أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ثلاثة مداخل:

مرتكزات جديدة للعلاقات الأمريكية ـ المصرية

24 فبراير، 2015


إعداد: باسم راشد

شهدت العلاقات المصرية - الأمريكية خلال السنوات الأربع الماضية التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011 العديد من التطورات التي أثرت على حجم واتجاه العلاقات التي كانت توصف دائماً بالاستراتيجية، إذ طغي نمط الصعود والهبوط على هذه العلاقات، تراه بين شد وجذب أو تأييد ومعارضة، أو محاولة الولايات المتحدة ممارسة ضغوط على مصر، لاسيما بعد ثورة 30 يونيو 2013.

ورغم هذا التقلب النسبي في تلك العلاقات، لكنها أبداً لم تصل لدرجة الصدام أو حتى الخلافات العميقة حول ملفات جوهرية، خصوصاً فيما يخص الشؤون الإقليمية، لأننا أمام طرفين لدى كل منهما مصالح كبرى وأساسية لدى الطرف الآخر، وأمام علاقات مؤثرة في الأمن والاستقرار الإقليمي، وهي تتغير سريعاً طبقاً لما يجري في إقليم الشرق الأوسط من تطورات.

في هذا الإطار، صدرت دراسة عن مركز التقدم الأمريكي Center for American Progress بعنوان: "مرتكزات جديدة في العلاقات المصرية ـ الأمريكية: التطلع إلى المستقبل والتعلُّم من السنوات الأربعة الماضية بعد الثورة المصرية"، تشير إلى وجود فرص قوية لتعزيز هذه العلاقات رغم ما أحاط بها من تحولات نسبية خلال المرحلة الماضية، وقد أعدها الباحثان بالمركز برايان كاتوليس Brian Katulis ومختار عوَّاد Mokhtar Awad، تسلط مزيداً من الضوء على طبيعة التحديات المتعددة التي تواجه مصر من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، وتتطرق إلى وضع عدد من المرتكزات الأساسية التي قد تسهم في تحسين العلاقات المصرية - الأمريكية خلال المرحلة المقبلة.

التحديات الأمنية والحاجة لإصلاح القطاع الأمني

يشير الكاتبان إلى أن نمو الجماعات الإرهابية المسلحة يعد أعظم التهديدات التي تواجه الدولة المصرية؛ إذ إن مصر مُحاطة بموجات من عدم الاستقرار على حدودها؛ ففي الغرب تعاني ليبيا من فوضى عدم الاستقرار الأمني مع استمرار الصراع الداخلي منذ إسقاط نظام معمر القذافي، بما يجعل الحدود الغربية لمصر أكثر خطورة عن ذي قبل.

وفي الشرق، نجد أن العنف قد تصاعد بشكل كبير في شبه جزيرة سيناء في العقد الماضي، وتزايدت خطورة الجماعات الإرهابية فيها منذ أوائل عام 2010. وتعد جماعة "أنصار بيت المقدس" هي الأخطر والأكثر فتكاً من بين الجماعات المنتشرة حالياً، وتستهدف تلك الجماعات الجهادية بالأساس قوات الأمن المصرية، وفي بعض الأحيان تشن بعض الهجمات على إسرائيل.

ومن ناحية أخرى تلعب حماس دوراً في تدعيم عدم الاستقرار في الإقليم لتهريب الأسلحة والمحاربين، بما دفع مصر- طبقاً لحديث بعض المسؤولين الأمنيين المصريين - لعمل منطقة عازلة عند معبر رفح، ثم هدم الأنفاق وإعادة تسكين العائلات التي كانت تعيش هناك.

ولم يقتصر النشاط الإرهابي المنتشر في مصر على الحدود فقط، بل إنه اقترب من المناطق المأهولة بالسكان؛ إذ برزت بعض العمليات الإرهابية في الآونة الأخيرة، والتي تستهدف بالأساس رجال الشرطة من قبيل حرق سيارات الأمن، وقطع الطرق، وتدمير أبراج الكهرباء، وزرع القنابل المفخخة في مناطق متفرقة. وتعد "حركة المقاومة الشعبية" و"أجناد مصر" من أكثر الجماعات التي تقوم بتلك العمليات.

وترى الدراسة أن تنامي تلك الجماعات يتطلب قدرات واستراتيجيات مختلفة من جانب قطاع الخدمات الأمنية في مصر من ناحية، ويحتاج إلى تطوير السلاح الذي تُواجَه به التهديدات الإرهابية من ناحية أخرى، بالإضافة إلى ضرورة عمل إصلاحات مستدامة في المؤسسات الأمنية بما يخدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في مصر.

