أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • إبراهيم الغيطاني يكتب: (النموذج النمساوي: خيارات أوروبا بعد الانقطاع الوشيك للغاز الروسي عبر أوكرانيا)

سباق الفضاء:

لماذا تمتلك الدول العربية أقمارًا صناعية؟

12 ديسمبر، 2017


أطلقت عدة دول عربية مثل الإمارات والسعودية ومصر والعراق والمغرب والجزائر، خلال السنوات الأخيرة، أقمارًا صناعية تختلف من حيث حجمها ومهامها، وفقًا لأغراض عدة تشبه السباق المحموم على الفضاء، والتي تتمثل في تحقيق الاتصال بين مناطق عديدة على الكرة الأرضية، واختراق مجالات غير تقليدية، وتعزيز القدرات الأمنية والاستخباراتية التي من شأنها تأمين الخطوط الحدودية، ومراقبة تأثير الكوارث الطبيعية على الخطط التنموية وتدبير الموارد المائية ووضع الخطط العمرانية، ومواجهة التهديدات الإرهابية ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وتفكيك شبكات التهريب، وصد الهجمات الإلكترونية والحد من تهديد الأنظمة المعلوماتية، وتحقيق نوع من الاستقلالية المعلوماتية. 

خريطة الانتشار:

تعد مصر الدولة العربية الأولى التي دخلت مجال الأقمار الصناعية في المنطقة حينما أطلقت القمر الأول "نايل سات 101" في عام 1998، ثم "نايل سات 102" في عام 2000. ويحمل القمران أكثر من 680 قناة تلفزيونية تغطي مناطق جغرافية مختلفة وهى شمال إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب أوروبا. ويتم تشغيلها بواسطة الشركة المصرية للأقمار الصناعية التي أنشئت في عام 1996.

كما أطلقت مصر "إيجيبت سات-1" كأول قمر للاستشعار عن بعد، في عام 2007، وصنع بالتعاون بين الهيئة القومية للاستشعار عن بعد وعلوم الفضاء بمصر وأحد المكاتب المتخصصة في أوكرانيا. وفي نوفمبر 2017، أعلن وزير التعليم المصري د.خالد عبدالغفار، أنه تم الاتفاق على تصنيع أول قمر مصري في عام 2019، بالتعاون مع الصين. كما أن مصر ستطلق قمرًا صناعيًا جديدًا يحمل اسم "مصر سات 2" في عام 2021.

وامتلكت دولة الإمارات أول قمر صناعي "الثريا" المرتبط بالاتصالات في عام 2000، ثم تبعه "ياه سات" في عام 2011. وأطلقت الإمارات أيضًا في عام 2009 "دبى سات-1"، وهو أول قمر للاستشعار عن بعد، عبر تمويل حكومي، وذلك للتنبؤ بمخاطر الطبيعة. وفي فبراير 2017، أطلقت "نايف -1" كأول قمر نانومتري لتطوير قدرات الدولة في مجال الاختصاصات الهندسية. كما تعتزم إطلاق قمر "خليفة سات" في 1 يناير 2018.

وأطلقت السعودية أول قمر صناعي في عام 2000، باسم "سعودي سات-1"، ثم أطلقت أقمارًا أخرى في مجال الاتصالات اللاسلكية والمجالات التجارية والتقنية، والملاحة البحرية. وفي عام 2014، تم إطلاق القمر "سعودي سات 4". وأطلق العراق، في عام 2014، قمر "دجلة سات"، وهو متعلق بالأغراض البحثية في مجال التصحر والغبار. كما تشهد الأردن المراحل النهائية لمشروع إطلاق أول قمر صناعي مصغر، على نحو ما كشفته زيارة ولى العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني إلى معهد النانو تكنولوجي في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية في 23 أكتوبر 2017، وهو ما يأتي ضمن مبادرة "مسار" التابعة لمؤسسة ولى العهد، والهادفة إلى توجيه الشباب نحو علوم الفضاء والأبحاث المتعلقة بها، وتوفير الفرص التدريبية والبحثية في مجال هندسة الأقمار الصناعية وتصميم المهمات الفضائية.  

وأطلقت المغرب قمر "زرقاء اليمامة" أو "ماروك- توبسات"، والذي يهدف إلى مراقبة الحدود وإرسال البيانات إلى الجهات الخاصة. كما أطلقت، في 8 نوفمبر 2017، القمر الصناعي "محمد السادس-أ"، حيث تعاقدت المغرب عليه من فرنسا (الشركة الفرنسية الإيطالية تاليس أيلينيا سبايس وإيرباص الفرنسية) ليقوم بأدوار عسكرية محورية مثل التجسس والاستطلاع، ويمد القطاعات العسكرية بمعلومات دقيقة على مدار الساعة، إذ ينسق القمر بين مختلف القطاعات البرية والجوية والبحرية خاصة عبر مضيق جبل طارق الذي أصبح يشكل، وفقًا لاتجاهات عديدة، هدفًا استراتيجيًا للتنظيمات الإرهابية.

وتركز الحكومة الجزائرية على تطوير القدرات في مجال تشغيل الأقمار الصناعية، حيث أطلقت الجزائر قمرها الأول "آلسات 1" في نوفمبر 2002، إذ تم تصميمه في مركز "ساري" الفضائي ببريطانيا، ضمن برنامج تعاوني مع المركز الوطني الجزائري للتقنيات الفضائية. وفي عام 2010، تم إطلاق القمر "آلسات 2" من محطة إطلاق بالهند، بهدف التقاط صور من الأرض، وإرسالها إلى محطة علوم الفضاء بالجزائر، بحيث تستخدم في بناء الطرق والسدود والمطارات. كما تقوم الجزائر بإطلاق قمر من الصين "ألكوم سات 1" بحيث تمتد تغطية القمر من الجزائر إلى دول الشمال الإفريقي الأخرى على نحو يشير إلى أنه يلبي احتياجات عسكرية واستراتيجية.

كما عرضت كوريا الشمالية مساعدة الجزائر للسير في اتجاه امتلاك قمر صناعي، حيث أشار سفير كوريا الشمالية في الجزائر، شوي هيوك شول، في مقابلة مع صحيفة "الإخبارية" الجزائرية بتاريخ 17 نوفمبر 2017 إلى "عزم حكومة بلاده مشاركة خبرتها في مجال الفضاء مع الجزائر، والعمل معها على إطلاق قمر صناعي جزائري الصنع، وذلك بعد أيام من إطلاق المغرب قمرًا صناعيًا للمراقبة والتجسس".

لعل استعراض تطور تاريخ الدول العربية في مجال الأقمار الصناعية يخالف التصور السائد في الذهن العام بأن الدول العربية تتجه إلى امتلاك أقمار صناعية بما يصب في اتجاه قطاع الاتصالات والبث التلفزيوني، إذ أن تعقيدات التهديدات التي تواجه تلك الدول جعلها تفكر بمنطق مغاير. وبوجه عام، تمثلت الدوافع الرئيسية الحاكمة لتوجه الدول العربية نحو امتلاك أقمار صناعية في سياق أكبر وهو الفضاء، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

رواد الفضاء:

1- اختراق مجالات غير تقليدية: وهو ما تعبر عنه سياسة دولة الإمارات، إذ أطلقت أكبر خطة علمية متكاملة في المنطقة العربية وهو البرنامج الوطني للفضاء الذي يهدف إلى غزو الفضاء ومحاكاة الحياة على المريخ وإطلاق أكبر منتدى لعلماء الكوكب في العالم. كما تم إطلاق مجمع تصنيع الأقمار الصناعية ضمن إطار مركز محمد بن راشد للفضاء، لتصبح الإمارات أول دولة عربية تقوم بتصنيع الأقمار الصناعية بشكل كامل، بواسطة كفاءات محلية، واستضافة الدورة الـ71 للمؤتمر الدولي للفضاء لعام 2020.

ويهدف ذلك أيضًا إلى أن تصل الإمارات كوكب المريخ في عام 2021 فيما يعرف بمشروع "مسبار الأمل" وتنشئ مستوطنة دائمة على الكوكب الأحمر بحلول عام 2117. فالإمارات تهدف إلى أن تصبح الدولة التاسعة عالميًا والأولى عربيًا في تحقيق برنامج لاستكشاف كوكب المريخ. لذا، أعلن وزير الصناعة والتجارة الروسي دينيس مانتوروف خلال افتتاح أعمال اللجنة الحكومية الإماراتية- الروسية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري في أبوظبي في 27 نوفمبر الماضي أنه "تم التوصل إلى اتفاق بين الإمارات وروسيا حول تدريب وإعداد رائد فضاء إماراتي في روسيا".

ولعل تصريح سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبى يعبر عن ذلك حيث قال: "نسعى خلال الأعوام المقبلة لأن تكون دولة الإمارات مركزًا رئيسيًا في الصناعة الفضائية عالميًا". لذا، أطلقت إمارة دبى، في 7 ديسمبر الجاري، برنامج "رواد الفضاء" لاختيار وتدريب أربعة رواد فضاء إماراتيين وإرسالهم في مهمات مختلفة إلى محطة الفضاء الدولية "آى إس إس" خلال السنوات الخمس المقبلة.

 تأمين الحدود:

2- مراقبة الحدود البرية والبحرية: على نحو ما أشارت إليه الحكومة المغربية في أحد بياناتها بأن "قرار امتلاك القمر محمد السادس أ، في نوفمبر 2017، والذي سوف يكون مدعومًا بقمر آخر في عام 2018 يدخلها في مرحلة جديدة ستمكنها من مراقبة حدودها البحرية والبرية، بما يؤدي إلى الحد من تهديدات التنظيمات الإرهابية وخاصة داعش، والحد من القرصنة البحرية التي قد تهدد التجارة الدولية". كما أن القمر الجزائري الجديد يهدف إلى مراقبة الحدود الطويلة مع المغرب وليبيا ومالي والنيجر وتشاد وتونس.

الهجرة غير النظامية:

3- محاربة الهجرة غير الشرعية: وهى أحد المحددات الحاكمة للحكومة المغربية لامتلاك قمر صناعي جديد، لا سيما أن الهجرة غير القانونية تستغلها الجماعات المتطرفة بهدف التسلل إلى الدول الأوروبية، على نحو يعكس التحالف الناشئ بين التنظيمات الإرهابية والعصابات الإجرامية. وهنا تجدر الإشارة إلى تصريح وزير الداخلية المغربي، عبدالوافي لفتيت، خلال اجتماع اللجنة الداخلية بمجلس النواب في الرباط في مايو الماضي، الذي كشف فيه عن إيقاف الأجهزة الأمنية أكثر من 35 ألف مهاجر غير قانوني، وتفكيك 61 شبكة إجرامية تنشط في مجال تهريب البشر، ليبلغ عدد الشبكات التي تم تفكيها خلال الفترة (2002-2017) نحو 3136 شبكة.

أداة التجسس:

4- الكشف عن المواقع الاستراتيجية: إذ يمكن من خلال الأقمار الصناعية تحديد المنشآت العسكرية للدول الأخرى، وهو ما فسرته اتجاهات عديدة في الجزائر بشأن إطلاق المغرب القمر الأخير "محمد السادس" حيث يعد –وفقًا لرؤية هذه الاتجاهات- أداة جديدة للتجسس على البلاد وكشف مواقعها الاستراتيجية والعسكرية في سياق التوتر القائم بين الدولتين بسبب نزاع الصحراء الغربية من جهة والتنافس على الدور الإقليمي من جهة أخرى. لذا، يحمل القمر الصناعي "ألكوم سات- 1" أهدافًا استراتيجية تتمثل في تعزيز حماية الأمن القومي الجزائري.

غضب الطبيعة:

5- الوقاية من الكوارث الطبيعية: تهدف الدول من اقتناء أقمار صناعية إلى تقدير تأثيرات الكوارث الطبيعية وخاصة الزلازل على الخطط التنموية لها، ولعل توجه عدد من الدول العربية مثل الجزائر وليبيا ومصر والإمارات والسعودية لإطلاق أقمار صناعية مختلفة يعكس، في جزء منه، تقدير الأضرار الناتجة عن الزلازل وغيرها من الكوارث التي تعبر عن غضب الطبيعة في مواجهة البشر.

التغير المناخي:

6- رصد التغيرات البيئية: تسعى الدول من خلال امتلاكها الأقمار الصناعية إلى المحافظة على البيئة. فعلى سبيل المثال، ينتج عن القمر "خليفة سات" صور فضائية لكل المناطق في الإمارات التي تستخدم في المجالات البيئية والعلمية في الدولة. كما أعلنت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنيات أنها تحضر لإطلاق "سعودي سات 5" لدعم خدمات الاستشعار عن بعد، إذ سيمد المملكة بصور دقيقة وواضحة عن حالة السحب والأمطار والغلاف الجوي.

الأمن السيبراني:

7- صد الهجمات الإلكترونية: التي تقوم التنظيمات الإرهابية بشنها وتستهدف الأنظمة المعلوماتية في بعض الدول العربية، وهو ما دفع المملكة المغربية إلى اقتناء قمر صناعي عالى الدقة لتلبية احتياج التصدي لتلك الهجمات ويكون صمام أمان للدولة.

مقاومة الاحتكار:

8- تحقيق نوع من الاستقلالية المعلوماتية: عبر وقف احتكار الأقمار الصناعية الأجنبية والاستفادة من خدمات الأقمار الوطنية. وفي هذا السياق، أكد المدير العام للوكالة الفضائية الجزائرية عزالدين أوصديق على هامش مؤتمر صحفي بمدينة وهران في 14 نوفمبر 2017 على أن "الجزائر عازمة على وقف الأقمار الصناعية الأجنبية والاستفادة من خدمات قمر جزائري من شأنه توفير خدمة الاتصالات والإنترنت أو بث القنوات الإذاعية والتلفزيونية بدقة عالية".

قطاع واعد:

خلاصة القول، إن التدخلات البشرية وحدها غير قادرة على رصد ودرء التهديدات الأمنية وبلورة الخطط التنموية والحد من تأثير الكوارث الطبيعية والمخاطر البيئية ومواجهة تدفق الجماعات الإرهابية عبر الحدود الرخوة، وحماية حقول الغاز المكتشفة حديثًا على نحو يستلزم امتلاك أقمار صناعية والتوجه نحو الفضاء باعتباره قطاعًا واعدًا، على الرغم من تعاظم التحديات التي تواجه الدول العربية لاختراق هذا المجال، والتي ترتبط بالتمويل وضعف الوعى المجتمعي وربما النخبوي، في بعض الأحيان، بأهمية القطاع وتوفير كوادر بشرية متخصصة ونقل المعرفة وتدعيم أطر التعاون المؤسسي على المستوى الإقليمي.