أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

خسائر متوقعة:

لماذا لا تريد الصين حرباً أمريكية- إيرانية؟

27 يونيو، 2019


تبدو الحسابات الصينية شديدة التعقيد في خضمّ التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران. فمن ناحية، تمتلك الصين شراكات استراتيجية وثيقة مع طهران، ولها مصالح مباشرة في احتواء الضغوط الدولية المفروضة عليها، كما تشغل إيران مكانة مركزية ضمن مشروع "الحزام والطريق". وفي المقابل، فإن بكين لديها مصلحة مباشرة في حماية التدفقات النفطية القادمة من منطقة الخليج العربي، وتأمين استثماراتها الضخمة والجاليات الصينية بهذه المنطقة، وتضفي العقوبات الأمريكية على القطاع النفطي الإيراني بُعدًا آخر لمعضلة بكين، خاصةً بعد تجميد الولايات المتحدة لاستثناءات استيراد النفط من إيران الممنوحة لبعض الدول ومن بينها الصين، وتخشى بكين أيضًا من اتهام بعض شركاتها بالتورط في تهريب النفط الإيراني، مما يزيد من حدة الحرب التجارية القائمة بين واشنطن وبكين. 

الموقف الصيني:

ناشد وزير الخارجية الصيني "وانج يي" جميع الأطراف بضبط النفس، وعدم اتخاذ أي إجراءات تصعيدية تزيد من التوترات الإقليمية، ولكنه -في الوقت ذاته- طالب واشنطن بأن تتوقف عن الضغط على إيران إلى الحد الأقصى، وأشار إلى أن أي سلوك أُحادي الجانب من جانب واشنطن لا أساس له في القانون الدولي، مما يعني رفض بلاده لأي عمل عسكري تشنه الولايات المتحدة ضد طهران، وأن ذلك سيكون غير قانوني. وحذر "وانج" الولايات المتحدة من أن ضغطها على إيران سيؤدي إلى فتح صندوق باندورا، كناية عن أن ذلك ستكون له عواقب وخيمة على الجميع.

وقد التقى الرئيسان الصيني والإيراني على هامش قمة منظمة "شنجهاي" للتعاون المنعقدة بتاريخ 14 يونيو 2019. وفي أعقاب اللقاء، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية "جينج شوانج" بأن "الحرب هي آخر شيء نريد أن نراه، وهو ليس في مصلحة أي طرف، ولا يخدم المصالح المشتركة للمجتمع الدولي، وأن الصين ملتزمة بالمساهمة في دعم السلام والاستقرار في المنطقة". كما أشار وزير الخارجية الصيني إلى أن "الصين تدعم الجانب الإيراني في دفاعه المشروع عن حقوقه ومصالحه".

إذن، فالصين كانت ملتزمة في رد فعلها بالتأكيد على دعمها للسلم والأمن الدولي والإقليمي، ولكن مع التأكيد على مصالحها الاستراتيجية مع طهران، وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة، واتهامها بالضغط الشديد على إيران. ويمكن فهم ذلك في ضوء العلاقات الاستراتيجية المتميزة التي تربط الصين بإيران، فالصين أكبر شريك تجاري لإيران، حيث صدرت الصين 3.8 ملايين طن من السلع إلى إيران بقيمة  10.22 مليارات دولار خلال الفترة من 21 مارس 2017 إلى 20 يناير 2018 ، كما تعد الصين أكبر خامس دولة مستوردة للنفط، حيث تصدر إيران ما يقدر بحوالي ربع إنتاجها من النفط سنويًّا إلى الصين بحسب أقصي التقديرات . فضلًا عن اهتمام الصين المتنامي بحقول الغاز الإيرانية، وذلك في إطار تأمين مصادر الطاقة اللازمة لنموها الاقتصادي، فشركة الصين الوطنية للبترول (China National Petroleum Corporation) تستحوذ على حصة تبلغ نسبة 30٪ في العقد الذي تبلغ قيمته 4.8 مليارات دولار، والذي يضم أيضًا طهران وباريس بجانب الصين لتطوير المرحلة الحادية عشرة من حقل جنوب بارس للغاز . ناهيك عن أن الصين ترى في تحالفها مع إيران فرصة لاستغلال موقعها الاستراتيجي في غرب آسيا لتعزيز التواجد الصيني من خلال مبادرة "الحزام والطريق".

ولكنّ السبب الأهم في تميز العلاقات هو التوتر المسيطر على علاقة طهران بواشنطن، مما يؤكد أن إيران هي المنتج الرئيسي الوحيد للنفط في الشرق الأوسط الذي يثق المسئولون الصينيون في استمراره في تزويد الصين بالنفط في حال حدوث أي نزاع بين الصين والولايات المتحدة، لذا يصعب القول إن الصين ستتخلى عن دعم إيران كحليف رئيسي لها في المنطقة.

حسابات المكاسب والخسائر:

يمكن القول إن هناك سيناريوهين متوقعين لمسار العلاقات الإيرانية-الأمريكية في ظل التوترات الأخيرة:

1- نشوب مواجهة عسكرية: تؤكد معطيات الواقع استبعاد وقوع هذا السيناريو لعدة اعتبارات، أهمها أن إيران تمتلك جيشًا منظمًا مدعومًا من عدد من الدول المهمة كالصين وروسيا، مما يجعل الولايات المتحدة تفكر كثيرًا قبل الإقدام على خطوة مثل المواجهة العسكرية، وهو ما يبرز في وجود خلافات داخل الإدارة الأمريكية حيال هذا الأمر. 

هذا بالإضافة إلى أن عدد القوات الأمريكية في منطقة الخليج محدود مقارنة بحجمها وقت الحرب على العراق. أما العامل الأهم في هذا الشأن فهو أن أي مواجهة عسكرية مع إيران لن يكون مردودها فقط توترات شديدة في العلاقات مع الصين وروسيا اللتين ستدعمان إيران بكل تأكيد؛ ولكن الأخطر هو أنه سيتم فتح جبهات حرب أخرى في الشرق الأوسط مما يقوض الاستقرار والأمن في سوريا والعراق ولبنان، ويمثل تهديدًا مباشرًا لإسرائيل، وهو بالتأكيد ما لا تريده الولايات المتحدة،  وعلى صعيد آخر، فإن مثل هذه الحرب سيكون لها تأثير آخر على أسعار النفط العالمية التي ستتجه نحو الزيادة.

أما الفائدة الأهم التي ستعود على الصين في هذا الصدد، فهي أن الصراع الأمريكي-الإيراني سيعمل على إضعاف الموقف الجيوسياسي الأمريكي تجاه الصين، حيث ستؤدي الحرب متعددة الجبهات التي ستنتج عن الصراع مع إيران إلى استنزاف القوة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة، مما قد يجعلها غير قادرة على مواكبة الصعود الصيني السريع.

ومن الجدير بالذكر أنه خلال شهادته أمام الكونجرس عام 2018، أشار وزير الدفاع الأمريكي السابق "جيمس ماتيس" إلى أن الصين استغلت السنوات التي قضتها الولايات المتحدة في حروب متوالية في الشرق الأوسط، وقامت بتطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية بشكل كبير، وهذا يعني أن واشنطن تدرك أن دخولها في أي صراع عسكري مع إيران أو غيرها سيكون له مردود على وضعها كقوة عظمى، وقدرتها على مجابهة النفوذ الصيني المتنامي.

كما ستستغل الصين الاعتداء الأمريكي على طهران للترويج بشكل أكبر لصورة الولايات المتحدة كدولة معتدية، وهو ما قد يعمل على خلق موجة من التعاطف مع القضايا التي تُساندها الصين، بل وقد يؤدي إلى جذب مزيد من الحلفاء، وتوجههم نحو الصين بدلًا من الولايات المتحدة. 

ولكن تجدر الإشارة إلى أن الوضع لن يكون جيدًا على كل الأصعدة بالنسبة للصين، فاندلاع مثل هذا الصراع متعدد الأطراف سيقوض الاستقرار في الشرق الأوسط، مما يعني أن مبادرة "الحزام والطريق" الصينية سيتم تقويضها هي الأخرى، وهي المبادرة التي تُعد حجر الأساس في الاستراتيجية الصينية لتعزيز نفوذها وتواجدها على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما سيُعرّض نشوب مثل هذا النزاع الاستثمارات الصينية الضخمة في إيران للخطر، وهو ما يجعل الصين تعارض نشوب مواجهة عسكرية بين واشنطن وطهران. 

2- اللجوء للتفاوض: وما يعزز ذلك هو الموقف الأمريكي حيال إسقاط إيران لطائرة أمريكية بدون طيار فوق مضيق هرمز، فرغم أن الجميع انتظر الرد الأمريكي بترقب شديد؛ إلا أن هذا الرد جاء غير متوقع، فبعد أن أقر "ترامب" قيام القوات الأمريكية بتوجيه ضربات ضد مواقع إيرانية، عاد ليتراجع عن ذلك قبل موعد الضربة ببضع دقائق، وخرج يُبرر ذلك بأن تلك الضربات كانت ستؤدي إلى مقتل عدد كبير من الأشخاص، وأن ذلك لم يكن يتناسب مع إسقاط طهران لطائرة بدون طيار، كما صرح "ترامب" بأنه "ليس متعجلًا" الرد العسكري على طهران.

كما أن "ترامب" سبق وأن اعتمد على هذا النهج مع كوريا الشمالية، ويرى بعض المحللين أن واشنطن تدرك أن إيران تمثل تهديدًا لوجودها ومصالحها في الشرق الأوسط، ولكنها متيقنة من أن التحدي الأكبر والأخطر هو الصين، مما يعني أن الولايات المتحدة ليست مهتمة بشن حرب مع إيران ستكون خسائرها فيها أكثر بكثير من أي مكسب يمكن تحقيقه، وأن ما يهمها في هذه المرحلة هو تحجيم النفوذ الصيني. ولكن يبدو أن "ترامب" ليس متعجلًا اللجوء للتفاوض، فالأرجح أن "ترامب" سيتحلى بالصبر مع إيران لبدء جولة جديدة من المفاوضات.

وقد تحصل الصين على مجموعة من المكاسب في حال تحقق هذا السيناريو، حيث ستعمل على دعم التفاوض مما يُعزز صورتها الدولية كدولة تحرص على إنهاء الصراعات من خلال التفاوض، وبالتأكيد سينتج عن المسار التفاوضي بين الولايات المتحدة وإيران تخفيف بعض العقوبات الأمريكية، وهو ما سيفسح المجال بشكل أكبر للشركات الصينية للتوسع في السوق الإيرانية بدون خشية تعرضها للعقوبات، على غرار ما حدث مع شركتي ZTE وهواوي الصينيتين. 

ختامًا، يمكن للصين تحقيق مكاسب متعددة من كلا السيناريوهين، بيد أن خسائرها حال نشوب مواجهة عسكرية بين طهران والولايات المتحدة ستفوق أي مكاسب قد تحصل عليها. هذا ويرى عدد كبير من المحللين أن اجتماع الرئيسين الصيني والأمريكي على هامش قمة مجموعة العشرين (G-20) سيشهد تباحثًا حول الحرب التجارية بينهما، وكذلك حول الملفين الكوري الشمالي والإيراني أيضًا، مما قد ينتج عنه بعض الاتفاقات التي تؤدي إلى تخفيف التوتر في هذه الملفات العالقة.