أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

التوجه للداخل:

لماذا تتمسك الهند وباكستان بالتصعيد حول كشمير؟

19 أغسطس، 2019


اكتسبت احتفالات "يوم الاستقلال" في باكستان والهند التي تم تنظيمها يومي 14 و15 أغسطس زخمًا استثنائيًّا هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة، وهو ما تجلى في اصطفاف حشود جماهيرية ضخمة في ساحات العروض العسكرية، ونشر آلاف التعليقات ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن الاصطفاف الوطني وصعود النزعات القومية بسبب التصعيد المتبادل بين الدولتين عقب قرار الحكومة الهندية إلغاء المادة 370 من الدستور التي تمنح وضعًا خاصًّا لإقليم كشمير المتنازع عليه يكفل له عدة صلاحيات تقارب الحكم الذاتي. وبدا التصعيد المتبادل بين الدولتين عقب القرار موجهًا نحو الداخل، ويستهدف تعزيز الشرعية السياسية على الرغم من تدويل القضية وعرضها على مجلس الأمن الدولي، وهو ما يتصل بتصاعد القومية وتصدر التيارات والقوى الشعبوية ومحاولات تحجيم المعارضة السياسية واسترضاء شركاء السلطة. 

إجراءات التصعيد المتبادل:

جاء قرار الحكومة الهندي بإلغاء المادة 370 من الدستور التي أسست للوضع الخاص لإقليم كشمير في 5 أغسطس 2019 لتكشف عن الاحتقان المتزايد والاستقطاب في العلاقات الهندية-الباكستانية، حيث جاء الرد الباكستاني سريعًا بإعلان طرد السفير الهندي لدى إسلام أباد، وتعليق التبادل التجاري مع نيودلهي. وتمثلت أهم إجراءات التصعيد المتبادل فيما يلي:

1- تشديد القيود الأمنية: تحسبت الهند لاحتمالات تفجر الاضطرابات في كشمير فقامت فور إصدارها قرار إلغاء الحكم الذاتي للإقليم بتكثيف الانتشار العسكري، ووضع الزعماء السياسيين بالإقليم قيد الإقامة الجبرية، وتعليق خدمات الهاتف والإنترنت، ونشر الحواجز الأمنية في الطرق الرئيسية، وقامت السلطات الأمنية باعتقال أكثر من 100 شخص من السياسيين المحليين في كشمير وفقًا لوكالة أنباء "تراست أوف إنديا"، وهو ما اعتبرته بعض التحليلات بمثابة إغلاق تام للإقليم بهدف احتواء تداعيات القرار، واعتبرت نيودلهي أن قرارها شأن داخلي لا يحق لدول الجوار التعقيب عليه.

2- تجميد العلاقات المتبادلة: أعلنت حكومة إسلام أباد، في 7 أغسطس 2019، قطع العلاقات التجارية مع نيودلهي ردًّا على إلغاء حكومة حزب بهاراتيا جاناتا للحكم الذاتي لإقليم كشمير ضمن سلسلة قرارات شملت طرد السفير الهندي بإسلام أباد، وتصعيد قضية كشمير في الأمم المتحدة ومجلس الأمن. 

وفي هذا الإطار، يأتي قرار باكستان عقب سلسلة من القرارات الهندية لتحجيم العلاقات الاقتصادية مع إسلام أباد يتمثل أهمها في رفع الرسوم الجمركية على الصادرات الباكستانية في فبراير 2019 عقب التوترات التي أعقبت الهجوم على ناقلة الجنود الهندية في كشمير، وقرار رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" وقف التبادل التجاري بصورة كاملة عبر خط السيطرة الفاصل بين الشطرين الهندي والباكستاني في كشمير في أبريل 2019 خلال الحملات الانتخابية بدعوى الحد من تجارة المخدرات وتهريب الأسلحة.

3- تكثيف التحركات الدبلوماسية: فضلت إسلام أباد في ردها على التصعيد الهندي الاعتماد على التحركات الدبلوماسية، وهو ما تم التركيز عليه في اجتماع لجنة الأمن القومي الباكستانية في 7 أغسطس 2019 بقيادة رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان". وبالإضافة لتجميد العلاقات الدبلوماسية، وطرد السفير الهندي في إسلام أباد، نجحت الضغوط الباكستانية في عرض قضية كشمير على مجلس الأمن في جلسة مغلقة عقدت في 15 أغسطس 2019، وهي الجلسة الأولى حول هذه القضية منذ عام 1965 وفقًا لبيان صادر عن الأمم المتحدة.

