أخبار المركز
  • مركز المستقبل يطلق برنامج جديد لدراسات الذكاء الاصطناعي
  • أحمد عليبه يكتب: (فرص وقيود: هل يمكن العودة إلى ضبط التسلح النووي بين القوى الكبرى؟)
  • آية يحيى تكتب: (منصات هجينة: فرص ومخاطر دمج مؤثري التواصل الاجتماعي في الإعلام التقليدي)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (الإبداع أم الكفاءة.. هل تفقد الكتابة جوهرها في عصر الذكاء الاصطناعي؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (تحول تاريخي: المبادئ العشرة لـ"الترامبية الجديدة" في السياسة العالمية)

منافسات تكنولوجية:

هل تشكل المفاعلات النووية الصغيرة حلاً مستداماً لأمن الطاقة؟

13 فبراير، 2025


يشهد العالم العديد من التوترات الجيوسياسية، منها الطلب المتزايد على الطاقة نتيجة اعتماد شركات التكنولوجيا على مراكز بيانات ضخمة تستهلك كميات هائلة من الكهرباء، وانتشار السيارات الكهربائية، والعملات المشفرة، واتساع نطاق الذكاء الاصطناعي وغيرها. وفي ظل سعي الدول لتحقيق أمن الطاقة مع الحفاظ على البيئة من التغيرات المناخية وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، اتجهت العديد من الشركات للاستثمار في المفاعلات النووية الصغيرة مثل شركات مايكروسوفت وأمازون وآبل وألفابت (المالكة لجوجل) وميتا وغيرها.

تكنولوجيا واعدة:

تستثمر الشركات التكنولوجية بالفعل في الطاقة المتجددة وغير المتجددة، ولكن مع انتشار مراكز البيانات وارتفاع استهلاكها من الطاقة وما واكبه من ارتفاع انبعاثات الكربون -على سبيل المثال ارتفعت الانبعاثات الكربونية الناتجة عن شركة جوجل بنسبة 48% خلال خمس سنوات بسبب الذكاء الاصطناعي-، وتوقع استمرار ارتفاع استهلاك الطاقة؛ فمن المرجح ارتفاع الطلب العالمي على الكهرباء بنسبة (25 إلى 30%) حتى عام 2030، كذلك من المتوقع أن تستهلك مراكز البيانات العالمية ما يقرب من 857 تيراواط/ساعة سنوياً عام 2028؛ أي ما يقرب من ضعف الكمية المستخدمة في عام 2023؛ وهو ما دفع شركات التكنولوجيا للاستثمار في المفاعلات النووية الصغيرة.

تُعد المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs) مفاعلات متقدمة بقدرة تصل إلى نحو 300 ميجاوات لكل وحدة؛ أي نحو ثلث الطاقة التي تنتجها المفاعلات النووية التقليدية وفقاً لبيانات وكالة الطاقة الدولية. وتُعد محطة أكاديميك لومونوسوف الروسية أول محطة نووية عائمة في العالم وقد بدأت التشغيل التجاري في عام 2020، وتتكون من مفاعلين نوويين صغيرين سعة كل منهما 35 ميجاوات. وجارٍ بناء عدد آخر من المفاعلات النووية الصغيرة في الأرجنتين، وروسيا، والصين، وكندا، وكوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية.

وتبرز أهمية المفاعلات النووية الصغيرة  (SMRs)في توفير طاقة نظيفة منخفضة الكربون؛ أي طاقة مستدامة، وتتمثل أبرز خصائص المفاعلات النووية الصغيرة في صغر حجمها (يسهل نقلها عبر الشاحنات، أو عربات السكك الحديدية، أو السفن، أو الطائرات)، وأنها أقل تكلفة، وأكثر أماناً، وأكثر قدرة على توليد الطاقة بكفاءة ومرونة لتلبية الطلبات المتقلبة، وأكثر سهوله في التوطين لإمكانية دخولها التدريجي والسريع للمحطات الحالية.

بالإضافة لذلك يتسم تصميمها بأنه أقل تعقيداً؛ وهو ما يجعل عملية بنائها أسرع، كما أنها تحتاج إلى إعادة التزويد بالوقود بوتيرة أقل، تتراوح بين مرة كلَّ 3 إلى 7 سنوات، مقارنة بمرة كل سنة أو سنتين في المحطات التقليدية، بل إنَّ بعضها مصمم للعمل لفترة تصل إلى 30 عاماً من دون إعادة التزود بالوقود، كما أنها لا تتطلب استثمارات كبيرة، فهي ذات جدوى اقتصادية؛ إذ قد لا تزيد التكلفة التقديرية الإجمالية لحيازة المفاعل وتشغيله عن 100 مليون دولار، في حين أن تكلفة المفاعلات النووية التقليدية تتجاوز مليارات الدولارات.


ومن ثم يمكن القول إن المفاعلات النووية الصغيرة مصدر مناسب لإنتاج الكهرباء، وتوجد العديد من التطبيقات والاستخدامات لها على سبيل المثال لا الحصر، في تحلية المياه، والصناعات الثقيلة (كالحديد والصلب)، وإنتاج الهيدروجين، وتوفير الطاقة للمنشآت العسكرية وغيرها؛ ولذلك يتم تطوير أكثر من 70 تصميماً تجارياً للمفاعلات الصغيرة حول العالم.

التنافس الدولي:

إن الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في ضمان حصول الجميع على الطاقة بتكلفة ميسورة، هو أحد الأهداف المهمة التي تسعى إليها جميع دول العالم، ولكن توجد العديد من التحديات تعرقل وصول الطاقة إلى جميع المناطق خاصة المناطق النائية والريفية؛ ومن ثم بدأت الدول والشركات في البحث عن حلول نظيفة ومبتكرة من خلال زيادة استخدام المفاعلات النووية الصغيرة مع مصادر الطاقة المتجددة، حيث تتيح المفاعلات النووية الصغيرة ومحطات القوى النووية سمات فريدة من نوعها من حيث الكفاءة، والاقتصاديات، والمرونة.

كما توفر المفاعلات النووية مصادر طاقة يمكن التحكم في مخرجاتها بخلاف مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة حيث تعتمد على الطقس والوقت. ويمكن إقران المفاعلات النووية مع مصادر الطاقة المتجددة لزيادة كفاءتها في نظام الطاقة الهجين. وبذلك يمكن القول إن خصائص المفاعلات النووية الصغيرة تمكّن من الاضطلاع بدور رئيسي في الانتقال إلى الطاقة النظيفة، وتحقيق التقدم في أهداف التنمية المستدامة.

إن أبرز الدول الرائدة في مجال المفاعلات النووية الصغيرة هي الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين والمملكة المتحدة، وأوروبا التي أسست "التحالف النووي الأوروبي" لدعم بناء المفاعلات الصغيرة.

وقد كانت شركة (Nuscale Power) في الولايات المتحدة الأمريكية، أول شركة تحصل على موافقة تصميم لمفاعل نووي صغير من هيئة التنظيم النووي الأمريكية. بالإضافة إلى شركة تيراباور (Terrapower) في وايومنغ، وشركة كايروس باور (Kairos Power) في تينيسي، وشركة إكس إينرجي (X-energy) في تكساس، وجميعها تعمل على تطوير المفاعلات النووية الصغيرة.

وفي روسيا، تُعد شركة روساتوم (Rosatom) واحدة من الشركات الرائدة في سوق المفاعلات الصغيرة والمتوسطة العالمية، والتي تمتلك مفاعل (RITM) الروسي الصنع. وكذلك تعمل فرنسا على تطوير (SMRs) ضمن مشروع (Nuward) لتقديم حلول طاقة نووية متقدمة لأوروبا. 

وتتنافس شركات التكنولوجيا على الاستثمار في هذا المجال، حيث ضخت شركة أمازون في عام 2024 حوالي 380 مليون جنيه إسترليني في مفاعل (Xe-100) التابع لشركة (X-energy) (بإجمالي قدرة تصل إلى 5 جيجاوات بحلول عام 2039). كما قامت شركة جوجل بشراء نحو 6 إلى 7 من وحدات (SMR)، بإجمالي قدرة تبلغ نحو 500 ميجاوات.

تأثيرات محتملة:

1- تأثيرات إيجابية: من المتوقع أن تُسهم المفاعلات النووية الصغيرة بالعديد من الدول وخاصة الدول الأوروبية في تحقيق أمن الطاقة بعدما عانت بسبب حرب روسيا وأوكرانيا، كما أنه من المتوقع تعزيز التعاون الأوروبي الخليجي في إنتاج الهيدروجين النووي، ونقل الخبرة النووية الأوروبية للخليج. وإتاحة الفرص للاستثمار الخليجي في المشروعات النووية الأوروبية (خاصة صناديق الثروة السيادية الخليجية التي تسعى إلى تنويع استثماراتها بعيداً عن النفط لتحقيق عوائد مستقرة وطويلة الأجل).

كذلك يرجح بذل المزيد من الجهود الأوروبية للتوسع في المفاعلات النووية الصغيرة، خاصة بعدما أدرجت المفوضية الأوروبية "التحالف الصناعي الأوروبي الجديد للمفاعلات المعيارية الصغيرة" ضمن إطار رسمي للعمل في فبراير عام 2024، وبذلك نجحت في إدراج الطاقة النووية ضمن توجيهات الطاقة المتجددة بالاتحاد الأوروبي، وتصنيف الهيدروجين النووي ضمن الطاقات النظيفة.

2- تأثيرات سلبية: توجد بعض التحديات المتعلقة بالمفاعلات النووية الصغيرة كالتحديات الأمنية والمخاطر مثل التهديدات السيبرانية والمادية، وكذلك تحديات أخرى اقتصادية، وتنظيمية، واجتماعية كارتفاع التكاليف الأولية للتصميم والتطوير، والقيود التنظيمية والبيروقراطية خاصة في نقل التكنولوجيا النووية بين الدول، ومقاومة المجتمعات المحلية بسبب المخاوف من الحوادث النووية أو النفايات، ومدى توفر الخبرات البشرية المتخصصة.

وقد تتأثر الدول المنتجة للنفط نتيجة انخفاض الاعتماد على النفط والتوجه لزيادة الاعتماد على الطاقة النووية.

المسارات المستقبلية:

سوف يشهد العالم زيادة الطلب على المفاعلات النووية الصغيرة؛ ومن ثم بداية عصر جديد بمعالم مختلفة أبرزها ارتفاع استهلاك الطاقة من قبل مراكز البيانات التي تُعد البنية التحتية الأساسية للاقتصاد الرقمي المعتمد على الذكاء الاصطناعي. حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع استهلاك الكهرباء في الشركات التكنولوجية ومراكز البيانات (البالغ عددها 11 ألف مركز في جميع أنحاء العالم) ليفوق استهلاك بعض الدول.


فمن المرجح استمرار خُطى الشركات التكنولوجية في التوسع في المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs) اللازمة للفوز في سباق الذكاء الاصطناعي، وأيضاً تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وسوف يصاحب ذلك تيسير اللوائح التنظيمية لتبسيط تراخيص بناء وتشغيل المفاعلات النووية الصغيرة؛ ومن ثم يمكن تأكيد أن الطاقة النووية سوف تكون فاعلاً أساسياً في مجال الطاقة على المدى المتوسط والبعيد في ظل اتساع تعاون الشركات في القطاعين التقني والنووي لدفع الابتكار في مجال المفاعلات النووية الصغيرة.


وفي الختام يمكن القول إن التنافس بين شركات التكنولوجيا في قطاع المفاعلات النووية الصغيرة يعكس تحولاً استراتيجياً نحو مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة. ومع تزايد الطلب على الكهرباء، من المتوقع أن تصبح المفاعلات النووية الصغيرة (SMRs) عنصراً أساسياً في البنية التحتية للطاقة المستقبلية؛ وهو ما يعزز أمن الطاقة العالمي ويقلل الانبعاثات الكربونية، حيث تمثل المفاعلات النووية الصغيرة مستقبلاً واعداً للطاقة النظيفة والمستدامة. ومع ذلك نؤكد أن تحقيق إمكانات المفاعلات النووية الصغيرة يتطلب إدارة المخاطر والتحديات المرتبطة بها؛ أي وضع تقنيات أمان أكثر تطوراً، ووضع سياسات صارمة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التكنولوجيا؛ ومن ثم يمكن التأكيد أن هذا الاتجاه من التنافس يُحقق المزيد من التقدم في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وأهداف التنمية المستدامة.