أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

خسائر إضافية:

تأثير الاحتجاجات الشعبية في إيران على المشهد الاقتصادي

13 ديسمبر، 2022


اندلعت احتجاجات شعبية في أنحاء مختلفة في إيران بعد وفاة الشابة مهسا أميني في مستشفى بطهران، في سبتمبر 2022، بعد أن تم احتجازها من قبل "شرطة الأخلاق". وفي حين أن الاحتجاجات الحالية تختلف عن سابقتها لمطالبتها بدعم حقوق المرأة قبل أن تتسع المطالب لتشمل إسقاط النظام الحاكم، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي كان أحد أهم العوامل التي أذكت غضب المحتجين. 

وفي ضوء احتمالات استمرار تصاعد حالة الحراك الاجتماعي التي تشهدها إيران حالياً، فمن المتوقع أن تؤدي الاحتجاجات إلى العديد من الخسائر المالية والتجارية، مما يزيد من تأزم المشهد الاقتصادي.

تأزم اقتصادي: 

تحوّلت الاحتجاجات الإيرانية سريعاً إلى حراك اجتماعي تقوده الطبقة الوسطي ضد النظام الحاكم، انطلاقاً من تعثره في إدارة الاقتصاد الإيراني، أو التعامل مع تحدياته، والتي يُمكن إيضاحها على النحو التالي:

1- تفاقم معدلات التضخم: يعتبر ارتفاع معدل التضخم واقعاً متأصلاً في الاقتصاد الإيراني، إذ شهد ارتفاعاً في معظم السنوات خلال العقدين الماضيين، باستثناء عامي 2016 و2017 فقط حيث كانت معدلات التضخم أقل من مستوى الـ 10%، نتيجة رفع العقوبات عن إيران إثر إبرام الاتفاق النووي، بيد أن السنوات الأخيرة قد شهدت تفاقماً في معدلات التضخم، لتبلغ 40.1% خلال عام 2021، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. 


وبالنظر إلى الأشهر الأخيرة، فقد سجل التضخم حوالي 39% في مايو 2022، وفقاً للبنك الدولي، وحالياً تشير معظم التقديرات إلى أن التضخم قد وصل إلى مستويات الـ 50%، في ظل ارتفاع أسعار العديد من السلع نتيجة لإلغاء الدعم؛ مما يزيد من الضغوط على الفئات الاجتماعية في إيران خاصةً ذات الدخل المنخفض، ويؤدي إلى تراجع القوة الشرائية.

2- انخفاض قيمة الريال الإيراني: شهدت العملة الإيرانية انخفاضاً أمام الدولار خلال الأشهر الماضية، ليصل إلى مستويات قياسية من الانخفاض، تأثُراً بتوقف المحادثات النووية بين إيران والقوى الغربية، إذ فقد الريال الإيراني أكثر من ربع قيمته منذ بداية العام ليصل أكثر من 360 ألف ريال مقابل الدولار. وجدير بالذكر أن محاولات السلطات الإيرانية لدعم الريال قد تسببت في تآكل الاحتياطي النقدي.

3- تراجع أداء الاقتصاد: على الرغم من النمو الإيجابي الذي حققه الاقتصاد الإيراني بنسبة بلغت 4.7% خلال العام المالي 2021 / 2022 (الفترة من 21 مارس 2021 وحتى 20 مارس 2022)، فإن ارتفاع معدلات التضخم وتراجع أداء العملة قد أثر سلباً على النشاط الاقتصادي، إذ تتوقع معظم المؤسسات الدولية تراجع معدل نمو الاقتصاد الإيراني خلال العام الجاري.

4- ارتفاع معدلات البطالة: يعاني الاقتصاد الإيراني من ارتفاع معدلات البطالة. ووفقاً لبيانات البنك الدولي بلغ معدل البطالة في إيران 11.5% من إجمالي القوة العاملة خلال عام 2021، وبلغت البطالة بين الإناث نحو 19% وبين الذكور حوالي 9.9%. ولكن على الجانب الآخر، تصر الحكومة على توفيرها للعديد من فرص العمل، حيث أعلنت عن توفير 750 ألف فرصة عمل خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام المالي الجاري، مؤكدة وجود ما يقرب من 300 و400 ألف فرصة عمل من دون طلب.

5- تدهور الأوضاع المعيشية: يعاني الإيرانيون تراجع مستويات المعيشة، في ظل القرارات التي اتخذتها الحكومة بشأن التخلي عن دعم الدولار المخصص لاستيراد السلع الغذائية أو ما يُعرف بالدولار التفضيلي، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع الأساسية بما في ذلك القمح، مما زاد من الضغوط على الأسر الإيرانية. ولم تنجح سياسات الحكومة الإيرانية في تعويض الفئات المتضررة من آثار ارتفاع الأسعار.

6- تزايد معدلات الفقر: ارتفعت معدلات الفقر في إيران مع تدهور الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الماضية، حتى أن حوالي ثلث السكان أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، فيما تشير أحدث إحصاءات صادرة عن البنك الدولي إلى أن معدل الفقر في إيران قد بلغ حوالي 27.6% عام 2019. 

تداعيات الاحتجاجات:

من المتوقع أن تؤدي الاحتجاجات الراهنة، لاسيما حال تصاعد وتيرتها، إلى عدد من التداعيات الاقتصادية السلبية، يتمثل أبرزها فيما يلي:

1- الإضرار بالممتلكات والبنية التحتية: من المتوقع أن تتضر البنية التحتية والممتلكات سلباً نتيجة للاحتجاجات الإيرانية، خاصة في حال استمرار تصاعدها، وقيام المتظاهرين الغاضبين بإشعال النيران وإلحاق الضرر بالمباني والممتلكات العامة. 

