أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تصعيد متواصل:

استهداف إسرائيل منشأة صواريخ تابعة للحرس الثوري الإيراني

10 أكتوبر، 2021


نشرت شركة "إيميج سات إنترناشيونال" (ImageSat International)، وهي شركة استخبارات إسرائيلية خاصة، في 30 سبتمبر الماضي، صور أقمار صناعية، توضح تعرض منشأة لإنتاج الصواريخ خارج طهران، لأضرار لحقت بالموقع بعد انفجار وقع مطلع الأسبوع الماضي، وأسفر عن مقتل اثنين من العاملين بالموقع، فضلاً عن تدمير ربع المبنى بالكامل، بالإضافة إلى أضرار إضافية على السطح وعلى طول الهيكل الخارجي.

أبعاد العملية التخريبية:

تأتي عملية التخريب الأخيرة ضد إيران في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بينها وبين إسرائيل. وفي ضوء الحادث، يمكن الوقوف على بعض الملاحظات على النحو التالي:

1- إنكار إيراني: أشارت وسائل إعلام إيرانية، نقلاً عن إدارة العلاقات العامة للحرس الثوري الإيراني، في 26 سبتمبر الماضي، أنه قد اندلع حريق في أحد مراكز أبحاث الاكتفاء الذاتي، التابعة للحرس. وأفادت وكالة تسنيم التابعة للحرس الثوري الإيراني، إلى أن الحادث أسفر عن مقتل اثنين من العاملين بالمركز، نظراً لعدم التمكن من السيطرة على الحريق. 

ويتبع الموقع "منظمة الجهاد للبحث والاكتفاء الذاتي"، والتي يُشرف عليها الحرس الثوري، وتخضع لعقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية منذ عام 2017، بسبب عملها في الأبحاث الخاصة بتطوير الصواريخ الباليستية.

2- تلميح إسرائيلي بتنفيذ هجوم: نقلت وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها صحيفتا تايمز أوف إسرائيل وجيروزاليم بوست، صور الأقمار الصناعية التي كشفت عنها إيميج سات إنترناشيونال، بعد وقت قصير من انفجار المنشأة، والتي قارنت بين صور للمنشأة الإيرانية قبل وبعد الانفجار، وتظهر الضرر الذي لحق بأحد أجزاء المنشأة بالكامل. وأكد الإعلام الإسرائيلي أن المنشأة هي قاعدة صواريخ سرية تابعة للحرس الثوري الإيراني.

وأعلنت إسرائيل مسؤوليتها ضمناً عن الحادث، إذ أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 27 سبتمبر الماضي، أي بعد وقوع الحادث، أن إسرائيل ستتصرف بمفردها في مواجهة تهديدات إيران. 


دلالات الاستهداف الإسرائيلي:

يُشير هذا الحادث إلى عدد من الدلالات التي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- مواصلة إضعاف قدرات إيران النووية والصاروخية: يأتي هذا الحادث ضمن محاولات استهداف القدرات النووية والصاروخية لإيران، فقد شدد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في 5 أكتوبر الجاري، على أن تل أبيب ستواصل تدمير قدرات إيران العسكرية في كل الجبهات وفي كل وقت.

ويأتي هذا الحادث، كأول حادث من نوعه، بعد تولي الرئيس المحافظ، إبراهيم رئيسي، مقاليد السلطة في إيران، وهو ما يحمل رسائل بأن إسرائيل ماضية في نهجها باستهداف قدرات إيران النووية والصاروخية، ولا تعبأ لمحاولة رئيسي الظهور بمظهر الرئيس المتشدد الذي سيتبنى سياسات تصعيدية تختلف عن سابقه روحاني، وهو ما يمثل إحراجاً لرئيسي والحرس الثوري الإيراني من ورائه.

2- تأكيد الردع الإسرائيلي ضد التهديدات الإيرانية: يأتي هذا الحادث في إطار مسعى تل أبيب لتصفية الحسابات مع إيران، والرد على قيام إيران باستهداف ناقلة النفط الإسرائيلية ميرسر ستريت، قبالة سواحل عُمان، في أغسطس الماضي، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل شخصين، وقد توعدت فيه إسرائيل إيران بـ"رد قاسٍ". 

3- إخفاق طهران في التصدي للعمليات التخريبية: يوضح هذا الحادث استمرار ضعف قدرات إيران الأمنية والاستخباراتية في التصدي للعمليات التخريبية، وهو أمر تكرر من قبل في أحداث أخرى، تمثل أبرزها في استهداف منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز مرتين، إحداهما في يوليو 2020، والأخرى في أبريل 2021، فضلاً عن اغتيال العالم النووي، محسن فخري زاده، والملقب بأبو القنبلة النووية، في نوفمبر 2020، بالإضافة إلى تفجير مصنع أجهزة الطرد المركزي في كرج بطهران في يوليو الماضي.

كما أجرى رئيسي، إصلاحات عدة بأجهزة الأمن والاستخبارات منذ توليه السلطة، لمعالجة قصورها في التصدي لهذه العمليات، سواء بإسناد هذه الأجهزة لمسؤولين سابقين بالحرس الثوري الإيراني، مثل تولي إسماعيل خطيب وزارة الأمن والاستخبارات، وتولي أحمد وحيدي وزارة الداخلية، وكذلك بضخ دماء جديدة بتلك الأجهزة بعناصر تنتمي للتيار المتشدد في إيران. ومن الواضح أن هذه الإجراءات لم تحل دون وقوع مثل تلك الحوادث، وإمكانية تكرارها مستقبلاً.

4- إضعاف موقف إيران في المفاوضات النووية في فيينا: تدرك إسرائيل أن إيران تمارس نهجاً قائماً على التسويف والمماطلة إزاء عودتها إلى المفاوضات النووية في فيينا، لكسب مزيد من الوقت الذي قد يمكنها من تطوير قدراتها النووية والصاروخية، بما يعزز موقفها في تلك المفاوضات.

وقد كثفت الحكومة الإسرائيلية جهودها للتنسيق مع الإدارة الأمريكية، بما يضمن عدم وصول إيران للعتبة النووية، وبما لا يخالف إدارة واشنطن في المضي قدماً للاتفاق مع إيران، حيث أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت زيارة إلى واشنطن أغسطس الماضي، للتنسيق بشأن ذلك، كما تم الكشف عن لقاءات سرية جمعت بين مستشار الأمن القومي الأمريكي، ونظيره الإسرائيلي، لمناقشة تلك التهديدات.

ويبدو أنه تم الاتفاق بين الجانبين على أن تتولى إسرائيل تنفيذ عمليات تخريبية، بضوء أخضر أمريكي، تستهدف قدراتها النووية والصاروخية، للضغط على إيران، وإجبارها في النهاية على الجلوس للتفاوض.

5- استكمال محاولات تطويق إيران: يتزامن هذا الحادث مع محاولات إسرائيل تطويق إيران ومحاصرتها من الجوانب كافة، حيث قام وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، في 30 سبتمبر الماضي، بزيارة إلى البحرين، هدفت في الأساس لبحث مواجهة التهديدات الإيرانية في الخليج. 

كما تعتقد إيران أن هناك سياسة إسرائيلية نشطة تستهدف تطويقها من خلال إقامة قواعد لها في إقليم كردستان العراق تسمح للقيام بأنشطة استخباراتية ضدها، أو من خلال الوجود في أذربيجان، حيث لفت وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في مؤتمر صحفي مع نظيره الأرميني بطهران في 4 أكتوبر الجاري، أن طهران تعرب عن قلقها إزاء وجود إسرائيل في أذربيجان.

خيارات الرد الإيراني: 

تتمثل خيارات إيران في الرد على الهجوم الأخير في التالي:

1- تصعيد إيراني: يقوم هذا المسار على أساس قيام إيران بالرد على هذا الحادث، سواء بالتصعيد ضد إسرائيل من خلال وكلائها المسلحين في سوريا ولبنان، أو من خلال استهداف السفن الإسرائيلية في الخليج وبحر عُمان. 

كما قد تقوم إيران بتوجيه ضربات تستهدف مصالح إسرائيلية في أي مكان بالعالم، ويدلل على هذا المسار اتهام إسرائيل، في 4 أكتوبر الجاري، إيران بتدبير محاولة للاعتداء على رجال أعمال إسرائيليين يعيشون في قبرص، كما جاء على لسان ماتان سيدي، المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي.

ومما يرجح هذا المسار رغبة حكومة رئيسي، التي يهيمن على أعضائها الباسدران، في اتخاذ موقف متشدد حيال العمليات التخريبية المتكررة التي تستهدف قدرات إيران، حتى لا تبدو ضعيفة أمام الداخل الإيراني، بخلاف الحكومة السابقة للرئيس حسن روحاني، فضلاً عن تأكيد إيران المتكرر بالانتقام من قتلة قائد فيلق القدس السابق، قاسمي سليماني، والعالم النووي محسن فخري زاده.

2- مسار التهدئة: يفترض هذا المسار أن إيران، وعلى الرغم مما تبديه من تسويف للعودة للمفاوضات النووية في فيينا، فإنه لا خيار أمامها إلا العودة إليها، وأنها تتجه للمماطلة لتقليص التنازلات وحسب.

وتدرك طهران أن فتح جبهة صراع جديدة مع إسرائيل سوف تترتب عليه زيادة دعم واشنطن لإسرائيل، بما يرتبه ذلك في النهاية من زيادة مستوى العمليات التخريبية ضد إيران. ولذا، فإنها قد تجنب الرد على إسرائيل، بل وقد يتجه رئيسي لاستئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة مقابل أن تتوقف إسرائيل عن تنفيذ عمليات تخريبية ضد بلاده. 

وفي الختام، يمكن القول إن تبني إيران أحد هذين الخيارين لا يزال يخضع لعملية تقييم دقيقة، نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها إيران، إذ إن عدم ردها على اعتداءات إسرائيل المتكررة سوف يمثل إحراجاً لرئيسي والمرشد والحرس الثوري الإيراني، كما أن اتجاهها للرد سوف يصعد حدة الضغوط الدولية عليها، على غرار الانتقادات التي لاقتها عقب استهداف ميرسر ستريت، بالإضافة إلى زيادة العمليات التخريبية ضد منشآتها النووية والصاروخية.