أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مجالات سبعة:

الدور المحتمل لألمانيا في النظام العالمي

10 سبتمبر، 2015


إعداد: محمد أحمد عبدالنبي


أصبحت مواجهة المشكلات العالمية بطريقة منفردة أمراً صعباً، فلم يعد في مقدور الدول الكبرى وحدها، خاصة الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية، تحديد مصير النظام العالمي بطريقة منفردة، وإنما أصبح عليها الاشتراك مع الآخرين من أجل التصدي للقضايا العاجلة، سواءً المتعلقة بالبيئة مثل التغيير المناخي والأمن الغذائي، أو القضايا الأمنية مثل مكافحة الإرهاب، أو حتى فيما يتعلق بالموضوعات الاقتصادية ووضع سياسات مالية ونقدية موحدة تسعى إلى حل الأزمة المالية العالمية.

في ضوء ما سبق، نشرت مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية تقريراً تحت عنوان: "الدور المحتمل للسياسة الألمانية في النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين"، والذي أعده "كريستيان وولف"، الرئيس الألماني السابق خلال الفترة من عام 2010 وحتى عام 2012، حيث حدد فيه ملامح السياسة الألمانية نحو النظام العالمي في الفترة المقبلة.

وأكد الرئيس الألماني السابق أن بلاده أصبحت الآن دولة قوية يعرف الجميع مكانتها، مشيراً إلى أهمية استعادة ألمانيا لروح سياسات المصالحة التي اتبعتها أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وعدم تكرار أخطاء الماضي مرة أخرى، وتقديم نموذج مشرف فيما يتعلق بمسألة التعايش بين الأديان المختلفة، وهو ما حرص عليه الدستور الألماني الحالي.

واعتبر "وولف" أن ثمة أموراً بسيطة ساهمت في تحقيق النجاح الألماني، من أهمها الاهتمام بالشأن الصناعي، والإصرار على تدريب المواطنين على الوظائف العليا الصناعية دون التركيز على الجوانب الأكاديمية.

ويعد "ألين مينك" الكاتب الفرنسي الشهير ومستشار الرئيس الفرنسي السابق "نيكولا ساركوزي"، من أبرز الكتَّاب المهتمين بألمانيا، وذلك بعد أن قام بتأليف كتاب تحت عنوان: "تعيش ألمانيا"، وصفها فيه بأنها الدولة الأكثر ديمقراطية في أوروبا، منتقداً سعيها لكي تصبح دولة غير فاعلة دولياً أو كما وصفها بـ"سويسرا الكبرى"، وهو ما ذهب إليه كذلك الصحفي البريطاني "روجر كوهين" عندما أكد على أهمية زيادة القدرات العسكرية الألمانية، وتحملها مسؤولية القيادة في الأزمة الروسية، واستعادة العلاقات مع دول عبر الأطلسي.

من جانبه، رفض الرئيس الألماني السابق هذه النداءات، معتبراً أن الزمن قد تغير، وأصبح يتعين على ألمانيا أن تبتعد عن دوائر العنف، وأن تلجأ إلى التفاوض والشراكة مع الأطراف الأوروبية، وأن يصبح التدخل العسكري الحل الأخير لديها، مشيراً في هذا الصدد إلى رفض مجلس العموم البريطاني التدخل العسكري في سوريا، فضلاً عن تقليص الولايات المتحدة لعملياتها العسكرية بصفة عامة.

وأشار "وولف" إلى العديد من القضايا التي لم تعد شأناً داخلياً، وإنما أصبح التكاتف والاشتراك بين الدول هو الحل الأمثل لمواجهتها، ومن أبرز هذه القضايا ما يلي:ـ

1 ـ الأسواق المالية:

أوضح الرئيس الألماني السابق أن اقتصاد بلاده يتمتع بالقوة والوفرة رغم عدم انتهاء الأزمة المالية العالمية، وهو ما لا يرضي بعض الدول التي تسعى إلى الضغط على ألمانيا من أجل تخفيض معدلات الفائدة، وضخ مزيد من الأموال في السوق، الأمر الذي إن أقدمت عليه برلين فسوف يكون له عواقب سيئة في الأجل الطويل، وسيؤثر سلباً على مستقبل الأجيال القادمة.

وأشار "وولف" في الوقت نفسه إلى أهمية إيجاد هدف مشترك بين ألمانيا وباقي الدول، يرتبط بضرورة حل الأزمة المالية العالمية، حتى وإن اختلفت وسائل الوصول إلى هذا الهدف.

2 ـ التكامل الأوروبي:

وصف "وولف" التكامل والوحدة الأوروبية "بالمشروع العظيم"، خاصةً في ظل التنوع الذي تشهده القارة الأوروبية التي تتكون من (24 لغة مختلفة و11 عملة و28 دولة مستقلة)، وهو الأمر الذي يتطلب استغلال هذا التنوع، والتغلب على الصعوبات التي تعوق تحقيقه.

وذكر الرئيس الألماني السابق بعض الصعوبات التي تقف في وجه التكامل الأوروبي، ومن أهمها تبني شعار "الفرنسية تأتي أولاً" في فرنسا، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واقعياً رغم انضمامها إليه منذ عام 1973، وتفضيل المجر لسياستها المحلية على سياسات أوروبا.. إلخ. وعليه، فإنه ينبغي أن تكون الوحدة الأوروبية هي الأولوية، وأن تتغلب الدول الأوروبية على كافة العوائق الدينية واللغوية والثقافية التي تواجهها في سبيل ذلك.

وأشار "وولف" - في هذا السياق - إلى وجود عدد كبير من المسلمين في أوروبا بصفة عامة (يُقدر عددهم بنحو 14 مليون شخص)، كما أن ألمانيا على وجه الخصوص يتواجد على أراضيها عدد كبير من المسلمين والكاثوليك، وهو ما ترفضه بعض الجماعات الأخرى المتطرفة (معاداة السامية، ومعاداة العنصرية، ومعاداة الإسلام)، الأمر الذي يتطلب ضرورة إجراء حوار ونقاش مستمر بين الأطراف التي لديها استعداد لقبول الآخر.

وأكد "وولف" على أهمية عدم التراخي إزاء الجماعات المتطرفة وكذلك عدم التشدد إزائها، وهو ما يتحقق من خلال عدم تصعيد مشاكل الأقليات الدينية، والسعي إلى حلها بطريقة فاعلة داخل المجتمعات الأوروبية.

3 ـ أفريقيا:

أكد الرئيس الألماني السابق على أن القارة الأفريقية هي الأكثر ثراءً وتنوعاً بشرياً، مُحذراً من خطورة الصورة النمطية عن أفريقيا، وتصوريها بـأنها قارة المشاكل والأمراض والصراعات فقط، حيث يوجد بالقارة اقتصادات صاعدة وديمقراطيات آخذة في التطور، ومجتمعات مدنية تنمو، وأفراد يدافعون عن حقوق الإنسان والمرأة. كما أنها القارة الأكثر عدداً من حيث عدد الشباب؛ لأن نصف عدد سكانها من الشباب تحت 18 سنة.

وبناءً عليه، ينبغي أن يحدث تطور في نظرة المجتمعات الأوروبية لأفريقيا مثلما يحدث تطور في هذه القارة ذاتها، بحيث يصبح نظام التجارة العالمي أكثر عدالة، وأن يتم إعطاء الاقتصادات الأفريقية فرصاً أكثر للنمو والتطور، إضافة إلى أهمية الاستماع للأفارقة وبناء شراكات معهم تقوم على الثقة والاحترام.

4 ـ عدالة التنمية:

أوضح "وولف" أن تعداد سكان العالم سيصل خلال العقود القليلة القادمة إلى نحو 8 مليار نسمة، وأن نسبة من هؤلاء السكان، خاصةً في الدول المتقدمة، لا تشعر بالمعاناة، لذا فقد قامت الحكومة الألمانية ببناء تصور عن المستقبل يهدف لجعل المواطنين والشعوب هم أساس هذا التصور ومحور الاستفادة منه، وأطلقت عليه "عالم واحد – مسؤولية واحدة".

