أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تراجع السمعة:

تقييم أداء الأسلحة الروسية العسكرية في الحرب الأوكرانية

03 يوليو، 2022


يتمتع قطاع الصناعات الدفاعية الروسية بسمعة قوية منذ نهاية الحرب الباردة، نظراً لاستفادة هذا القطاع من عقود من الاستثمارات الضخمة تحت مظلة الاتحاد السوفييتي السابق. ولا تقّل أنظمة الدفاع الروسية المختلفة في الواقع، من مقاتلات الجيل الخامس إلى أنظمة الدفاع الجوي مروراً بالرادارات، كفاءة عن أنظمة رواد صناعة الأسلحة في أمريكا الشمالية وأوروبا وغيرهما.

ويتجلى ذلك دورياً في موكب عيد النصر الذي يُقام في روسيا في مايو من كل عام، والذي يستعرض أحدث المعدات التي تنتجها مصانع الأسلحة الروسية بلا توقف. وكان أبرز ما تم استعراضه هذا العام هو دبابة أرماتا من طراز "تي – 14"، والتي تفوقت في نظر الكثير من المحللين الدوليين تفوقاً كبيراً على جميع الدبابات الروسية السابقة، كما أنها لا تقل عن نظيرتها الموجودة في سوق الدبابات .

وهناك الكثير من الدول الأخرى التي تتطلع للتعاون مع روسيا في مجال الصناعات الدفاعية، فالصين مثلاً، والتي ربطتها بموسكو شراكة استراتيجية وثيقة على مدار العقد الماضي، تتطلع إلى التعاون مع روسيا لإنتاج الأسلحة نظراً لخبرة الأخيرة في مجالات التكنولوجيا المختلفة. وعلاوة على ذلك، تعد روسيا ثاني أكبر مُصدّر للأسلحة في العالم. ومن المعروف أن انخفاض الأسعار وتراخي القيود على الصادرات ليسا العاملين الوحيدين اللذين يجذبان مستوردي الأسلحة إلى الأسلحة الروسية فحسب، بل لأن هؤلاء المستوردين أيضاً يرون أن روسيا تنتج معدات عسكرية عالية الجودة.

ويمكن القول إن التقارير الإعلامية المكثفة عن الأداء المتواضع للمعدات العسكرية الروسية، الذي ظهر خلال "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، قد أضر بسمعة موسكو، باعتبارها رائدة في إنتاج الأسلحة على مستوى العالم. لذا يرى العديد من المحللين أن الأسلحة الروسية تبدي كفاءة في المواكب الاستعراضية، ولكن سرعان ما تنكشف عدم كفاءتها في الحروب الحقيقية في العالم الواقعي. ولكن هل التصور السائد بعدم كفاءة الأسلحة الروسية أثناء حرب أوكرانيا مبرراً للتوصل للاستنتاج السابق؟

سرديات الحرب:

نظراً للاختلال الهائل في توازن القدرات العسكرية بين أوكرانيا وروسيا، تعتمد المقاومة الأوكرانية على العوامل النفسية بقدر ما تعتمد على مواردها المادية، أو ما تتلقاه من مساعدات أجنبية. ودفعت الرغبة في الحفاظ على الروح المعنوية للشعب والقادة العسكريين الأوكرانيين إلى المبالغة في استعراض الخسائر الروسية والتهوين من الخسائر الأوكرانية. 

ولجأ الأوكرانيون إلى حملة ذكية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لم يفوتوا أي فرصة لنشر صور ومقاطع فيديو للهياكل المحترقة لناقلات الجنود المدرعة، وعربات المشاة القتالية، لاسيما من طراز "تي – 72" (T – 72) المنتشرة في كل مكان. وكنتيجة لتضافر جهود المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام ومحللي الاستخبارات الخاصة، الذين بالغوا في كم "الأضرار التي لحقت بالدبابات الروسية"، تصاعدت الأقوال بضعف قدرة أنظمة الدفاع الروسية على الصمود أمام الهجمات. ولكن قد يُعزى ذلك لسوء القرارات التكتيكية المتعلقة بتوظيف الدبابات والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، وليس لعدم كفاءة المعدات في حد ذاتها .

وبغض النظر عن الدبابات، من الواضح أن القوات الروسية دخلت الحرب من دون إمدادات مناسبة، بل ومن دون بعض المعدات الأساسية. غير أن حاجة الجيش الروسي الملحة والواضحة إلى المعدات الطبية الأساسية، والمعدات الأساسية المعدة للاستهلاك التجاري والمصنوعة في الخارج مثل الدرونز، دفعت بعض الروس للتساؤل عن الأوجه التي ينفق عليها الكرملين ميزانيته الدفاعية، والتي تُقدر بحوالي 3% من إجمالي الناتج المحلي . 

ومنذ بداية الغزو، ظهرت أدلة على نطاق واسع على مواجهة الجيش الروسي مشكلات متعلقة باللوجستيات والإمدادات في أوكرانيا ، حتى أن بعض التقارير الإعلامية الأوكرانية ذكرت أن بعض الجنود الروس قد سرقوا أحذية من الأوكرانيين. لكن أكثر ما ظهر فيه أوجه العجز في النواحي التكنولوجية هو عدم جودة معدات الاتصالات أو نقصها، فالمعلومات والتقارير الاستخباراتية مفتوحة المصدر، والصادرة من أوكرانيا تشير إلى ضعف الاتصالات اللاسلكية فيما بين القوات الروسية، لذا اضطرت القوات الروسية إلى اعتماد حلول مؤقتة، ومنها استخدام إشارات لاسلكية غير مشفرة للاتصالات بعيدة المدى والهواتف المحمولة للتواصل. وهكذا تتمكن القوات الأوكرانية من العثور على مواقع القوات الروسية والاشتباك معها من خلال الكشف عن مصادر البث اللاسلكي وتحديد مواقعها .

القوات الجوية "الفضائية":

تم ضخ مليارات الدولارات في الطائرات العسكرية الروسية على مدى السنوات العشر الماضية. ويُعتقد أن القوات الجوية قد ضمت في العقد الماضي حوالي 440 مقاتلة جديدة ثابتة الجناحين، بالإضافة إلى آلاف الطائرات المسيرة . غير أن القوات الجوية الفضائية الروسية لم تدخل المعركة بثقلها الكامل، لذلك يصعب تقييم الفاعلية التشغيلية لأحدث نماذجها تقييماً كاملاً، فيبدو، على سبيل المثال، أن هذه القوات لم تلجأ لاستخدام طائرات "سوخوي سو – 57"، وهي المقاتلة الشبح الوحيدة في روسيا، في القتال سوى مرات معدودة . ولقد تعرضت النماذج الأقدم من طراز سوخوي "سو – 34" و"سو – 35"، التي تشبه في بعض النواحي طائرات إف-15 الأمريكية وطائرات تايفون الأوروبية، لخسائر فادحة في أوكرانيا .

ومع ذلك، منيت المروحيات الهجومية الروسية من طراز كا-52 المعروفة باسم "التمساح" بأكبر الخسائر. وكان هذا متوقعاً نظراً لأن هذه المروحيات تتقدم المعركة بدعم من الوحدات البرية عن كثب، لذا فهي الأكثر تعرضاً للصواريخ الأرض – جو.

وعلى الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها المقاتلات والمروحيات الروسية، لعبت القوات الجوية الفضائية الروسية دوراً داعماً في الحرب. لذلك، لم تتضرر سمعة روسيا كأهم مُصنّع للطائرات العسكرية تضرراً كبيراً. وقد يكون هذا عاملاً جزئياً في قرار الاعتماد على الهجوم بالذخائر عالية الدقة بعيدة المدى بدلاً من الاعتماد على مثيلاتها التي يتم إطلاقها من الطائرات.

استعادة القوة: 

إن براعة روسيا التكنولوجية، حتى وإن كانت مثالية، لم تفلح في مساعدة جيشها على تحقيق أهداف الحرب المباشرة المتمثلة في الإطاحة بالحكومة والاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي. وهكذا فإن الصعوبات التي واجهتها روسيا في الأسابيع والأشهر الأولى من الحرب لا تعزى في الأساس إلى ضعف أداء ترسانتها المتطورة من الأسلحة، فمشكلات روسيا باختصار ليست فنية، وإنما تنبع من ضعف القيادة الاستراتيجية إلى جانب عدم تدريب الجنود التدريب المناسب.

وفي الأسابيع الأخيرة، أطلقت روسيا وابلاً من نيران المدفعية الثقيلة على مواقع أوكرانية متعددة في جنوب البلاد وشرقها. واليوم تتواجه المدفعيات من الجانبين في مساحات مفتوحة شاسعة، عبر تضاريس تحرم الأوكرانيين من فرصة نصب كمين لخصمهم. ويتجاوز مدى الكثير من الأسلحة الروسية مدى أسلحة أوكرانيا، لذا تحاول القوات الأوكرانية الصمود تحت القصف المستمر في انتظار أسلحة ذات مدى أطول تأتيهم من الغرب. وتمر الحرب الآن بمنعطف حاسم، فإذا حققت روسيا مكاسب كبيرة من خلال الاستنزاف، فقد تستعيد مصانعها العسكرية بعضاً من سمعتها، ولكن من خلال مبارزات المدفعية التي يغلب عليها طابع أوائل القرن العشرين.. وهذه هي المفارقة.

وعلى الرغم من تزايد اعتماد روسيا على المدفعية حالياً، سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الكرملين لن يحاول أن يكون رائداً لأنواع التقنيات التي يُظن أنها ستحدد شكل الحروب المستقبلية. ولقد استعرضت روسيا مرة أخرى المركبة القتالية المسيرة "أوران – 9" في موكب النصر في مايو هذا العام. ولقد صُمم هذا النظام ليعمل كدبابة يتم التحكم فيها عن بعد، وتمت تجربته بالفعل في سوريا. 

وعلى الرغم من المشكلات الخطيرة المتعلقة بأنظمة التحكم عن بُعد، والتي عجزت على ما يبدو عن تحديد مواقع أهداف العدو أو ضربها في نطاقات معينة ، فإن "أوران – 9" تعكس إصرار الكرملين على تصدره الجبهة التكنولوجية في المستقبل في بعض المجالات الرئيسية للتقنيات الجديدة. وللرئيس بوتين مقولة شهيرة تم تداولها بكثرة، مفادها أن من سيقود مجال الذكاء الاصطناعي سيحكم العالم، وتشير هذه المقولة إلى عقيدة أكبر، وهي أن التفوق التكنولوجي يعني التفوق العسكري، بغض النظر عما قد تكشفه لنا بعض الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا .