أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

اختبار الثقة:

تأثير الاتفاق السعودي الإيراني في تهدئة صراعات الإقليم

27 مارس، 2023


في اختراق كبير للتفاعلات الإقليمية الراهنة، تم الإعلان في بيان ثلاثي، يوم 10 مارس 2023، عن اتفاق برعاية صينية لعودة لعلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، وإعادة فتح سفارتيهما خلال مدة أقصاها شهرين، منهياً بذلك القطيعة الدبلوماسية التي أعقبت مهاجمة السفارة السعودية في إيران عام 2016. وفي خضم التنافس على المكانة والنفوذ بين الرياض وطهران، والذي انعكس على التفاعلات في عدد من الساحات الإقليمية، ولاسيما بعد أحداث الثورات العربية، يأتي هذا الاتفاق ليجعل من الأهمية بمكان التساؤل عن المسار الذي ستأخذه صراعات وأزمات المنطقة ولاسيما في دول مثل اليمن والعراق وسوريا ولبنان باعتبارها من الدول المُتدخلة فيها طهران؟ وهل يُسهم في حلحلة هذه الصراعات ومن ثم تعزيز الأمن والسلم الإقليميين؟

مسارات مُحتملة:

لطالما شكل الخلاف السعودي الإيراني عامل تصعيد فاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي في السنوات الماضية، لكن ظهرت، في الآونة الأخيرة، عدة مؤشرات على تغير في حسابات الطرفين، مفادها انتهاج الدبلوماسية وتبني لغة الحوار وتجنب التصعيد المتبادل. وهذا ما تم تأكيده في الاتفاق المُعلن يوم 10 مارس، حيث تم التعهد "باحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية"، وكذلك النص على "بذل الجهود كافة لتعزيز السلم والأمن الإقليمي والدولي"، ما يعني أن هذا الاتفاق قد يؤثر بشكل إيجابي في اتجاهات الصراعات والأزمات في عدد من دول الإقليم، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

1- حرب اليمن: تُعد الأزمة اليمنية العنوان الأبرز للصراع بين السعودية وإيران، حيث شكلت الملف الأكثر تعقيداً على طاولة المفاوضات التي أُجريت بين الجانبين خلال الأشهر الماضية. وفي ضوء الترحيب الحوثي باتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران واعتباره "خطوة إيجابية"، من المرجح أن يُسهم هذا الاتفاق في دعم الجهود الأممية والإقليمية المبذولة لإنجاز الحل السياسي في اليمن، إذا تم العمل على وقف هجمات الحوثيين وتصعيدهم العسكري، ودفع إيران لهم للجلوس على طاولة المفاوضات مع الحكومة الشرعية.

وبالتالي تأمل الشرعية اليمنية أن تُسفر عودة العلاقات السعودية الإيرانية عن توقف طهران عن تقديم الدعم للمليشيا الحوثية، وأن تضغط على الأخيرة من أجل تفعيل المسار السياسي وصولاً إلى تسوية شاملة للأزمة الحالية. وربما كان الاختبار الأول لمدى جدية الحوثيين في المُضي نحو التهدئة، هو الجولة السابعة من النقاش التي بدأت في شهر مارس الجاري مع ممثلي الحكومة اليمنية، وتحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، بخصوص إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين. إذ أعلن الجانبان، في 20 مارس الجاري، التوصل إلى صفقة لتبادل الأسرى، تشمل في هذه المرحلة إطلاق سراح نحو 887 أسيراً ومحتجزاً لديهما "706 من أسرى الحوثيين في مقابل 181 أسيراً ومحتجزاً من الشرعية"، حيث من المقرر أن يتم تنفيذ هذه الصفقة في غضون 3 أسابيع.

وعلى الرغم من التفاؤل بأن الملف اليمني قد يشهد حلحلة في الفترة المقبلة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، فإنه ما زال مشوباً بالحذر، حيث لا يمكن تجاهل وجود العديد من القضايا المُعقدة في هذا الملف، والتي قد تحتاج إلى جهود كبيرة وجدية من الحوثيين وبضغط إيراني حتى يتم التوصل إلى حلول بشأنها.