وأشار الرئيس الألماني السابق إلى ضرورة خلق نظام عالمي لا يجعل المستفيدين منه عالم المال والأسواق فقط، وإنما الأفراد أيضاً، وكذلك عمل تحول جذري في طرق التفكير، سواءً على المستوى المحلي أو الأوروبي أو العالمي، بالإضافة إلى ضرورة النقاش حول إتاحة وتطوير فرص التعليم للجميع، وزيادة الانتاجية، وإعطاء البشر آفاق حقيقية، وإلا سيصبح البديل هو مزيد من تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

5 ـ العلاقات عبر الأطلسي:

أكد "وولف" أن تدهور العلاقات بين الدول عبر الأطلسي،  يدفع نحو ضرورة تطوير العلاقات بين هذه الدول لكي يتفاعلوا سوياً، ويصبح لديهم تصور مشترك حول النظام العالمي وآلية التحرك الفعَّال نحوه.

وأشار "وولف" إلى أنه على الرغم من أهمية الحفاظ على العلاقات الألمانية - الأمريكية وتطويرها باستمرار، بيد أن فضيحة التجسس الأمريكية قد أثَّرت على العلاقات بين البدين، ولم يتم علاجها حتى الآن بشكل كبير، مؤكداً على ضرورة بناء نموذج جديد للعلاقات عبر الأطلسي، وسرعة تصديق ألمانيا على اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والولايات المتحدة.

وحذر الرئيس الألماني السابق من خطورة عدم توحد أوروبا على موقف موحد إزاء القضايا الدولية المختلفة، حيث سيؤدي ذلك إلى عدم سماع العالم لصوت أوروبا وعدم أخذ موقفها ودورها على محمل الجد، مستشهداً على ذلك بالعديد من القضايا حول العالم التي غابت كلمة أوروبا الموحدة إزائها (ملف حقوق الإنسان في الصين، والقضية الفلسطينية في الشرق الأوسط)، مُستثنياً العقوبات الروسية الأخيرة التي اتخذت أوروبا موقفاً موحداً نحوها.

6 ـ آسيا:

أوضح الرئيس الألماني السابق أن القارة الآسيوية من أكثر القارات تنوعاً على مستوى العالم، من حيث تعدد الأديان، وتباين هامش الحريات بها، ناهيك عن التناقضات الطبقية الموجودة داخل القارة، وهي الأمور التي يمكن أن تؤدي إلى حالات من عدم الاستقرار، واندلاع ثورات ومشاكل حدودية مستمرة.

وأشار "وولف" إلى أن المصلحة الأوروبية والألمانية تتمثل في السعي إلى إيجاد حل للصراعات الحدودية والتاريخية بين دول آسيا، ما سيؤدي إلى تقوية العلاقات الأوربية – الآسيوية.

7 ـ العالم العربي:

أكد "وولف" على أهمية اهتمام أوروبا وألمانيا بالتطرف الإسلامي الموجود لدى بعض مواطني الشرق الأوسط، مشيراً إلى ضرورة عقد حوارات دولية مكثفة مع الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي حول فكرة التعايش بين الطوائف والمجموعات الدينية المختلفة، وعلى ضرورة توحد كافة الأطراف لمحاربة الشبكات الدولية المتطرفة حتى وإن وصل الأمر إلى حد استخدام القوة العسكرية ضدها.

وأوضح "وولف" أن إلحاق إحدى الدول الضرر بأخرى يمكن أن يتم بوسائل متعددة، وهو ما يعني وجود حاجة مُلِحة لتأسيس "قوات دولية تتبع الأمم المتحدة" يمكنها الانتشار في أي دولة يُرتكب فيه إبادة جماعية أو أي انتهاكات جسيمة أخرى، وذلك بعد أن يصدر قرار جماعي من الجمعية العامة للأمم المتحدة يسمح بنشر هذه القوات دون استخدام حق الفيتو من الدول الكبرى.

وأشار إلى ضرورة إعطاء العالم العربي الفرصة الكاملة للتطور الديمقراطي، ومساعدته في التعلم من أخطائه ومن خبرات الدول التي مرت بمراحل طويلة لكي تصل للمستوى الديمقراطي الحالي مثل ألمانيا.

* عرض مُوجز لتقرير: "الدور المحتمل للسياسة الألمانية في النظام العالمي في القرن الحادي والعشرين"، والصادر في يوليو 2015 عن مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية، وهي مؤسسة سياسية غير ربحية تهتم بدعم الديمقراطية وسيادة القانون وتعزيز السلام.

المصدر:

Christian Wulff, The Potential Role of Germany in Globalised world of the 21st World, (Berlin, Konrad Adenaeur Stiftung, July 2015).