أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

القمة العربية بالجزائر.. حدود التوافق وأولوية الغذاء

31 أكتوبر، 2022


يمثلُ انعقاد القمة العربية المقبلة في دورتها العادية الحادية والثلاثين المزمع إجراؤها في الجزائر على مدار يومين (الأول والثاني من نوفمبر 2022)، رهاناً على "لمّ الشمل"، ضمن سعي جزائري لتحقيق نجاح في المجالين السياسي والاقتصادي، قد يحقق تقارباً بين العرب، أو على الأقل يخفض من درجة التوتر القائم حالياً بين الدول العربية على خلفية مواقف متباينة حيناً ومتتاقضة حيناً آخر، يظهر فيها جليّاً تقديم مصالح الدولة الوطنية على حساب المصالح القومية.

وفي محاولة الجزائر إنجاح القمة المقبلة من خلال لمّ الشمل العربي، مستعينة بتجربتها منذ أيام قليلة ماضية في لمّ شمل الفصائل الفلسطينية، تصطدم بتغيرات المعطيات على الساحتين العربية العالمية مقارنة بتجاربها في القمم الثلاث التي عقدت على أرضها، حيث كانت الأولى عام 1973، حيث توجت بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد للشعب الفلسطيني كما تمكنت من تحقيق توافق بين العديد من الأطراف المتنازعة حول تمثيل الفلسطينيين آنذاك، في حين عقدت الثانية ـ استثنائية ـ عام 1988، وكانت أيضاً لدعم ومساندة الشعب الفلسطيني في كفاحه، أما الثالثة فقد عقدت عام 2005، وقد تركزت حول إصلاح الجامعة العربية والأجهزة التابعة.

أزمنة العرب الثلاثة:

إذن، لم تعد القضيّة الفلسطينية تخضع لمقاربة واحدة، ـ وإن ظلّت أساسيّة ـ كما لا تمثل، في الوقت الحاضر، الملف الوحيد والأهم للعرب جميعهم، إنما هناك قضايا عربية أخرى أهمّ لا تخصّ السيادة فقط، وإنما تتعلق بالوجود والبقاء، علاوة على وجود تجاذبات حول قضايا عربية بيْنِيَّة، وخلافات تتعلقُ بعلاقات قومية مع دول فاعلة في المنطقة، ومخاوف ذات صلة بالأمن الغذائي، ومطالبات تخصُّ إصلاح الجامعة من الداخل.

القضايا السابقة جميعها، بما تحمله من تصوُّرات عربية للسياسة وللاقتصاد وللأمن بكل أنواعه، خاصَّة الغذائي والمناخي، تجْمَعُ أزمنة العرب بأبعادها الثلاثة، الماضي بتركتِهِ الثقيلة، والحاضر بخلافاتِه ِالعميقة، والمستقبل بتوقعاتِهِ المخيفة في ظل تغير مسار العالم ومصيره، لجهة ظهور قطبية جديدة، متعددة أو ثنائية.  

ولا شك أن تداخل الأزمنة سيؤثر على مخرجات هذه القمة، وسيظهر ذلك في البيان الختامي، بالرغم من حضور الوفود العربية إلى الجزائر برغبة في إنجاح هذا الموعد العربي الذي ينتظر أن يشكل محطَّة كبيرة في مسار العمل العربي المشترك، كما ذكر عبد الحميد شبيرة، سفير الجزائر بمصر ومندوبها الدائم بجامعة الدول العربية، وهنا يطرح السؤال الآتي: ما حدود وقدرة القمة على بناء مواقف عربية متماسكة إزاء أزمات المنطقة في ظل وجود فرص وقيود حول ذلك؟ 

نقاش لحسم الخلاف:

كل المعطيات على الصعيد السياسي، تشير إلى أنه لا توجد مواقف عربية متماسكة إزاء أزمات المنطقة، سواء تعلق الأمر بالتدخلات الخارجية كما هي الحال في اليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، أو بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى الاختلاف حول العلاقة بالآخر من منظور قومي، وربما على خلفيَّة ذلك سيتغيب بعض القادة عن حضور القمة، لكن من دون مقاطعتها. 

لقد أقرَّت الجزائر في اجتماعات المندوبين، ثم وزراء الخارجية، قبل انطلاق اجتماع القادة العرب، كما جاء في تصريحات دبلوماسييها بأن هناك خلافات سجلت بين مندوبي الدول الأعضاء في الجامعة العربية إزاء مسائل سياسية أبرزها علاقة الدول العربية مع كل من تركيا وإيران، معتبرة أن النقاش سيستمر من أجل تعميق التفكير من أجل التوصل إلى تصور مشترك حول مستقبل هذه العلاقات.

الجزائرـ ومعها بعض الدول العربية الأخرى ـ ترى أن تركيا وإيران دولتان إقليميتان محيطتان بالأمن العربي، وتربطهما علاقات متفاوتة بدول عربية معينة، وتلك العلاقات تتداخل فيها التبادلات التجارية مع بعض المسائل المطروحة، ومع ذلك فإن هذا الموضوع قابل للنقاش، والوصول فيه إلى توافق، حسب القاعدة المعمول بها في كل القمم العربية وهي التوافق على الرغم من وجود بعض الاختلافات بين الدول، ما يعني مواصلة النقاش لحسم القضايا الخلافية.

من ناحية أخرى، تنفي الجزائر ـ في ردها على تسريبات إعلامية تم تداولها خلال الأيام السابقة لانعقاد القمة العربية ـ أن تكون بعض الدول العربية قد وضعت شروطاً للحضور، ذلك لأن هذه القمة عادية، تنعقد كل سنة بين الدول الأعضاء بمقتضى نصوص الجامعة العربية المتمثلة في ميثاقها التأسيسي، ولها جدول أعمال مصادق عليه من قبل مجلس وزراء الخارجية، متفق عليها من ناحية المبدأ، ومختلف عنها عند التطبيق.

قضايا حدودها العالم:

سيعرض على القادة، ضمن جدول الأعمال، عدد من المسائل السياسية، منها: القضية الفلسطينية، التي تحتل موقعاً محورياً في هذه القمة، حيث تعدُّ من أهم الملفات المطروحة، وسيتم التركيز على سبل مساعدة الشعب الفلسطيني وقيادته الوطنية في الحصول على حقوقه المشروعة في إقامة دولته المستقلة، وإحياء المبادرة العربية للسلام التي طرحت من طرف السعودية في قمة بيروت 2002م، وتمت الموافقة عليها بالإجماع.

ومنها أيضاً الملف اللِّيبي، الذي يحْظى بالأولوية في النقاش بين الدول العربية، حيث ستطرح جُمْلة من الرؤى حوله، في محاولة جادَّة لمساعدة الليبيين على الخروج من أزمتهم، والوصول بهم إلى حل يرضي جميع الفرقاء، كما سينظر في ملفات أخرى شائكة، أهمها ملف سد النهضة والتطورات التي حصلت بخصوصه والتجاذبات المحيطة به، وكذلك الملف السوري لجهة عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، إضافة إلى ملف إصلاح الجامعة، وهذه الملفات جميعها تتطلب حسماً من القادة العرب.

ومهما كانت أهمية الملفات السابقة، فإنه قد لا تتم الموافقة عليها بصيغتها الحالية، ليس فقط لأن الرؤى حولها محل اختلاف على الصعيد العربي، ولكن لأنها أيضاً محل تدخل من القوى الأجنبية المؤثرة، بل أن بعضها خضع لتدويل مبكر، وبعضها الآخر يتجه نحو التدويل، ولأنها قضايا مشتركة مع الآخرين، وحدودها العالم، فلا ينتظر حلها، وإن كان المتوقع حصول تقارب حولها، من دون أن يؤدي ذلك إلى فتح جبهات جديدة مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة.

القضايا المدرجة على جدول القمة لا تختص بالسياسة فقط بل تشمل الاقتصاد أيضاً، وهذه الأخيرة تحظى بتأييد كل الدول العربية، والدليل أن 24 بنداً، التي تم عرضها على المندوبين والوزراء حظيت بالموافقة من الجميع، وأهمها الأمن الغذائي.. فكيف ذلك؟

أولوية قضايا الاقتصاد:

يشكل الأمن الغذائي القضية الأهم ضمن الملف الاقتصادي، الذي سيعرض على القادة العرب، وهو أيضاً يمثل "الأولوية" في الوقت الراهن، نتيجة للظروف الحالية التي يعيشها العالم، لذلك يسعى العرب اليوم إلى طرح استراتيجية جديدة للأمن الغذائي العربي، الهدف منها كما قال "بهجت أبو النصر" مدير إدارة التكامل الاقتصادي بجامعة الدول العربية هو "الارتقاء بنسبة الاكتفاء الذاتي"، مضيفاً: "أن الأمن الغذائي أصبح أمناً قومياً، ويعلم الجميع ما تُعانيه دول العالم كافة بسبب الحرب الروسية الأوكرانية".

عمليّاً، هناك شعور عربي عام بخطورة نقص الغذاء، وما يتطلب ذلك من عمل جماعي لمواجهة الأوضاع الحالية، فيما يّشي بتقديم الاقتصاد عن السياسة في هذه القمة، وهو ما جاء واضحاً في كلمة "أحمد أبو الغيط"، الأمين العام لجامعة الدول العربية في اجتماع وزراء الخارجية العرب في الجزائر يوم 29 أكتوبر 2022، حين قال: "نأمل أن تشهد القمة العربية تدشيناً لاستراتيجية الأمن الغذائي العربي، في وقت تشتدُّ فيه الحاجة لعمل تكاملي وجماعي لمواجهة الفجوة الغذائية الخطيرة التي يُعانيها العالم العربي، فضلاً عن الأوضاع الاستثنائية والطارئة في بعض الدول العربية، ومنها الصومال على سبيل المثال، والذي يقف نحو نصف سكانه على شفا المجاعة".

على الرغم من أن الأمن الغذائي يحظى بالأولوية في هذه القمة ـ كما سبق الحديث ـ فإنه سيعرض مرفقاً بالحديث عن قضايا أخرى مهمة، منها أزمة الطاقة العالمية لجهة تأثر العرب بها سلباً وإيجاباً، والحديث من جديد على منطقة التجارة العربية الحرة، وسبل ترقية الاستثمار والشراكة بين الدول العربية، وضرائب الاقتصاد الرقمي، وتنشيط العديد من المعاهدات والاتفاقيات والمشاريع العربية المشتركة، مثل الاتحاد الجمركي العربي، وإنشاء سكك حديد واحدة، ومشاريع زراعية وصناعية في إطار تكامل الموارد وعناصر الإنتاج بين أقطار الأمة.

وإذا كانت المعطيات الحالية تكشف - مُسْبقاً - عن أهمية الملف الاقتصادي، فإن هذا لا يعني أن القمة العربية في الجزائر ستكون مختلفة في القرارات التي ستصدر عنها عن مواقف القمم العربية السابقة، لجهة حدوث توافق ـ غير ملزم ـ لإنجاح القمة، من دون أن يتم الحسم في أزمات متراكمة، يحول دون تحقيقها عدم وجود مواقف عربية متماسكة.

قمة في عصر جديد:

لا شك أن هذه القمة ستتأسَّس على عاملين، الأول: تجارب القمم العربية السابقة من حيث مخرجات نتائجها، خاصة قرارات العمل العربي المشترك، مثل معاهدة الدفاع العربي المشترك، والوحدة الاقتصادية العربية، والسوق العربية المشتركة، والتي لم تدخل حيز التطبيق، إلا في حالات نادرة، وضَعُفَت أمام أزمات كبيرة عبر رحلة زمنية عربية طويلة، قاربت 77 عاماً.

والثاني: المواقف العربية الراهنة حول القضايا المصيرية العربية، مثل: القضية الفلسطينية، والحروب الدائرة في كل من: الصومال، واليمن، والعراق، وسوريا، وليبيا، ومستقبل السلام العربي مع إسرائيل، والأمن المائي العربي (سد النهضة نموذجاً)، والموقف من دول الجوار العربي، خاصة إيران وتركيا. 

واضح أن العامل الثاني سيكون الأكثر تأثيراً على قرارات القادة في هذه القمة، ولأن لكل دولة رؤيتها الوطنية الخاصة، والتي هي في الغالب مناقضة للمواقف القومية المنتظرة، فإن الاتفاق أو التقارب، وما يتبعهما من صيغ مشتركة يعتبر إنجازاً، في ظل وجود فرص دولية مناسبة أكبر من القيود، نتيجة انشغال القوى الدولية الكبرى بصراعاتها، ووقوع حروبها خارج الفضاء العربي، ودورنا الفاعل على المستوى العالمي في مجال الطاقة.    

وعلى خلفية الفرص المتاحة للعرب، رغم وجود خلافات بينهم - جماعية وبينية - فإن القمة العربية في الجزائر، ستعالج - كما هو معروف - قضايا متفجرة وأزمات ساخنة، تتعلق بحاضر العرب ومستقلبهم، لأجل لمَّ الشمل ولو في حده الأدنى، وهذا يثبت الدور الأساسي للجامعة العربية، ليس فقط من حيث هي إطار لتجمع العرب، وإنما لأنها كيان فاعل ستدخل عصراً جديداً آخذاً في التَّشكُّل، وهي رفيقة درب المنظمات الدولية الكبرى.

يبقى أن ما ستسفر عنه نتائج القمة العربية في الجزائر، لا يعود لهذه الأخيرة من حيث النجاح أو الفشل، لأن مهمتها التنظيم، وما هي إلا دولة عربية واحدة من بين 22 دولة، إنما تحسب النتائج للعرب جميعهم، ومع ذلك فإن القيادة الجزائرية تراهن على نجاح العرب في هذه القمة، ولذلك غامرت بأن تربط تاريخ انعقادها بتاريخ انطلاق ثورتها، وفي ذلك محبة قومية خالصة، تطوُّع فيها الجزائر تاريخها لصالح كل العرب، تماماً مثلما كانوا لها عوناً عند انطلاق ثورتها في الأول من نوفمبر عام 1954.