وتمكنت إسلام أباد من تعزيز التأييد الصيني لموقفها من قضية كشمير، وهو ما تجلى في تصريحات "تشانج جون"، المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة، عقب جلسة مشاورات مغلقة في مجلس الأمن بشأن جامو وكشمير، حيث تضمنت إشارات لرفض بكين للإجراءات الهندية، وهو ما دفع ممثل الهند لدى الأمم المتحدة "سيد أكبر الدين" لاعتبار جلسة مجلس الأمن تدخلًا في الشئون الداخلية الهندية قائلًا: "لا نحتاج إلى هيئات دولية تتدخل في شئون غيرها لمحاولة إطلاعنا على كيفية إدارة حياتنا. نحن أمة تتجاوز المليار نسمة".

4- تبادل الاتهامات بالانتهاكات الحقوقية: كرر رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" اتهاماته للهند بممارسة انتهاكات إنسانية بحق سكان الإقليم، وأشار في أكثر من مناسبة إلى وجود مخاوف من قيام الهند بعمليات تطهير عرقي ضد الجماعات المسلمة والأقليات في إقليم كشمير بعد إنهاء الحكم الذاتي للإقليم، متوعدًا بالتصعيد الدبلوماسي في مواجهة الإجراءات الهندية التي وصفها بالعنصرية، محذرًا من وقوع مجزرة أخرى بحق مسلمي كشمير مثل التي وقعت في "سربرينيتسا" في البوسنة. 

وجاء الرد الهندي خلال خطاب رئيس الوزراء "ناريندرا مودي"، في 15 أغسطس 2019، بأن الوضع الخاص لإقليم كشمير كان مؤقتًا، مؤكدًا تحرك الحكومة الهندية لتحقيق تطلعات شعب جامو وكشمير ولاداخ. مضيفًا أن الوضع الخاص للإقليم ترتب عليه حظر شراء الأجانب للأراضي وشغل وظائف القطاع العام في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وتسبب في صعود حركة انفصالية بالإقليم، بالإضافة إلى كونه وضعًا غير عادل لسيدات كشمير، لأن القانون كان ينصّ على فقدانهن حقهن في الميراث إذا تَزوَّجن أشخاصًا من خارج الإقليم، كما أسهم في انتشار الفساد والمحسوبية وانتهاك حقوق السيدات والأطفال والمجتمعات القبلية، وفقًا له.

5- التحفز العسكري الحدودي: على الرغم من تشديد باكستان على عدم لجوئها للتصعيد العسكري، وتركيزها على الإجراءات الدبلوماسية؛ إلا أن الخط الفاصل بين الدولتين قد شهد اشتباكات عسكرية متقطعة وتبادلًا لإطلاق النار على فترات متباعدة، وهو ما يرتبط بتشديد رئيس الوزراء الباكستاني في 7 أغسطس على ضرورة تحلي الجيش الباكستاني بـ"اليقظة"، ووجود تصريحات سابقة لقيادات عسكرية باكستانية بأن "جميع الخيارات ممكنة" في الرد على إجراءات الهند في كشمير.

ولا ينفصل ذلك عن تصريح قائد الجيش الباكستاني وثيق الصلة بدوائر صنع القرار الجنرال "قمر باجوا" بأن الجيش "سيذهب إلى أي مدى لمساندة شعب كشمير الذي انتُهكت حقوقه" وذلك خلال اجتماعه مع قادة أركان القوات المسلحة، مؤكدًا أن الجيش "على أهبة الاستعداد، وسيذهب إلى أي مدى لتنفيذ التزاماته في هذا الخصوص".

صعود المحفزات الداخلية:

على الرغم من تدويل قضية كشمير بعرضها على مجلس الأمن الدولي، وإعراب القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا عن قلقهم بسبب التصعيد المتبادل بين الهند وباكستان وحالة الاحتقان التي يشهدها الإقليم؛ إلا أن المحفزات الداخلية كانت الأكثر محورية في التوترات الأخيرة بين الهند وباكستان. وتمثلت أهم محفزات التصعيد فيما يلي:

1- تعزيز القومية الهندوسية: يعد قرار إلغاء الحكم الذاتي لكشمير التزامًا من جانب حزب "بهاراتيا جاناتا" ذي التوجهات القومية الشعبوية بالتعهدات التي طرحتها قياداته خلال السباق الانتخابي خاصة في إطار التوافقات مع منظمة "راشتريا سوايامسيفيك سانج" Rashtriya Swayamsevak Sangh اليمينية الهندوسية التي حشدت أصوات الهندوس لصالح الحزب في الانتخابات التشريعية مقابل حماية مصالح القومية الهندوسية في مواجهة الأقليات الأخرى، وهو ما دفع قيادات "بهاراتيا جاناتا" للمبادرة باتخاذ القرار الأخير لتعزيز التأييد الداخلي للحزب.

ويبدو أن الخطاب السياسي لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" يستهدف تأكيد التزامه بالخط العام للحركة ومبادئ "الهندوتفا" التي تقوم على إنهاء عهد تهميش واستبعاد القومية الهندوسية من دوائر صنع القرار وتأكيد الالتزام بالمبادئ الدينية وسيطرة الأغلبية على مقاليد السلطة، بالإضافة للدفاع عن العقيدة الهندوسية.

2- هيمنة "أميت شاه": يرتبط قرار إلغاء الحكم الذاتي لإقليم كشمير بالدور المركزي لوزير الداخلية الهندي "أميت شاه" (وهو رئيس حزب بهاراتيا جاناتا القومي الحاكم) في استصدار القرار الأخير، إذ يتبنى الرجل القوي داخل الحزب الحاكم توجهات معادية لباكستان، وقد مارس خلال الآونة الأخيرة ضغوطًا على دوائر صنع القرار في الهند لإنهاء الوضع الخاص لإقليم كشمير، خاصةً بعد اكتسابه مزيدًا من النفوذ بعد دوره المركزي في حسم الانتخابات التشريعية الهندية لصالح الحزب الحاكم التي أُعلنت نتائجها في مايو 2019، وتحوله إلى الرجل الأقرب لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي".

3- صعود الشعبوية السياسية: باتت التوترات المتبادلة بين الهند وباكستان أحد أهم مصادر تعزيز الشرعية السياسية عبر استعراض قدرة القيادات على اتخاذ مواقف متشددة خلال الاشتباكات المتبادلة. فعلى سبيل المثال، استغل حزب بهاراتيا جاناتا هجوم جماعة جيش محمد على حافلة تابعة للجيش الهندي في كشمير في فبراير 2019، في حشد التأييد الشعبي لصالحه خلال الانتخابات الهندية، مستعرضًا الرد العسكري الهندي الفوري على الهجوم بشن غارات جوية على معسكرات الجماعة الإرهابية في بلدة بالاكوت في إقليم خيبر بختون خوا في باكستان، وتمكن نيودلهي من استعادة الطيار الهندي الذي تمّ إسقاط طائرته في باكستان، وهو ما زاد من شعبية رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" بصورة غير مسبوقة، وجعل الانتخابات التشريعية محسومة لصالح حزب بهاراتيا جاناتا.

وفي المقابل، تمكن رئيس الوزراء الباكستاني "عمران خان" من حصد بعض النقاط السياسية خلال الأزمة سالفة الذكر عبر استعراض قدرته على تحجيم اتجاهات التصعيد الهندية، وتجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية غير محسوبة مع تأكيد قدرات الردع الخاصة بالجيش الباكستاني الذي تمكن من إسقاط مقاتلتين هنديتين من طراز "ميراج -2000" قبيل نهاية فبراير 2019.

4- تحجيم التدخلات العسكرية: يسعى رئيس الوزراء الباكستاني إلى تأكيد قدرته على التصعيد السياسي والدبلوماسي واتخاذ مواقف حازمة تجاه الإجراءات الهندية الأخيرة بهدف تحجيم تحركات الجيش الباكستاني والمخاوف لدى النخب السياسية في باكستان من قيام العسكريين بانتزاع زمام المبادرة وخروجهم عن السيطرة المدنية استغلالًا لأحداث كشمير، وهو ما دفعه للمبادرة باتخاذ الموقف التصعيدي، وطرد السفير الباكستاني لإثبات قيادته للدولة، وقدرته على الرد بقوة على الإجراءات الهندية.

ويرتبط ذلك بالتاريخ الممتد للهيمنة السياسية للعسكريين في باكستان، وحداثة عهد انتقال السلطة للمدنيين في إسلام أباد، وهو ما يرتبط باستغلال المؤسسة العسكرية الباكستانية خلال فترات طويلة من تاريخ إسلام أباد لعدم الاستقرار السياسي وصراعات النخب والتيارات السياسية في تعزيز سيطرتهم على مقاليد السلطة.

احتمالات "فقدان السيطرة": 

على الرغم من أجواء التصعيد المتبادل، إلا أن الإجراءات المتبادلة بين الهند لا تزال محكومة بقيود صناع القرار ولا تتجاوز المساحات المحظورة والخطوط الحمراء. وفي المقابل، تتمثل السيناريوهات الأسوأ في فقد الدولتين السيطرة على مسارات التصعيد نتيجة حدوث ارتدادات عنيفة غير مقصودة للإجراءات المتبادلة، وتتمثل أهم هذه السيناريوهات فيما يلي:

1- اندلاع الاشتباكات الحدودية: ويقصد بذلك اندلاع اشتباكات مسلحة بين القوات الهندية والباكستانية المنتشرة على طول خط السيطرة مما يتسبب في وقوع ضحايا من الطرفين، ويدفع رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" ونظيره الباكستاني "عمران خان" لاتخاذ قرار اللجوء للرد العسكري المباشر، مما ينذر بتفجر حرب جديدة بين الدولتين. ويرتبط ذلك بالتحفز العسكري المتبادل والانتشار الكثيف للقوات وأوامر الاستعداد والتعبئة التي تم اتخاذها خلال الأيام الماضية.

2- تفجر الإرهاب في كشمير: ينطوي هذا السيناريو على حدوث عدة تفجيرات إرهابية في الشطر الهندي من كشمير تستهدف مناطق تمركز القوات الهندية، وتسبب وقوع عدد كبير من القتلى مما يتسبب في اتخاذ رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" قرارًا بالرد عسكريًّا على باكستان، وتنفيذ عمليات عسكرية ضد موقع تمركز التنظيمات الإرهابية، وهو ما ستترتب عليه العودة للاشتباكات العسكرية التي تفجرت قبيل نهاية فبراير 2019 بعد العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة للجيش الهندي في كشمير.

3- إسقاط المقاتلات الحربية: قد تلجأ أي من الدولتين وخاصةً باكستان للرد على إجراءات التصعيد بإسقاط بعض المقاتلات الحربية وادعاء أنها قامت باختراق المجال الجوي، وتخطي خط السيطرة الفاصل بين الشطرين الهندي والباكستاني في كشمير مما يتسبب في اندلاع المواجهات العسكرية بين الدولتين. حيث ردت باكستان على الغارات الجوية الهندية على منطقة "بالاكوت" في فبراير 2019 بإسقاط مقاتلتين من طراز "ميراج-2000"، وهو ما دفع نيودلهي للرد بإسقاط مقاتلات باكستانية، بحيث أصبح تبادل إسقاط المقاتلات هو نمط التصعيد المتبادل بالتوازي مع الاشتباكات المسلحة على طول خط السيطرة. 

4- تفجر الاضطرابات الطائفية في الهند: يقصد بذلك حدوث اشتباكات على أسس طائفية في الهند وإقليم كشمير بسبب حالة الشحن الطائفي، وخاصةً من جانب القيادات القومية الشعبوية بحزب بهاراتيا جاناتا. ويرتبط ذلك بتاريخ الصدامات الطائفية الدامية في الهند، وخاصةً في بعض الولايات مثل جوجارات التي يتم توجيه اتهامات لرئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" بارتكاب انتهاكات بحق الأقليات خلال فترة رئاسته لوزراء حكومة الولاية، وتبنيه مواقف قومية متشددة داعمة للتكوينات الهندوسية خلال هذه الفترة. وينذر ذلك بتفجر الاضطرابات الأهلية في الهند والشطر الهندي من كشمير، وهو ما سيزيد من حدة الاحتقان في العلاقات بين الهند وباكستان.

ختامًا، على الرغم من تمسك الهند وباكستان بوضع قيود على التصعيد المتبادل، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء في كشمير؛ إلا أن احتمالات حدوث تصعيد غير محسوب وانزلاق لمواجهة عسكرية قد لا يكون مستبعدًا في ظل حالة الاحتقان التي يشهدها إقليم كشمير بسبب إجراءات الإغلاق الأمني والحشد الشعبي والتحفز العسكري المتبادل بين الدولتين، ووجود احتمالات حدوث عمليات إرهابية تستهدف القوات الهندية المنتشرة في الإقليم.