أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

الحلقة الأضعف:

كيف تأثرت أوضاع الأطفال في بؤر الصراعات بالإقليم خلال عام 2020؟

26 نوفمبر، 2020


فرضت التطورات التي شهدتها بؤر الصراعات المسلحة بدول الشرق الأوسط خلال عام 2020، تداعيات مباشرة على أوضاع الأطفال، من زوايا مختلفة، أبرزها الاعتداء على المنشآت التعليمية، وحرمان الأطفال من التعليم فيها، والتشوه نتيجة انفجار الألغام والمقذوفات العشوائية في الأحياء السكنية المكتظة بالأطفال، والتعرض للعنف الجنسي والتجنيد القسري، وهو ما يمكن تفسيره استناداً إلى عدة عوامل هى انهيار مستوى الخدمات الصحية والتعليمية نظراً لاستهدافها من قبل أطراف الصراع، وتزايد تداعيات جائحة "كوفيد-19"، وانتهاك المليشيات المسلحة حقوق الأطفال، ومعاناة الأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وضعف التأهيل النفسي لاحتواء تداعيات ما بعد الصراع.

الأجيال الضائعة:

بدأت العديد من المنظمات الدولية واللجان الوطنية في رصد وتحليل مشكلات الأطفال في مناطق جغرافية منها، وبالذات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خلال الفترة الماضية، وهو ما يتزامن مع الاحتفالات باليوم العالمي للطفل الذي يوافق العشرين من شهر ديسمبر. وعلى الرغم من أن مشكلات الأطفال في البؤر الصراعية بالإقليم ليست ظاهرة جديدة، إلا أن لها أبعاداً جديدة وكثافة متزايدة في عام 2020 مقارنة بأعوام سابقة.

وتتمثل أبعاد تأثر الأطفال في بؤر الصراعات بالإقليم، وفقاً لما تشير إليه تقارير أممية ودولية وإقليمية ووطنية، فيما يلي:

تدني الخدمات

1- انهيار مستوى الخدمات الصحية والتعليمية: تعاني كل بؤر الصراعات المسلحة في ليبيا واليمن وسوريا، من انهيار منظومة الخدمات، خاصة بالنسبة للأطفال. إذ انهارت المباني والمؤسسات التعليمية، ولا تتوافر الأدوية والتطعيمات في المستشفيات والمراكز الصحية، مما قد يؤثر على صحة وسلامة الأطفال، وخاصة من الناحية النفسية، حيث تشير بعض الكتابات إلى أن الوضع الميداني الصراعي انعكس على الأطفال لمحاكاة مشاهد العنف، وتجسيد شخصيات "أمراء الحرب"، وخاصة في ظل النزاعات الجهوية والقبلية والمناطقية والعرقية.

وهنا تجدر الإشارة إلى التأثيرات المتعددة التي يعاني منها المدنيون في بؤر الصراعات، ومنهم الأطفال، وإن كانت الحالة اليمنية أكثر حدة، بسبب الممارسات التي تقوم بها مليشيا المتمردين الحوثيين.

 وقد قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 20 نوفمبر الجاري أن "اليمن صار في خطر وشيك من أسوأ مجاعة يشهدها العالم منذ عقود"، محذراً من أنه "في حال عدم اتخاذ إجراء فوري، فمن الممكن أن تزهق ملايين الأرواح"، وبصفة خاصة الأطفال.

وأرجع الأمين العام للأمم المتحدة تحذيره إلى "الانخفاض الكبير هذا العام في تمويل عملية الإغاثة التي تنسقها الأمم المتحدة، في مقابل العامين السابقين، فضلاً عن الفشل في مواصلة الدعم الخارجي للاقتصاد اليمني، خاصة فيما يتعلق باستقرار قيمة الريال اليمني، وأثر الصراع الدائر والعوائق المفروضة من الأطراف اليمنية القوية على العمل المنقذ للحياة الذي تقوم به الوكالات الإنسانية".

تأثير الجائحة

2- تزايد تداعيات جائحة "كوفيد-19": ازدادت الأوضاع سوءاً بالنسبة للأطفال في بؤر الصراعات المسلحة بعد الانتشار السريع للجائحة، وتعطل المدارس وإغلاق الحضانات، مما تسبب في تراجع الصحة النفسية لهم بل نشوء جيل ضائع. وفي هذا السياق، حذر تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف" – الذي جاء تحت عنوان "مستقبل جيل بأكمله في خطر" في 18 نوفمبر الجاري، واستند إلى استطلاعات من 140 دولة- من التداعيات التي تفرضها الموجة الثانية لـ"كوفيد-19"، فيما يخص أبعاد أربعة هي العواقب المباشرة للمرض نفسه، وانقطاع الخدمات الأساسية، وزيادة الفقر، وعدم المساواة.

وفي هذا السياق، تشير هنريتا فور مدير منظمة "اليونيسيف" إلى "خرافة مستمرة منذ انتشار كوفيد-19 مفادها أن الأطفال هم أقل الفئات العمرية تأثراً بالوباء، غير أن ذلك غير صحيح بل يمكن أن ينقل هؤلاء الأطفال عدوى الفيروس إلى الفئات العمرية الأكبر سناً، لاسيما في ظل تراجع خدمات الرعاية الصحية وسوء التغذية الحاد في بعض الدول، ومنها بؤر الصراعات ونقاط الحروب في الشرق الأوسط ومناطق أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا".

وهنا تجدر الإشارة إلى البيان الصادر عن الأمم المتحدة في 15 يونيو 2020، الذي نبه إلى خطر احتمال وفاة أكثر من 51 ألف طفل إضافي دون الخامسة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نهاية 2020، بسبب مشاكل على أكثر من مستوى أفرزتها مواجهة فيروس "كورونا"، حيث أدت إلى اختلالات في الرعاية الصحية والغذائية الموجهة إلى الأطفال.

الجنود الأشبال

3- انتهاك المليشيات المسلحة حقوق الأطفال: أفاد مكتب حقوق الإنسان بالعاصمة اليمنية صنعاء في 21 نوفمبر الجاري، بأن مليشيا المتمردين الحوثيين ارتكبت 24 ألف و488 انتهاكاً ضد أطفال العاصمة خلال الفترة من نوفمبر 2019 وحتى نوفمبر 2020. وأضاف أن "انتهاكات المليشيا بحق الأطفال شملت حالات قتل واختطاف واعتداء جسدي وتجنيد إجباري، ونهب واقتحام المؤسسات الصحية والتعليمية، وإقامة أنشطة وفعاليات طائفية"، على نحو ما ظهر خلال جلسات الاستماع "المغلقة" للأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان خلال الصراع المسلح.

وفي هذا السياق، دعا فهمي الزبيري مدير مكتب حقوق الإنسان بالعاصمة اليمنية صنعاء المنظمات الأممية والإقليمية المعنية بجدية لحماية أطفال اليمن من الانتهاكات وفي مقدمتها عمليات التجنيد الإجباري، إذ أفادت وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية الشرعية أن مليشيا الحوثيين قامت بتجنيد أكثر من 4600 طفل منذ بداية عام 2020 حتى نهاية سبتمبر الماضي. كما قال مدير عام المنظمات الدولية بوزارة حقوق الإنسان عصام الشاعري، أن مليشيا الحوثيين جندت أطفالاً خلال العام الجاري سبعة أضعاف عن الأعوام السابقة، إذ تم استغلال توقف العملية التعليمية وزُج بهم في جبهات القتال وتجميع وتفكيك الأسلحة.

قمع الاحتلال

4- معاناة الأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي: لا يزال الأطفال الفلسطينيون يعانون من ممارسات قوات الاحتلال، وهو ما عبّر عنه وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني الدكتور أحمد مجدلاني في 21 نوفمبر الجاري قائلاً: "إن يوم الطفل العالمي يشهد على معاناة أطفال فلسطين تحت الاحتلال، الذي مازال ورغم جميع الظروف التي يمر بها العالم يعتقل نحو 170 طفلاً في سجونه"، وحمّل مجدلاني الاحتلال المسئولية عن حياتهم في ظل انتشار "كوفيد-19".

وأضاف: "إن يوم الطفل العالمي يذكرنا بمسئولية المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لمناصرة أطفال فلسطين وصيانة حقوقهم والضغط بشكل فاعل وحقيقي على حكومة الاحتلال الإسرائيلي لكى تلتزم بالمواثيق الدولية الداعية لاحترام حقوق الأطفال، والإفراج الفوري عن جميع الأطفال الفلسطينيين المعتقلين في سجونها، ووقف الممارسات العنصرية والانتهاكات المتكررة بحق الطفولة في الأراضي الفلسطينية"، داعياً المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته أيضاً تجاه أطفال القدس، وما يتعرضون له من انتهاكات سواء من الاحتلال الإسرائيلي أو من المستوطنين. 

