أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

قطر بين الأقوال والأفعال

26 سبتمبر، 2017


ذكرني خطاب أمير قطر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر من هذا الشهر بمعضلة يعرفها باحثو العلوم السياسية عندما يهمّون بمحاولة تحليل سياسة لدولة ما، فالمعروف أن السياسات يقررها القادة، وهم لا يقررونها بمفردهم بطبيعة الحال، وإنما تشاركهم في صنعها مؤسسات الدولة كوزارة الخارجية أو الدفاع وأشخاص ذوي معرفة وخبرة قد يكونون أكاديميين أو سياسيين. ولكن التعبير عن سياسة الدولة يبقى منوطاً بالقيادة السياسية التي تتبنى هذه السياسة وتعمل على تنفيذها، أي تحويلها إلى واقع عملي ملموس، والدفاع عنها وتطويرها عند الحاجة.

ومن هنا ينكبُّ الباحثون الراغبون في استكشاف السياسات العليا لدولة ما على خطب ومقابلات وتصريحات القيادة السياسية فيها، محاولين تحليلها بشتى السبل الكيفية والكمية، أملاً في التوصل إلى منظومة القيم الكامنة والتوجهات في كل ما تقوله القيادة السياسية والسياسات التي تنوي اتباعها تجاه القضايا المهمة. وعندما يتم هذا يتصور الباحث أنه قد أصبح على بيّنة تامة من أبعاد السياسة التي يرغب في دراستها، غير أنه سرعان ما يكتشف العكس، أو على الأقل أنه لم يتوصل إلى الحقيقة كاملة؛ لأن ثمة قادة قد لا يكون عددهم بالقليل يعمدون إلى ألا يقولوا الحقيقة في كلامهم، إما لأن لهذا صلة بأمن دولهم، أو لإخفاء شيء عن الرأي العام، أو لإخفاء مخالفة مالية أو سياسية وما إلى ذلك.

والحقيقة أن المصالح العليا للدول تعني أن كل ما يُعرف لا ينبغي أن يُقال بالضرورة، ولكن النتيجة واحدة وهي أن الباحث المسكين الذي يفتقر إلى الخبرة قد يصل للاعتبارات السابقة إلى نتائج مغلوطة، أو على أحسن الفروض غير دقيقة، ولذلك يكون التوجيه دائماً للباحثين خاصة قليلي الخبرة منهم: ابحثوا دائماً عن الأفعال لا الأقوال، وإلا لأصبح نتنياهو بطل سلام! وهذا ما يتعين علينا تحديداً أن نفعله مع خطاب أمير قطر الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

خاطب الأمير دول العالم بقوله إن أولوية السياسة القطرية هي حفظ السلم والأمن الإقليمي والدولي، وهو قول طريف عندما نفكر جميعاً في الوسائل التي يعمد النظام القطري إلى استخدامها لكي يفي بهذه الأولوية! لكن الأكثر طرافة بالتأكيد حديث الأمير عن استناد السياسة القطرية إلى ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم احترامها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول! وقفز إلى ذهني على الفور ما تفعله قناة «الجزيرة» على سبيل المثال لا الحصر، فكيف يكون التدخل إذا لم يكن صورة طبق الأصل مما تفعله هذه القناة من تلفيق للأخبار، واستضافة لمعارضين موتورين، وتحريض على العنف؟ وهو ما ينقلنا إلى النقطة التالية وهي اتهام الأمير إعلام الدول المقاطعة بأنه كان مجهزاً ومأموراً فانطلق في حملة تحريض شامل ووابل من الأكاذيب حتى الآن! والحقيقة أنني خلته يتحدث عن «الجزيرة» وليس عن أي كيان آخر، وباعتباري مواطناً مصرياً أستطيع أن أكتب ملفات كاملة عن تلفيق «الجزيرة» وأكاذيبها ومحاولة زعزعة نظم الحكم التي لا ترضى «الجزيرة» عنها، ومن بينها نظام الحكم المصري، ناهيك عن المعلومات والوثائق الدامغة التي تدين النظام القطري بالتدخل في أكثر من بلد عربي وهو ليس تدخلاً دبلوماسياً فحسب، كما هو معلوم، ولكنه يمتد إلى عمليات التخريب السياسي وتزويد الميليشيات بأسلحة وذخائر كان من شأنها تأجيج الصراعات وليس تسويتها. ثم وصلت طرافة الحديث منتهاها بوصف الأمير ما فعلته الدول المقاطعة بأنه «غدر» و«إرهاب»! ولو كان الأمر كذلك فبماذا نصف من يغدرون بنا كل يوم منذ عقدين من الزمن؟ كذلك وصف الأمير قرارات المقاطعة تارة بأنها «حصار» وأخرى بأنها «اعتداء» مع أنه يتحدث بفخر أن قطر وجدت لنفسها مخرجاً جوياً وآخر بحرياً مكّناها من عدم التأثر بالمقاطعة، ويواصل الأمير حديث الطرائف باتهام الدول المقاطعة نفسها بـ«الإرهاب»!

لا مفر أمام الباحثين من أن يبحثوا عن نهج آخر للتوصل إلى حقيقة السياسة القطرية بعيداً عن البحث في تصريحات أميرها، والمؤسف أن الإصرار على هذا الأسلوب يعني أن فرص تسوية الأزمة تُهدر واحدة تلو الأخرى، فما دامت الدول المقاطعة على هذا النحو الذي صوره الأمير، فكيف يمكن له أن يحاورها ذلك الحوار غير المشروط القائم على الاحترام المتبادل للسيادة؟

*نقلا عن صحيفة الاتحاد