قام رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني بزيارة إلى مدينة السليمانية، في 22 مايو 2022، لحضور حفل تخرج الدفعة 16 من طلبة كلية قلاجولان العسكرية الثالثة في محافظة السليمانية، فضلاً عن إجراء مباحثات مع رؤساء وقادة الأطراف السياسية في مدينة السليمانية في مؤشر على محاولة حل الخلافات الكردية البينية.
دلالات التقارب:
مثّل الخلاف الكردي بين الحزبين الرئيسين، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني حول منصب رئيس الجمهورية أحد أبرز معوقات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ولذلك فإن الاجتماع الأخير الذي جمع رئيس حزب الاتحاد الوطني بافل طالباني مع نائب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني نجيرفان بارزاني، في السليمانية كان يبشر بإمكانية تجاوز الخلافات الكردية البينية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- تجاوز الخلاف حول الرئيس: التقى رئيس الإقليم نجيرفان بارزاني في سلسلة اجتماعات منفصلة بعدد من القيادات السياسية في السليمانية، وهم كل من رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني بافل طالباني، والأمين العام للاتحاد الإسلامي الكردستاني، صلاح الدين بهاء الدين، والقيادي في حركة التغيير عمر سيد علي، ورئيس جماعة العدالة الكردستانية علي بابير.
ويمكن النظر إلى هذه الاجتماعات على أنها بمنزلة مقدمة لاجتماعات أخرى قادمة قد تجمع بين بافل ونجيرفان لإنهاء الخلافات داخل إقليم كردستان العراق، لاسيما ملف مرشح رئاسة الجمهورية. غير أنه كان من الواضح أن هذا الاجتماع فشل في التوافق حول هذا الملف، وذلك في ظل إصرار الحزب الديمقراطي الكردستاني على تقديم ريبر أحمد كمرشح لتولي منصب رئاسة الجمهورية، بينما يتمسك الاتحاد الوطني بإعادة ترشيح الرئيس الحالي برهم صالح لولاية ثانية.
2- استيعاب الخلافية الداخلية: شهدت الفترة الأخيرة اتساع الخلاف بين الأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق حول قانون انتخابات الإقليم المزمع انعقادها في أكتوبر 2022.
وتتمثل أبرز نقاط الخلاف بين أحزاب كردستان العراق فيما إذا كان سيتم اعتبار الإقليم دائرة انتخابية واحدة، أم دوائر متعددة، وتليها مسألة كوتا الأقليات. ونتيجة للخلافات القائمة حول هاتين القضيتين، طالبت بعض القوى السياسية الكردية بتأجيل الانتخابات. وقد يكون الاجتماع الأخير بين بافل ونجيرفان قد سعى للتوصل لتفاهمات مبدئية حول هذا القانون.
3- قرب انتهاء مهلة الصدر: يدرك الديمقراطي الكردستاني قرب انقضاء المهلة التي منحها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، للمرة الثانية، لخصومه لتشكيل الحكومة الجديدة بعيداً عن التيار الصدري، وهي الجهود التي لن يكتب لها النجاح طالما ظل تحالف "إنقاذ وطن" متماسكاً، نظراً لأن لديه الأغلبية.
ولكن على الجانب الآخر، فإن معضلة تجاوز الثلث المعطل لاتزال قائمة، ويمكن أن يساهم انضمام الاتحاد الوطني الكردستاني لتحالف "إنقاذ وطن" في تجاوز هذه المشكلة جزئياً، إذ سوف يتراجع عدد المستقلين الذين سيحتاج الصدر للتوافق معهم للوصول إلى أغلبية الثلثين، والمقدرة بحوالي 220 مقعداً.
4- خلاف النفط بين أربيل وبغداد: تصاعد الخلاف بين بغداد وأربيل بشأن عقود كردستان العراق النفطية عقب قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق في 15 فبراير 2022، والذي قضى بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان، الصادر عام 2007، فضلاً عن إلزام الإقليم بتسليم الإنتاج النفطي إلى الحكومة الاتحادية.
وأثار ذلك حالة من الجدل بشأن عائدات النفط من جهة، وبشأن صحة الكميات المصدرة عبر كردستان من جهة أخرى، فضلاً عن الخلافات بين الطرفين المتعلقة بالدستور، لاسيما المادة 140 الخاصة بكركوك والمناطق المتنازع عليها.
وعلى الرغم من دخول الجانبين في مفاوضات مع بغداد لحلحة الملف، فإنها فشلت، وهو ما ترتب عليه طلب وزارة النفط العراقية، في 19 مايو الجاري، من شركات النفط والغاز العاملة في إقليم كردستان توقيع عقود جديدة مع شركة التسويق المملوكة للدولة "سومو" بدلاً من حكومة الإقليم، وهو الموقف الذي أغضب الأكراد، والذين طلبوا تدخل الأمم المتحدة.
5- طلب الوساطة الأممية: وافق مجلس الأمن الدولي، في 21 مايو 2022، على طلب قدمه رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني بإرسال مبعوث للأمم المتحدة لتنظيم تفاوض بين أربيل وبغداد لإيجاد حل جذري للقضايا العالقة ين الجانبين. كما أنه من المتوقع أن يصدر مجلس الأمن الأسبوع المقبل مشروع قرار لتجديد عمل بعثة الأمم المتحدة، ومناقشة القضية في جلسة خاصة.
ولاقت خطوة الكردستاني رفضاً من قبل عدد من الأطراف الداخلية في العراق كعصائب أهل الحق التي اعتبرت الخطوة بمنزلة تحكيم دولي لا يكون إلا بين دول مستقلة، وهو ما تم تفسيره من قبل البعض بأنه تدويل للخلافات وفتح باب التدخلات الخارجية، بما يمس بوحدة واستقلال العراق، وسعى الديمقراطي الكردستاني لاستيعاب هذه الانتقادات عبر التأكيد أن الهدف من إرسال هذا المبعوث هو الخروج باتفاق وحلول جذرية للخلافات بين الطرفين طبقاً لبنود الدستور العراقي.
تحركات إيرانية متعددة:
قامت إيران بخطوات في محاولة لتخريب التحالف القائم بين الصدر والأكراد، وذلك ارتباطاً بإخفاقها في إحداث توافق بين الصدر والتنسيقي، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- تحركات سفير طهران: عينّت إيران محمد كاظم آل صادق سفيراً جديداً لها في العراق في أبريل 2022، وذلك خلفاً لإيراج مسجدي، والذي فشل في الوساطة بين الصدر وخصومه من القوى الشيعية. ويلاحظ أن صادق كان قائداً سابقاً في الحرس الثوري الإيراني ويخضع لعقوبات أمريكية منذ أكتوبر 2020، كما عمل مستشاراً لمسجدي.
ويسعى الحرس الثوري إلى استثمار علاقة صادق القوية والقديمة مع مختلف الأطراف السياسية في العراق بحكم ولادته في النجف والعمل ضمن الطاقم الدبلوماسي الإيراني ببغداد، فضلاً عن إجادته للعربية، وذلك لتقديم مبادرة جديدة لحلحلة الخلافات بين الصدر والإطار التنسيقي، وهو ما وضح في إجرائه لقاءات واتصالات مع الجانبين.
وعلى الرغم من محاولة صادق الجديدة، فإن هناك العديد من التحديات التي تواجهها، والتي يأتي في مقدمتها تمسك الصدر وحلفائه في تحالف إنقاذ وطن بمشروع حكومة الأغلبية، بينما يتمسك التنسيقي بحكومة توافقية. كما أنه لا يتوقع أن يفكر الصدر في الحكومة التوافقية، إن اتجه للتراجع عن موقفه الرافض لها، حتى ينتظر جهود الديمقراطي الكردستاني للتوافق مع الاتحاد الوطني، بما يجعله ينضم إلى "إنقاذ وطن"، ويسهل من جهود تشكيل الحكومة العراقية.
ومن جهة أخرى، فإن هناك رفضاً شعبياً واسعاً للتدخلات الإيرانية في العراق، لاسيما أن السفير الجديد على صلة وثيقة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري.
2- تهديد الحرس الثوري أربيل: هددت الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية أمن إقليم كردستان، ويلاحظ أن الهيئة ما هي إلا واجهة للميليشيات المسلحة المرتبطة بإيران، والتي تستهدف أمن الإقليم، بسبب انضمام الديمقراطي الكردستاني لتحالف إنقاذ وطن بقيادة الصدر. وسعت إيران مؤخراً لتصعيد هذه الهجمات، عبر محاولة الربط بين ما تشهده إيران من عمليات تخريبية تنفذها إسرائيل ضد إيران، والتي كان آخرها اغتيال ضابطين في الحرس الثوري الإيراني، وبين حديث طهران عن وجود الموساد في أربيل.
ولعل ما يؤكد ذلك أن أمين عام عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، استبق بيوم واحد بيان تنسيقية المقاومة بالهجوم على أربيل، متهماً إياها باحتضان معسكرات للتدريب هدفها إحداث اضطرابات في محافظات الوسط والجنوب.
ويلاحظ أن إيران تسعى لتعزيز الخلافات بين الأكراد من جانب، وباقي مكونات إنقاذ وطن، خاصة أن أربيل كانت ترغب في أن يتبنى الصدر والحلبوسي مواقف داعمة لها في مواجهة هجمات ميليشيات إيران، كما أن هذا الملف يضاف إلى الخلاف القائم بين أربيل وبغداد حول تصدير النفط والغاز.
وفي الختام، قد يمثل الاجتماع الكردي الأخير خطوة مهمة في حلحلة الخلافات القائمة بين الأكراد، خاصة في ظل بروز خلاف بين بغداد وأربيل، مما يستدعي وحدة الصف الكردي لانتزاع تنازلات أكبر من بغداد، أو على الأقل بلورة موقف مشترك من الملفات الخلافية. وفي المقابل، فإن انضمام الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني إلى تحالف الصدر قد يساعد في حلحلة جهود تشكيل الحكومة العراقية، غير أن المشكلة الرئيسية تتمثل في محاولة إيران اللعب على التناقضات القائمة بين أربيل وبغداد لتخريب التحالف بين الصدر والأكراد، غير أن ما يحد من هذه الجهود أن الخلافات الكردية الداخلية ليست هينة، وهو ما اتضح في إخفاق الحزبين الكرديين في الاتفاق على مرشح رئيس الجمهورية، وهو ما يعني استمرار تعثر تشكيل الحكومة العراقية.