أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التحرر المناخي:

هل ينتفض المجتمع العالمي ضد الكوارث البيئية؟

26 أكتوبر، 2023


عرض: دينا محمود

تثير حالة التدهور البيئي التي نعيشها حالياً تساؤلاً جوهرياً يتعلق بتداعياتها المرتقبة، فعلى الرغم من أن الأمور تتفاقم وتتجه نحو الهلاك البيئي، فلا توجد أي محاولات حقيقية لوضع حلول جذرية للتعامل مع التهديدات البيئية المتزايدة، كما يميل الأفراد للتقاعس، وعدم اتخاذ أي إجراءات فعلية، وهو ما خلق حالة من اللامبالاة العامة إزاء هذه القضية الجوهرية التي تؤثر في استمرارية الحياة بشكلٍ كامل.

في هذا الإطار، تسعى الباحثة كاميل إيتيان، في كتابها المعنون بـ"من أجل انتفاضة بيئية: التغلب على عجزنا الجماعي" والصادر بالفرنسية في العام 2023 إلى تحليل وضعية الاستسلام الجماعي إزاء التحديات البيئية، من خلال الإشارة إلى أن التقاعس الراهن عن اتخاذ إجراءات فعلية لمواجهة التهديدات البيئية والمناخية لا يعكس ضعفاً حقيقياً لدينا، وإنما بسبب رؤية الأشخاص ذوي السلطة الذين يتبنون فكرة أن التحديات البيئية لن تشكل تهديداً حقيقياً للنظام الإيكولوجي القائم، وهي رؤية ضيقة للغاية، ما يجعل الحاجة ملحة إلى التحرر البيئي في العالم. 

عواقب بيئية:

بدأت انعكاسات التدهور البيئي في التبلور بشكلٍ واضح للجميع، وهو ما يمكن ملاحظته في تحول الثلوج المتساقطة إلى أمطار، وذوبان الأنهار الجليدية، فضلاً عن حالة الجفاف المتزايدة، إذ تشير التقديرات إلى أن هناك حوالي 238 ألفاً تُوفوا في أوروبا عام 2020 بسبب تلوث الهواء، كما كشفت دراسة حديثة أن اختفاء الحشرات الملقحة يتسبب بنصف مليون حالة وفاة مبكرة في أنحاء العالم سنوياً بسبب الانخفاض في الإمداد بالغذاء الصحي، وفقاً لدراسة بمجلة "Environmental Health Perspective".

وبرغم ترويج البعض لصورة قاتمة بأن النهاية الجماعية باتت حتمية بسبب التهديدات البيئية، فإنها في الواقع لم تصبح حتمية بعد، فلا يزال هناك إمكانية لتلافيها، فالقصور الذاتي ليس كلياً، والشعور المتزايد بالعجز لا يزال قابلاً للتغير.

في هذا السياق، نشرت مجلة "Nature" العلمية دراسة في عام 2009، للباحث يوهان روكستروم وآخرين، اقترحت نموذجاً نظرياً لفهم كيفية عمل الأرض للسماح للمجتمعات بالتفاعل معها بذكاء. وحدد المؤلفون تسعة حدود كوكبية، من شأن انتهاكها أن يجعل كوكبنا أقل ملاءمة للحياة البشرية، ويتوافق كل حد من هذه الحدود مع عملية بيئية، إذا تم تعطيلها يمكن أن تسبب ضرراً كبيراً. 

بناءً على هذه الدراسة، يبدو أننا أصبحنا اليوم في قلب المنطقة الحمراء، فقد تجاوزنا بالفعل ستة من الحدود التسعة، وهي: تغير المناخ، وانهيار التنوع البيولوجي، والدورات البيوجيوكيميائية الضرورية للحياة (إعادة تدوير العناصر الغذائية من خلال المكونات الحيوية وغير الحيوية للنظام البيئي)، والتغير في استخدام الأراضي، ودورة المياه، والتلوث الكيميائي. ومن شأن هذه التطورات أن تهدد مساحة العمل الآمنة للحياة البشرية، وهو أمر يثير كثيراً من الرعب بسبب حالة عدم اليقين المتزايدة، وهو ما يجعل كل شيء مهدداً.

