أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مناورة سياسية:

أبعاد التوجه اللبناني لترسيم الحدود مع إسرائيل

14 أكتوبر، 2020


انطلقت الجولة الأولى لترسيم الحدود البحرية الجنوبية بين لبنان وإسرائيل، في 14 أكتوبر الجاري، في مقر قيادة القوات الدولية "يونيفيل" في الناقورة. وقد تعددت الأبعاد المصاحبة لموافقة لبنان على التفاوض مع إسرائيل لترسيم الحدود بينهما، على رأسها محاولة كل من حزب الله وحركة أمل تقليص حدة الضغوط الداخلية والخارجية التي يتعرضان لها، فضلاً عن سعى بيروت إلى توجيه رسالة تفيد تبنيها سياسة النأى بالنفس عن التطورات الإقليمية، امتثالاً لشروط الدول المانحة للحصول على المساعدات المالية من أجل تعزيز قدرتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية. وقد أدى بروز ملف ترسيم الحدود إلى تجدد الخلافات بين التيار العوني وحركة أمل فيما يتعلق بالصراع على تثبيت نفوذهما داخلياً، على نحو بدا جلياً في الرسائل التي حاول الرئيس ميشال عون توجيهها من خلال اجتماعه مع وفد التفاوض بحضور وزيرة الدفاع وقائد الجيش في 13 أكتوبر الجاري وقبل يوم واحد من إجراء المفاوضات.

حسابات محدودة:

تبدي لبنان اهتماماً خاصاً بالمفاوضات التي تجري حالياً مع إسرائيل حول الحدود البحرية المتنازع عليها، والتي اختتمت جولتها الأولى وستعقد جولتها الثانية في 28 أكتوبر الجاري. ويأتي موقف كل من حزب الله وحركة أمل من المفاوضات في إطار المناورة السياسية التي يريدان من خلالها تقليص حدة الضغوط الداخلية والخارجية بسبب موقفهما الذي عرقل المبادرة الفرنسية لتشكيل حكومة جديدة برئاسة مصطفى أديب، حيث يهدف موقفهما من ترسيم الحدود بالأساس إلى تحقيق تهدئة مؤقتة مع الولايات المتحدة، وهي التي قد تسهم في دعم المبادرة الفرنسية خلال الفترة المقبلة، خاصة وأن الموقف الأمريكي كان غير متحمس لتلك المبادرة على خلفية أنها تقضي باستمرار وجود حزب الله في المشهد السياسي. 

وبعبارة أخرى، يأتي تحرك حزب الله وحركة أمل لاحتواء الإجراءات العقابية التصعيدية التي تتخذها واشنطن ضدهما، خاصة بعد قيام وزارة الخزانة الأمريكية بضم حسن خليل المعاون السياسي لـرئيس مجلس النواب نبيه بري إلى قائمة العقوبات الأمريكية في 8 سبتمبر الفائت، مما يضع علامات استفهام حول حدود التفاهمات الممكن تبنيها من قبل الطرفين. 

وقد حاول الثنائي الترويج إلى أن مبرر الموافقة على ذلك الاتفاق الإطاري يأتي لـ"ضمان المصلحة العليا للدولة"، وذلك من خلال الحفاظ على موارد الطاقة في البحر المتوسط، حيث أكد بري أنه "إذا نجح الترسيم، فهناك مجال كبير جداً، خصوصاً بالنسبة للبلوك 8 و9 الخاصين بالتنقيب النفطي بالحدود بين البلدين (يقعا ضمن منطقة النزاع مع إسرائيل)، لأن يكون ذلك أحد أسباب سداد ديون لبنان".

تنامي الخلاف:

كشف إعلان لبنان الدخول في تفاوض مع إسرائيل لترسيم الحدود بينهما عن الاتجاه نحو توظيف ذلك الملف لتحييد بعض القوى عن السياسة الخارجية للدولة، وذلك على ضوء حرب الصلاحيات والصراع على زيادة النفوذ في الداخل اللبناني، وهو الأمر الذي برز بقوة في مواقف حركة أمل والتيار العوني، حيث سعى الأخير إلى انتزاع ذلك الملف من الحركة على اعتبار أنه ملف تتبع مسئوليته للجيش ووزارة الخارجية، مما يشير إلى أن الخلاف بين الطرفين على إدارة ذلك الملف سيكون له دور مستقبلي في تأجيج التوتر بينهما.

ويأتي تحرك رئاسة الجمهورية في إطار التأكيد على انتهاء دور نبيه بري في ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، وهو الملف الذي كُلِّف به بري من قبل رؤساء الحكومات المتعاقبين منذ عام 2010 ورئيسي الجمهورية السابق ميشال سليمان، والحالي ميشال عون، وباتفاق مع معظم القوى السياسية في الداخل اللبناني، إلا أن البيان الذي أصدرته الرئاسة، في أول أكتوبر الجاري، جاء بصيغة تتضمن انتقاداً غير مباشر لبري، حيث تم الترحيب بإعلان وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن التوصل لاتفاق إطار للتفاوض دون الإشارة إلى بري، إضافة إلى التأكيد على أن حق التفاوض مكفول بموجب الدستور لرئيس الجمهورية، في رسالة إلى أن بري ليس له أى دور مطلقاً في تلك المفاوضات، وأن صلاحيات التفاوض تعود لرئاسة الجمهورية، أى أنه تم تنحيته عن ذلك الملف نهائياً.

وقد عكست "تغريدة" رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل استمرار الخلاف بين التيار وحركة أمل، حيث ذكر، في أول أكتوبر الجاري، أنه "سيتم التفاوض على الطريقة اللبنانية، وليس على الطريقة العربية أو الفارسية"، في إشارة إلى فشل نبيه بري في إدارة ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل، وفي السياق نفسه وجه باسيل اتهامات غير مباشرة لبري عندما ذكر أنه "سيتم التفاوض بصلابة ومرونة"، مما يعني رفضه نهج بري الذي استمر سنوات دون تحقيق أى تقدم، حيث لا يمثل اتفاق الإطار سوى تدشين انطلاق الجهود التفاوضية في ملف ترسيم الحدود.

ويدلل على تفاقم التوتر بين حركة أمل والعونيين، إشارة بري إلى أن "المادة (52) من الدستور هي التي تعطي الصلاحية لرئيس الجمهورية في موضوع المفاوضات والاتفاقيات الدولية؛ لكن هذا اتفاق إطار، وهو كالذي يرشد إلى الدرب الذي يجب سلوكه فقط"، بما يعني أنه يستهدف الإشارة إلى أن تحرك رئيس الجمهورية لا يقوم على سند دستوري.

ختاماً، ساهمت العديد من العوامل في موافقة لبنان على الدخول في مفاوضات لترسيم الحدود مع إسرائيل في ذلك التوقيت، على رأسها محاولات لبنان تقليص حدة الضغوط الخارجية التي ساهمت في تفاقم الأزمة الداخلية، لكنها أدت، من ناحية أخرى، إلى إنضاج الخلافات السياسية بين القوى المختلفة.