2- الأوضاع في العراق: أدى العراق دوراً كبيراً في الوساطة بين السعودية وإيران، بعد استضافة بغداد لجولات الحوار بين الجانبين. ومن ثم، يتوقع أن ينعكس الاتفاق بينهما إيجابياً على الساحة العراقية، وذلك على النحو التالي:

أ- تعزيز الاستقرار السياسي: قد يُسهم التقارب السعودي الإيراني في رأب الصدع بين القوى الشيعية والسُنية في العراق، وهو ما يعني الإسهام في حلحلة المشكلات المستفحلة منذ عام 2003.

ب- ضبط المليشيات: إن خفض التوتر مع طهران من شأنه أن يُسهم في وقف الهجمات ضد الأراضي السعودية، والتي أعلنت بعض المليشيات العراقية الموالية لإيران مسؤوليتها عنها في العامين الماضيين، فضلاً عن وقف الخطاب التحريضي للمنابر الإعلامية التابعة لها ضد المملكة. 

ج- الانخراط في آليات التعاون الإقليمي: قد يكون ذلك من خلال التعاطي الإيجابي لكل من الرياض وطهران مع التحالف الذي يضم الأردن والعراق ومصر المعروف باسم "الشام الجديد"، وزيادة التعاون بين أعضائه، بما يؤدي إلى المزيد من الدعم لأمن واستقرار العراق. 

د- دعم جهود مكافحة الإرهاب: إن تفعيل اتفاقية التعاون الأمني بين إيران والسعودية قد يُسهم في دعم جهود العراق المتواصلة لملاحقة فلول تنظيم داعش الإرهابي.

هـ- العوائد الاقتصادية: قد تعمل الرياض في الفترة المقبلة على توسيع استثماراتها في السوق العراقية، دون اعتراض مباشر من إيران أو حتى القوى العراقية الموالية لها.

وعلى الرغم من كل هذه المزايا التي قد يحققها الاتفاق السعودي الإيراني، فإنه من غير المرجح أن يؤدي إلى تقليل أو إنهاء النفوذ العسكري الإيراني في العراق، أو تخفيف طهران من قبضتها على مجريات العملية السياسية في هذا البلد.

3- العلاقات مع سوريا: رحب النظام السوري بالاتفاق بين السعودية وإيران، والذي قد يساعد على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، خاصة في ظل ما شهدته الأشهر الأخيرة من تقارب للدول العربية مع النظام السوري برئاسة بشار الأسد، والحديث المتصاعد عن الرغبة في إعادة العلاقات مع دمشق. وفي نفس الإطار، من المتوقع أن يكون لهذا الاتفاق دور إيجابي في استئناف العلاقات السعودية السورية، حيث قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في 7 مارس 2023، إن زيادة التواصل مع سوريا قد تُمهد الطريق لعودتها إلى جامعة الدول العربية مع تحسن العلاقات بعد عُزلة تجاوزت عشر سنوات. وجدد الوزير السعودي التأكيد أن الإجماع يتزايد في العالم العربي على أن عزل سوريا لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري خاصة لمعالجة الوضع الإنساني هناك. وتُعد هذه التصريحات بمثابة مؤشر على إمكانية أن تؤدي المصالحة السعودية الإيرانية إلى استئناف الرياض علاقاتها مع دمشق.

كما أكدت وزارة الخارجية السعودية، يوم 23 مارس الجاري، أن هناك محادثات مع سوريا لاستئناف الخدمات القنصلية بين البلدين، حيث أوضح مسؤول بالخارجية السعودية أنه "في إطار حرص المملكة على تسهيل تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين، فإن البحث جار بين المسؤولين في المملكة ونظرائهم في سوريا حول استئناف تقديم الخدمات القنصلية". وجاء هذا التوضيح بعد أن كشفت ثلاثة مصادر مطلعة لوكالة رويترز أن سوريا والسعودية اتفقتا على معاودة فتح سفارتيهما بعد قطع العلاقات الدبلوماسية قبل أكثر من عقد.

4- الأزمة في لبنان: على الرغم من تأكيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، أن الاتفاق السعودي الإيراني "لن يكون على حساب شعوب المنطقة"، وزعمه أن "إيران تدعم المقاومة في لبنان وفلسطين ولا تتدخل في قراراتها"؛ فإنه من المحتمل أن يُسهم هذا الاتفاق في حل أزمة الفراغ الرئاسي في لبنان، والممتدة منذ انتهاء ولاية ميشال عون في 31 أكتوبر 2022. فقد يدفع الطرفان السعودي والإيراني الفرقاء اللبنانيين نحو المصالحة السياسية، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم تشكيل حكومة تعمل على معالجة الانقسام السياسي، ووضع حد لأزمة الانهيار المالي التي تعاني منها لبنان.

مُحفزات التهدئة:

لا شك في أن تخفيف التوتر السعودي الإيراني وعودة العلاقات بين البلدين، يُسهم بشكل إيجابي في تهيئة الأجواء أمام نزع فتيل الأزمات في بعض دول المنطقة، أو على الأقل وضع حد للتصعيد فيها، وذلك في ضوء عدد من الاعتبارات التالية:

1- الرغبة المشتركة لدى الرياض وطهران في تجاوز الخلافات، والبحث عن حلول لهذه المسائل الخلافية عبر القنوات الدبلوماسية، بعيداً عن آلية الصراع التي أدت إلى طريق مسدود في التفاعلات الإقليمية بينهما.

2- سعي طهران لتحسين سمعتها الدولية، وإزالة العوائق الإقليمية أمام إعادة إحياء الاتفاق النووي، بالإضافة إلى الرغبة في التركيز على الأوضاع الداخلية المتأزمة بعد الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت مقتل الشابة مهسا أميني، على يد شرطة الأخلاق، وأيضاً الاستفادة من التعاون المحتمل مع السعودية في تحسين الأوضاع الاقتصادية المتردية تحت وطأة العقوبات الدولية. ومن هذا المنطلق، يُرجح أن تحرص طهران على ديمومة الاتفاق مع الرياض، والاستمرار في تحسين علاقاتها مع الدول العربية.

3- تبني دول الخليج مقاربة مفادها أن تحقيق مصالحها يتأتى بحلحلة القضايا والأزمات الإقليمية عبر الحوار مع الأطراف المعنية ومنها إيران، بالإضافة إلى صياغة سياسة خارجية متوازنة مع العديد من القوى الدولية، دون التركيز فقط على الحليف الأمريكي، خاصة في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وتزايد الدور الخليجي على المستوى الدولي.

4- تصاعد المساعي الإقليمية الرامية إلى التهدئة وضبط الصراعات والتوترات في الشرق الأوسط، والتي بدت ملامحها بعد اتفاق قمة العُلا في 5 يناير 2021، مروراً بالتقارب العربي مع سوريا، والحوار المصري التركي، وصولاً إلى الاتفاق السعودي الإيراني.

ختاماً، يمكن القول إن الاتفاق السعودي الإيراني يُعد خطوة إيجابية في مسار التهدئة وحل الصراعات والأزمات الإقليمية، لكن البناء عليه سيكون هو التحدي الرئيسي. ومن هذا المنطلق، فإن أي تسويات محتملة لأزمات المنطقة ستكون مرهونة بالالتزام بتنفيذ بنود هذا الاتفاق، وتعزيز العلاقات بين الرياض وطهران، إلى جانب ضمان الدعم الدولي للاتفاق، وتفادي أي تأثيرات سلبية قد تحول دون تفعيله على أرض الواقع، فضلاً عن ضبط سلوك المليشيات المسلحة والفاعلة في دول الصراعات والضغط الإيراني عليها للقبول بمبادرات الحل السياسي.