وفي عام 2011، نشر أنتوني بارنوسكي وآخرون دراسة أيضاً في مجلة "Nature" حذرت من التداعيات المحتملة للانقراض الجماعي الجديد للأنواع، أي فقدان 75% من التنوع البيولوجي في أقل من مليوني سنة، فالإنسان موجود هنا منذ 0.35 مليون سنة، وفي حوالي 0.0003 مليون سنة (حوالي 300 سنة) يمكن أن يدمر 75% من التنوع البيولوجي، حيث استغرق الأمر ما يصل إلى 2 مليون سنة حتى تحقق أسوأ الأحداث مثل هذه النتيجة.

من ناحية أخرى، ثمة تساؤل رئيس يتعلق بأسباب ارتفاع درجة الحرارة بشكل مطرد، ويمكن إرجاع ذلك إلى الغازات الدفيئة التي تنبعث بفعل العامل البشري، حيث تبعث الشمس طاقة، يمتص الغلاف الجوي جزءاً من أشعتها (حوالي 20%)، ويتم إرجاع جزء آخر (30%) إلى الفضاء، أما الباقي -أي 50% من أشعة الشمس- فتمتصه المحيطات والأرض، والتي تنبعث منها الأشعة تحت الحمراء عند تسخينها، 5% من هذه الأشعة تحت الحمراء تهرب إلى الفضاء، أما نسبة الـ95% المتبقية فتحتفظ بها الغازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة. فالمناخ يسخن أكثر من اللازم لدرجة أن العواقب المتتالية تتبع بعضها بعضاً، وتسبب اضطراب المناخ.

ولا ينبغي هنا الخلط بين الطقس والمناخ، فالمناخ هو الاتجاه الأساسي، وهو يشمل إحصاءات الطقس في كل موقع، وبشكل متكامل لكوكبنا بالكامل، وعلى المدى الطويل، أما توقعات الطقس فتعطي الطقس في يوم محدد في مكان محدد، وهذا يعني شيئان، الأول: ليس لأنه في بعض الأحيان يكون الطقس أكثر برودة من المعتاد، فهذا يعني بالضرورة أن المناخ العام لا يسخن، بل على العكس من ذلك، يميل تغير المناخ إلى جعل درجات الحرارة القصوى هذه أسوأ. والثاني: عندما نتحدث عن مسار المناخ، فإن الأمر لا يتعلق مرة أخرى بالطقس، ووفقاً للدراسات الأكثر منطقية، فإننا نتجه نحو مسار +4 درجات مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.

الوهم الديمغرافي:

يناقش الكتاب من جانب آخر، العلاقة بين المناخ والعامل الديمغرافي، إذ يشير إلى أن تراجع معدل الخصوبة في المجتمعات الغربية لا يرجع فقط إلى المناخ، بل يرتبط أولاً وقبل كل شيء بعقلية جيل أكثر تفككاً يرى أن التحرير الكامل للنساء يعتمد على التخلص من فكرة الأمومة، حيث تدَّعي حركة "لا أطفال" عدم الرغبة في الأطفال بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري، وتحذر كاميل إتيان، من أن هذا طريق خطر، لأن فكرة رفض إعطاء الحياة باسم حالة الطوارئ المناخية هي فكرة إشكالية. وبدلاً من ذلك، يجب علينا أن نغير علاقتنا بالعالم وجودياً. 

ويتبنى البعض من حركة "لا أطفال" اعتقاداً بأن التوقف عن الإنجاب سيكون له انعكاسات بيئية مفيدة. ففي عام 2017، قدرت دراسة نشرت في مجلة "Environmental Research Letters" التكلفة المناخية للولادة بنحو 60 طناً من مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنوياً، أو ستة أضعاف البصمة الكربونية للشخص الفرنسي العادي، مشيرةً إلى أن هناك أربعة إجراءات قد تقلل بشكل كبير من البصمة الكربونية للفرد، وهي: اتباع نظام غذائي نباتي، وتجنب السفر الجوي، وعدم امتلاك سيارة، وإنجاب عدد أقل من الأطفال، كما لفتت الدراسة إلى أن إنجاب عدد أقل من الأطفال هو الإجراء الأكثر فعالية.

لكن الباحثة تشير إلى أن خطاب "لا أطفال" غالباً ما يستخدم من قبل المدافعين عن ارتباط تغير المناخ بالزيادة السكانية، وتعتبر أن هذا الخطاب الإنجابي يتسم أحياناً بالنزعة الاستعمارية، حيث يُحمِّل المسؤولية للبلدان التي يكون فيها عدد الأطفال لكل امرأة هو الأعلى، كالهند وتوغو مثلاً، دون تحديد أن هذه البلدان هي أيضاً ذات المسؤولية التاريخية الأدنى من حيث الانبعاثات، وأنها لا تزال تمارس حتى اليوم أقل قدر من الضغط على النظم البيئية.

مع ذلك، فإن المشكلة البيئية لا تتناسب مع حلول منفصلة، إذ لا يقتصر الأمر على تحسين انبعاثاتنا فحسب، بل ينبغي التعامل مع المشكلة البيئية باعتبارها مشكلة مركبة في حد ذاتها، تحتاج إلى التفكيك وطرح حلول شاملة لها، ويبدو من الحكمة أن نقلق بشأن عدد الأطفال الذين سنتركهم في العالم، لكننا يجب أيضاً أن نعمل على خلق جيل يعرف كيف يقطع منطقنا المتمثل في تدمير الذات والبيئة.

البيئة العقابية:

تعني الانتفاضة البيئية –وفقاً لمؤلفة الكتاب- التخلص من إدماننا واعتمادنا على الموارد التي تؤدي ندرتها إلى الصراعات، وهي تعكس دعوة إلى تعاون أوثق بين الدول بدلاً من التنافس بينها، وتُعد هذه الطريقة كفيلة بتجنب 250 مليون لاجئ بسبب المناخ في عام 2050، وفقاً لأرقام الأمم المتحدة.

هنا، فإن أغلب الناس يدركون أن الاحتباس الحراري العالمي، أو تلوث النظم البيئية يشكل تهديدات حقيقية، وأن السبب الرئيسي لذلك هو الإنسان وأنشطته. لذلك يرى البعض أن مواجهة ذلك ستتطلب بالضرورة تقليصاً قسرياً لحرياتنا، وعليه يتم تصوير البيئة على أنها قاتلة للحريات، وهنا تدخل مسألة الحرية في المناقشة. لأن جزءاً كبيراً من الإجراءات اللازمة للانتقال إلى مجتمع بيئي يتعلق جزئياً على الأقل بالحرية الفردية. فلا توجد بيئة لا تُعتبر، على الأقل جزئياً، "عقابية" لأنها تحد من الحريات الفردية وتكون مصحوبة بعقوبات.

على أية حال، سيتعين علينا – وفقاً للكاتبة- تقديم تنازلات بشأن الأشياء التي نعتبرها اليوم جزءاً من حريتنا، فهناك بعض الخيارات البيئية التي يمكن للمواطنين اتخاذها، حتى لو كانت هذه الاختيارات تنطوي على شكل معين من التضحية: كتقليل السفر بالسيارات، وتناول كميات أقل من المنتجات الملوثة وغيرها، كما يجب أن نعقد العزم بشكل جماعي على إيجاد البدائل، فتبني هذا النهج الجماعي والفردي، وتحديد أولوياتنا، وإعطاء إطار علمي لأهم حرياتنا الأساسية، ليس "مبيداً للحرية"، لكنه شكل من أشكال التنظيم الجماعي والفردي.

النسوية البيئية:

تتداخل الانتفاضة البيئية بشكل أساسي مع النضالات النسوية أو نضالات الأقليات، لأنها شأن الجميع، وتضيع بمجرد تركها جانباً. ويعود هذا التداخل إلى إدانة الروابط المشتركة للهيمنة، فالنسوية البيئية تربط اضطهاد جميع الفئات المهمشة (كالنساء، والأشخاص الملونين، والأطفال، والفقراء) والهيمنة عليهم، باضطهاد الطبيعة الأم (الحيوانات، والأرض، والماء، والهواء، وغيرهم) والهيمنة عليها، وتقر بأن الاضطهاد، والهيمنة، والاستغلال، والاستعمار، من جانب المجتمع الأبوي الغربي، يتسبب مباشرة في أضرار بيئية لا يمكن إصلاحها، وهي نفس هياكل الهيمنة التي تفسر اضطهاد المرأة وتدمير الحياة، لذلك تقر كاميل إتيان، أن أغلب الناشطين من أجل العدالة الاجتماعية والبيئية هم فوق كل شيء نساء.

فعلى سبيل المثال شهدت أوغندا في أكتوبر 2018 موجات حارة كبيرة، واكتشفت فانيسا ناكاتي، ناشطة في الشأن المناخي، أن بلادها تعاني بالفعل من عواقب تغير المناخ التي لم تسببها، وهو ما دفعها إلى تأسيس منظمة "Rise Up Climate Africa" للنضال ضد مشروع بناء خط أنابيب نقل النفط الخام في شرق إفريقيا المعروف باسم "إيكوب" في تنزانيا وأوغندا، والذي تنفذه شركة "توتال إنرجيز"، والذي يرقى إلى الجريمة المناخية. كذلك كرست الناشطة الكولومبية أنجيلا مالدونادو حياتها للحفاظ على البيئة ووقف التجارة غير المشروعة في الحياة البرية. وهي عضو في منظمة غير حكومية تعمل من أجل الحفاظ على منطقة الأمازون الكولومبية على المدى الطويل وغيرهن. 

من هنا، يأتي الحديث عن العنصرية البيئية، والتي تشير إلى طوائف الأقليات العرقية المهمشة اجتماعياً، والتي تتعرض للنفايات السامة والفيضانات والتلوث الناجم عن التطورات الصناعية الثقيلة أو استخراج الموارد الطبيعية وتعاني من نقص المرافق مثل المياه النظيفة والهواء النقي أو اتخاذ القرارات المتعلقة بالموارد الطبيعية.

التحرر البيئي:

حدد الفكر البيئي الأسباب التي أدت إلى الكوارث البيئية، وغالباً ما يرجعها إلى المنظور الرأسمالي، والذي يسمح بتحسين الظروف المعيشية من خلال الزيادة المستمرة في الإنتاج، في حين أن النمو اللامحدود مستحيل في عالم محدود والاستغلال المفرط للموارد الأحفورية هو الذي يعرض توازن نظام الأرض للخطر. 

وتكرس هذا المنظور مع بدأ الحديث عن الانفصال التدريجي بين الإنسان والطبيعة، والذي حل منذ القرن السابع عشر، من قبل عالم الأنثروبولوجيا فيليب ديسكولا، إذ بدأت المجتمعات الغربية في التفكير في البشر ككائنات متفوقة، تتميز عن الطبيعة بالثقافة، ومن ثم تسعى إلى الهيمنة عليها. ثم يناقش عالم الاجتماع جاك إيلول، مشكلة التغير في طبيعة التكنولوجيا في المجتمع، ويشير إلى أن التكنولوجيا لم يعد من الممكن اعتبارها وسيطاً بسيطاً بين الإنسان والطبيعة، كما لم تعد أيضاً أداة سهلة الانقياد، لكنها اكتسبت الآن استقلالية شبه كاملة، ولذلك يجب اعتبار التكنولوجيا ظاهرة مستقلة وتتجاوز إطار الآلة.

لكن الثورة الصناعية قلبت هذا النموذج، فوفقاً لإيفان إيليتش، الكاهن والفيلسوف الذي شارك أفكار إيلول ووسّعها، لا بد من التحول التدريجي نحو هيمنة الإنسان على التكنولوجيا للحد من المخاطر المرتبطة بها، وهكذا جعلت المجتمعات الغربية من التكنولوجيا أداة وهدفاً في نفس الوقت.

ومع التقدم التقني، أصبحت وسائل الإنتاج محتكرة بشكل نهائي من قبل المالكين، لذلك بات ضرورياً –وفقاً للكاتبة- التباطؤ في الإنتاج وخفض ما هو غير ضروري في استهلاكنا، أي أنها مسألة إنتاج بكميات كافية حتى يتمكن المجتمع من الوصول إلى احتياجات محددة بشكل جماعي (الصحة والتعليم وما إلى ذلك) بما لا يتجاوز حدود الكوكب الذي يتعرض لخطر إمكانية تلبية هذه الاحتياجات الأساسية. ويسهم ذلك في تحرير البيئة من قيود الرأسمالية والهيمنة التكنولوجية والسعي نحو نظام بيئي متوازن وإيجاد بدائل للموارد غير المتجددة ومواجهة التغير المناخي المُلح.

ختاماً، في كل مكان، هناك انتفاضات جارية، لكن هناك في المقابل اتجاه آخر يعمل بلا كلل للحفاظ على النظام القائم، إنه يدافع بكل الوسائل عن المسار الذي يقودنا نحو هاوية ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 2 إلى 4 درجات مئوية. وعندما يتم تجريم أولئك الذين ينتفضون للدفاع عن عالم صالح للسكن، فإن مجرمي المناخ لا يشعرون بالقلق أبداً ويمكنهم مواصلة عمليات الإبادة البيئية مع الإفلات التام من العقاب. 

المصدر:

Camille Étienne, Pour un soulèvement écologique: Dépasser notreimpuissance collective, Éditions du Seuil, Mai 2023.