أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تفاهمات محتملة:

تحركات تركية في ليبيا استباقاً لمحاولة تشكيل حكومة جديدة

09 ديسمبر، 2022


رصدت بعض التقارير الغربية وصول عدة طائرات عسكرية من سلاح الجو التركي إلى قاعدة الوطية بغرب طرابلس، في نهاية نوفمبر 2022، والتي تستهدف من خلالها أنقرة ترسيخ نفوذها في طرابلس، تحسباً لأي ترتيبات جديدة يمكن أن تفرزها التحركات الإقليمية الراهنة.

تحركات تركية لافتة:

شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات تركية ملفتة في الملف الليبي، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- تعزيز الوجود العسكري في طرابلس: رصدت مصادر غربية مختصة في تتبع حركات الملاحة الجوية وصول نحو أربع طائرات شحن من سلاح الجو التركي إلى قاعدة الوطية العسكرية بغرب طرابلس، في مؤشر على سعي أنقرة تعزيز وجودها العسكري في ليبيا، خاصةً بعدما أشارت تقارير محلية ليبية إلى خروج نحو 20 حاوية من قاعدة الوطية باتجاه العاصمة طرابلس بعد ساعات قليلة من وصول الطائرات التركية إلى القاعدة العسكرية.

كذلك رصدت تقارير ليبية أخرى، في 22 نوفمبر الماضي، دخول فرقاطة حربية تركية إلى قاعدة الخمس البحرية بغرب ليبيا، وذلك بعد يوم واحد من وصول فرقاطة تركية أخرى إلى القاعدة نفسها، وهو ما يتسق مع التقارير التي أشارت إلى أن أنقرة عمدت مؤخراً إلى إنشاء مركز تدريب بحري مشترك في مدينة الخمس، بعدما اتفقت تركيا مع حكومة الدبيبة على تفعيل مذكرة التعاون العسكري والأمني المثيرة للجدل والموقعة مع حكومة الوفاق السابقة في 2019.

2- استمرار التعاون مع قوات غرب ليبيا: شارك قائد القوات التركية في ليبيا، عثمان إيتاج، في 24 نوفمبر 2022، في حفل تخريج دفعة جديدة من قوات المشاة والمدفعية والمدرعات الذين تلقوا تدريبات عسكرية من خلال الضباط الأتراك الموجودين في طرابلس. وفي هذا السياق، ألمح رئيس أركان القوات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، محمد الحداد، أنه يجري حالياً العمل على تشكيل لواءي مشاة ومدفعية بالتنسيق مع أنقرة.

وعلى المنوال ذاته، عقد المستشار الأمني بالسفارة التركية في طرابلس اجتماعاً مع وكيل وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، محمود سعيد، حيث تم الاتفاق على خطة مشتركة لتعزيز التعاون والتدريب بين وزارتي الداخلية في طرابلس وأنقرة.

حراك إقليمي ودولي مكثف:

تتزامن التحركات التركية تجاه ليبيا بعدد من التطورات، الداخلية والإقليمية والدولية، والتي يمكن عرضها على النحو التالي:

1- دعوات أوروبية لإلغاء ترسيم الحدود: أصدر البرلمان الأوروبي، منتصف نوفمبر 2022، مجموعة من التوصيات بشأن الملف الليبي، حيث اعتبر مذكرة التفاهم التي وقعتها حكومة الدبيبة مع أنقرة، مطلع أكتوبر 2022، والتي تتيح لتركيا التنقيب عن النفط والغاز الليبيين غير قانونية، كونها تقع في المناطق الاقتصادية الخالصة لليونان وقبرص، وطالب البرلمان الأوروبي بضرورة إلغاء المذكرة، كما دعا كافة الأطراف الفاعلة في الملف الليبي للامتناع عن تأجيج التوترات عبر التداخلات العسكرية المباشرة، مع التأكيد على ضرورة سحب المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا. 

ويبدو أن تركيا تتخوف من تنامي الرفض الأوروبي لدور الأولى في غرب ليبيا، ولذلك سعت إلى ترسيخ وجود عسكري طويل الأمد في طرابلس، يعزز من نفوذها ويضمن تأمين مصالحها الاقتصادية والجيواستراتيجية.

2- مباحثات صالح – المشري في القاهرة: استضافت القاهرة، نهاية نوفمبر 2022، مشاورات موسعة بين رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، وذلك في إطار التفاهمات الراهنة بين مجلسي النواب والدولة، حيث أكد صالح التوصل إلى توافقات كبيرة بين المجلسين بشأن حسم ملف المؤسسات السيادية، وكذا الحال بالنسبة لإعادة هيكلة سلطة تنفيذية موحدة. وفي هذا السياق، تستهدف تركيا من تحركاتها الأخيرة ضمان استمرارية دورها بغض النظر عن استمرار حكومة الدبيبة من عدمه.

3- تقارب مصري – تركي محتمل: شهدت الآونة الأخيرة عودة الحديث عن احتمالات تقارب بين القاهرة وأنقرة، وذلك بعد اللقاء الذي جمع الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ونظيره التركي، رجب طيب أردوغان، في الدوحة، فضلاً عن تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بأن بلاده تتطلع للتعاون مع مصر ودولة الإمارات لتسوية الأزمة الليبية. وبالتالي تعكس التحركات التركية الأخيرة في ليبيا أن أنقرة حتى وإن كانت مستعدة لتقديم بعض التنازلات في الملف الليبي للتقارب مع القاهرة، غير أنه يبدو أن أنقرة تسعى لإرسال رسالة لمصر بأن هذا التقارب لن يدفع أنقرة لسحب قواتها الموجودة في طرابلس.

4- انخراط قطري متنامٍ: تسعى الدوحة لتعزيز حضورها في الملف الليبي، عبر محاولة لعب دور الوسيط بين الأطراف الإقليمية الفاعلة في الأزمة، وهو ما انعكس في اللقاء الذي أجراه المبعوث الأممي إلى ليبيا، عبد الله باتيلي، إلى قطر، والمشاورات التي أجراها مع نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثان. 

كذلك، عقد رئيس مجلس النواب الليبي، عقيلة صالح، في 24 نوفمبر الماضي، اجتماعاً مع سفير قطر لدى ليبيا، خالد الدوسري، حيث أكد الأخير على دعم الدوحة لجهود تسوية الأزمة الليبية، وتحركات البرلمان الليبي لتهيئة الظروف المواتية لإجراء الانتخابات وفقاً لقاعدة دستورية متفق عليها.

انعكاسات محتملة:

هناك جملة من الانعكاسات المحتملة التي ربما تتمخض عن الحراك الداخلي والإقليمي الراهن في الملف الليبي، وما اتبعه من تحركات تركية لافتة، ويمكن عرض هذه الانعكاسات على النحو التالي:

1- استمرار المشاورات حول حكومة جديدة: يبدو أن التوافقات التي تم التوصل إليها بين رئيسي مجلسي النواب والدولة في القاهرة، برعاية أممية، ستعقبها مباحثات أخرى بين الطرفين في الداخل الليبي، في محاولة لحشد أكبر قدر ممكن من الدعم الداخلي لهذه التوافقات. وربما يدعم هذا الطرح الإعلان عن جولة جديدة من المباحثات بين صالح والمشري في مدينة الزنتان بغرب ليبيا، بحضور المبعوث الأممي لدى ليبيا، عبد الله باتيلي، لاستكمال النقاش حول المناصب السيادية والسلطة التنفيذية والقاعدة الدستورية.

وعلى الرغم من إعلان باتيلي تعثر إجراء هذا اللقاء، والذي كان مقرراً له 4 ديسمبر 2022، لأسباب لوجستية، فإن هناك تقديرات أخرى أرجعت هذا التعثر إلى اعتراض بعض المجموعات المسلحة الموالية للدبيبة في الزنتان على استضافة هذا اللقاء، خاصةً أن هذا الاجتماع كان من المفترض أن يتضمن الإعلان بشكل رسمي عن انطلاق مسار تشكيل حكومة جديدة موحدة، وفتح الباب أمام الترشح للمناصب السيادية.

2- استئناف جهود إنجاز القاعدة الدستورية: ألمح صالح أن تأخر مشاورات اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة الخاصة بمناقشة القاعدة الدستورية جاء نتيجة تعطل عملية تسمية مبعوث أممي جديد في ليبيا خلال الفترة السابقة، لكنه أشار إلى أن الأيام المقبلة ستشهد استئناف عمل هذه اللجنة في القاهرة، من أجل التوصل إلى اتفاق الطرفين على القاعدة الدستورية، تمهيداً لطرحها للاستفتاء.

3- استمالة الدبيبة الموقف التونسي: عكست زيارة الدبيبة إلى تونس ولقاؤه الرئيس التونسي، قيس سعيد، ورئيس الحكومة التونسية، نجلاء بودن، أحد أبعاد تحركات الدبيبة لتعزيز وضعه في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية عليه.

وتأتي زيارة الدبيبة إلى تونس، على رأس وفد كبير من حكومته، ضم محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصادق الكبير، ووزير الاقتصاد، محمد الحويج، والمالية، خالد المبروك، ووزير الداخلية المكلف، عماد الطرابلسي، بعد فترة من الفتور التي طغت على علاقة حكومة الدبيبة وتونس خلال الفترة الماضية، على خلفية انزعاج الدبيبة من التقارب النسبي الذي أبدته تونس لحكومة فتحي باشاغا، لكن يبدو أن التقارب الراهن في علاقة تونس والجزائر شكل محدداً حاسماً في إعادة بلورة الموقف التونسي، لا سيما في ظل الدعم الجزائري لحكومة الدبيبة.

كما تأتي الزيارة قبل أيام قليلة من الزيارة المفاجئة التي قامت بها رئيسة الحكومة التونسية، نجلاء بودن، إلى الجزائر، وزيارة وزير الخارجية الجزائري، رمطان لعمامرة، إلى تونس، وهو ما عكس مؤشرات مهمة بشأن احتمالية تشكيل تكتل ثلاثي، يسعى الدبيبة لتوظيفه في تعزيز موقفه الداخلي.

وفي الختام، يمكن التأكيد أنه على الرغم من تعثر تنظيم لقاء صالح – المشري في مدينة الزنتان بغرب ليبيا، بيد أن غالبية التقديرات رجحت أن تشهد الفترة المقبلة التحضير لعقد لقاء جديد بين الطرفين في إحدى المدن الليبية، للإعلان بشكل رسمي عن مخرجات التوافقات الراهنة بينهما، حيث طرح المشري فكرة تشكيل حكومة جديدة، فضلاً عن الاتفاق على تشكيل "لجنة حوار" منوط بها متابعة عملية تنفيذ الاتفاق المبرم. وعلى الرغم من وجود شكوك بشأن قدرة المجلسين على تنفيذ أي توافقات يتم التوصل إليها، فإن وجود دعم أممي لهذه التوافقات، فضلاً عن استنادها لتفاهمات إقليمية، يمكن أن يسهل عملية تنفيذها.