التعافي النفسي

5- ضعف التأهيل النفسي لاحتواء تداعيات ما بعد الصراع: يعد الأطفال أكثر الفئات التي تعاني من الصراعات التي شهدتها دول الإقليم، على نحو يجعلهم أكثر حاجة للتأهيل والتعافي في مرحلة ما بعد سكوت المدافع. فقد طالبت اللجنة الليبية لحقوق الإنسان في بيان لها، نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 23 نوفمبر الجاري بـ"الالتفات إلى ملف الصحة النفسية، وأثر الحرب والنزاعات المسلحة والنزوح على الأطفال"، وشددت على ضرورة توفير مراكز تأهيل وبرامج تعالج أزمات ما بعد الصراع.

وطالبت اللجنة أيضاً وزارة الشئون الاجتماعية بالاهتمام بالأطفال، بغض النظر عن وضعهم القانوني، وكذلك ضرورة أن يبحث جهاز مكافحة الهجرة غير المشروعة عن حل لاحتجاز الأطفال المهاجرين، خصوصاً غير المصحوبين بذويهم، والعمل على إيجاد بدائل عاجلة، مثل نقلهم إلى دور الرعاية الاجتماعية للأطفال، والتعاون مع المنظمات المحلية والدولية العاملة من أجل جمعهم بذويهم.

كما دعت اللجنة الليبية المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية لتسليط الضوء على "ظاهرة عمالة الأطفال، واستغلالهم والاتجار بهم، وتبني الاستراتيجيات التي تعمل على القضاء عليها"، واصفة عامي 2018 و2019 بأنهما الأسوأ في حياة الطفل الليبي، حيث استمرت فيهما أعمال القتل والخطف على يد عصابات الإجرام المنظم، إلى جانب انتشارهم إما في مناطق الصراع وإما نازحين في العراء.

وفي سياق متصل، قالت منظمة "اليونيسيف" في 21 نوفمبر الجاري: "إن 348 ألف طفل في ليبيا يحتاجون إلى مساعدة إنسانية عاجلة بسبب تداعيات النزاع المسلح، والأزمات السياسية والاقتصادية، وجائحة كوفيد-19"، لافتة إلى أنهم "يتعرضون بشدة للعنف والاستغلال والاتجار والعنف القائم على النوع الاجتماعي والتجنيد من قبل الجماعات المسلحة والاحتجاز غير القانوني".

انتهاكات متعددة:

خلاصة القول، إن الأطفال يمثلون الحلقة الأضعف في بؤر الصراعات بإقليم الشرق الأوسط، وتعرضوا لانتهاكات متعددة، نتيجة قتلهم في المواجهات العسكرية، وتشوههم بسبب الضربات العشوائية في المناطق السكنية المكتظة بهم، وتضررهم من نقص الرعاية الصحية والتعليمية وخاصة بعد انتشار "كوفيد-19"، ونزوحهم إلى بيئات جغرافية أكثر أمناً نسبياً، فضلاً عن الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية المقدمة من الوكالات الإغاثية. يضاف إلى ذلك التحدي الأكبر المتعلق بغياب وضع الأطفال في قلب عمليات حل وتسوية الصراعات.

غير أن هناك أدواراً إيجابية وفعّالة تقوم بها بعض الدول في الإقليم، على نحو ما عبر عنه الوفد الإماراتي عبر تقنية الاتصال المرئي أمام المناقشة السنوية التي عقدها مجلس الأمن في 24 يونيو الماضي حول "الأطفال والنزاع المسلح"، حيث قال البيان الصادر عن الوفد: "لقد عانى الأطفال طويلاً للحصول على الخدمات الصحية وتلبية احتياجاتهم الأساسية، بما ذلك الحصول على التعليم، كما أن ضعف نظم الحماية الاجتماعية للأطفال يُشجع الجماعات المسلحة على تجنيد الأطفال واستغلالهم جنسياً". وأشار إلى أن "الإمارات اغتنمت فرصة انعقاد هذا الاجتماع لتؤكد مجدداً على التزامها ودعمها لنداء الأمين العام المتعلق بوقف إطلاق نار عالمي من أجل تخفيف آثار النزاع المسلح على الأطفال".