتجاهات الحديثة، فتتبنى نظرة إيجابية للنمو السكاني، وتسعى لاستغلال الهيكل العمري للسكان، إذ ترى أن الكثافة السكانية يمكن أن تدعم عملية التنمية بشرط البحث عن طرق متنوعة للاستفادة منها.

نهاية زمن الانفجار السكاني

رأى زهري أن ثمة تراجعاً في معدلات النمو السكاني على مستوى العالم، نظراً لتراجع الخصوبة، مؤكداً أن مستويات الخصوبة لن تعود لسابق عهدها، أي أننا لن نشهد ما أسماه بـ "الانفجار السكاني"، الذي شهده العالم في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.

وعقبت هالة الحفناوي على هذه الملاحظة بالقول: "إن المنطقة العربية لا تعد استثناء في هذا الإطار، بل إن بعض الدول العربية، مثل تونس ولبنان تدنى بها معدل الخصوبة لأقل من معدل الخصوبة الإحلالي، وهو ما ترتب عليه غلق مدارس بالكامل بهما، أو عملها بسعة أقل من طاقتها، لانخفاض عدد الأطفال الملتحقين.

الهبة الديموغرافية وعدم الاستغلال الأمثل

لفت الدكتور أيمن زهري النظر إلى مصطلحين أساسيين ومهمين لدى دراسات السكان في المنطقة العربية، وهما "الهبة الديموغرافية"، والبروز الشبابي". فالأول يشير إلى أن الفئة الأكبر من المجتمع يكونون في عمر الفئة المنتجة (15 – 65 سنة)، إذ يعتبر هذا المحدد عاملاً مساعداً للتنمية، وقامت تجارب النمور الآسيوية في جانب منها على ذلك المحدد، مع الاعتماد على التعليم المهني أو التقني لتحقيق التنمية المستهدفة.

وأشار زهري إلى أن الدول العربية دخلت هذه المرحلة بالفعل، ولكنها لم تستغل تلك الهبة الديموغرافية بشكل أمثل حتى الآن من أجل تحقيق النمو الاقتصادي المرجو، مرجعاً ذلك إلى عدم الاهتمام الكافي بالتعليم المهني، وبالتالي لم تتمكن معظم الدول العربية من الاستفادة بكثافة الشباب السكانية، لينقلب الأمر إلى الضد، حيث انتشار البطالة، وما يترتب عليها من مشكلات اجتماعية وسياسية واقتصادية.

أما المصطلح الثاني وهو "البروز الشبابي"، فيشير إلى ظاهرة واقعية تتمثل في أن الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة هم الفئة الغالبة من سكان المنطقة العربية، فهم باتوا يشكلون أحد أبرز الملامح الأساسية في دراسات السكان بالمنطقة.

ورأى زهري أن هذا يطرح تحدياً جوهرياً لأن هؤلاء الشباب (يقدر بأن معظم الدول العربية تزيد نسبة هذه الفئة العمرية أكثر من 50% وتتجاوز ثلثي عدد السكان في بعض الدول) يمثلون كتلة حرجة، فإذا لم يتم توظيفهم في مشروعات التنمية، فإنهم سيتحولون إلى العنف وإثارة القلاقل. وأشار زهري في هذا السياق إلى أن أحد أسباب المجازر والتطهير العرقي الذي حدث في رواندا كان بسبب هذا البروز الشبابي، كما أن ظاهرة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة منذ "الثورات" العربية ترتبط بهذه الفئة العمرية، خاصة أن معدلات البطالة في معظم بعض الدول العربية وصلت إلى 30%، خاصة في مصر والجزائر.

وأضاف زهري لذلك، أن نسبة كبار السن في المجتمع العربي منخفضة للغاية، إذ لا تزيد في اليمن على 2%، وفي مصر تقدر بحوالي 5.5%، في حين تصل في العراق إلى 3.5%.

ولدى تعقيبها على ورقة العمل، أشارت رضوى رضوان إلى أن بعض المجتمعات مثل مصر والسودان والجزائر لاتزال تشهد ارتفاعاً في المواليد لدى الطبقات الفقيرة من المجتمع، على أساس أن الأطفال يمثلون مصدراً للدخل أكثر من كونهم يشكلون عبئاً اقتصادياً، لأنهم يعملون منذ صغرهم لمساعدة أسرهم. غير أنه أكد أن هناك انخفاضاً في معدل المواليد حتى بالنسبة للطبقات الفقيرة في مصر، وأنه لم تعد هناك فرص عمل أمام الأطفال خصوصاً في المناطق الريفية، فضلاً عن التفكك الأسري، وميل الأطفال الذين يعملون للإنفاق على أنفسهم بدلاً من أسرهم.

اتجاهات الهجرة الراهنة

أوضح زهري أن عدد المهاجرين في العالم يقدر بحوالي 240 مليون مهاجر، أي أقل من 4% من سكان العالم، ومع ذلك، ينظر لهؤلاء كمشكلة نظراً لتركزهم في مناطق محددة، مشيراً إلى أن 40% من إجمالي المهاجرين يهاجرون من الجنوب إلى الجنوب مثلما يعرف في شبة القارة الهندية، والتحرك البشري القوي في القارة الأفريقية، وأن 55% يهاجرون من الجنوب إلى الشمال، في حين أن 5% فقط يهاجرون من الشمال إلى الشمال.

ولفت زهري النظر إلى أن أحد أسباب الهجرة غير القانونية من شمال أفريقيا إلى جنوب أوروبا، وتحديداً إلى إسبانيا وإيطاليا واليونان، ترجع إلى أن الاقتصادات غير الرسمية تمثل حوالي 40% من اقتصادات دول جنوب أوروبا، وهذا ما يفسر لماذا لا يتوجه هؤلاء المهاجرون إلى دول الشمال الأوروبي التي تختفي فيها ظاهرة الاقتصاد غير الرسمي.

وفيما يتعلق بالهجرة إلى دول الخليج العربية، أشار زهري إلى أن الهجرة العربية قد تراجعت بصورة كبيرة، فقد انخفضت من 75% في سبعينيات القرن الماضي لتصل إلى أقل من 25% حالياً، وهو ما أرجعه إلى تغير أنماط الأنشطة الاقتصادية والتوجه نحو القطاع الخاص، بحيث لم تعد حكومات دول الخليج هي من يسيطر فقط على حركة السوق، وبالتالي بدأت تنخفض موجة العمال القادمين من الدول العربية، لأن القطاع الخاص واقتصاد السوق يسعيان للربح والعمالة الأرخص والأكفأ، ومن هنا ازدادت أعداد العمال الوافدين من دول جنوب وشرق آسيا، خاصة في الأعمال التي لا تستلزم كفاءات مرتفعة، بينما تستقطب دول الخليج الآن الأكثر كفاءة ومهارة من الدول العربية.