أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

العدوان التركي والضرورات العربية

14 يونيو، 2020


استبشرنا خيراً بالمبادرة المصرية في الشأن الليبي، والواقع أنّ هذا كان ينبغي أن يجري قبل سنتين، عندما بدأ التلاعب بآلية الصخيرات، ودخلت النقائض الأوروبية بين فرنسا وإيطاليا، واعتبرت حكومة السراج أن في ذلك مصلحةً لها، لقد أمّلت أن يستقر الواقع على التقسيم والانقسام، مع ازدياد سيطرة الميليشيات، وهنا كان لدى الجيش الوطني الليبي أحد خيارين: إمّا تحرير سرت ومنطقة الهلال النفطي والتوقف عند ذلك، أو المُضيّ في الضغط على حكومة طرابلس لإخراجها من قبضة ميليشيات «الإخوان» على الأقلّ، وتوحيد الجيش الوطني، وقد اختار الجيش الوطني الخيار الثاني، وهو الأصعب، بسبب طول خطوط الإمداد، وتكاثر المصالح المرتبطة بالحكومة في طرابلس، وتضارب مواقف القبائل في المناطق المختلفة، بمعنى أنّ الإيطاليين وغيرهم أزعجهم توجّه الجيش للاسيتلاء على الهلال النفطي، فصارت لهم مع الميليشيات مصالح مشتركة، إضافةً لمصلحتهم في ضبط الهجرة.

ولمصر مصلحةٌ واضحةٌ في إنهاء الاضطراب بليبيا، وذلك لأن حكومة الغرب يتحكم بها «الإخوان» وميليشياتهم، وهم معادون لمصر، ولأن الأحداث الإرهابية في صحراء مصر الغربية يأتي القائمون بها من ليبيا، كما تبين عند تحرير الجيش الليبي للبلدات في الوسط والغرب، والقبض على إرهابيين خطِرين بعضهم من أصل مصري، وفي طليعتهم ضابط مشهور، وبالإضافة لذلك لمصر مصالح في ليبيا لا تتحقق بالاضطراب، بل بعودة الأمور إلى طبيعتها، ولا شكّ أنّ مصر زوَّدت الجيش الليبي بالسلاح ، لكنّ الدعم ما تجاوز ذلك كثيراً، للممارسة التي استقرت من أيام مبارك في الثمانينيات، أنّ الجيش المصري لا يعمل خارج الأراضي المصرية إلا في حالة التهديد المباشر، وللجزائر المصالح نفسها في الهدوء والاستقرار الليبي، بسبب الإرهابيين الذين يتسللون من ناحية ليبيا، وأنها ذاقت الأمرَّين من التطرف والإرهاب في النزاع الداخلي وفي الساحل الأفريقي. وفي حين رأت مصر مصلحتها في دعم الجنرال حفتر، لأنه على حدودها، ولأنه يقود الجيش الوطني الليبي، اعتبر الجزائريون  الآن التدخل التركي بليبيا شديد الفظاعة، وإمكانيات الإضرار بالمصالح الوطنية الجزائرية واردة.

دخل أردوغان عسكرياً في ليبيا كما دخل في سوريا من قبل، في سوريا أراد مواجهة خطر «حزب العمال الكردستاني» على الأمن الوطني التركي، والمشاركة في تقاسم الثروة المائية والثروة البترولية السورية، وأن يؤثر أكثر في مصائر سوريا العربية، إلى جانب الروس والإيرانيين الذين كان قد دخل معهم في مثلثٍ معروف منذ ثلاث سنوات، أما في ليبيا فقد أراد بمعاونة ميليشيات «الإخوان»، وبواسطة المرتزقة السوريين المساكين، الانفراد بتحديد مصائر الليبيين، واستغلال ثرواتهم النفطية والغازية في المتوسط، بعد أن اصطدم باليونان وقبرص والاتحاد الأوروبي، الغريب والمستنكر أنّ «إخوان» تونس وليبيا ومصر وسوريا، لا يؤيدون الهجمة الأردوغانية فقط، بل ويهبونها طابعاً عقائدياً! مثلما كان الإيرانيون يفعلون وما يزالون في سوريا والعراق ولبنان واليمن!

ومع ذلك كلِّه، يبقى الأهمّ أنّ ليبيا دولة عربية، وشعبها عربي، وقد قاتلوا ثلاثين عاماً للخلاص من الاستعمار الطلياني، ومصالحهم وسيادتهم وحريتهم تقتضيهم الكفاح من جديد. ثم إنّ أمن ليبيا مهمٌّ جداً لمصر وللجزائر ولتونس ولسائر الدول العربية، وقد تقدمت مصر الآن بمبادرة أيدتها معظم الدول العربية، وبعض الدول الكبرى، وهناك مؤتمر برلين الذي يمثل فرصةً بمسارَيه السياسي والعسكري، وما يزال المستعمرون الجدد يريدون الحصول على سرت والهلال النفطي قبل الدخول في المفاوضات، وينبغي أن ينصبَّ جهد الجيش الوطني الليبي وحلفائه على منعهم من ذلك، لكي يدخلوا في وقف النار والتفاوض ولو مرغمين.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد