أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

مربكات التنمية:

اتجاهات رئيسية لفهم النظام الاقتصادي العالمي الجديد

05 نوفمبر، 2024

مربكات التنمية:

نظم مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" حلقة نقاشية، يوم 1 نوفمبر 2024، استضاف خلالها الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بأجندة التنمية المستدامة 2030، بحضور خبراء وباحثي المركز، للحديث عن الاتجاهات الرئيسية للنظام الاقتصادي الدولي الجديد. وتطرق محيي الدين إلى عدة قضايا، أبرزها التقدم المُحرز بشأن أهداف التنمية المستدامة العالمية، والبيئة الاقتصادية الدولية الراهنة وما يوجهها من تحديات بنيوية وجيوسياسية، وغيرها من القضايا الاقتصادية الأخرى، والتي أوضحها محيي الدين في النقاط التالية:

1- أربعة مستويات لفهم الظواهر الاقتصادية: إن تحليل الظواهر الاقتصادية الراهنة وفهمها بشكل أفضل وأعمق، يتطلب الارتكاز إلى أربعة مستويات متكاملة للتحليل، هي: البعد الدولي، والإقليمي، والوطني، والمحلي. وجرت العادة من قِبل الأوساط الاقتصادية، في السابق، على تناول وتحليل الظواهر الاقتصادية من المنظورين الدولي والوطني، دون التطرق إلى البعدين الآخرين. ولكن الربط بين المستويات الأربعة للتحليل، يُقدم فهماً أفضل للتحديات الاقتصادية الراهنة؛ ومن ثم وضع الحلول المناسبة لمعالجتها والتعامل معها.

2- التشاركية في صُنع القرار العالمي: ثمة أهمية لتشارك مختلف الأطراف الاقتصادية؛ الحكومة، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، وكذلك القطاع التعاوني، في تحقيق أهداف التنمية المستدامة العالمية. وإلى الآن، لا تعكس المنصات الاقتصادية الدولية المختلفة بالضرورة مصالح الأطراف الأربعة أو الأنشطة الاقتصادية المختلفة، فلا عجب أن نجد أن النقاشات الدائرة داخل بعض المنتديات الاقتصادية تعكس مصالح طرف بعينه دون باقي الأطراف؛ لذا، ثمة حاجة لإنشاء منصة اقتصادية عالمية تناقش القضايا التنموية والمُلحة في إطار تشاركي شامل.


3- فجوات أهداف التنمية المستدامة العالمية: العالم على بعد نحو خمس سنوات من عام 2030، ولا يزال يتعثر في تحقيق أهداف أجندة التنمية المستدامة العالمية. وأهدر العالم فرصاً قوية لتحقيق الأهداف الإنمائية في غضون العامين الأخيرين؛ بسبب النزاعات والصراعات الجيوسياسية، وجائحة كورونا، وما فرضته تلك التطورات من تحديات أمام الاقتصاد العالمي؛ ومع ذلك، حققت بعض الدول تقدماً في مجال أهداف التنمية المستدامة، على غرار الصين التي نجحت في إنهاء الفقر المدقع عام 2020. يُشار إلى أن تقرير "التقدم المُحرز في أهداف التنمية المستدامة 2023"، الصادر عن الأمم المتحدة؛ يذكر أن العالم لا يزال بعيداً كل البعد عن تحقيق خطة التنمية المستدامة لعام 2030، فمن بين مستهدفات التنمية المستدامة يتقدم العالم في 17% فقط منها. 

4- أزمة ثقة عالمية: هناك أزمة ثقة دولية في الوقت الراهن؛ بسبب فائض الأزمات، فالعالم يواجه الآن تحديات جمة ومركبة بما في ذلك تغير المناخ، وتهديد الأمن والسلم الدوليين، وكذلك القيود على حركة التجارة الدولية والاستثمار. وكل ذلك نجم عنه حالة من التشرذم وتفتيت الاقتصاد العالمي، وتزايد الفجوات التنموية بين الاقتصادات النامية والمتقدمة، وحتى بين الاقتصادات النامية والناشئة؛ ومن ثم يُمكن أن نُطلق على العقد الماضي "عقد مفقود آخر من التنمية المستدامة"؛ ومن ثم كل ما نتمناه أن يتجنب العالم هذه التحديات خلال العقد المقبل. 

5- تفاوت أداء الاقتصادات العالمية: اتجه المناخ الاقتصادي العالمي للأسوأ في العامين الأخيرين؛ بسبب الأحداث غير المتوقعة، مثل: الأوبئة، والصراعات الجيوسياسية كالحرب الروسية الأوكرانية وتوترات الشرق الأوسط، إلى جانب النزاعات التجارية الدولية. وكل ذلك عطّل مسار نمو الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية. وتذبذب الأداء والنمو الاقتصادي بشدة في مختلف المناطق الجغرافية، باستثناء بعض الدول المتقدمة. وفي هذا الإطار، تشهد الولايات المتحدة حالة جيدة من النمو الاقتصادي، في حين أن الاتحاد الأوروبي يعاني قدراً كبيراً من التباطؤ الاقتصادي، ومن المتوقع أن يسجل نمواً هذا العام بين 0.5% و1%. بينما الدول الآسيوية مثل الهند في أوج أدائها الاقتصادي، وفي المقابل تحاول الصين العودة لتحقيق معدلات النمو القياسية السابقة. أما اقتصادات أمريكا الجنوبية فهي تعاني هي الأخرى من أداء اقتصادي متذبذب؛ بسبب تقلبات أسعار السلع الأساسية، ولكنها تظل أفضل حالاً من الدول الإفريقية.

6- أزمة "ديون صامتة": تعاني الاقتصادات الإفريقية من أزمة "ديون صامتة"؛ ما سينعكس بالسلب على مسارات التنمية الاقتصادية بالمنطقة في العقدين المقبلين. وترجع هذه الحالة إلى أن كلاً من المدينين والدائنين ليسوا على استعداد للإفصاح عن مستوى الديون الحقيقي. وتحاول بعض الحكومات الإفريقية التكتم على مستويات الديون الحقيقية حتى وإن كانت خطرة؛ لكي تحتفظ بقدرتها على الوصول لأسواق التمويل الدولية. بينما بعض الدائنين الدوليين، ومن بينهم صناديق معاشات وصناديق استثمار دولية، يتخوف أيضاً من إظهار انكشافه على أسواق تمويل ذات مخاطر عالية.  

7- تحول مركز الثقل الاقتصادي: على الرغم من المربكات الاقتصادية المتعددة؛ فإن الوضع الاقتصادي يتطور ويتعمق بقدر كبير في آسيا، حيث إن مركز الثقل الاقتصادي العالمي يتحول من النقاط القريبة للمحيط الأطلسي إلى ناحية الصين والهند؛ بسبب التغير الديمغرافي ونمو الناتج المحلي في هاتين الدولتين. 

8- البحث عن نظام نقدي بديل: دفعت التوترات الجيوسياسية العالمية بعض الدول للبحث عن بدائل لعملة الدولار الأمريكي في تسوية المعاملات المالية والتجارية. وعلى الرغم من بعض المنافع الاقتصادية لمثل هذا التحول وما يتيحه من خيارات مالية جديدة؛ فإن الدولار يظل العملة الأكثر استقراراً وقابلية للتداول عالمياً؛ بالنظر إلى عدة مزايا تتمتع بها السوق والاقتصاد الأمريكي مثل حكم القانون، بالإضافة إلى أسواق رأس المال العميقة، فضلاً عن السيولة العالية للدولار، والقدرة على التسوية العاجلة للعملة الأمريكية. 

9- تحسين أوضاع الاقتصاد العالمي: تحتاج الدول النامية والناشئة للاستثمار بشكل متواصل من أجل تحسين رأس المال البشري، ودعم التمكين التكنولوجي والبنية التحتية، وتعزيز القدرة المؤسسية للتعامل مع الصدمات الاقتصادية. وهذه عوامل ستُحدد مسار التنمية الاقتصادية بها وفي العالم مستقبلاً. ولكن كل ذلك سيتطلب إيجاد حلول تمويلية غير تقليدية، وسط قيود الموازنة في العديد من البلدان النامية، والمزاحمة فيما بينها على الاقتراض من قنوات التمويل التقليدية.

في ختام الحلقة النقاشية، أكد د. محيي الدين أن مستقبل النظام الاقتصادي العالمي يتوقف على مدى التقدم المُحرز في عدد من المسارات، وهي: التنمية المستدامة وتمويلها، والأمن والسلم الدوليين، وتمكين الشباب، والتعليم والتمكين التكنولوجي، والحوكمة العالمية. وأضاف أن هناك بعض الإشارات الإيجابية الواضحة بشأن التنمية المستدامة والتمكين التكنولوجي، ولكن لا تزال إشارات التحسن في باقي المسارات متواضعة نسبياً؛ لذلك يمكن استعارة المقولة التي تشير إلى أن "النتائج أفضل من المتوقع، ولكن أقل من المأمول".