أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

موقع الإرهاب من السياسة الأميركية

30 يناير، 2018


تقاطعت السياسة الأميركية غير مرة مع الظاهرة الإرهابية، وأتخير في هذا الشأن حالات ثلاث لا لبس فيها، الأولى تتعلق بتنظيم «القاعدة» والثانية بـ«داعش» والثالثة تتعلق بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وفي الحالة الأولى التقت المصالح الأميركية كما يراها صانعو القرار في الولايات المتحدة مع مصالح «القاعدة»، فقد كان الصراع على زعامة العالم لا يزال موجوداً بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق على رغم الانفراج الذي وجد طريقه إلى العلاقات بينهما في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وهكذا كان من مصلحة الولايات المتحدة أن تهزم الوجود العسكري السوفييتي في أفغانستان الذي كان هدفه حماية نظامها الشيوعي آنذاك، بينما كانت «القاعدة» تحارب هذا الوجود من منطلق أيديولوجي بمعنى حرب «الإسلام ضد الكفر». وفي هذا الإطار لقيت «القاعدة» دعماً أميركيّاً لا لبس فيه، واعترف زعيمها أسامة بن لادن بعد انتهاء الحرب بتقاطع المصالح الذي وقع بين تنظيمه والإدارة الأميركية في تلك الحرب التي دفع العرب ثمناً فادحاً لها بعد عودة من أُطلق عليهم اسم «الأفغان العرب».

أما المرة الثانية فكانت بعد غزو العراق في 2003 وهنا لعبت الولايات المتحدة دوراً فاعلاً في خلق ظاهرة «داعش» ولو بطريق غير مباشر، فقد أدت سياسات الاحتلال إلى تفكيك الدولة والمجتمع في العراق، ووظفت المتغير الطائفي أسوأ توظيف في خدمة أغراضها، فكانت النتيجة أن مؤسسات العراق قبل الاحتلال كانت بعد تفكيكها مصدراً للعناصر التي تدفقت على «داعش» سواء لأسباب وطنية أو طائفية بعد وصول شعور سُنة العراق بالتهميش مداه.

وقد اعترف الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بالمسؤولية غير المباشرة للإدارة الأميركية عن خلق «داعش»، كما لم ينس الرئيس الأميركي الحالي أيضاً أثناء حملته الانتخابية أن يتهم الإدارة الأميركية بالتهمة ذاتها، وكل هذا فضلاً عن وجود اتهامات بدور مباشر لها أو لغيرها في ذلك التطور الخطير الذي بدا في حينه نهاية لفكرة الدولة الوطنية. وهكذا يبدو مما سبق أن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً مباشراً في تقوية «القاعدة» إبان الحرب الأفغانية لالتقاء مصالحهما، بينما لعبت دوراً غير مباشر على الأقل في ظهور «داعش» في العراق بسبب سياسات إدارة الاحتلال الأميركي آنذاك.

وأما الآن فيبدو أننا إزاء حالة جديدة ذات طابع مستقبلي من حالات علاقة السياسة الأميركية بالظاهرة الإرهابية، ولأنها ما زالت في طور التوقع وجب التنبيه إليها والتحذير منها لأن وطننا العربي عانى بما فيه الكفاية من الظاهرة الإرهابية. لقد كنا نتحدث كثيراً أن عدم حل الصراع العربي- الإسرائيلي سيكون سبباً أصيلاً للإرهاب على أساس أن ممارسات الاحتلال الظالمة والأفق المسدود للخلاص منه سيدفعان بالفلسطينيين إلى سلوك سبيل العنف بشتى أشكاله. وقد حدث هذا بالفعل في سنوات كثيرة، وإن كان ولوج طريق الحل الدبلوماسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين اعتباراً من اتفاقية أوسلو قد أوجد نوعاً من الاسترخاء في الحركة الوطنية الفلسطينية أفسح الطريق لاحقاً لانتفاضة الأقصى في 2000. واعتباراً من تولي محمود عباس سدة الرئاسة وهو المعروف باعتداله الشديد ساعد في استعادة الهدوء في فعاليات حركة التحرر الوطني الفلسطينية ولكن روحها لم تنطفئ أبداً، فكلما حدث أمر خارج عن المألوف انتفض الشعب الفلسطيني، وكانت آخر الأمثلة المشرّفة لنضال هذا الشعب هي انتفاض أبناء القدس ضد قيام رئيس الوزراء الإسرائيلي بتركيب بوابات إلكترونية للمسجد الأقصى ونجاحهم في إجباره على التراجع عن قراره.

ونواجه الآن كذلك قرار الرئيس الأميركي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهو قرار من شأنه إذا استمر أن يحسم أهم قضايا الوضع النهائي قبل أن يبدأ التفاوض ويسبب مزيداً من الإحباط وانسداد الأفق أمام الفلسطينيين، ومن ثم يدفعهم دفعاً إلى العنف. ولكن الرئيس الأميركي لم يكتفِ بهذا وإنما أعلن عن تعليق نصف المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لوكالة غوث اللاجئين. وهنا نصل إلى مرحلة التجويع لملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في الدول الملاصقة لإسرائيل، وهكذا يملأ الرئيس الأميركي كأس الإحباط إلى نهايته ويزيد من فرص تفجر العنف في فلسطين على نحو غير مسبوق.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد