أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

إصلاح البنتاجون:

أشتون كارتر يواجه تحديات من كل اتجاه

27 فبراير، 2015


إعداد: مروة صبحي

تقلد "أشتون كارتر" رسمياً منصب وزير الدفاع الأمريكي خلال شهر فبراير الجاري 2015، ليصبح بذلك وزير الدفاع الـ 25 في تاريخ الولايات المتحدة، حيث يأتي توليه هذا المنصب في وقت تواجه فيه واشنطن عالماً مضطرباً وغير مستقر، في ظل استمرار الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك استمرار الصراع في أفغانستان، بالإضافة إلى التوترات في آسيا والمحيط الهادي، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، فضلاً عن الخلافات مع روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية.

وفي ضوء تلك التحديات والمخاطر التي تنتظر "أشتون كارتر"، أعد مركز الأمن الأمريكى الجديد دراسة بعنوان: "أفكار للتنفيذ.. مقترحات لوزير الدفاع الأمريكي الخامس والعشرين", وهي الدراسة التي أعدها مجموعة من الباحثين بالمركز, حاولوا من خلالها تسليط الضوء على التحديات الخارجية التي تواجه البنتاجون في مختلف مناطق العالم، وتقديم توصيات للتغلب عليها.

ركائز الاستراتيجية الجديدة

بدايةً يتطرق كل من Shawn Brimley – مدير الدراسات في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وJerry Hendrix  - مدير برنامج التقديرات والاستراتيجيات الدفاعية بالمركز، و Paul Scharre- الباحث في المركز، إلى أن الاستراتيجية الثالثة للجيش الأمريكي "Third offset strategy" ترتكز على "التفوق التكنولوجي". وكانت الاستراتيجية الأولى ارتكزت على "الردع النووي" في خمسينيات القرن الماضي, والثانية على "نظام الذخائر الموجهة" في سبعينيات القرن نفسه. ويبدو أن النجاح الذي يريد البنتاجون تحقيقه هو تفوق عسكري– تكنولوجي في المنافسة مع أي خصم محتمل على المدى الطويل.

وفي ضوء ذلك, يرى الباحثون أن هناك سببين يُلزمان "أشتون كارتر" بالتحرك سريعاً لإنجاز تلك الاستراتيجية: الأول, ما لم يُغيَّر الكونجرس قانون مراقبة الميزانية, فإن ذلك سيؤدي إلى جملة من استقطاعات ميزانية الدفاع عام 2016, وبالتالي يقود إلى جولة أخرى لمواصلة البنتاجون خفض نفقاته, ما سيؤثر سلباً على قدرات الجيش الأمريكي. ومن ثم، ينبغي العمل مع زعماء الكونجرس للحد من الشكوك حول ميزانية البنتاجون. السبب الثاني, يتعلق بالحاجة إلى وقف تآكل القدرات التكنولوجية للجيش الأمريكي، إذ تمتعت الولايات المتحدة لعقود طويلة بالهيمنة التكنولوجية. وفي الخمسينيات, استثمر القادة العسكريون في القوة النووية لموازنة المزايا التي امتلكها الاتحاد السوفيتي حينها في أوروبا، لكن بدأت تتآكل هذه الميزة عندما توصل السوفييت إلى التكافؤ النووي في السبعينيات والثمانينيات.

ويحذر الكتَّاب من أن الولايات المتحدة تقترب من عصر تنتشر فيه الأسلحة الموجهة وتكنولوجيا الاختراق, على نطاق واسع, بين الجيوش النظامية والفاعلين من غير الدول, وهو ما يحرم الجيش الأمريكي من كونه المهيمن على امتلاك تلك الأسلحة خلال الربع الأخير من القرن الماضي، حتى إنه في بعض السيناريوهات, قد يقترب خصومها من درجة من التكافؤ التكنولوجي معها.

وتؤكد الدراسة أنه حتى مع اعتبار الحل التقني للاستراتيجية الثالثة ممكناً في الوقت الراهن, فإنه لا يستطيع البقاء على المدى الطويل بسبب تسارع معدلات تطور التكنولوجيا وانتشارها. ومن ثم، يمكن لكارتر أن يُزيد من فرص نجاحه من خلال تركيزه على برامج الدفاع الأساسية التي تُشكل ركائز استراتيجية جديدة, على النحو التالي:

1 ـ قاذفات طويلة المدى: تحتاج الولايات المتحدة بشكل متزايد إلى طائرات قاذفة بعيدة المدى، تعمل لمسافات بعيدة, وتحمل أسلحة نووية وتقليدية موجهة.

2 ـ الهيمنة تحت البحر: يتطلب الجيش الأمريكي تطوير قدراته تحت البحر، لأجل الحفاظ على قوته الضاربة, حيث يمكن للقوات الاقتراب من سواحل العدو.

3 ـ التكنولوجيا الناشئة: بمعنى تطوير عدد من القدرات التكنولوجية للجيش مثل الأسلحة الكهرومغناطيسية والموجهة, والصواريخ الباليستية الحاملة لرؤوس نووية, وأبعاد مختلفة من القوة السيبرانية. ومن ثم، يتعين على "كارتر" اتباع استراتيجية قائمة على زيادة الإنفاق على التطوير والبحث العلمي في ذلك المجال.

أجندة إصلاح البنتاجون

يواجه البنتاجون تحديات داخلية متزايدة تلوح في الأفق، ويُحتمل كونها أصعب المعارك المقبلة أمام "كارتر", تتعلق بالزيادات الهائلة في رواتب موظفي الدفاع, وعدم كفاءة النظام الداخلي. ويؤثر تراجع ميزانية الدفاع على تفاقم عدم كفاءة القدرات العسكرية ومدى جاهزية الجيش.

وفي هذا الصدد, يطرح باحثو مركز الأمن الامريكي الجديد Michèle Flournoy, Katherine Kidder and Phillip Carter،  عدداً من القضايا الأساسية التى يجب على وزير الدفاع أخذها فى الحسبان، ومن أبرزها:

1 ـ إصلاح نظام المكافآت والأجور: إذ يتعين على "كارتر" إصلاح نظام الأجور والمكافآت والمعاشات العسكرية, بحيث لا يضمن فحسب توفير النفقات, ولكن كذلك إعادة النقاش حول استدامة وتقوية "قوة المتطوعين" في الخدمة العسكرية.

2 ـ إعادة الهيكلة: ينبغي على "كارتر" معالجة النفقات الزائدة الناتجة عن أعداد الموظفين المتضخمة في المقار الرئيسية للبنتاجون, وإعادة تشكيل القوى العاملة المدنية به. وبالتالي, لابد لوزير الدفاع التفاوض مع الكونجرس لمنحه السلطة اللازمة لذلك. كذلك ينبغي عليه تحقيق التوازن بين القوات الفعلية والإحتياطية للجيش، للحفاظ على قدرات الجيش والاستفادة من مواطن القوة لدى كلايهما.

3 ـ تعديل وإغلاق بعض القواعد العسكرية: يُعتبر ذلك إحدى المعارك الدائمة بين الكونجرس والبنتاجون, إذ يمكن أن ينتج عن إغلاق بعض القواعد الأمريكية توفير نفقات كبيرة. ويُتوقع توفير ما يقرب من 2 مليار دولار من النفقات العسكرية, إذا تم تسريح أكثر من 5% من البنى التحتية الزائدة للقواعد العسكرية. ويُقدر حالياً أن ثمة 20% زيادة في البنية التحتية. ويحتاج "كارتر" إلى الدفع بحجة مقنعة للكونجرس من أجل التوصل إلى اتفاق حول إغلاق أو تعديل بعض القواعد العسكرية.

الشرق الأوسط.. تحدي داعش وإيراني

فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط, يرى كل من Ilan Goldenberg &  Nicholas A. Heras - الباحثان في مركز الأمن الأمريكي الجديد، أن تركيز وزير الدفاع "كارتر" ينبغي أن ينصرف نحو تحديين أساسيين في المنطقة: أولهما, تقديم المشورة للرئيس "أوباما" بشأن العمليات العسكرية الحالية ضد تنظيم "داعش". وثانيهما يتمثل في إدارة المفاوضات النووية مع إيران, والتي ستتطلب مشاركة نشطة للبنتاجون لطمأنة الشركاء الإقليميين, ولردع التصرفات النووية المضادة للمصالح الأمريكية.

1- داعش.. التحدي الآني:

مع احتمالية استمرار الحملة الدولية بقيادة الولايات المتحدة ضد "داعش" لسنوات, سيكون على "كارتر" تقييم أي إستراتيجية بالعراق وسوريا، نظراً للديناميكية السياسية والتوترات الطائفية الكامنة. وأياً كانت الاستراتيجية المتبعة, فإنها من المرجح أن تستلزم المساعدة على المدى الطويل للقوات الأمريكية من قِبل الشركاء الإقليميين.

كما ينبغى التركيز على تدمير قدرات "داعش" الهجومية، وتعزيز قدرات الأمن العراقية والبيشمركة الكردية. وسيكون التحدي الأعظم في سوريا, حيث تقوم الاستراتيجية الأمريكية الحالية على تدريب قوات جديدة من المتمردين العلمانيين ضد "داعش". وعلى "كارتر" أيضاً تقييم وإسداء المشورة للرئيس الأمريكى بشأن تلك الاستراتيجية, خاصةً أن هؤلاء المتمردين هم حليف ضعيف مقارنةً بميليشيات الجماعات السلفية.

2- إيران.. المباراة الأطول

على صعيد التحدي ذات الصلة بإيران, فإن الإستراتيجية الأمريكية ستتحدد بناءً على ما سيحدث خلال الأشهر القادمة. وفي حالة التوصل لاتفاق بشأن المفاوضات النووية بين الدول الست الكبرى وطهران, فإن على البنتاجون طمأنة دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل بأن مثل هذا الاتفاق النووى لا يعني تسليم المنطقة لإيران.

وحذر الكاتبان من أن الفشل في طمأنة حلفاء واشنطن في المنطقة من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التنافس مع إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن, مما يتسبب في الفوضى, وربما يهدد الاتفاق النووي ذاته.

وفي حالة انهيار المفاوضات, سيستمر الجيش الأمريكي في لعب دوره لردع السلوك الإيراني بالمنطقة. وبموجب هذا السيناريو, قد يطلب الرئيس "أوباما" من "كارتر" خيارات إضافية لزيادة الضغط العسكري والاقتصادي على طهران, في محاولة لإجبارها على العودة إلى طاولة المفاوضات.

آسيا.. ضمان إعادة التوازن

اهتم عدد من الباحثين في مركز الأمن الأمريكي الجديد، وهم Patrick Cronin, Van Jackson and Alexander Sullivan، بلفت انتباه وزير الدفاع الجديد إلى ضرورة التأكد من أن إعادة التوازن الأمريكي في منطقة آسيا والمحيط الهادي، أصبح حقيقة لا جدال فيها، وذلك من خلال ما يلي:

1 ـ الاستعداد وتأمين الردع: فلا يوجد فاعل أكثر قدرة على خلق الصراع في هذه المنطقة من كوريا الشمالية, إذ أصبح التهديد النووي والصاروخي في هذا البلد خطراً أكثر فتكاً. وبالرغم من أن حجم وشكل الترسانة النووية في كوريا الشمالية غير واضحة, فإن الدلائل والمؤشرات تُوحي بأنها تتجه نحو إقامة قدرات نووية قادرة على البقاء, الأمر الذى يُمثل مشكلة استراتيجية.

وبالتالي, فإن "أشتون كارتر" هو المسؤول عن وضع خطط للطوارئ العسكرية, وعليه التأكد من أن البنتاجون مُستعد لاحتمالية القيام بحملات عسكرية محدودة في شبه الجزيرة الكورية في حال فشل الحل الدبلوماسي للبرنامج النووي لكوريا الشمالية.

2 ـ تعبئة جيوش الشركاء: فالحكومات الآسيوية تُضاعف جهودها لتحديث جيوشها بوتيرة تفوق أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة. ومن أجل الاستفادة من اتجاه التحديث العسكري بشكل إيجابى, يجب على "كارتر" اتباع استراتيجية التعاون الأمني مع شركائه فى المنطقة. كما يمكن للولايات المتحدة مساعدة الحلفاء – سواء التقليدين مثل استراليا واليابان والفلبين أو الشركاء الناشئين مثل إندونيسيا والهند وفيتنام وماليزيا - على توجيه المنطقة نحو استراتيجية دفاعية أكثر منها هجومية، من خلال تسهيل استثمار الحلفاء في الغواصات القتالية, والصواريخ البرية المضادة للسفن، وأجهزة المراقبة البحرية.

3 ـ تخفيض نقاط الاحتكاك مع الصين: هناك مهمتان لوزير الدفاع الجديد يمكن أن تساعدا على إزالة بؤر التوتر المحتملة مع الصين، أولهما: مواصلة إضفاء الطابع المؤسسي للمستوى العملياتي بين الجيشين الصيني والأمريكي، إلى مستوى العمليات العسكرية المشتركة في البحر والجو، لبناء الثقة بين الجانبين. وثانياً, يمكن لكارتر تعزيز الشفافية في المناطق البحرية المتنازع عليها، من خلال بناء خارطة طريق للعلميات الإقليمية المشتركة.

أوروبا.. تحديات متنوعة الاتجاهات

يتوقع كل من Julianne Smith & Jacob Stokes – الباحثان في مركز الأمن الأمريكي الجديد – أن يجد وزير الدفاع الأمريكي نفسه مشاركاً في القضايا الأمنية عبر الأطلسي, حيث تواجه أوروبا تحديات من كل الاتجاهات.

ومن بين تلك التحديات، يظهر ضم روسيا لشبه جزيرة القرم, والعلمليات العسكرية الدائرة في أوكرانيا. وبالنظر جنوباً, يهدد انهيار الوضع في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الاستقرار في جنوب أوروبا, مع تدفقات اللاجئين والمقاتلين الأجانب. وإلى الغرب الأوروبي, يواجه حلفاء "الناتو" أنفسهم تحديات داخلية متعلقة بمواجهة اتجاه تقليص حجم جيوشهم, وبناء توافق حول استراتيجيات المستقبل داخل الحلف.

ويرى الكاتبان أن مواجهة تلك التحديات يتطلب انخراطاً مطرداً مع الشركاء الأوروبيين, مع التأكيد على الالتزام الثابت للجيش الأمريكي تجاه الأمن الأوروبي. وسيكون "كارتر" بحاجة إلى إيجاد سُبل لتعزيز الردع ضد روسيا, وتعزيز الطمأنينة لأوروبا الوسطى والشرقية، مع ضمان عدم قيام موسكو بإجراء حملة ناجحة ضد قواعد "الناتو", وهي الأولوية الأهم للأمن الأوروبي. كما يتعين على "كارتر" معالجة أزمة الإنفاق العسكري الأوروبي؛ فمن أجل ضمان بقاء حلف الناتو, على الحلفاء زيادة الإنفاق العسكري وبشكل أكثر ذكاءً.

* عرض مُوجز لدراسة نشرت تحت عنوان: "أفكار للتنفيذ.. مقترحات لوزير الدفاع الأمريكي الخامس والعشرين", المنشورة في فبراير 2015، عن مركز الأمن الأمريكى الجديد.

المصدر:

Shawn Brimley, Phillip Carter and others, Ideas to Action: suggestions for the 25th secretary of Defense (Washington, Center for a New American Security, February 2015).