2- خسائر انقطاع الإنترنت: غالباً ما تستجيب قوات الأمن الإيرانية للاحتجاجات بقطع الاتصال بالإنترنت. وتشير بعض التقديرات إلى أن انقطاع الإنترنت ليوم واحد يكلف الاقتصاد الإيراني أكثر من 38 مليون دولار. كما أدى انقطاع الإنترنت إلى إلحاق أضرار بالغة بمئات الآلاف من الشركات الصغيرة التي تعتمد على المبيعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

3- مقاطعة شركات الحرس الثوري: بدأ المستهلكون الإيرانيون مقاطعة كبار تجار التجزئة والشركات التي يُعتقد تبعيتها لسيطرة الحرس الثوري وكيانات النظام، حيث تشير التقديرات إلى أن الحرس الثوري يسيطر على قرابة ثلث الاقتصاد الإيراني، ويهيمن على المطارات والموانئ، كما يدير العديد من الشركات. كذلك، تعاني الشركات المتوسطة والصغيرة، نتيجة ضعف المبيعات بسبب تراجع القوة الشرائية للمواطنين واستمرار الاحتجاجات.

4- تباطؤ النمو الاقتصادي: تزامناً مع الاحتجاجات، خفض البنك الدولي توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الإيراني ليصل إلى 2.9% فقط عام 2022، في حين كان البنك يتوقع أن يصل النمو إلى 3.7% خلال ذلك العام. أما خلال العام المُقبل فقد خفض البنك توقعاته إلى 2.2%، مقارنة بتوقعاته السابقة البالغة 2.7%، ليكون هو الأضعف بين الاقتصادات المصدرة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وذلك وفقاً لتقرير البنك الدولي بشأن اقتصادات المنطقة الصادر أكتوبر 2022. 

5- تراجع سعر صرف الريال: يشهد الريال الإيراني تراجعاً أمام الدولار الأمريكي، وسط الضغوط الاقتصادية واستمرار الاحتجاجات. وفي 5 نوفمبر 2022، هبطت العملة الإيرانية على نحو قياسي أمام الدولار خلال التداول، لتصل إلى مستويات أكثر من 360 ألف ريال أمام الدولار، وهو مرشح لمزيد من التدهور في الأسابيع المقبلة.  

6- تأثُر الاستثمارات والصادرات النفطية سلباً: في حال استمرار الاحتجاجات وتزايد حدتها في المقاطعات الغنية بالثروات النفطية، قد تتأثر عمليات الاستثمار في قطاع الطاقة سلباً، فضلاً عن اضطراب عمليات الإنتاج والتصدير. علماً بأن ارتفاع معدلات تصدير النفط والمكثفات قد أدى إلى ارتفاع دخل الخرانة الإيرانية بنسبة 580% خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي الجاري.

7- زيادة معدلات هجرة العقول: تعزز الاضطرابات الاجتماعية من رغبة الشباب الإيراني في الهجرة إلى الخارج في ظل تأزم أوضاع الاقتصاد الإيراني، بحثاً عن فرص تعليمية ومهنية أفضل. ويقدر صندوق الدولي الخسائر المترتبة على هجرة العقول في إيران بحوالي 50 مليار دولار سنوياً.

فرص التجاوز: 

من المتوقع أن تغذي عوامل عدة حالة الحراك الاجتماعي في إيران في الأشهر المقبلة، وذلك بالنظر إلى العوامل التالية:

1- استقرار التضخم عند مستويات مرتفعة: يتوقع صندوق النقد الدولي أن تبقى معدلات التضخم مرتفعة في إيران عند مستويات 25% خلال الأعوام الخمسة المُقبلة، تأثُراً بتراجع قيمة العملة واستمرار العجز المالي والعقوبات، وبالتالي استمرار معاناة الإيرانين من ارتفاع الأسعار وتراجع مستويات المعيشة. وفي السياق نفسه يتوقع البنك الدولي أن يظل التضخم مرتفعاً في إيران ليُسجل 51.2% خلال العام المالي 2022/ 2023، وحوالي 42.6% خلال العام المالي 2023/ 2024.


2- الإخفاق في مواجهة التحديات الاقتصادية: قد لا ينجح النظام الإيراني في الفترة المقبلة في التعامل مع التحديات الاقتصادية والعقوبات الغربية على النحو المرجو من قِبل المواطنين، في ظل محدودية الاحتياطات من العملات الأجنبية التي يمكن الوصول إليها، فضلاً عن تزايد العجز المالي للحكومة، إذ يتوقع البنك الدولي ارتفاع عجز الموازنة العامة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.7% عام 2023، مقارنة بنحو 4.5% عام 2022. وفي الأمد المتوسط، ستتوقف قدرة طهران على إنعاش الاقتصاد بالنهاية على التوصل لاتفاق نووي مع القوى الدولية.

وتبددت الآمال مؤخراً بإحياء المفاوضات الخاصة بالاتفاق النووي بعد اندلاع الاحتجاجات الأخيرة، خاصة مع إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية عن دعمهما للمتظاهرين الإيرانيين، جنباً إلى جنب إلى فشل جولات التفاوض مع القوى الدولية حتى قبل اندلاع الاحتجاجات، وبالتالي سيستمر التأثير السلبي للعقوبات على الاقتصاد الإيراني، مما يضعف من قدرته على جذب الاستثمارات، وتطوير قاعدته الإنتاجية. 

جملة القول إن الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة تعكس درجة كبيرة من الإحباط الشعبي بسبب السياسات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، وفي الوقت نفسه ستتسبب في أضرار ستزيد من إضعاف الاقتصاد الإيراني المتأزم بالفعل. ومن المرشح استمرار تلك الاحتجاجات في الفترة المقبلة، لطالما ظلت السياسات الإيرانية قائمة من دون تغيير.