التعددية والحرية شرطان لتحقيق الاستقرار السياسي

يؤكد الكاتبان على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يُعد في الوقت الحالي الرجل الأقوى في العملية السياسية، لأنه مدعوم من غالبية المصريين الذي يعتبرونه الوحيد القادر على قيادة مصر بعد عزل محمد مرسي. وحتى يتم تشكيل البرلمان الجديد خلال الربيع الحالي، يتمتع السيسي بالقوة والصلاحية الكاملة في ممارسة السلطات التنفيذية والتشريعية.

وبرغم ما تمثله الانتخابات البرلمانية القادمة من أهمية نظراً لكونها الخطوة الأخيرة في خارطة الطريق التي تم إقرارها بعد عزل مرسي في 2013، بيد أن الاستعدادات الخاصة بها ماتزال تعاني من بعض التوتر خاصةً في ضوء الجدل حول قانون تقسيم الدوائر، وكذلك في ظل ضعف الأحزاب السياسية الحالية وهشاشة برامجها؛ بما يجعل التحالفات التي يتم التفاوض بشأنها حالياً بين تلك الأحزاب تعتمد على العلاقات بين قادتها أكثر من اعتمادها على البرامج السياسية القوية.

لذا يشير الكاتبان إلى أن الدرس المستفاد في السنوات الأربعة الماضية هو أن الحريات السياسية مهمة بقدر أهمية تنفيذ خارطة الطريق، ومن ثم فإن تعزيز الحريات والحقوق، إلى جانب التعددية الحقيقية في العملية السياسية، هو السبيل لتحقيق الاستقرار السياسي المنشود.

مواجهة التحديات الاقتصادية

اتخذت الحكومة المصرية الحالية عدداً من الخطوات لمواجهة عجز الموازنة؛ إذ فرضت ضرائب على أرباح رأس المال، وعلى دخل الأفراد والشركات الذي يتم تحصيله في الخارج، وأدخلت بعض التعديلات على نظام الضرائب العقارية.

ومن ناحية أخرى، تم البدء في عدد من المشاريع الاقتصادية الرئيسية، والتي كان قد أعلن عنها الرئيس السيسي أثناء حملته الانتخابية مثل مشروع قناة السويس الجديدة وشبكة الطرق الوطنية لإصلاح الطرق الحالية، إلى جانب الدعم الذي حصلت عليه الحكومة المصرية من دول الخليج خصوصاً السعودية والإمارات اللذان قدما لمصر ما يقرب من 20 مليار دولار للمساعدة في أزمات الطاقة وسد عجز الموازنة وغيرها.

بيد أن كل تلك الخطوات لم تساعد في تحسين الحالة الاقتصادية بالشكل المطلوب، وهو ما يتطلب عملية إصلاح اقتصادي شاملة من أجل تحقيق نمو اقتصادي وخلق وظائف تستوعب الأعداد الضخمة من السكان الذين أغلبهم من الشباب.

ويشير الكاتبان إلى أن المؤتمر الاقتصادي المقرر عقده في شهر مارس المقبل، يمثل فرصة لتنظيم الدعم الدولي لبرامج الإصلاح الاقتصادي المصرية، لكن هذا الأمر يتطلب - لكي ينجح - إرادة سياسية مستدامة من جانب قادة مصر، خاصةً أن ثمة ارتباط دائم بين التقدم السياسي وبين النمو الاقتصادي، ما يعني أنه إذا كانت هناك فرصة للإصلاح الاقتصادي، فلابد أن تتزامن مع عملية التقدم السياسي.

ثلاثة مرتكزات رئيسية

يؤكد الكاتبان أن قادة الولايات المتحدة ومصر يجب أن يعملا على تنسيق الجهودة المشتركة لبناء أساس مستدام للعلاقات الثنائية فيما بينهما لمواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين، وأن يتعلما من دروس السنوات الأربع الماضية من أجل بناء إطار عام مركزي يحافظ على السلام مع إسرائيل، ويوسِّع طبيعة العلاقات الثنائية بينهما.

وترتهن تقوية تلك العلاقات – من وجهة نظر الدراسة- باتخاذ الحكومة المصرية خطوات إصلاحية جادة فيما يتعلق بالحريات، وبارتكاز الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع مصر على جودة الحياة السياسية كمعايير لقياس تقدم مصر في مرحلتها الانتقالية وبعدها، وليس التركيز على الإجراءات والعموميات مثل إجراء الانتخابات بصرف النظر عما تفرزه من تقدم للحياة السياسية.

وفي هذا الصدد، يقدم الكاتبان ثلاثة مرتكزات رئيسية في العلاقات المصرية - الأمريكية الجديدة، وتتمثل في الآتي:

1- تحديث شامل لقطاع الأمن لمواجهة التحديات الجديدة: إذ يجب مراجعة برنامج واشنطن للتمويل العسكري الأجنبي مع مصر والذي أصبح متأخراً، خاصةً أن تنظيم "داعش" يعمل في الوقت الحالي داخل مصر؛ ومن ثم يتعين تزويد الحكومة المصرية بأنظمة تسليح جديدة قادرة على مواجهة الجماعات الإرهابية التي تستخدم أسلحة متطورة، بالإضافة إلى مدها بنظم استخبارات ومراقبة واستطلاع قوية، وأنظمة مراقبة الحدود.

وفى سياق متصل، يجب أن تلعب الولايات المتحدة دوراً محورياً في تحديث قدرات وإمكانيات القطاع الأمني في مصر، ليس فقط من حيث إمداده بالسلاح المناسب لمواجهة التهديدات المختلفة، بل أيضاً بالتدريب والتعاون المشترك بين الطرفين.

ومن ناحية أخرى، وفي إطار تعزيز العلاقات الثنائية، يمكن تشكيل لجنة مشتركة بين مصر والولايات المتحدة لتحليل التهديدات الإرهابية بشكل أكثر فعَّالية للوقوف على الأسباب الجذرية لانتشار التطرف داخل مصر، ولضمان عدم تحولها لأن تصبح ساحة للتمدد "الداعشي" في المستقبل، بما يؤثر على المصالح الأمريكية في المنطقة.

2- تأسيس حوار استراتيجي مفتوح حول التعددية والإصلاح السياسي: يمكن لذلك الأمر أن يبدأ بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، بحيث تتم مناقشة كافة تلك الأمور بطريقة لا تؤدي إلى مزيد من الخلاف الدبلوماسي أو فقدان الثقة بين الحكومتين؛ إذ إن البدء في عملية إصلاح سياسي في مصر واحترام الحقوق الأساسية للمواطنين من شأنه أن يساهم في تقوية العلاقات بين البلدين، مع العمل في نفس الوقت على توسيع التواصل بين المواطنين من خلال بعض المؤسسات مثل الجامعات والمؤسسات البحثية والمنظمات غير الحكومية ومجموعات المجتمع المدني، وعمل القادة المصريين على تغيير الصورة الذهنية لدى المواطنين عن الولايات المتحدة وما يتهمها به البعض بأنها تسعى لزعزعة الاستقرار في مصر.

3- توسيع وتنظيم الدعم الدولي متعدد الأطراف للإصلاح الاقتصادي في مصر: إذ يجب أن تسعى القاهرة لأن تصبح محركاً للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل الجديدة واجتذاب الاستثمار الخارجي، وهو ما سيتم من خلال ربطها بالاقتصاد العالمي. ولذلك يمكن أن ترتكز الشراكة المصرية - الأمريكية الجديدة على التجارة والاستثمار وآليات ربط مصر بالعالم الخارجي في الشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة.

وهكذا، يشير الكاتبان إلى أن مصر لن تصبح قادرة على خلق وظائف للأجيال الجديدة إلا عن طريق فتح أسواقها لتكامل أكبر مع الاقتصاد العالمي، وهذا لن يحدث بسهولة في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، بما يستدعي واشنطن للقيام بدورها في مساعدة مصر لتحقيق هذا الانتقال، وهو ما يتطلب بدوره إعادة النظر بشكل قوي في برامج المساعدة الحالية وتركيزها على ربط مصر بالاقتصاد العالمي.

*عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "مرتكزات جديدة في العلاقات المصرية ـ الأمريكية: التطلع إلى المستقبل والتعلُّم من السنوات الأربعة الماضية بعد الثورة المصرية"، المنشورة في يناير 2015 عن مركز التقدم الأمريكي، وهو مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة.

المصدر:                            

Brian katulis and Mokhtar Awad, New Anchors for U.S.-Egypt Relations: Looking to the Future and Learning from the past 4 years After Egypt’s Revolution, (Washington, Center for American Progress, January 2015(.